القائمة الرئيسية

الصفحات

نبذة عن تاريخ علم الفقه عند الشيعة الإمامية

 بقلم : محمّد باقر ملكيان.

ملاحظة: تمّ اقتباس هذا البحث من مقدّمة التحقيق لكتاب (جامع المدارك للسيّد أحمد الخونساريّ)، تحقيق: محمّد باقر ملكيان، مراجعة مركز الشيخ الطوسيّ قدّس سرّه للدراسات والتحقيق.

[ أهمّيّة البحث في تاريخ فقه الإماميّة ]

يُعدّ البحث حول تاريخ فقه الإماميّة من المواضيع المهمّة، لأنّ هذه البحوث تساعدنا على معرفة علم الفقه، وعمليّة استنباط الأحكام الشرعيّة من حيث تطوّراتها عبر القرون.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الفقه هو موضوع اهتمّ به علماؤنا أكثر من اهتمامهم بغيره من العلوم الإسلامية، فدراسة الفقه في الحقيقة دراسة للجهود العلميّة لعلمائنا، وأنشطة حوزاتنا على ممرّ القرون والسنين.

تاريخ علم الفقه عند الشيعة

لكن يواجه الباحث عن تاريخ فقه الإماميّة مشاكل عديدة، منها قلّة المصادر في هذا المجال، فإنّ كثيراً من مصادر الأصحاب لم تصل إلينا، ولم نعلم منها سوى بعض النقولات اليسيرة.

وعلى سبيل المثال إنّا لا نعلم عن ابن الجنيد الإسكافي - وهو من أعاظم فقهاء أصحابنا في القرن الرابع - إلّا نزراً يسيراً، مع أنّ له منهجاً خاصّاً في الاستنباط، فلو وصلت إلينا كتبه - سيّما كتاب إظهار ما ستره أهل العناد من الرواية عن أئمّة العترة في أمر الاجتهاد (1) ، وكتاب كشف التمويه والإلباس (2) على أغمار الشيعة في أمر القياس(3) - لكُنّا اطّلعنا أكثر على تاريخ الفقه الإمامي في تلك الحقبة التي عاش فيها ابن الجنيد.

ومن المشاكل في هذا المجال أيضاً أنّ أكثر ما كتب بعنوان تاريخ فقه الإماميّة ليس مطابقاً للعنوان في الحقيقة، ولم يُبحث فيه عن فقه الشيعة، بل هو عبارة عن تراجم لفقهاء الشيعة ومصنّفاتهم في الفقه، مع مراعاة الترتيب التاريخي، وظنّ مؤلّفو هذه الكتب أنّ تاريخ الفقه هو ترجمةُ الفقهاء، فذكروا مثلاً ترجمة الشيخ الطوسي، وذكروا كتبه، ولم يبيّنوا منهج الشيخ الطوسي في الفقه، وتأثيره على مدارس فقه الإماميّة.

[ المراحل التي مرّ بها فقه الشيعة الإماميّة ]

وكيفما كان، فإنّ الفقه الشيعي مرّ  بعدّة مراحل مهمّة، حتّى وصل إلينا اليوم بهذه العظمة والشموخ، وبُذلت جهود جبّارة ليصل إلى هذا المستوى من العطاء العلمي، فقد روى الكليني بسندٍ صحيح عن عيسى بن السري أبي اليسع، عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - قال: كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم، حتّى كان أبو جعفر، ففتح لهم، وبيّن لهم مناسك حجّهم، وحلالهم وحرامهم، حتّى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس(4).

وكذا رواه الكشّي مسنداً عن أبي اليسع(5)، وروى العيّاشي مثله مرسلاً (6).

[تدوين الفقه في عصر الإمام الباقر عليه السلام]

وقد قام علماء الشيعة بتدوين الفقه منذ عهد الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، بل الظاهر من بعض الكلمات أنّ الإماميّة هم أوّل من قاموا بالتصنيف في الفقه.

فنقل الشيخ الطوسي رحمه االله في ترجمة عبيد الله بن عليّ الحلبي: له كتابٌ، مصنّفٌ معمولٌ عليه، وقيل: إنّه عرض على الصادق عليه السلام، فلمّا رآه استحسنه، وقال: ليس لهؤلاء - يعني المخالفين – مثله(7).

وقال النجاشي في ترجمته: صنّف الكتاب المنسوب إليه، وعرضه على أبي عبد الله×، وصحّحه، قال عند قراءته: أ ترى لهؤلاء مثل هذا (8).

[ لم يكن الفقه في عصر الأئمّة تدوين روايات فقط ]

ثمّ إنّ الفقه في عهد الأئمّة عليهم السلام لم يكن إلّا في كتب الرواية، إلّا أنّه لم يكن نقل رواية فقط، بل كان انتخاباً للروايات وانتقاءها من بين الروايات المتعارضة، وفهمَ جهة صدور الروايات، والتعادل والتراجيح بين الروايات، وتطبيق الجزئيّات على الكلّيّات.

