نولد مع فطرة سليمة تشاركيّة هدفها التواصل الانساني.. يميل العقل منذ ولادته لتشكيل روابط صداقة مع المحيط من حوله..
إنّ وضع طفل وسط أطفال مختلفي الجنسيّات لا يمنعه من التواصل وبناء علاقات أوليّة تبدأ بالرصد مع الانتباه وتتطوّر الى الملامسة ثمّ الضحك وربما المناغاة المتبادلة...
أسُس وقاعدة شبكتنا الاجتماعيّة مبنية على نوع ونمط العلاقات الاجتماعية المختلفة التي نتشاركها كبشر تقدح استجابة عصبية داخل المخ حيث يقوم العقل الواعي بتبويب وتصنيف شدة الاستجابة أولاً حسب درجة الأهميّة (القرب الاجتماعي) وترجمتها لاحقا لردة فعل (مقدار الاهتمام بالشخص المقابل ) نتأثر ونتألم ونشعر ونتفاعل ونقف ونساند الأشخاص المقربين لنا وإنّ منبع ذلك شبكة عصبيّة معقدة تقع في المنطقة الوسطية للفص الجبهي تتشارك مناطق مختلفة في المخ منها العاطفة ومناطق الذاكرة...
ومضة كهربائية عجيبة قادرة على تفعيل شبكة عصبية معقدة جدا تتحكم بنسيج شبكتنا الاجتماعية (علاقتنا بالآخرين)...عندما نتفاعل مع الاخرين تنشط تلك الروابط العصبية ويبدأ العقل بتبويب الاشخاص داخل مجموعات.
تعتبر المواقف العاطفية الإنسانية ملهم لانجذابنا نحو الاشخاص المضحين في المجتمع لذلك نعتبرهم جزء من مجموعتنا المفضلة ونتفاعل معهم وعليه يمكن ملاحظة نشاط المنطقة الجبهية المتوسطة عند التفاعل مع مواقف شخص ضمن مجموعتنا (الدينية العرقية الحزبية العائلية ...الى اخره).
السؤال الحقيقي اذا كانت تفاعلاتنا الاجتماعية عبارة عن نشاط كهروكيميائي عصبي هل يمكن أن يتعرض هذا التفاعل لخلل فينتج عنه ضمور في نشاط التفاعل الاجتماعي فتتمزق المجموعات وتنقسم وتتبدد او تتضاد وتختلف بسبب موقف منفرد؟ ...هل يمكن أن يشترك العقل لا إراديا في تفاعل اجتماعي حسب نشاط تلك المنطقة العصبية داخل المخ ؟ هل يمكن استخدام هذه الستراتيجية كسلاح حرب لتمزيق مجتمع مثلا؟
بصراحة اجد في انبثاق ظاهرة نقاش متضاد حقيقي حسب المجموعة في المجتمع مثال علمي رائع ...شهدنا قبل فترة تصريح لشخص واحد غير حكيم ومتعجل كمثال تقريبي تم تبويبه اساءة الى رجال الشرطة لتحدث عقب هذا التصريح موجة مجتمعية أصبحت مرصودة للجميع.. نقاش وتقاذف بين عناصر مجتمع بعدد كبير جدا... موجة بدأت تنتشر في نسيج اجتماعي بشكل تلقائي وتكتسب عناصر جدد في نقاش مطول وتقاذف تهم بالتقصير لتصل الى مقارنات ارزاق ومواقف وطنية؟
تأملوا فقط الموضوع كراصد من الأعلى.. تصريح واحد فقط يؤدي الى تشكيل موجة مجتمعية بحجم كبير جدا امر مشابه لقطرة حبر واحدة تنتشر داخل قدح ماء كبير...
ما حدث هو استجابة لا واعية نتيجة تنشيط منطقة الاستجابة المجتمعية حيث نجد تفاعل رجال الشرطة كمجموعة ضد هذا التصريح وفي المقابل نجد ان المعلمين اتحدوا في مجموعة تقف بالضد...
الأعجب في هذا التضاد الاجتماعي عناصر المجتمع ذاته فقد انزلق المجتمع داخل دوامة النقاش من خارج المجموعتين نفسها والسبب العلمي ايضا تفعيل منطقة الاستجابة الاجتماعية للمجموعة في الفص الجبهي والسبب بعض عناصر المجتمع وجدت منفذا للتنفيس عن غضبها في انحدار مستوى ابنائها الطلبة والبعض الاخر يعاني من ذكريات ازدحامات مرورية خانقة بسبب سيطرات التفتيش سابقا وانهيار المستوى الامني..
انقسم العقل الجمعي للمجتمع الى مجموعتين متضادة على الرغم من أنّ سبب الاختلاف تصريح واحد.
