القائمة الرئيسية

الصفحات

ضرورة معالجة ظاهرة الغش في امتحانات التعليم الإلكتروني

 

الغش في الامتحانات الإلكترونية

إنّ واحدة من أبرز المشاكل التي يواجهها التعليم عبر الإنترنت (التعليم الإلكتروني) هي ظاهرة الغش وعدم الأمانة في الامتحانات، حيث برهنت تجربة التعليم عبر الانترنت التي اضطرت لها جميع الجامعات والمدارس في مختلف دول العالم وعلى مدى ما يقرب من أربع سنوات بسبب جائحة كورونا على عدم امكان الوصول الى المستوى المطلوب من النزاهة والأمانة وعدم الغش في الاختبارات الإلكترونية، فقد أشارت كثير من التقارير والاستبيانات الى تفشي ظاهرة الغش في هذه الاختبارات الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة الثقة بنظام التعليم الإلكتروني.

هذه التقارير تشير إلى مشكلة معقّدة تؤثر كثيراً على مدى مصداقيّة وقيمة التعليم الإلكتروني سواء التعليم الجامعي أو ما قبل الجامعي، الأمر الذي يؤثر بدوره على تصوّرات المجتمع بصورة عامّة للتعليم.

آلية منع الغش في الامتحانات التقليدية

في الوضع التقليدي (أي في التعليم المباشر) يمكن التحكم في عمليّة ضبط نظام الاختبارات (الامتحانات) ومنع عمليات الغش ولا سيّما في الجامعات من خلال التحكم في الدخول إلى قاعة الامتحانات باستخدام فحوصات بطاقة هويّة الطالب، كما يتمّ إجراء الاختبارات في قاعات محددّة مخصصّة ومُعدّة لهذا الغرض مع تواجد مراقبين لضمان عدم تواصل الطلبة مع بعضهم البعض داخل القاعة من أجل الغش.

وأيضا في تلك القاعات يكون لكلّ شخص مكانه الخاص به، كما أنّ الأدوات والأوراق التي يمكن لكلّ طالب إدخالها معه إلى تلك القاعة قد تمّ وصفها وتقييدها بما هو ضروريّ لإجراء الاختبار وبما يضمن عدم إدخال أدوات تساعده على الغش، وهكذا يقوم الأساتذة بإعداد الاختبار والإشراف المباشر على إجراءه ومن ثم تصحيح الأجوبة وإعلان النتائج وفق آلية بسيطة غير معقّدة من شأنها الحدّ من عمليات الغش بفاعليّة كبيرة.

ولكن مع اجتياح فيروس كوفيد-19 (كورونا) تغيّرت المعادلة كثيراً في جميع المؤسسات، وأمّا بالنسبة لمؤسسات التعليم فقد وجدت نفسها مضطرة إلى الاعتماد على التعليم عن بعد (التعليم الإلكترونيّ) بشكل كامل أو على أقل تقدير وجدت نفسها مضطرّة إلى اعتماد التعليم المدمج (التعليم الإلكتروني إلى جانب التعليم المباشر)، الأمر الذي تولّدت منه مشاكل وتحدّيات كثيرة واجهتها عملية التعليم وعلى حد سواء بالنسبة للأساتذة والطلبة.

أبرز تحديات ومشاكل التعليم الإلكتروني

كان الانتقال السريع إلى الاعتماد على التعليم الإلكتروني  بمثابة ثورة مستعجلة في قطاع التعليم، ولم يكن الطلاب ولا الأساتذة متساوين في الخبرة الكافية للتعامل مع النظام الجديد، كما أن الوصول الى الانترنت لم يكن ممكناً بشكل متساو للجميع فقد عانى كثير من الطلّاب وبعض الأساتذة أيضا من عدم تمكنهم من الوصول الى شبكة الواي فاي بالسرعة المطلوبة أو من عدم امتلاكهم أجهزة حديثة تفي بالغرض أو من الظروف القاهرة التي فرضتها المتغيرات السياسيّة والاقتصاديّة في مناطق كثيرة من العالم، لذا يمكن القول أنّ التكيّف مع نظام التعليم الإلكتروني كان بطيئاً في الوقت الذي كانت الحاجة له ملحة والانتقال له بشكل كامل كان سريعاً للغاية.

وفي كثير من الأحيان وفي مختلف بقاع العالم تمّ التحوّل من نظام الاختبارات الورقيّة المباشرة إلى نظام الاختبارات الإلكترونيّة عبر الإنترنت مع إجراء القليل من التغييرات وإعادة الهيكلة لطبيعة الاختبار لجعله يتلاءم ولو قليلاً مع الظروف المتغيّرة.

وبعد انتهاء الثلث الأوّل من عام 2020 أو قل الفصل الدراسي الأوّل بعد جائحة كورونا والانتقال الى نظام التعليم عن بعد لم يبدُ للمراقبين ومؤسسات التعليم انتشار ظاهرة الغش في الاختبارات الإلكترونيّة بشكل واضح ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ الجميع في تلك المرحلة لا يزال يتعامل بحالة من الارتباك بسبب القفزة التي حدثت في نظام التعليم، وبالفعل قد أظهرت النسبة الأكبر من الطلاب والأساتذة أنّهم قادرون على التعامل مع هذا التغيير السريع.

وبعد ذلك بدأوا يبتكرون طرقهم الخاصّة للعمل ولا سيّما في مجال أنظمة تبادل المعلومات، وفقاً لما لديهم من موارد وقابليات للتكيّف، كما أنّهم بدأوا يشكّلون مجموعات للدراسة عن بعد بل وعن قرب أيضاً أي  بدأت تظهر مجموعات دراسيّة تتأقلم مع الظرف كما بدأوا يعملون من خلال تلك المجموعات بشكل تعاوني ويعتمدون على نقاط القوّة لدى بعضهم لتكون المعلومة متاحة للجميع في آن واحد الأمر الذي سهّل عمليّة الغش.