وعلى سبيل المثال نقرأ الروايات الآتية:

أ) روى الشيخ مسنداً عن سَلمة بن مُحرِز، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل مات وله عندي مال، وله ابنة، وله موالي، فقال لي: اذهب، فأعط البنت النصف، وأمسك عن الباقي، فلمّا جئت أخبرت بذلك أصحابنا فقالوا: أعطاك من جراب النورة.

قال: فرجعت إليه، فقلت: إنّ أصحابنا قالوا: أعطاك من جراب النورة، قال: فقال: ما أعطيتك من جراب النورة (9)، علم بهذا أحد؟ قلت: لا، قال: فاذهب فأعط البنت الباقي(10).

ب) روى الكليني عن السيّاريّ، قال: قال روي عن ابن أبي ليلى‏ أنّه قدّم إليه رجل خصماً له، فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية، فلم‏ أجد على‏ ركبها حين كشفتها شعراً، وزعمت أنّه لم يكن لها قطّ.

قال: فقال له ابن أبي ليلى: إنّ الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتّى يذهبوا به، فما الذي كرهت؟ قال: أيّها القاضي، إن كان عيباً فاقض لي به، قال: حتّى أخرج إليك، فإنّي أجد أذىً في بطني.

ثمّ دخل وخرج من باب آخر، فأتى محمّد بن مسلم الثقفي، فقال له: أيّ شي‏ء تروون عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة لا يكون على ركبها شعر؟ أ يكون ذلك عيباً؟

فقال له محمّد بن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، ولكن حدّثني أبو جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب.

فقال له ابن أبي ليلى: حسبك، ثمّ رجع إلى القوم، فقضى لهم بالعيب (11).

ورواه الشيخ قدّس سّره بإسناده عن الكليني (12).

ج) روى الكشّي مسنداً عن حريز بن عبد الله السجستاني، قال: دخلت على أبي حنيفة، وعنده كتب كادت تحول فيما بيننا وبينه - إلى أن قال - : فقال لي: أما إنّي أسألك عن مسألة لا يكون فيها شي‏ء، فما تقول في جمل أخرج من البحر؟

فقلت: إن شاء فليكن جملاً، وإن شاء فليكن بقرة، إن كانت عليه فلوس أكلناه وإلّا فلا (13).

فالفقه في عهد الأئمّة عليهم السلام بدأ بتدوين الروايات وتصنيفها، ومن بعده وصلت النوبة إلى تدوين الجوامع الأوّليّة والثانويّة، مثل كتاب النوادر لمحمّد بن أبي عمير، وكتب الثلاثين لابني سعيد الأهوازيين، وكتب عليّ بن مهزيار الأهوازي، وكتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي.

[ الفقه عند الإمامية في عصر الغيبة ]

هذا في عهد حضور الأئمّة عليهم السلام. وأمّا في عصر الغيبة، فقد تطوّر الفقه تطوّراً كثيراً، حيث إنّ الفقهاء تبعوا أصحاب الأئمّة، ودوّنوا الجوامع الروائيّة على نحو مبسوط، كما هو الحال في كتاب الكافي لثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني، وكتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن موسى بن الحسين بن بابويه القمّي.

كما أنّهم دوّنوا في هذا العهد كتباً فتوائيّة، وكان منهجهم في هذه الكتب الاقتصار على متون الروايات مع حذف الأسانيد، أي أنّ الصدوق مثلاً في كتاب المقنع اختار من الروايات الواردة في مسألةٍ روايةً ثمّ ذكرها - من غير ذكر إسناد - بعنوان أنّها فتواه(14)، وهكذا الحال في كتاب المقنعة للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان، وكتاب النهاية لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي.

[ الشيخ الطوسي وتأليف كتاب المبسوط في فقه الإماميّة ]

وقد ألّف الشيخ الطوسي قدّس سرّه كتاب المبسوط، فدخل الفقه الشيعي في مرحلة جديدة ومهمّة ، قال الشيخ في مقدّمة المبسوط: «إنّي لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقّهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإماميّة، ويستنزرونه، وينسبونهم إلى قلّة الفروع وقلّة المسائل، ويقولون: إنّهم أهل حشو ومناقضة، وإنّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل، ولا التفريع على الأصول، لأنّ جلّ ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين.

وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلّة تأمّل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أنّ جلّ ما ذكروه من المسائل موجودٌ في أخبارنا، ومنصوصٌ عليه تلويحاً عن أئمّتنا الذين قولهم في الحجّة يجري مجرى قول النبيّ إمّا خصوصاً أو عموماً أو تصريحاً أو تلويحاً.

- إلى أن قال -: وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوّق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك تتوق نفسي إليه، فيقطعني عن ذلك القواطع، وشغلني الشواغل، وتضعف نيّتي أيضاً فيه قلّة رغبة هذه الطائفة فيه، وترك عنايتهم به، لأنّهم ألفوا الأخبار، وما رووه من صريح الألفاظ، حتّى أنّ مسألة لو غيّر لفظها، وعبّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها، وقصر فهمهم عنها.

وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم وأصولها من المسائل، وفرّقوه في كتبهم، ورتّبته ترتيب الفقه وجمع من النظائر، ورتّبت فيه الكتب على ما رتّبت للعلّة التي بينتها هناك، ولم أتعرّض للتفريع على المسائل، ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها، والجمع بين نظائرها، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتّى لا يستوحشوا من ذلك، وعملت بآخره مختصر جمل العقود في العبادات، سلكت فيه طريق الإيجاز والاختصار وعقود الأبواب فيما يتعلّق بالعبادات، ووعدت فيه أن أعمل كتاباً في الفروع خاصّة يضاف إليه كتاب النهاية، ويجتمع معه يكون كاملاً كافياً في جميع ما يحتاج إليه.

ثمّ رأيت أنّ ذلك يكون مبتوراً يصعب فهمه على الناظر فيه، لأنّ الفرع إنّما يفهمه إذا ضبط الأصل معه، فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصّلها الفقهاء، وهي نحو من ثلاثين كتاباً أذكر كلّ كتاب منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الألفاظ، واقتصرت على مجرّد الفقه دون الأدعية والآداب، وأعقد فيه الأبواب، وأقسم فيه المسائل، وأجمع بين النظائر، وأستوفيه غاية الاستيفاء، وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون.

وأقول ما عندي على ما يقتضيه مذاهبنا، ويوجبه أصولنا بعد أن أذكر جميع المسائل، وإذا كانت المسألة أو الفرع ظاهراً أقنع فيه بمجرّد الفتيا وإن كانت المسألة أو الفرع غريباً أو مشكلاً أومئ إلى تعليلها، ووجه دليلها ليكون الناظر فيها غير مقلّد ولا مبحث، وإذا كانت المسألة أو الفرع ممّا فيه أقوال العلماء ذكرتها، وبيّنت عللها، والصحيح منها والأقوى، وأنبّه على جهة دليلها لا على وجه القياس، وإذا شبّهت شيئاً بشيء فعلى جهة المثال لا على وجه حمل إحداهما على الأخرى، أو على وجه الحكاية عن المخالفين دون الاعتبار الصحيح، ولا أذكر أسماء المخالفين في المسألة لئلّا يطول به الكتاب.

وقد ذكرت ذلك في مسائل الخلاف مستوفى، وإن كانت المسألة لا ترجيح فيها للأقوال وتكون متكافية وقفت فيها، وتكون المسألة من باب التخيير.

وهذا الكتاب إذا سهّل الله تعالى إتمامه يكون كتاباً لا نظير له لا في كتب أصحابنا، ولا في كتب المخالفين، لأنّي إلى الآن ما عرفت لأحد من الفقهاء كتاباً واحداً يشتمل على الأصول والفروع مستوفياً مذهبنا، بل كتبهم وإن كانت كثيرة فليس يشتمل عليهما كتاب واحد، وأمّا أصحابنا، فليس لهم في هذا المعنى ما يشار إليه بل لهم مختصرات، وأوفى ما عمل في هذا المعنى كتابنا النهاية وهو على ما قلت فيه»، انتهى كلامه، رفع مقامه (15).

كتاب المبسوط في فقه الإمامية للشيخ الطوسي

كما أنّ في هذا العهد بدأ التأليف في علم أصول الفقه على نحو مستقلّ ومفصَّل، فقد صنَّف السيّد المرتضى كتاب الذريعة إلى أصول الشريعة، والشيخ الطوسي كتاب عدّة الأصول (16).

[ فقه الإماميّة في مرحلة ما بعد الشيخ الطوسي ]

ثمّ تبع الشيخَ الطوسي تلامذتُه، وكذا كلّ من جاء بعده، حتّى عُبّر عنهم بالمقلّدين(17).

وقد حكى السيّد ابن طاووس عن جدّه ورّام بن أبي فراس أنّ الشيخ سديد الدين محمود الحمصيّ حدّثه أنّه لم يبق للإماميّة مفت‏ٍ على‏ التحقيق‏ بل كلّهم‏ حاك (18).

وقال الشهيد الثاني رحمه الله: «إنّ أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتّبعونه في الفتوى تقليداً له؛ لكثرة اعتقادهم فيه، وحسن ظنّهم به، فلمّا جاء المتأخّرون وجدوا أحكاماً مشهورة قد عمل بها الشيخ‏ ومتابعوه،‏ فحسبوها شهرة بين العلماء، وما دروا أنّ مرجعها إلى الشيخ، وأنّ الشهرة إنّما حصلت بمتابعته‏»(19).

وقال التستري رحمه الله: «ولعلّ الحكمة الإلهيّة في ما اتّفق للشيخ تجرّده للاشتغال بما تفرّد به من تأسيس العلوم الشّرعيّة، ولا سيّما المسائل الفقهيّة، فإنّ كتبه فيها هي المرجع لمن بعده غالباً»(20).