قطعا لن تصل الأمور الى ما هو اخطر كانقسام حقيقي لكن يمكن رؤية مدى هشاشة نسيجنا الاجتماعي وسرعة اختلافنا وانقسام مواقفنا بسبب موقف شخصي منفرد واحد؟
في تلك الايام ظهر نمط عجيب من النكات المدروسة باحتراف لتنشيط تلك المنطقة العصبية ومزجها بقدح شعور الفرح منها (بالسيطرات كاموا يسئلون أكو معلم وياكم بالكية؟) و(المعلم يسئل بالصف منو أبوه شرطي لو ضابط)؟
إن ما يميز تفاعلاتنا الاجتماعية مقدار العاطفة في نسيجنا الاجتماعي نفسه كان بالإمكان تكفل الإعلام بشكل علمي ومدروس لقدح عصبي يستهدف تفعيل الشبكة الاجتماعية لتخفيف ضمور نشاط تلك الشبكة تجاه المجموعة الخصم (معلم يقدّم وردة او الكتاب المقدّس لرجل شرطة) أو (رجل شرطة يوصل ابنه الى المدرسة ويستقبله المعلم).
هنالك العديد من مشاهد الدراما المتخصصة باستهداف النسيج الاجتماعي العصبي داخل المخ لتخفيف نشاط او قدح نشاط وبالفعل تكفل بعض الاشخاص الانسانيين نشر منشورات رائعة تتحدث عن قيمة رجل الشرطة وتضحياته الحقيقية والتي لا تقدر بثمن تجاه المجتمع وبنفس الوقت نشر بعض الاخوة من رجال الشرطة منشورات مفخرة تتحدث عن اهمية ودور المعلم في صناعة المستقبل وقدسية هذه المهنة...
تبددت الموجة المجتمعية كما بدأت بسبب اعتذار صاحب التصريح نلاحظ ان ما بدأ كموقف منفرد تسبب بتشكيل موجة مجتمعية تبددت بسبب موقف منفرد ايضا؟
هنا يجب ان ننتبه الى سرعة استجابة مجتمعنا لمنطقة التفاعل الاجتماعي داخل المخ حسب المجموعة بدلاً من التفاعل الاجتماعي الأكثر تقدما وتطورا ورُقيا عندما ينشط اكبر قدر ممكن من الفص الجبهي بداخل المخ لقدح قرار متزن كوحدة صف لتشخيص المقصر فقط...
ضمور منطقة التفاعل الاجتماعي داخل المخ تجعل استجابتنا تجاه الاخرين قليلة جدا؟ تجرد حقيقي من الانسانية؟
إنّ ابتلاء مجتمع بتعدد أحزاب وفرق يمزق النسيج الاجتماعي لان عناصر الحزب الواحد تتفاعل مع عناصر الحزب فقط ولا تهتم لبقية العناصر في المجموعات الاخرى بسبب عدم تفعيل شبكة التفاعل الاجتماعي داخل المخ... غالبا ما تُستغل هذه المنطقة من المخ لقمع الثورات حيث يميل عناصر الثورة لتفريق الصف عند نشر إشاعة أنّ الجهة الداعمة للثورة المجموعة الخصم؟ يتخذ المخ فورا قرار بعدم الانتساب الى المجموعة بسبب ضعف نشاط تلك المنطقة داخل المخ ويتبدد تفاعل العناصر؟
المجتمعات العشائرية تميل الى مساندة عناصر من داخل المجموعة فقط والسبب نشاط قوي في المنطقة المتوسطة للفص الجبهي ينتج عنه قدح قرار دعم هذا العنصر حتى مع انعدام الكفاءة او القدرة المهم هو من داخل المجموعة وغالبا ما تنشط مناطق عاطفية اضافة الى المنطقة المتوسطة في الفص الجبهي لتعزيز هذا القرار بشكل لا واعي؟
إنّ ما يجعل مجتمع داخل دوامة عدم تبديل الوجوه السياسية أساسها العلمي الانتخاب حسب المجموعة بسبب تفعيل المنطقة المتوسطة في الفص الجبهي على حساب المناطق الاشد تعقيدا في المخ والتي يمكن ان تنتج قرارا اشد وعيا وحكما...
سرعة تفاعل مجتمع بتشكيل موجة مجتمعية متضادة إشارة تحذير على الرغم من وجود مثال انساني رائع جدا في مسألة تكاتف المجتمع ذاته للدفاع عن وطنه في وقت المحنة والسبب الشعور بالخطر الواحد المرصود يجعل المنطقة الوسطية في الفص الجبهي اكثر تفاعلا ونشاطا فينتج عنه وحدة صف وانتماء اكبر للمجموعة المختلفة ايضا.
إن اعادة وصل النسيج الاجتماعي تتطلب اعلاما علميا حقيقيا وهندسة دراما شديدة الاحتراف تستهدف مناطق متخصصة داخل المخ وتتعامل معها بلغتها لجعل المجتمع صلب وقوي وانساني ... ما يدعو للخطر توريث السلوك حسب المجموعة للأجيال اللّاحقة حيث يمكن لمجتمع منقسم حاليا ان يؤسس بدون علمه لمجتمع اشد انقساما وتفرقة في الاجيال اللاحقة والسبب ضمور في منطقة التفاعل الاجتماعي في الفص الجبهي نتيجة تفاعل الابناء مع مواقف الاباء السياسية والدينية والعرقية والطائفية ....
أجمل عناصر المجتمع تلك التي تمتلك نشاط كبير جدا مفعم بالانسانية في منطقة التفاعل الاجتماعي داخل المخ.
الباحث فؤاد الحر