القائمة الرئيسية

الصفحات

في معنى كلمة  ( بحث )

تدلّ مفردة (البحث) لغة على بذل الجهد في موضوع ما ، وجمع المسائل التي تتّصل به ، وهو في الأصل موضوع لمطلق طلب شيء في التراب أو السؤال مستخبراً ، قال الخليل الفراهيديّ في كتاب العين: البحث: طلبك شيئاً في التراب ، وسؤالك مستخبراً ، تقول: أستبحث عنه وأبحث، وهو يبحث بحثاً ، انتهى .

وقال الجوهريّ في كتاب الصحاح: بحثتُ عن الشيء وابتحثت عنه أي فتّشت عنه ، انتهى.

وقال ابن زكريّا في معجم مقاييس اللغة: الباء والحاء والثاء أصل واحد يدلّ على إثارة الشيء ... والبحث أن تسأل عن شيء وتستخبر ، تقول: أستبحث عن هذا الأمر ، وأنا أستبحث عنه ، وبحثتُ عن فلان بحثاً ، وأنا أبحث عنه ، انتهى .

ما هو الصحيح أبحاث أم بحوث ؟

ما هو الصحيح في جمع البحث : أبحاث أم بحوث ؟

يجمع بعض الكتّاب كلمة ( بحث ) على ( أبحاث ) أي على وزن ( أفعال ) بينما المشهور في جمعها هو ( بحوث ) على وزن ( فعول ) ، فما هو الاستعمال الصحيح في ذلك؟

والجواب الدقيق عن هذا السؤال هو : إنّ هذه المسألة خلافيّة ، حيث أجمع العلماء على صحّة جمعه على وزن (فعول) أي (بحوث) واختلفوا في أبحاث حيث ذهب جمهور النحاة إلى منع جمعه على وزن (أفعال) أي (أبحاث) وأجازه آخرون وتفصيل الكلام في ذلك كما يلي:

وجه جواز جمع بحث على أبحاث

أمّا وجه الجواز فمبنيّ على أنّ الجمع إمّا أن يكون جمعاً سالماً أو جمع تكسير.

والجمع السالم هو ما دلّ على أكثر من اثنين بزيادة في آخره مع سلامة بناء مفرده من التغيير، نحو: (معلّمون) في جمع (معلّم) ، و(معلّمات) في جمع (معلّمة).

 وأمّا جمع التكسير فهو ما دلّ على أكثر من اثنين ، ولم يسلم بناء مفرده من التغيير ، نحو: (رجال) في جمع (رجل) و(شموس) في جمع (شمس).

أقسام جمع التكسير

جمع التكسير على ثلاثة أقسام هي:

أوّلاً: جمع القلّة: وهو لما كان بين 3 إلى 10، ويأتي على أربعة أوزان هي: أَفْعُل ، نحو (أحرُف) في جمع (حرف)، وأفعال: نحو (أجداد) في جمع (جدّ)، وأفعلة نحو : (أزمنة) في جمع (زمان)، و فِعلة نحو (فتية) في جمع فتى.

ثانياً: جمع الكثرة وهو لكلّ ما زاد على عشرة، ويأتي على سبعة عشر وزن هي : فُعْل نحو: (بُكْم) جمع (أبكم)، وفُعُل نحو: (رُسُل) جمع (رسول)، وفُعَل نحو : (غُرَف) جمع (غرفة)، وفِعَل نحو : (قِطَع) جمع (قطعة)، وفَعَلَة: نحو (خَدَمَة)، وفُعَلَة نحو: (رُمَاة)، وفِعَلَة نحو: (دِبَبَة)، وفَعْلى نحو: (مَرْضى)، وفُعَّل نحو: (رُكَّع)، وفُعّال نحو: (قُرّاء)، وفِعال نحو: (كِرَام)، وفُعُول: (بُحُور) وفَعِيل نحو: (حَجِيج)، وفِعْلان نحو: (غِلْمان)، وفُعْلان نحو: (قُمْصان)، وفُعَلاء: (بُخَلاء)، وأَفْعِلاء نحو: (أَغْنِياء).

ثالثاً: صيغة منتهى الجموع: وهي كلّ جمع بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة وسطها ساكن أشهرها: فَوَاعل نحو: (فَوَارس)، وفَعَائِل نحو: (صفائح)، وفَعَالي نحو: (الصّحاري)، وفَعَالى نحو: (عذارى)، وفَعَالِل نحو: (جَمَاجِم).