ونشير إلى عدّة من أعلام تلامذة الشيخ والذين جاؤوا بعده إلى عصر ابن إدريس، وهم:

1. الشيخ أبو الصلاح تقيّ بن النجم الحلبيّ صاحب كتاب الكافي في الفقه.

2. القاضي سعد الدين أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البرّاج صاحب كتاب الكامل، وكتاب المهذّب، وكتاب الموجز، وكتاب الجواهر.

3. الشيخ أبو الفتح محمّد بن عليّ الكراجكي.

4. الشيخ أبو عليّ الطوسي المعروف بالمفيد الثاني ابن شيخ الطائفة، وهو مؤلّف كتاب شرح النهاية لأبيه.

5. الشيخ أمين الإسلام أبو عليّ الفضل بن الحسن الطَبرِسي.

6. الشيخ قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسين الراوندي مؤلّف كتاب فقه القرآن.

7. الشيخ جمال الدين أبو الفتوح الحسين بن عليّ بن محمّد بن أحمد الخزاعي الرازي النيسابوري.

8. الشيخ عماد الدين أبو جعفر محمّد بن عليّ بن حمزة الطوسي المعروف بابن حمزة، مؤلّف كتاب الوسيلة إلى نيل الفضيلة.

9. السيّد أبو المكارم عزّ الدين حمزة بن عليّ بن زهرة العلوي الحلبي، مؤلّف كتاب غنية النزوع الى علمي الفروع والأصول.

[ فقه الإمامية في مرحلة مدرسة الحلّة ]

وامتدّ عهد المقلّدين إلى عصر ابن إدريس الحلّي (أي أكثر من قرن)، فقد أسّس مدرسة جديدة(21)، وبنى قواعد الاجتهاد والاستنباط، فهو رحمه االله وإن كان من أتباع مدرسة الشيخ الطوسي قدّس سرّه في ما أسّس في كتاب المبسوط، إلّا أنّه لم يكن مقلّداً محضاً للشيخ في كتابه، بل له مناقشات عديدة ومبانٍ تختلف عن مباني الشيخ الطوسي.

فابن إدريس مؤسّس مدرسة الحلّة، وهي من أشهر مدارس الإماميّة في العلوم الإسلاميّة، لا سيّما في علم الفقه، وأمّا أوج نشاط هذه المدرسة فكان في عهد المحقّق الحلّي والعلّامة الحلّي، ففي عهدهم نجد مدرسة الحلّة بلغت أقصى درجات كمالها، لا سيّما في علم الفقه، وما يرتبط به من العلوم كعلم أصول الفقه.

ففي هذا العهد ألّف علماء الحلّة كتباً كثيرةً في الفقه الفتوائي، نحو شرائع الإسلام، والمختصر النافع، وتبصرة المتعلّمين و... وهذه الكتب مهمّة جدّاً، بحيث صارت قطب دائرة الفقه في التأليف والتصنيف والتدريس في الأوساط العلميّة إلى اليوم (22)، مضافاً إلى الموسوعات الكبيرة في الفقه، نحو: كتاب مختلف الشيعة، ومنتهى المطلب، وتذكرة الفقهاء، وكتبوا كتباً مفصّلة في أصول الفقه، نحو: نهاية الوصول إلى علم الأصول.

والمائز الآخر لهذه المدرسة هو البسط والتفصيل، حيث نجد في مصنَّفات مدرسة الحلّة التعرّض لجميع الأقوال وأدلّتها، والمناقشة فيها، وذكر المختار والدفاع عنه. وهذا أمر لم نشاهده بهذه الكمّية قبل مدرسة الحلّة في هذا الأوان.

[ منهج التعامل مع الروايات في مدرسة الحلّة ]

وقد اختلفت مسألة تقويم الروايات في هذه المدرسة عمّا قبلها، ونال بحث تنويع الأحاديث تطوّراً كبيراً. وقد قيل: كان الحديث الصحيح عند القدماء هو الخبر الذي دلّت القرائن على صحّته وصدوره عن المعصوم، وقد كان الوقوف على تلك القرائن متوفّراً في القرون الأُولى، وكلّما ابتعد الفقهاء عن عصر النصّ، أخذ الغموض يكتنف تلك القرائن، فمسّت الحاجة إلى إبداع أساليب يعرف بها الصحيح عن غيره، فأوّل من شمّر عن ساعد الجدّ لهذا الأمر هو السيّد أحمد بن طاووس، فأخذ بتنويع الأحاديث إلى أربعة أنواع حسب القواعد الرجالية التي أبدعها، فصار التنويع أمراً متبعاً إلى يومنا هذا (23).

[ من أعلام مدرسة الحلّة ]

ويمكن أن نعدّ من أعلام مدرسة الحلّة جملةً من العلماء، منهم

1. السيّد شمس الدين فَخَار بن معد الموسوي.

2. الشيخ نجيب الدين محمّد بن جعفر بن نما الحلّي.

3. الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي، المعروف بالمحقّق الحلّي.

