القائمة الرئيسية

الصفحات

هل المصحف الذي تحتفظ به مكتبة السيّد المرعشيّ هو بخطّ ابن البوّاب؟

 

هل المصحف الذي تحتفظ به مكتبة السيّد المرعشيّ هو بخطّ ابن البوّاب؟

كتب السيّد حسن البروجردي

لا شكّ أنّ أبا عليّ محمّد بن عليّ بن حسن المعروف بابن مقلة البيضاوي (272ـ 328 هـ) هو من أكبر العارفين بفنّ الخطّ وإجادته في محوّضة الإسلام وقد استطاع أن يستحدث تاريخاً حديثاً في حرفة الخطّ وصناعته وأوصل مكانة هذا الفنّ إلى ذروته وسنامه بحيث يقسّم أهل التحقيق تاريخه إلى ما قبل عصر ابن مقلة وإلى ما بعد عهده، وقد ظهر من بعده نابغة هذا الفنّ في حوزة الإسلام أي عليّ بن هلال البغداديّ المعروف بابن البوّاب (المتوفّى 423 هـ)، وقد استطاع أن يبدع في كتابة الخطوط التي أتقن ابن مقلة أساليبها وأحكم فنونه المتنوّعة إبدعاتٍ كثيرةً غانيةً رائعةً بحيث جعل كلّ من تأخّر عنه من مهرة هذا الفنّ إلى قرون متمادية يسلك مسلكه ويراعي نهجه في كتابة الخطّ. 

وللأسف أنّه لم يُر إلى الآن نموذج من الخطّ يمكن أن ينتسب إلى ابن مقلة بالقطع وأنّ المصحف المتوفّرة نسخته في مصر المنتسبة إلى خطّ ابن مقلة إنّما هو من الموارد التي تضحك بها الثكلى ومن النسبات التي تؤلّفها أيادي الوضّاع وتلفّقها أقلام الجعّال نيلاً إلى رغباتهم الماديّة ضرورة أنّ هذه النسخة متأخّرة عن عصره بدهور متمادية ولعّل مردّها إلى القرن العاشر أو الحادي عشر على أنّها قد كتبت بخطّ بشع مستهجن.

وقد بقيت هناك من تراث ابن البوّاب نسخة رائعة مشهورة من القرآن بخطّ الريحان وكذا ضمائم بخطّ الرقاع واستناداً إلى ترقيم هذه النسخة يرجع تاريخ كتابتها إلى عام 391 هـ ببغداد. وإنّها يحتفظ بها في مكتبة جستربيتي في أيرلندا ومع إغماض العين عن انتساب هذا القرآن إلى ابن البوّاب تعدّ نسخته وهي مكتوبة بهذا الخطّ البديع ومعمول فيها فنّ التذهيب في عداد نوادر النسخ القرآنيّة وأنّها عبر منظار فنّ الجرافيك لا نظير لها. 

وقد استشكل شرذمة في انتساب هذا الخطّ إلى ذلك القرن وكذا في انتسابه إلى ابن البوّاب ولكنّه لا شكّ في كونه بملاحظة أسلوب التذهيب وقطعها من هذه الحقبة التاريخيّة والنطاق الزمنيّ.

وقد نالت بهذه النسخة يد الطباعة قبل سنين متمادية فطبعت طبعة فاخرة نفيسة على الهيئة الفاكسيميليّة في الدول الأروبيّة وتملّك راقم هذه السطور بتوفيق من ربّه الموفّق نسخة منها.

ومن جملة النسخ المنسوبة إلى ابن البوّاب جزء من القرآن مرقّم تحت الرقم التسلسلي 4358 في مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ بقم واستناداً إلى ما ورد في خاتمة هذه النسخة قد استنسخه عليّ بن هلال عام 392 من الهجرة ببغداد أي بعد كتابة القرآن المتقدّم ذكره بسنة وقد أنجزت هذه المرّة كتابة هذه النسخة من البدء إلى الختم بخطّ الكوفي المتطوّر أو على ما يصطلح عليه حديثاً بأسلوب الكوفي المستحدث، نعم ليس عيار هذا الخطّ في هذه النسخة كسائر النسخ التي كتبت بخطّ الكوفي المتطوّر فكأنّه خطّ من درجة ثانية فيما بين الخطوط الكوفيّة مع الإذعان بأنّ هذه النسخة ذات أهميّة وخطورة وإنّما مردّها إلى القرن الخامس أو السادس من الهجرة ولكنّ مع ذلك كلّه لا محيص عن أن أصرّح بأنّ هذا الإنتساب لا سمة له من الصحّة وإن صُرّح في خاتمة هذه النسخة باسم ابن البوّاب بعنوان أنّه ناسخ هذا الجزء من القرآن.

