من آداب طلب العلم
السيد عبد الحسين شرف الدين
[أي بَنيّ] إذا حضرتم لتلقّي الدرس عن أساتذتكم، أو إلقائه على تلامذتكم، أو البحث والتنقيب عن غامضة من غوامض المسائل مع قرنائكم، أو مع من هو دونكم، أو أعلى منكم فلا تكونوا في ذلك كالمستغني بما عنده، المعجب بنفسه، الطالب لعثرة يشبعها، أو هفوةٍ يشنعها، فإنّ ذلك فعل الأراذل الذين تزدري بهم الناس إذا حضروا أندية العلم، وتسقطهم من أعينها بمجرد نطقهم، ويمقتهم الله لسوء مقاصدهم، ولا يفلحون أبدأ، فجلوس هؤلاء في منازلهم أروح لأبدانهم، وأكرم لأخلاقهم، وأسلم لدينهم، وأقرب إلى رضا الخالق والمخلوق، فالتزموا - أي أفلاذ كبدي - بأحد ثلاثة أوجه:
الأول: أن تصغوا إلى من يتكلم في العلم بمجامع قلوبكم لتفقّهوا ما يقول وأنتم ساكتون سكوت الجهّال، فتنالوا ثواب النيّة من الله تعالى والثناء عليكم بعد الفضول، وتحصلوا على كرم المجالسة ومودّة مَن تجالسون.
الثاني: أن تسألوا سؤال المستفيد أو المفيد أو الناشد ضالّته، فتحصلوا على ما ذكرناه وزيادة .
الثالث: أن تراجعوا مراجعة العلماء بأن تعارضوا المخاطب بما ينقض كلامه نقضاً يحكم به الإنصاف، فإن لم يكن عندكم غير الدعوى دليلاً وتكرارها سلاحاً فأمسكوا عن الكلام، فإنكم لا تحصلون بكلامكم حينئذٍ على تعليم ولا تعلّم، بل على الغيظ لكم ولمناظركم، والعداوة التي لا يأمن العاقل منها على دينه ومجده، وكثيراً ما تؤدي هذه المناظرات إلى المضمرات - ولعلّكم تقولون هنا هذا صحيح مجرّب - وإيّاكم وسؤال المعنت، ومراجعة المكابر الذي يطلب الغلبة بغير علم، فهما خلقا سوء، ودليلان على الوقاحة والفضول، وضعف الدين والعقول، وهما من السخف والطيش بمكان.
أوصيكم بأن لا يكون غرضكم من المحاضرة والمناظرة والدرس والتدريس والكلام في مسائل العلم إلاّ الاستفادة أو الإفادة مع الإخلاص لله في هذه العبادة.
وإذا هجمت عليكم معضلة أو هجمتم على مشكلة، فاصبروا لحلّها صبر الأحرار، ولا يهولنّكم أمرها فتبلسوا، ولا تستصغروا فيها نفوسكم فتيأسوا، ولا تستخفّوا بها فيفوتكم العلم، بل أمعنوا النظر فيها، ومحّصوها بالبحث عن مكنونها، والتنقيب عن مخزونها حتى تسبروا غورها، وتقفوا على كنهها.
وإذا أُلقي عليكم سؤال، أو وقفتم على مسألة فلا تقابلوا ذلك بالمغالبة والمغاضبة، فإذا تبيّن لكم البطلان فاصدعوا ببرهان على ذلك مقبول، ولا تسرعوا إلى الردّ والقبول بغیر برهان صحيح، فتظلموا بذلك أنفسكم، وتبعدوا عن العلم والفهم.
واقبلوا على المطالب العلميّة إقبال سالم القلب عن النزاع فيها والنزوع إليها، واتّخذوا كتابي هذا دستوراً لتلقّيكم العلم أو إلقاء دروسه، ولمحاضراتكم ومناظراتكم في مسائله، ولبحثكم عن غوامضه، وورودكم على شرائعه ومناهله.
وفّقكم الله للعلم والعمل، وجعلكم من المخلصين لله في كلّ شؤونكم. والسلام .
من والدكم - ۳۰ ذي القعدة سنة ١٣٤٣
___
من كتاب لسماحة آية الله السيد عبدالحسين شرف الدين (قدّس سرّه) إلى أبنائه، موسوعة الإمام شرف الدين: ج٩ ص١٥-١٦