قد نجد في بعض المخطوطات العربية لفظ "كبيكج" كما تلاحظ في الصور في آخر المقال، وهو يأتي مكتوباً بصيغ مختلفة منها:-
- كبيكج .
- يا كبيكج.
- يا كبيكج احفظ الورق.
- يا كبيكج مكررة عدة مرات.
- يا كبيكج يا حفيظ.
والسؤال الذي نريد الإجابة عنه هنا:
ماذا تعني كلمة كبيكج ؟ ولماذا تُكتب في المخطوطات ؟
"كبيكج" هو اسم لنبات له خصائص سُميّة ودوائية ويُعرف أيضاً باسم (كف السبع)، وله فوق ذلك حكاية أسطورية تسرّبت من الهند وبلاد فارس إلى الورّاقين العرب.
قد يكون كتابته في أوّل أو آخر المخطوط تحذيراً من أن سُميّة نبات كبيكج قد تنتقل إلى الفم من خلال ملامسة الأصابع للأوراق وتقليبها، لذلك وجب على القراء الذين يلحظون كلمة "كبيكج" في مقدّمة الكتاب أو المخطوط أن يأخذوا حذرهم، لأنّ الكتاب قد عُولج بنبات الكبيكج كي يحميه من حشرة الأرَضَة.
نحتاج الي بحث علمي لفحص وتحليل ورق المخطوطات التي ذكر فيها لفظ كبيكج وهل فعلا تلك الأوراق تحمل مواد سامّة ولها تأثير حتى الآن ام لا؟ (1).
وقد نشر موقع (ويكي فارسي)(2) بحثاً مهماً حول المراد من كلمة (كبيكج) خلاصته ما يلي:
إنّ من الجوانب المثيرة في المخطوطات الإسلامية وجود كلمة (كبيكج) في بعضها وهي في العادة توجد في أوّل الكتاب أو في نهايته، وأحياناً تأتي مسبوقة بياء النداء، وأحيانا تأتي على شكل دعاء لحفظ الورق.
[ يوجد ثلاث فرضيات في تفسير استخدام الورّاقين لكلمة كبيكج ]
وتوصل بعض الباحثين إلى أنّ هناك معتقدات مختلفة حول استعمال الورّاقين لهذه الكلمة الغامضة، وفي الواقع هناك ثلاث فرضيات في تفسير ذلك هي:
الفرضية الأولى: أنّها تعويذة اسطورية متوارثة لإبعاد الحشرات (ولاسيّما الأرضة) عن الورق.
الفرضية الثانية: أنها اسم لنبات سام مضاد للحشرات يعالج به الوراقون الكتاب وينبهون القارئ لئلّا يتأثر بالسم.
الفرضية الثالثة: أنّها اسم الجان الموكل بالحشرات حسب بعض الأساطير الشعبيّة.
[ الفحوصات المعملية لنبات كبيكج ]
وللتأكّد من الفرضيات السابقة تمّ إجراء دراسات وفحوصات معملية في المختبر لتصنيف المركّبات الكيميائية في نبات كبيكج لمعرفة ما إذا كانت فرضية كونه طارداً للحشرات صححة أم لا، وخلال هذه الدراسة تمّ البحث عن مجموعة المركبات الكيميائية التي يتوفر عليها هذا النبات بما يعزز فرضيّة كونه مضاداً للحشرات، وذلك من خلال تحديد المركّبات الكيميائية الموجودة فيه من خلال البحث المخبري التجريبي وتحليل النتائج، وذلك بعد دراسة أصل كلمة كبيكج ومكانتها في الطب القديم، ومن أجل تحقيق فرضية طارد الحشرات كان من الضروري تحديد المركّبات الكيميائية التي تدخل في بنية هذا النبات، والتي تمّ فحصها باستخدام تجارب الكيمياء الكلاسيكية.
[ نبات كبيكج في الدراسات القديمة ]
أوّلاً: ينتمي هذا النبات الى عائلة النباتات المعروفة باسم (حوذان الزهرة) (Ranunculaceae) وهي نباتات سامّة فعلاً، وكانت تستعمل في الطب التقليدي.
ثانياً: ورد في التراث القديم أنّ كبيكج كما هو نوع من النباتات هو نوع من الجنّ أيضاً، وهو الجنّ الموكول بالحشرات حسب بعض الأساطير الشعبية.
ثالثاً: يمكن العثور على معلومات جيدة عن نبات كبيكج عند مراجعة مصنّفات كتب الطب التراثي القديم، وتأتي معظم هذه المعلومات من ترجمة كتب جالينوس وبليني وأطباء أخرون، وتمّ توصيفه بأنّه نبات سام وتمّ استخدامه لإزالة الزوائد اللحمية والنتوءات والعيوب على الجلد الناتجة عن الحروق والثآليل وغيرها. وتمّ استخدامه أيضا كمسكّن لألم الأسنان ولكنّه في الوقت الذي يسكّن الألم يتسبب في تسوّس الأسنان أيضاً، كما تمّ استخدامه في علاج العفن، كما استعملوه للجرب والجذام، واستخدامات أخرى كثيرة موصوفة في مصادر الطب القديم.