وجه صحّة كلا الجمعين بحوث وأبحاث

إذا اتّضح ذلك يتضح وجه الصحّة في كلّ من قولنا ( بحوث ) وقولنا ( أبحاث ) مع فارق المعنى بينهما وذلك كما يلي:

أمّا كلمة (بحوث) فقد جاءت على وزن (فُعُول) وهو من أوزان جمع الكثرة، أي أنّها تطلق على ما زاد على عشرة من البحوث.

وأمّا كلمة (أبحاث) فقد جاءت على وزن (أفعال) وهو من أوزان جمع القّلة، أي أنّها تستعمل على ما إذا كان عددها أكثر من ثلاثة وأقلّ من عشرة.

وجه المنع من جمع بحث على أبحاث

قلنا قبل قليل أنّ جمهور النحاة يذهبون إلى المنع من جمع مفردة (بحث) على (أبحاث) ويجيزون جمعها على (بحوث) فقط، والسؤال المهمّ هنا هو لماذا؟ مت هي حجّتهم؟

الجواب : يذهب جمهور النحاة إلى أنّ ما يأتي على وزن (فَعْل) إذا كان صحيح العين (أي عين ميزانه ليست حرف علّة) يكون جمعه على وزن (فعول)، فقط وما جاء منه على وزن (أفعال) شاذ نادر لا يقاس عليه.

وبما أنّ كلمة (بحث) على وزن (فَعْل) فلا يأتي الجمع منها إلا على وزن (فعول) أي (بحوث).

قال سيبويه في كتابه الشهير (الكتاب) ص175: ((إن جمع (فَعْل) على (أفعال) ليس بالباب في كلام العرب، وإن كان قد ورد منه بعض ألفاظ؛ كأفراخ وأفراد وأجداد)).

وقد سار جمهور النحاة بعد سيببويه على هذه القاعدة التي ذكرها في الكتاب إلى عصرنا الحاضر، قال النحوي مصطفى الغلاييني في كتابه القيّم (جامع الدروس العربية: ((ما كان على وزن (فَعْل)، وهو صحيح العين غير مضاعف، لا يُجمع على (أفعال) قياسا، وإنما يُجمع على (أفعُل). لكنه قد شذ جمع:‏ زند، وفرخ، وربع، وحمْل على وزن: أزناد وأفراخ وأرباع وأحمال))

إذاً خلاصة الكلام أنّه عند جمهور النحاة جمع ما كان على وزن (فَعْل) من المفردات لا يكون القياسي منه إلّا على وزن (فعول) وأمّا جمعه على وزن (أفعال) فشاذٌ نادر لا يقاس عليه، بل يُقتصر فيه على ما ورد عن العرب.

وكلمة (بحث) على وزن (فَعل) ولم يُسمع في كلام العرب جمعها على وزن (أفعال) لذا يُقتصر في جمعها على وزن (فعول) فيقال: (بحوث)، ولا يقال: (أبحاث).

ولكن سبق أن ذكرنا أن هناك مجموعة من النحاة في قبال جمهورهم صححت جمعها على وزن (فعل)، والسؤال المهم هنا هو: ما هي حجّتهم في تصحيح ذلك؟ هذا ما سنبيّنه في ما يلي:

حجّة من أجاز جمع بحث على أبحاث

تتمثّل حجّة من خالف الجمهور من النحاة وأجاز جمع كلمة بحوث على أبحاث بل أجازوا جمع كلّ ما كان على وزن (فَعْل) على وزن (أفعال) بأنّهم تتبعوا كلام العرب فوجدوا مفردات كثيرة وردت فيه مفردها على وزن (فَعْل) وقد جمعوها على وزن (أفعال) وليست قليلة شاذة كما يدّعي سيبويه في النصّ الذي ذكرناه آنفاً .

