القائمة الرئيسية

الصفحات

 

آفة الوقوف على التل

كتب السيّد بلال وهبي العاملي

هدف اليوم: أنْ لا أَقِفَ على التَّلِّ

عندما ترى ظلماً يحدث فلست مُخَيَّراً بين أن ترفضه وتواجهه وتنكره، وبين أن تسكت عنه وتتقبله، فضلا عن أن تعين الظالم وتساعد الجائر، إنك بين حالين لا ثالث لهما: إما أن تنكره وتواجهه، فيكون لك شرف المواجهة، وإما أن تسكت عنه فتكون شريكا فيه، وعليك أن تتحمل أوزاره في دنياك وآخرتك.

وعندما ترى باطلا يواجه الحقَّ، وتكون المواجهة بينهما محتدمة، ونارها مستعرة، فليس لك أن ترتقي التَّلَّ وتقول: لا شأنَ لي بما يحدث، بل عليك أن تختار بين ثلاثة مواقف لا رابع لها، فإما أن تنصر الحق فتكون من أهله، وإما أن تنصر الباطل فتكون من أهله، وإما أن تنأى بنفسك فتكون ساكتاً، والسَّاكت عن الحق شيطان، والشيطان لا يحشر مع غير الشياطين في الدنيا والآخرة، وتكون مُقَوِّيا للباطل والظلم، وإن توهمت غير ذلك، لأنَّ الباطل يقوى بطريقتين: الطريقة الأولى، هي أن يَنْضَمَّ إليه أفراد أكثر مما يَنْضَمّ إلى الحق، والطريقة الأخرى، هي أن يسحب الباطل من الحقّ جماعة ليحيدهم فلا ينصروا الحقّ، هنا لا يكون فرق بين أن يذهب الشخص ويحارب مع الباطل ضدّ الحقّ، وبين أن يكون حيادياً بين الحقّ والباطل، فإنه بذلك يحارب الحق بتضعيفه جبهته. 

[ ثقافة الجلوس على التلّ من أسوأ الثقافات ]

إِنَّ ثقافة الجلوس على التَّلِّ من أسوأ الثقافات، والشخصية التي تُفَضِّلُ ذلك هي من أسوأ الشخصيات وأكثرها سلبية، صحيح أنها لا تنصر الباطل ولكنها تخذل الحق، والحق منتصر لولا الخذلان، إن أنصار الباطل كثير في العادة، لأن الباطل سهل المَؤونَة، وقد يجلب إلى الأشخاص المنافعَ العاجِلَة، والإنسان يُحِبُّ العاجِلَةَ وَيَذَرُ الآخرة، فأما أنصار الحق فقليل على طول التاريخ، لأن كلفة الحق عالية، وتحتاج إلى نفوس عظيمة وذواتٍ أَبِيَّة، وأُنُوفٍ حَمِيَّة، تحمله وتصدَعُ به وتدافع عنه، وتلك قليل، والمؤمن بالله الحَقِّ، الله الذي لا يظلم ولا يقبل بالظلم ولا الباطل، المؤمن لا يمكنه أن يقف موقفاً حياديا من الحق والباطل، فإن ذلك يُسْقِطُ أَهَمَّ أصلٍ من أصول دينه، عَنَيْتُ به أصل التوحيد، فإن هذا الأصل قائم على البَتِّ والقَطْعِ، والصَّراحة المُطلقة، والوضوح التَّامِّ، إنه التوحيد، والتوحيد انحياز كامل وعملي نحو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، وقَطْعٌ كامل لا لبس فيه مع ما سواه من الآلهة المُتَوَهَّمَة، وهذا ما تختصره جُملةُ "لا إِلَهَ إِلا اللهُ". فكيف يكون حياد في هذا؟!

[ خياراتنا في الحياة ]

إننا نواجه في حياتنا وعلى الدوام خطين كل واحد يريد أن يجتذبنا إليه، يريد أن نقف معه ونعمل تحت رايته، خَطُّ الحَقِّ وخَطُّ الباطل، خَطُّ العدل وخَطُّ الظلم، والصراع بين الخَطَّيْنِ لم يزل مُحْتَدِماً منذ فجر التاريخ الإنساني، وسيبقى مُحْتَدِماً إلى أن تنتهي الحياة البشرية على هذه الأرض، والناس من هذا الصراع أطراف ثلاثة: منهم من ينجذب إلى الحَقِّ ويدعو إليه ويدافع عنه، ومنهم من ينجذب إلى الباطل فيحمله ويدعو إليه ويقاتل دونه، ويتبقى طَرَفٌ ثالثٌ: وهو الذي يُفَضِّلُ الحِياد ليستفيد من الحق ومن الباطل حين ينتصر هذا أو ذاك، كَي لا يضطرَّ لِتَحَمُّلِ كُلْفَةِ الموقف مع أحدهما، فيكون كما كان أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي يُصَلِّي خلف الإمام عَلِيٍّ (ع) لإيمانه بسلامة دينه وتقواه وورعه، وأنه على الحق،  ويأكل على مائدة معاوية لأنه كان يُقَدِّم له ما يشتهي من ألوان الأطعمة، ويعتزلُ القتال فرارا من الموت ويقول: الصَّلاةُ خَلْفَ عَلِيِّ أَتَمُّ، وَسِماطُ مُعاوِيَة أَدْسَمٌ، وَتَرْكُ القِتَالِ أَسْلَمُ.

[ الدين ومنطق الجلوس على التل ]

إِنَّ مَنْطِقَ الجلوس على التَّلِّ قَسَمَ ظهر الدين والأمة ولا زال يَقْسِمُهُ، وهو تَحَيُّزٌ سافر لجبهة الباطل ووقوف واضح أمام جبهة الحق، التي لا تؤمن بالحياد أبدا، فكيف إذا كان أداة تستغلها جبهة الباطل في وجه جبهة الحق؟! والذين يجلسون على التَّلِّ “ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿10 البقرة﴾.

توصيات:

1- إن الحياة الإنسانية قائمة على سُنَّة التدافع، وعليك أن تختار موقفك بدقة، فإما موقف مُشرِّفٌ، أو موقفٌ مُخزي، ولا ثالث لهما.

2- احرص أن تكون مع الحق أياً تكن نتيجته في الدنيا فإن الله سائلك عن موقفك يوم القيامة.

3- لا تتخلَّ عن الحق وتجلس على التَّلِّ، "فَمَا تَرَكَ الحَقَّ عَزيزٌ إِلاّ ذَلَّ، وَلا أَخَذَ بِهِ ذَلِيْلٌ إِلاّ عَزَّ".

السيد بلال وهبي

فجر يوم الثلاثاء الواقع في: 17/8/2021 الساعة (04:15)

سحمر