القائمة الرئيسية

الصفحات

 

اتقان العمل
كتب السيّد بلال وهبي:

حَتمِيَّة اليَوم: "مَنْ أَحْسَن عَمَلَه ضاعَفَ الله أَجْرَه".

نَستلهم هذه الحتمية من قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا"﴿40/النساء﴾.

هذه حتميّة من حتميّات الجزاء المُتَرتِّب على الأعمال، وتدُلُّ على عدل الله تعالى، حيث إنَّ لكلّ عمل جزاؤه المناسب له سواء كان كبيرا أم صغيرا وأن الله تعالى لا يظلم منه شيئاً، وعلى عظيم فضله وجوده، حيث يُضاعِفُ الله الثواب على العمل الحَسَنِ أضعافاً كثيرة، كما إنها تدُلُّ على أهمية أن يُحسِنَ العبد أعماله، وأن يتدبَّر في عواقبها قبل أن يفعلها، فإن كانت خيراً فعلها، وإن كانت شراً أحجم عنها. 

وكي تتضح لنا الحتمية التي اشتملت عليها الآية الكريمة يجب أن نبحث الأمور التالية:

[ لكلّ عمل ثقلاً ووزنا ]

أولا: إنَّ لكلِ عمل ثِقلاً ووزناً وإن كان متناهياً في الصغر كالذّرَّة، كما أن له أثراً مادياً ومعنوياً وهذا الأثر هو الذي يتجسَّد نعيماً وسعادةً، أو عذاباً وشقاءً في الدنيا والآخرة، وإنه وإن كان متناهي القِلَّة في الوزن فإنه عظيم عند الله تعالى، وأن الظُّلمَ فيه كبير.

[ عدالة الله في الجزاء على الأعمال ]

ثانياً: إنَّ الله لا يكون منه ظُلمٌ أبداً، لأن الظلمَ قبيح والله سبحانه منزه عن أي قبيح، لأنه منَزَّهٌ عن دواعي الظلم، فإن الظلم إمّا أن ينشأ من الجهل والله منزه عن الجهل، إذ الجهل نقصان والله سبحانه مُتَّصِفٌ بجميع صفات الكمال، أو ينشأ من النقص والحاجة، والله سبحانه منزَّه عنهما، فإنه واجب الوجوب والغني المطلق، أو ينشأ من العجز والضَّعف والله تعالى منَزَّه عنهما، فهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، ولا يحول بينه وبين ما يريد شيء. أو ينشأ من العَبَث، والله تعالى حكيم قد نطق الكون كله بحكمته، وعليه فإن الظلم يستحيل أن يكون منه سبحانه وتعالى.

[ معنى إحسان العمل ]

ثالثاً: إنَّ الحَسَنَة هي الفعل الذي يقبله العقل ويَستَحْسِنُه، ويحثُّ عليه الشَّرْعُ، والحَسَنات جمع حَسَنَةٍ، وهي تشمل كل ما يَحُثُّ الشَّرْعُ عليه من قول أو فعل أو حال من الأحوال، وقد يشمل خواطر الشخص كذلك، باعتبار ما تُخَلِّفه في النفس من آثار.

[ توافق العقاب مع السيئة ومضاعفة الحسنة ]

رابعاً: تُؤَكِّد الآيات الشريفة، على أنَّ العقاب على السَّيِّئة يوافقها في الحجم ويكون بمقدارها ولا يزيد عليها، قال تعالى: "جَزَاءً وِفَاقًا"﴿26/النبأ﴾ وقال تعالى: "وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا..."﴿27/يونس﴾ وهذا عَينُ العدل والإنصاف والرحمة، بينما الحَسَنَة يُضاعف الله ثوابها وأجرها، وهذا برهان فضله وجوده ولطفه، ومظهر من مظاهر رحمته الغير متناهية،  قال تعالى: "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"﴿160/الأنعام﴾. وقال تعالى: "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"﴿84/القصص﴾.

فنحن أمام صورة من التعامل ليس لها نظير، مجازاة بالعدل على الإساءة، وتفضل وزيادة في الثواب والأجر على الحسنة، فيا سبحان الله، ويا لِعظمة عدله وسعة رحمته وكثير فضله،  إنه تعالى لا يُنْقِصُ أحداً من أجر عمله و الجزاء عليه، وإن كان قَدْرَ ذَرَّة، بل يوفيه أجره كاملا غير منقوص، ولا يعاقبه بغير استحقاق للعقوبة، لأن الثواب والعقاب تابعان لتأثير الأعمال في النفس بتزكيتها أو تَدْسِيَتها، فالعمل يرفعها إلى أعلى عليين أو يهبط بها إلى أسفل سافلين، ولذلك درجات ومثاقيل مُقَدَّرة في نفسها، لا يحيط بدقائقها إلا من أحاط بكل شى‏ء علما. وتابعان لتأثيرها في الآخرة حيث يتجسَّدان نعيماً أو جحيماً.

خامساً: دَلَّتْ الآية على أنَّه تعالى لا يضاعف الحسنات أضعافاً كثيرة وحسب، بل يُؤْتي من لدنه أجراً عظيما، ولك قارئي الكريم أن تتخيَّل عظمة ذلك الأجر، على أن العظمة المُتَخَيَّلة ستقيسها بمقياسك أنت، وأنت محدود الإمكانيات، فقد تعطي على شيء أجراً وتراه عظيماً، لكنه بالنسبة إلى الله لا يساوي قَدْرَ ذَرَّةٍ. 

سادساً: إنَّ نَيلَ جميع ذلك العطاء المضاعف، وفوقه الأجر العظيم، موقوف على أن تفعل أنت الحسنات، فهي الركن الأول من أركان الحتمية، وذلك العطاء بجميع مراتبه هو الرُّكنُ الثاني، وبه تَتِمّ. 

نصيحة:

أَحسِنْ عَمَلَك، يُحسِن الله إليك، وزد في إحسانك يزدك الله من عطائه، وأكثر من فعل الحسنات تلقاها أجراً عظيما يوم تلقى الله.

السيد بلال وهبي

فجر يوم الإثنين الواقع في: 29/11/2021 الساعة (04:36)