القائمة الرئيسية

الصفحات

 

رضا الناس غاية لا تُدرَك

هدف اليوم : أن أتجنب استرضاء الآخرين

بقلم السيد بلال وهبي

لا نبالغ إن قلنا: إنَّ رضى الناس غاية لا تُدرك، وهدف لا يتحقق. يريد الشخص بذلك لنفسه الراحة، فيخرج من ذلك بمصيبة ومناحة، ومع أن معظمنا يعلم علم اليقين أن رضا الناس غير ممكن، لكننا نُصِرُّ عليه ونسعى إلى الظفر به، ولو أدَّى ذلك إلى التَّصَنُّع والتَّكَلُّف، بل ولو أدَّى إلى أن نعطِّل عقولنا، ونُصَيِّرَ أنفسنا عبيدا للآخرين نطلب رضاهم ونستجدي ثناءهم، وقد يؤدّي بنا إلى أسوء من ذلك، فنقدم رضاهم على رضى الله تعالى، والله أحق أن نطلب رضاه، قال تعالى: "یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِیُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَحَقُّ أَن یُرۡضُوهُ إِن كَانُوا۟ مُؤۡمِنِینَ" (62 التوبة).

وحين نطلب رضا الناس بما يُسخِطُ اللهَ تكون الطامة الكبرى والمصيبة العظمى، فنخسر الدنيا ونخسر الآخرة، فلا رضى الناس نُدرِكه، ولا رض الله نفوز به، وقد رُوِيَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: " مَنْ طَلَبَ مَرْضَاةَ النَّاسِ بِمَا يُسْخِطُ اللهَ، كانَ حَامِدُهُ مِنَ النَّاسِ ذَامّاً، وَمَنْ آثَرَ طاعَةَ اللهِ بِغَضَبِ النَّاسِ كَفَاهْ اللهُ عَداوَةَ كُلِّ عَدوٍّ، وَحَسَدَ كُلِّ حاسِدٍ، وَبَغْيَ كُلِّ باغٍ، وَكانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ناصِراً وَظَهيراً". وعن الإمام أمير المؤمنين عَلِيّ (عليه السلام) أنه قال: " مَنْ طَلَبَ رِضَى مَخْلوقٍ بِسَخَطِ الخالِقِ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ المَخْلوقِ".

مما سبق نخرج بالنتائج التالية

مخاطر الحرص على استرضاء الناس

أولا: إن كان همنا استرضاء الناس فلن ندرك ذلك ولو قضينا كل عمرنا في طلبه، لأن الناس مختلفون في أفكارهم وآرائهم وأذواقهم، ومختلفون في نظرتهم إلى الكمال، ومختلفون في موقفهم العملي من الحق والباطل، فإن أرضينا بعضهم أسخطنا آخرين، وإن وافَقَنا بعضٌ اختلف معنا بعض آخر.

ثانيا: إن استرضاء الناس مُتْعِبٌ مُجهِدُ، لأنه يبقي الإنسان في حال من اللهاث الدائم وراء رضاهم وطلب الثناء منهم، ولما كان ذلك مُتَعَسِّراً فإنه يؤدّي به إلى الاحباط، فيورثه حزنا دائما، لأنه إن رضي عنه تسعٌ وتسعون بالمئة من الناس ولم يرضَ عنه واحد انشغل به ونسي التسعة والتسعين.

ثالثا: إن استرضاء الناس يؤدي بالانسان الى التخلي عن مبادئه وقيمه بل حتى عن دينه لمصلحتهم، وكم نرى ونسمع عن أشخاص تخلوا عن التزامهم الديني ليُرضوا مَن حولهم، فواحد يرتكب المنكرات، وآخر ينخرط في أعمال مشبوهة، وثالث يُؤَيِّدُ الباطل استرضاء لأصدقائه، وواحدة تخلع سَتْرها الشرعي استرضاء لزوج لا يغار، ووالد  يُسهِّلُ لولده فعل الحرام خوفا من غضبه، وتابعٌ يسكتُ عن ظلم وجَوْرِ زعيمه خوفا على مصالحه. قال تعالى مخاطبا رسوله الأكرم (ص): "وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ"(116 الأنعام). 

رابعا: إن استرضاء الناس يعني فقدان الشخص الثقة بنفسه فيدعوه ذلك الى تغليب ما يقولون وما يرون على ما يراه وإن كان الذي يراه هو الحق بعينه، وهذا هو الخسران المبين.

توصيات حول استرضاء الناس

1- دَعْ رضى الله هو الذي يحكم جميع مواقفك، فإن رضي الناس فَنِعِمَّا هي، وإن لم يرضوا فشأنهم.

2- رَوِّضُ نفسك على أن ترفض ما لا ينسجم مع دينك وقِيَمِك. فإن الاستسلام الدائم يزيد مشكلتك تعقيدا.

3- لا تجعل رضى الناس معيارا بل اجعل الحق والصواب هما المعيار، فإن الناس يُعرَفون بالحق ولا يُعرَف الحقُّ بهم.

السيد بلال وهبي

فجر يوم الإثنين الواقع في: 19/7/2021 الساعة (04:25)