فقد أحصى في كتاب اللتصريح في علم النحو وفي حاشيته 28 ثمانية وعشرين مفردة جاءت على وزن (فَعْل) وقد  سُمع من العربب جمعها على وزن (أفعال)، وهذه المفردات هي: ((فرخ - أفراخ، حبر - أحبار، زند - أزناد، حمل - أحمال، شكل - أشكال، سمع - أسماع، لفظ - ألفاظ، لحظ - ألحاظ، محلّ - محالّ، رأي - آراء...)) وكلمات أخرى كثيرة منها: سطر، جفن، لحن، نجد، فرد، ألف، أنف، أرض، رمس، عرش، نهر، نذل، شخص، شرط، جفر، بعض، دخل، ضرب .

وقال ياقوت الروميّ في كتاب (إرشاد الأريب لمعرفة الأديب) في الجزء 5 صفحة 392: (( حدَّث أبو حيّان التوحيدي، قال: "قال الصاحب بن عبّاد يوما: "فَعْل" (بفتح فسكون، ويريد ما كان منه صحيح العيون، ليس من الأنواع التي ذكروها) و"أفعال" قليل. ويزعم النحويون أنه ما جاء منه إلا: زند وأزناد، وفرخ وأفراخ، وفرد وأفراد. قلتُ له: أنا أحفظ ثلاثين حرفا (أي: كلمة) كلها: فَعْل وأفعال. فقال: هات يا مدَّعي. فسردتُ الحروف، ودللت على مواضعها من الكتب، ثم قلت: ليس للنحوي أن يلزم هذا الحكم إلا بعد التبحر، والسماع الواسع، وليس للتقليد وجه، إذا كانت الرواية شائعة والقياس مطردا....))

وذكر الأب أنستاس الكرمليّ في محاضر جلسات الانعقاد الرابع لمجمع اللغة العربية في القاهرة: ((إن النحاة لم يصيبوا في قولهم: إن فَعْلاً لا يُجمع على أفعال إلا في ثلاثة ألفاظ، لا رابع لها، وهي: فرخ وأفراخ، وحمل وأحمال، وزند وأزناد، وأكد ابن هشام أن لا رباع لها. والذي وجدتُه أن ما سُمع عن الفصحاء من جموع فَعْل على أفعال أكثر مما سُمع من جموعه – أي المطّردة – على أفعُل، أو فِعال، أو فُعول. فعدد ما ورد على أفعُل هو 142 اسما، وعلى فِعال 221 اسما، وعلى فُعول هو 42. فأن يسلّموا بجمعه قياسا مطَّردا على أفعال أحق وأولى، لأن عدد ما ورد فيها هو 340 لفظة، وكلها منقولة عنهم، لورودها في الأمهات المعتمدة، مثل القاموس واللسان)).

ثمّ قال: ((يحق للمجمع ألا يعتمد على مجرد الأقوال، التي تداولها النحاة ناقلين الأقوال، الواحد عن الآخر، بلا اجتهاد، ولا إمعان في التحقيق بأنفسهم. أما الذي يؤيده الاجتهاد فمخالف بما أثبتوه. وقد حان الوقت أن ينادي المجمع على رؤوس الملأ بهذه القاعدة الجديدة، المبنية على أقوال الأئمة الفصحاء...)).

ثم ذكر أن كل الأمثلة، التي وجدها هي لصحيح العين والفاء. وقد قرر مؤتمر مجمع القاهرة، في 1970، جواز جمع فَعْل على أفعال، ويدخل في ذلك مهموز الفاء ومعتلها والمضعّف.

فمن كلّ ذلك نفهم أنّ حجّة من خالف جمهور النحاة وأجاز جمع ما كان على وزن (فَعْل) من المفردات على وزن (أفعال) هو كثرة الأمثلة المسموعة عن العرب في ذلك ، فمع كلّ هذه الكثرة لا يصحّ عدّ ذلك شاذاً نادراً لا يصحّ القياس عليه ، بل هو كثير يصحّ القياس عليه.

خلاصة البحث : بحوث وأبحاث كلاهما صحيح

من كلّ ما تقدّم ننتهي إلى أنّ كلمة بحث يصحّ جمعها جمع تكسير على وزنين:

الأوّل: بحوث وهو المشهور وهو الأفصح، بل لا يجيز مشهور النحاة غيره، وهو على وزن (فعول) وهو ميزان جمع الكثرة.

الثاني: أبحاث وهو غير جاز عند مشهور النحاة، ولكن صححه بعضهم بناء على القول بقياسيّة جمع ما كان على وزن (فعل) على وزن (أفعال)، وصيغة أفعال من صيغ جمع التكسير للقلة.