4. السيّد جمال الدين أحمد بن موسى بن جعفر ابن طاووس، مصنّف كتاب بشرى المحقّقين في الفقه، وهو ستّة مجلّدات، وكتاب ملاذ علماء الإمامية في الفقه، وهو أربعة مجلّدات.

5. الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي، مؤلّف كتاب الجامع للشرايع.

6. السيّد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن موسى ابن طاووس.

7. الشيخ سديد الدين يوسف بن المطهّر الحلّي والد العلّامة الحلّي.

8. الشيخ عزّ الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي، المعروف بالفاضل الآبي، مؤلّف كتاب كشف الرموز، وهو أوّل شرح بعد شرح الماتن رحمه الله.

9. الشيخ جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، المعروف بالعلّامة الحلّي.

10. الشيخ تقي الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلّي.

11. الشيخ فخر الدين محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، المعروف بفخر المحقّقين.

[ فقه الشيعة الإماميّة في مرحلة مدرسة جبل عامل ]

ثمّ من بعد مدرسة الحلّة تصل النوبة إلى مدرسة جبل عامل. وهذه المدرسة لم تفترق عن مدرسة الحلّة، حيث نجد في هذه المدرسة من الخصائص ما وجدناها في مدرسة الحلّة، نحو: تأليف الموسوعات الفقهيّة، مثل كتاب مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام، والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، وكلاهما للشهيد الثاني، وجامع المقاصد في شرح القواعد للمحقّق الكركي، ومدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام للسيّد محمّد الموسوي المعروف بصاحب المدارك، و....

وكذلك البسط والتفصيل في البحوث الفقهية، وكثرة الاعتناء بأصول الفقه، واعتبار الروايات من حيث السند.

ويمكن أن نشير إلى بعضٍ من أعلام هذه المدرسة:

1. الشهيد أبو عبد الله محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل، مؤلّف الدروس الشرعية في فقه الإمامية، وغاية المراد في شرح نكت الإرشاد، واللمعة الدمشقية.

5. الفقيه الكبير الشيخ عليّ بن الحسين الكركي المعروف بالمحقّق الثاني صاحب جامع المقاصد في شرح القواعد.

6. الفقيه الشهيد الشيخ زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي الشامي المعروف بالشهيد الثاني، له مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام، والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية.

8. الفقيه الشيخ جمال الدين حسن بن زين الدين المشهور بصاحب المعالم، مؤلّف معالم الدين وملاذ المجتهدين.

9. السيّد محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي الجبعي المعروف بصاحب المدارك، مؤلّف مدارك الأحكام.

[ فقه الشيعة الإمامية في عهد المدرسة الأخباريّة ]

وتلي مدرسةَ جبل عامل مدرسة يُعبّر عنها بالمدرسة الأخبارية.

وقد قيل: كان مطلع القرن الحادي عشر مسرحاً للتيارات الفكرية المختلفة، فمِن مُكبٍّ على العلوم الطبيعية كالنجوم والرياضيات والطبّ التي معيارها التجربة، إلى آخر متوغّل في الحكمة والعرفان والمعارف العقلية التي لا تدرك إلّا بقسطاس العقل، إلى ثالث مقبل على علم الشريعة كالفقه والأصول ومبادئهما.

وفي تلك الأجواء المشحونة ظهرت المدرسة الأخبارية التي شطبت على العلوم العقلية بقلم عريض، ولم تر للعقل أيّ وزن واعتبار لا في العلوم العقلية ولا في العلوم النقلية، ونادت ببطلان الاجتهاد والتقليد، وخطّأت طريقتهما.

وقد رفع رايتها الشيخ محمّد أمين بن محمّد شريف الأسترآبادي الأخباري في كتابه الموسوم بـالفوائد المدنيّة الذي ألّفه في المدينة المنوّرة أيّام إقامته بها (24).

والمدرسة الأخبارية - في الحقيقة - مدرسة ناقشت مدرسة الحلّة وأتباعها، أي مدرسة جبل عامل، وأوردت عليها عدّة اعتراضات، وخالفتها في كثير من المسائل، منها:

1. في رفض كثير من الروايات للمناقشات السندية (25) .

2. في كثرة اعتنائها بأصول الفقه (26) .

3. في مسألة الاجتهاد، فأتباع المدرسة الأخباريّة لا يقولون بتقليد المجتهدين، بل يقولون: لا بدّ للناس من مراجعة الروايات، فأمّا اتّباع المجتهدين في استنباطاتهم الظنّية، فهو غير جائز (27) .

4. أدلّة الأحكام عند أتباع مدرسة الحلّة الكتابُ والسنّة والإجماع والعقل.

وأمّا الأخباريّون، فالدليل عندهم منحصرٌ بالسنّة، فقد عقد الإسترآبادي في كتاب الفوائد المدنيّة باباً بعنوان: في بيان انحصار مدرك ما ليس من ضروريّات الدين من المسائل الشرعيّة- أصليّة كانت أو فرعيّة- في السماع عن الصادقين عليهم السلام(28).