رابعاً: تمّ وصف نبات كبيكج في كثير من كتب الطب القديم مثل كتاب (المعتمد في الأدوية المفردة) وغيره بما ملخصه أن نبات الكبيكج على أربعة أصناف ذكرها الشيخ الرئيس ابن سينا في كتاب القانون في الطب(3):
الصنف الأول: أوراقه في الغالب شبيهة بنبات الكزبرة، وهو أعرض منه وأكثر بياضاً، وهو ذو رطوبة لزجة، وأزهاره صفراء وبنفسجية، وساقه ضيّقة مثل الغصن وطعم ساق الكبيكج مر وهي (أي ساقه) بيضاء متفرعة مثل الأغصان.
والصنف الثاني: يشبه الصنف الأول لكنّه يكون أكبر حجماً وأكثر ورقاً وزهرةً، وتكون زهرته ذات لون إرجواني.
والصنف الثالث: يكون صغيراً جداً وأزهاره تكون صفراء اللون.
والصنف الرابع: يشبه الثالث ولكن أزهاره بيضاء لبنية.
أماكن نمو نبات كبيكج وتوزيعه الجغرافي
ينمو هذا النبات السام على طول الجداول والمستنقعات في معظم المناطق المعتدلة في العالم ولا سيّما في بلاد الهند في وديان الهملايا الدافئة وشمال الهند ، كما تنمو أنواع أخرى منه في إيران والعراق، وفي مناطق البحر الأبيض المتوسط.
كما يمكن الحصول على بعض أنواعه في أفغانستان وجنوب غرب آسيا وكذلك في تركمانستان وسوريا ولبنان وشبه جزيرة البلقان وفي باكستان والمغرب العربي وقبرص وما وراء القوقاز وأماكن أخرى.
نبات كبيكج في الدراسات الحديثة
تشير الدراسات المعملية الحديثة في المختبر الى أنّ نبات كبيكج شديد السُميّة فهي في هذه النقطة تتفق مع الدراسات القديمة، حيث ثبت أنّه يحتوي على مواد كيميائية سامّة قاتلة تمّ تشخيصها مختبريا في زهرة كبيكج وفي أوراقه وسيقانه أيضا، كما كشفت بعض الدراسات احتوائه على مركبات حمضية يؤدي دمجها مع اللعاب الى تكوين نوع من السموم .
وفي دراسة أجراها أحد الباحثين في جامعة أصفهان في إيران على نبات الكبيكج تمّ تعزيز فرضيّة كونه طاردا للحشرات ولكن تعذّر تحديد وتأكيد نوع المواد والمكوّنات النشطة في هذا النبات التي تكون طاردة للحشرات. وقد أظهرت الدراسة بناءً على نتائج التجارب لتحديد فئة المركبات الكيميائية في بنية النبات أنّه يحتوي على مركبات مثل التانينات والفلافونويدات والقلويدات وجليكوسيدات وغيرها .
خلاصة البحث حول مفردة كبيكج
هناك ثلاث فرضيات لتفسير استعمال كلمة كبيكج في أوائل أو أواخر المخطوطات العربية الإسلامية هي:
الأولى: أنها تعويذة اسطورية طاردة للحشرات.
الثانية: أنها اسم للجان الموكول للحشرات حسب بعض المتداولات الشعبية التراثية.
الثالثة: أنه نبات سام طارد للحشرات يقوم الوراقون بمعالجة اوراق الكتب به لضمان عدم تلفها بسبب الحشرات ولا سيّما حشرة الأرضة. فضلاً عن كونه ذا خصائص تجعله مضاداً للجراثيم والفطريات.
ولا نزال بحاجة إلى مزيد من التجارب على هذا النبات للحصول على تفاصيل أكثر لعلها تصل بنا الى أهمية استعمال نبات كبيكج في عمليات صيانة المخطوطات القديمة وحفظها شريطة التأكّد من عدم وجود أضرار جانبية مثل تغير اللون أو ضعف متانة الورقة وقوّتها بمرور الوقت بسببه، كما يجب تجريب ذلك وملاحظة الآثار التي قد تحتاج الى وقت طويل لتظهر على المخطوطة.
كبيكج في الوثائق القديمة
1- صورة قديمة لنبات كبيكج
2- نموذج لاستخدام الورّاقين لكلمة كبيكج في المخطوطات العربية
3- نموذج آخر من استخدام كلمة كبيكج في المخطوطات
______
الهوامش:
(1) مجلة تراثيات الصادرة عن دار الكتب والوثائق القومية العدد الثامن ص 87الى ص 90(جمادى الاول 1427ه الموفق يوليو 2006م)
(2) ويكي فارسي https://www.parsi.wiki/fa/wiki/478479/کبیکج
(3) ينظر القانون في الطب: 340.