فهذه المجموعات تمّ تأسيسها بشكل أساس لغرض استعراض مهارات التعلّم المبتكرة والقابلة للتكيّف التي تتماشى مع متطلبات النظام التعليمي ولكن بدا ذلك تسهيلاً كبيراً لعمليّة الغش وتجاوز مصداقيّة التعليم التي كانت تأخذ اعتبارها من نتائج الاختبارات النزيهة والموثوقة.

تمييز مفهوم التعاون عن مفهوم الغش

تتفاوت الثقافات فيما بينها ولكن تبقى هناك مشتركات مهمّة وكثيرة، والأمر الذي لاشكّ فيه أنّ التعاون مطلوب في جل الثقافات إن لم نقل في كلّها بينما يعدّ الغش مخالفا للنزاهة والعدالة والموثوقيّة، لذا نجد المؤسسات التعليميّة تحرص على بيان أهميّة النزاهة الأكاديمية التي تكتسب منها عملية التعليم قيمتها وموثوقيتها، ولكن لسوء الحظ يخلط بعضهم بين مفاهيم من قبيل مفهوم (التعاون) ومفهوم (الغش)، الأمر الذي يولّد إرباكاً ثقافيّا خطيراً بالنسبة لعمليّة التعليم.

ولكن يمكن تعريف (التعاون) بأنه العمل مع الآخرين والتفاعل معهم عندما تكون المهمة مهمةً جماعيّة بطبيعتها فيمكنك مساعدة الطلّاب الآخرين في التحضير والدراسة لأجل الاختبار فهذا يدخل تحت عنوان التعاون.

وأمّا الغش فهو إتاحة المعلومات للآخرين عندما يكون العمل بطبيعته فرديّا، فإن الاختبار معدّ لمعرفة المستوى العلمي للفرد لترتيب الأثر عليه بمنحه شهادة علمية تخوّله بممارسة عمله في المجتمع بشكلٍ جيّد، لذا لا يُعدّ اتاحة المعلومات في الاختبار الفردي للآخرين عملاً تعاونيًا بل هو خيانة للمجتمع لأنّه يؤدي الى منح شهادة علمية لشخص غير مؤهل وهذا يضر بالمجتمع كثيرا في المستقبل.

إنّ التعلم بشكل جماعي وتعاوني أمر مطلوب في نفسه لأنّه يؤدي الى فهم الطلّاب للمادّة العلميّة بمستوى عالٍ ولكن لا يعني ذلك أن نخلط بين هذا وبين عملية التقييم الفردي للطلاب التي يكون الغرض منها تحديد مستوياتهم ومهاراتهم.

إذاً يجب أن يكون التمييز بين مفهومي التعاون والغش أمراً واضحاً وليس منطقة رماديّة، بل هما مجالان متغايران جدا ولكّلٍ منهما مساحته الخاصة في جميع الثقافات والمجتمعات.

يجب تطوير آلية الامتحانات الإلكترونية لتجنب عمليّات الغش

في الاختبارات في التعليم الإلكتروني يصبح الخط الفاصل بين ما هو نزيه وما هو غش أكثر ضبابية يوماً بعد آخر بسبب التطور الدائم لأدوات التواصل عن بعد وقرب أيضاً الأمر الذي يسهّل عملية الغش وذلك من جهة تسهيل التواصل واتاحة المعلومة للجميع أثناء الاختبار مع أنّ هذه الاختبارات قد تمّ وضعها لتقييم المستوى الفردي للطلّاب وليس المستوى الجماعي.

إذاً يجب تطوير الاختبارات الإلكترونية بشكل يجعلها قادرة على مواجهة هذا التحدّي بتطوير أدوات وآليات يمكن من خلالها الكشف عن القدرة الفردية للطالب ولو ضمن الكشف عن القدرة الجماعية لأنّها هي الأخرى مهمة أيضا.

نحتاج إلى أنظمة وبرامج جديدة، فبدلاً من استمرار الجامعات في تحديد الأنشطة الطلابيّة من خلال اللوائح التقليديّة، ربما يحتاج المعلمون بدلاً من ذلك إلى التفكير بشكل استراتيجي للاستفادة من طاقة الطلّاب الجديدة هذه.

والشيء الذي تؤكدّه التجربة الآن هو أنّ الاختبارات الإلكترونية في مؤسسات التعليم بحاجة ماسة إلى برامج جديدة تكون فعّالة في التحقق من التطبيق الفردي أو الجماعي وتقييم وتوليف المعرفة وليس فقط الاكتفاء بمجرّد التعلّم عن ظهر قلب واستدعاء ملاحظات الدراسة.

من الواضح أنّ بيئة التعليم العالي تتطور وقد أظهر الطلّاب إبداعهم في التعاون معاً لحلّ المشكلات وتجاوز العقبات بطريقة ما اعتمادا على التطوّر التكنولوجيّ، ولكن حان الوقت الآن لإيجاد آليات وأدوات تجعل عمليّة الاختبار أكثر ذكاء أيضاً بما يتناسب مع تحديات نظام التعليم الجديد.

وأخيراً لابدّ من عدم التركيز على الطرق الكلاسيكيّة.. لابدّ من وضعها ورائنا.. نحن بحاجة إلى الاستمرار في المضيّ قُدُماً وحث الخطى للوصول إلى آلية للاختبار تتجاوز تلك العقبات.