الخلاف بين الأخبارية والأصولية

وفي هذا العهد أُلفتْ موسوعات روائية كثيرة، مثل: بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السلام، وتفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة المعروف في الأوساط العلميّة بـوسائل الشيعة، وكذلك كتاب الوافي.

وأُلفتْ شروح كثيرة على المصادر الروائيّة، كشروح كتاب الكافي (29)، ومن لا يحضره الفقيه (30)، والتهذيب (31)، والصحيفة السجّاديّة (32)، وغيرها (33).

وألّف فقهاء هذه المدرسة كتباً كثيرة في الفقه على وفق مبانيهم، نحو كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة للشيخ يوسف البحراني، حيث نجد فيه بعض مباني المدرسة الأخباريّة.

[ من أبرز علماء المدرسة الأخباريّة]

وأمّا أعلام هذه المدرسة، فمنهم:

1. الشيخ محمّد تقي المجلسيّ، مؤلّف روضة المتّقين، ولوامع صاحبقراني.

2. الشيخ محمّد محسن بن الشاه مرتضى الكاشاني، المعروف بالفيض الكاشاني، له كتاب الوافي، ومفاتيح الشرائع.

3. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، المعروف بصاحب الوسائل، مؤلّف وسائل الشيعة.

4. السيّد هاشم بن سليمان البحراني، مؤلّف ترتيب التهذيب، وتنبيه الأريب وتذكرة اللبيب في إيضاح رجال التهذيب.

5. العلّامة الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي، صاحب بحار الأنوار، ومرآة العقول، وملاذ الأخيار.

6. السيّد نعمة الله بن عبد الله الموسوي الجزائري، له شروح مفصّلة على التهذيب والاستبصار.

7. المولى محمّد أمين الأسترآبادي، وهو رائد الحركة الأخباريّة في هذا العهد، وصاحب الفوائد المدنية، وحاشية الاستبصار.

8. الشيخ يوسف البحراني، مؤلّف کتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة.

[ نهاية المدرسة الأخباريّة ]

وقد قام في القرن الثالث عشر العلّامة المحقّق الشيخ محمّد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني، المعروف بالوحيد البهبهاني (34)، بمخالفة مباني المدرسة الأخباريّة، ولقد اندرست بيُمن جهوده حركة المدرسة الأخباريّة، فالوحيد البهبهاني وتلامذته وكلّ من جاء بعده بدأوا بحركة علميّة أصولية جديدة.

وقد قيل: لقد بلغ النشاط الأخباري ذرْوته، وعمّت أفكاره المراكز كافّة على رغم بذل محاولات جادَّة للحدّ من نشاطه، والحيلولة دون انتشاره من قبل لفيف من المحقّقين أمثال: سلطان العلماء، والفاضل التوني صاحب الوافية، والمحقّق الشيرواني صاحب الحاشية على المعالم، ولم تتكلّل جهودهم بالنجاح.

إلى أن قام رجل العلم والقلم والتحقيق والتدقيق، المحقّق البهبهاني، وأحسَّ بخطورة الموقف، فانتقل من النجف الأشرف إلى كربلاء، وهي يومئذ معقل الأخباريين، يتزعّمهم الفقيه الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق، فحضر أبحاثه أيّاماً، ثمّ وقف يوماً في الصحن الشريف، ونادى بأعلى صوته: أنا حجّة اللّه عليكم، فاجتمعوا عليه، وقالوا ما تريد؟ فقال: أُريد من الشيخ يوسف أن يمكّنني من منبره ويأمر تلامذته أن يحضروا تحت منبري، فأخبروا الشيخ يوسف بذلك، وحيث إنّه كان يومئذ عادلاً عن مذهب الأخبارية، خائفاً من إظهار ذلك من جُهّالهم، طابت نفسه بالإجابة.

وألَّفت هذه الحادثة منعطفاً تاريخياً في قلب الموازين لصالح الأُصوليين، حيث وضع المحقّق البهبهاني أصابعه على النقاط الحسّاسة التي كانت الأخبارية تتشدّق بها (35).

[ عهد ما بعد المدرسة الأخباريّة ]

وفي هذا العهد:

1. أُلفتْ موسوعات مفصّلة في أصول الفقه، مثل: ضوابط الأصول للسيّد إبراهيم القزويني، ومفاتيح الأصول للسيّد محمّد الطباطبائي المعروف بالسيّد المجاهد، وقوانين الأصول للميرزا أبو القاسم الجيلاني، المعروف بالمحقّق القمي، والفصول الغروية في الأصول الفقهية للشيخ محمّد حسين الإصفهاني الحائري، وفرائد الأصول المشتهر في الأوساط العلميّة بالرسائل للشيخ مرتضى الأنصاري.