والشأن كلّ الشأن في أنّ نابغة كابن البوّاب الذي هو الأُستاذ الماهر في مختلف الخطوط لمّا أن أراد كتابة قرآن بخطّ الكوفيّ المتطوّر كيف يُنزل ويحطّ درجة الكتابة بهذا الخطّ إلى هذا المستوى المنهبط ومضافاً إلى ذلك أنّ كتابة القرآن بخطّ الكوفيّ في تلك الحقبة الزمنيّة كانت في غاية الاشتهار وأنّ قاطبة العارفين بفنّ الخطّ وإجادته كانوا من المهرة في ذلك. 

وفي الحقيقة أنّ تلك الحقبة الزمنيّة (القرن الرابع والخامس من الهجرة) هي عصر التطوّر في أسلوب خطّ الكوفيّ البديع المثير للإعجاب. فإنّ هذا من أهمّ الإشكالات التي يمكن أن نوردها على هذه النسخة وليس وروده على هذه النسخة وهذا الانتساب بهيّن ألبتّة. 

وقد يتبادر إلى الذهن معنى أنّ ابن البوّاب كان متفوّقاً ومجيداً عمله حتّى الإتقان في كافّة أنواع خطوط النسخ (الثلث، النسخ، الرقاع، التوقيع و...) ومبتكراً فيها ولكنّه لم يكن في كتابة الكوفيّ متبحّراً؟ ولكنّه يدفعه: أوّلاً: أنّه إن كان عمله كتابة النسخ فلِم كتب قرآناً بخطّ الكوفيّ؟ وثانياً: أنّ اشتهار كتابة القرآن بخطّ الكوفيّ ومهارة العارفين بفنّ الخطّ وإجادته في تلك الأعصار في خطّ الكوفيّ بعنوان أنّه الخطّ الرائج والدارج لكتابة القرآن الكريم لا سيّما بضمائم النسخ يبعّد توهّم هذا الأمر أي أنّ عارفاً بفنّ الخطّ وإجادته كابن البوّاب الذي كان في كافّة الأقلام الستّة ماهراً بارعاً لم يكن متفوّقاً على هذا الخطّ كما يُرى في هذا النطاق الزمني المعاصرأنّ عدداً كبيراً من الأساتذة العارفين بكتابة الثلث لهم مهارة قويمة قيّمة في كتابة خطّ الكوفيّ فضلاً عن تلك الحقبة الزمنيّة التي كانت مهد رصانة هذا الخطّ وتطوّره. 

وكتب السيّد حسن الموسويّ البروجرديّ/ رمضان المبارك 1440 هـ

ملحق الصور:

1- نموذج من تذهيب نسخة ابن البوّاب في مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ. إنّ تذهيب هذه النسخة أيضاً غير مثير للإعجاب قياساً إلى بعض النسخ المكتوبة بخطّ الكوفي فضلاً عن نسخة بخطّ ابن البوّاب.

نموذج من تذهيب مصحف بخط ابن البواب

2- الصفحتان الاستهلاليّان من النسخة المنسوبة إلى خطّ ابن البوّاب الخطّاط العارف بأساليب الفنّ في القرن الخامس الهجري في مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ

الصفحتان الاستهلاليتان من المصحف المنسوب لابن البواب

3- الصفحتان الأخيرتان من نسخة ابن البوّاب في مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ وقد صُرّح فيها بانتساب هذه النسخة إليه، تاريخ الكتابة عام 392 من الهجرة.

الصفحتان الأخيرتان من المصحف المنسوب لابن البواب