2. أُولفتْ موسوعات ضخمة ومهمّة جدّاً في الفقه، مثل: المناهل للسيّد محمّد الطباطبائي، ورياض المسائل للسيّد عليّ الطباطبائي، وجواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للشيخ محمّد حسن النجفي، ومفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة للسيّد محمّد جواد العاملي.

3. وبجانب الفقه والأصول فقد أُلفتْ كتب كثيرة في الرجال، مثل تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال، ومنتهى المقال في أحوال الرجال للشيخ أبي عليّ الحائري، والفوائد الرجاليّة للسيّد محمّد مهدي بحر العلوم، وغيرها.

ويمكن أن نعدّ من أعلام هذا العصر:

1. السيّد محمّد مهدي الطباطبائي المعروف بـ (بحر العلوم)، له الفوائد الرجاليّة، والدرّة النجفية (منظومة في الفقه).

2. الشيخ أبا عليّ الحائري صاحب منتهى المقال.

3. السيّد محمّد جواد العاملي مؤلّف مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة.

4. الميرزا أبو القاسم الجيلاني، المعروف بالميرزا القمي، صاحب قوانين الأصول، وغنائم الأيّام.

5. السيّد عليّ الطباطبائي الحائري، صاحب رياض المسائل.

6. السيّد محمّد الطباطبائي المعروف بالسيّد المجاهد، صاحب المناهل، ومفاتيح الأصول.

7. الشيخ أسد الله التستري الكاظمي، صاحب مقابس الأنوار ونفائس الأسرار في أحكام النبيّ المختار وعترته الأطهار، وكشف القناع عن وجوه حجّيّة الإجماع.

8. الشيخ جعفر كاشف الغطاء، صاحب كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء.

9. المولى أحمد النراقي، صاحب مستند الشيعة.

10. السيّد محمّد باقر الشفتي، صاحب مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام.

11. الشيخ محمّد حسن النجفي، صاحب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام.

12. الشيخ مرتضى الأنصاري، صاحب فرائد الأصول.

ثمّ اعلم أنّ المدرسة التي بناها الوحيد البهبهاني امتدّت (36) بعينها إلى اليوم في النجف الأشرف وقم.

نعم نجد في بعض الأحيان الاهتمام ببعض الأمور أكثر أو أقلّ.

______

الهوامش

_____

(1) رجال النجاشي، الرقم: 1047.

(2) كذا، ولعلّ الصواب: الالتباس.

(3) رجال النجاشي، الرقم: 1047.

(4) الكافي: ‏2/19ـ20، ح6.

(5) رجال الكشي: 424ـ425، ح799

(6) تفسير العيّاشي: 1/252، ح175، وفيه: يحيى بن السري، ولكنّه محرّف، والصواب عيسى بن السري كما في نسخة العلّامة المجلسي والبحراني. بحار الأنوار: ‏65/387؛ البرهان في تفسير القرآن: 2/113.

(7) الفهرست، الرقم: 467.

(8) رجال النجاشي، الرقم: 612.

(9) انظر المراد من «أعطاك من جراب النورة» في رجال الكشي مع تعليقات الميرداماد: 1/382؛ روضة المتّقين: 11/317؛ الوافي: 25/839؛ ملاذ الأخيار: 15/330؛ كشف الأسرار: ‏2/428؛ حاشية الوافي (للبهبهاني): 380.

(10) تهذيب الأحكام: 9/332-333، ح16؛ الاستبصار: 4/174-175، ح12.

(11) الكافي: ‏5/215، ح12.

(12) تهذيب الأحكام: 7/65، ح26.

(13) رجال الكشّي: 384، الرقم: 718.

(14) ولأجل ذلك قال العلّامة المجلسي: «يُنزّل أكثر أصحابنا كلامه (أي الشيخ الصدوق) وكلام أبيه رضي الله عنهما منزلة النصّ المنقول والخبر المأثور». بحار الأنوار: 10/405.

وقال الشهيد الأوّل: «إنّ الأصحاب كانوا يتمسّكون بما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه عند إعواز النصّ‏، لحسن ظنّهم به، وإنّ فتواه كروايته». الذكرى: 4.

وقال صاحب الفصول: «استبان من طريقة الصدوقين الاقتصار على متون الأخبار، وإيراد لفظها في مقام بيان الفتوى، ولذا عدّ الصدوق رسالة والده إليه من الكتب التي عليها المعوّل، وإليها المرجع، وكان جماعة من الأصحاب يعملون بشرائع الصدوق عند إعواز النصّ». الفصول الغروية: 311.

وقال السيّد البروجردي: «كتابه النهاية إنّما وضعه على طريقة الأصحاب حيث تعرّض فيها لفروع ورد في كلّ منها نصّ خاصّ كما هو دأبهم... نعم، الفروع التي يذكرها في النهاية يكشف عن ورود نصّ خاصّ في كلّ منها». زبدة المقال: 37.

(15) المبسوط: 1/1ـ3.

(16) قد ذكرنا في مقالة مستقلّة أنّ كتاب عدّة الأصول للشيخ الطوسي أُلِّف قبل كتاب الذريعة للسيّد المرتضى. مجلّة کتاب شيعة، العدد: 9-10.

(17) ويعبّر عنه بعصر الركود. ينظر: تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 291. أو عصر التقليد. تاريخ فقه وفقهاء: 223.

هذا وقد كتبنا مقالة موجزة حول هذا الأمر وذكرنا فيها: أنّ عهد تثبيت مباني الشيخ الطوسي، والتعبير عنه بعصر الركود لا يخلو عن تأمّل. انظر «دوره رکود وتقليد يا دوره تبيين واستحكام» منشورة على موقع كاتبان.

(18) كشف المحجّة لثمرة المهجة: 185.

(19) حكاه عنه ولده في معالم الدين: 176.

(20) مقابس الأنوار: 5.

(21) وقد عبّر عن هذه المرحلة بدور تجديد الحياة الفقهية. تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 315. أو عصر تجديد حركة المجتهدين. تاريخ فقه وفقهاء: 227.

(22) وكانت هذه الكتب محوراً للبحوث قبل تأليف كتاب العروة الوثقى للسيّد كاظم الطباطبائي اليزدي، كما لا يخفى على من رجع إلى الموسوعات الفقهية.

(23) موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة): 2/321؛ تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 331.

(24) موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة): 2/384-385؛ تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 393-394.

(25) قال الحرّ العاملي في الردّ عليهم: إنّه يستلزم ضعف أكثر الأحاديث... بل يستلزم ضعف الأحاديث كلّها عند التحقيق. وسائل الشيعة: 30/259ـ260.

وللتفصيل انظر هداية الأبرار إلى طريق الأئمّة الأطهار: 31ـ45؛ 117ـ151.

(26) قال الحرّ العاملي في مقدّمة کتاب الوسائل: إنّهم ادّعوا في كثير من المسائل أنّها غير منصوصة، مع ورودها في نصوص صريحة. وسائل الشيعة: 1/8.

(27) للتفصيل انظر هداية الأبرار إلى طريق الأئمّة الأطهار: 205 وما بعدها.

(28) الفوائد المدنية: 254.

(29) من شروحه: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، للعلّامة المجلسي.

(30) من شروحه: روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، للمحقّق المجلسي والد العلّامة المجلسي.

(31) من شروحه: ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، للعلّامة المجلسي.

(32) من شروحه: رياض السالكين في شرح الصحيفة السجّادية، للسيّد علي خان المدني الشيرازي.

(33) مثل: كشف الأسرار في شرح الاستبصار، للسيّد نعمة الله الجزائري.

(34) وقد عبّر عن هذا العصر بعصر تصعيد الاجتهاد والنشاط الفقهي. تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 427. وكذا بالعصر الحديث للاستنباط. تاريخ فقه وفقهاء: 241.

(35) موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة): 2/417ـ418؛ تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 427ـ428.

(36) قد يقال بأنّه بعد عصر الوحيد البهبهاني ومدرسته تصل النوبة إلى عصر آخر يعبّر عنه بعصر الإبداع والتطوّر الفقهي، ورائد هذه الحركة الشيخ مرتضى الأنصاري. قال سماحة آية الله السبحاني ـ حفظه الله ـ: إنّ الحركة العلمية التي قادها رائد الفكر والتحقيق المحقّق البهبهاني خلفت وراءها أجيالاً من العلماء الفطاحل، وتراثاً علمياً ضخماً في مجالي الفقه والأُصول، وقد مرّ أنّ ثلّة من تلامذته ألّفوا موسوعات فقهية وأُصولية دحضوا بها حجج الأخباريين الباطلة، ومهّدوا الطريق لظهور حركة علمية جديدة تتمتّع بالاستضاءة من التراث العلمي الذي خلّفه المحقّق البهبهاني وتلامذته مع إبداع أُسلوب جديد في الأُصول والفقه، ورائد هذه الحركة الجديدة ـ وإن كان في الحقيقة استمراراً للنهج العلمي الذي قاده البهبهاني ـ هو الشيخ المحقّق المدقّق مرتضى بن محمّد أمين المعروف بالأنصاري. موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة): 2/431؛ تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 441. وقد عبّر الدكتور الگرجي عن عصر الشيخ الأنصاري ومن بعده بالعصر الحاضر. تاريخ فقه وفقهاء: 264.

ومن مارس كتب الوحيد وتلامذته، وكذا كتب الشيخ الأنصاري وتلامذته إلى اليوم، يجد بوضوح أنّ الشيخ وتلامذته إلى اليوم هم أتباع المدرسة التي أسّسها الوحيد البهبهاني.

نعم، هناك بعض الفوارق الجزئية من حيث المادّة والمنهجية والصياغة بين الوحيد وتلامذته والشيخ وتلامذته إلى اليوم، ولكن هذه الفروق ليست بمثابة كبيرة حتّى يمكن أن يقال بأنّ الشيخ الأنصاري أسّس مدرسة جديدة؛ كما لا يخفى.