بقلم الشيخ مازن المطوري
السؤال:
السلام عليكم، هل الشيطان كائن له حدود زمانيّة ومكانيّة؟ فلمّا نقول: فلان أغواه الشيطان ففعل كذا، فهل هذا الإغواء شخصيّ وجزء من المنظومة العقليّة للشخص أم خارجيّ مستقلّ وأتاه من الخارج؟ فإذا كان خارجيّاً فهذا يستوجب أن يكون للشيطان إمكانات وجوديّة ربوبيّة، وبما أنّ الأديان السماويّة (على الأقل) لا تقرّ بالربوبيّة إلّا لله، فالمؤكّد أنّ الله هو الذي أعطى الشيطان هذه الميزات الربوبيّة.
الجواب (الشيخ مازن مطوري):
وعليكم السلام ورحمة الله.
بداية يجب أن نعرف أن هذا الموضوع لا يمكننا الإحاطة به إلا بواسطة العقل الصريح وما جاء به القرآن الكريم والسنّة الصحيحة.
[ الشيطان بمنظار العقل ]
أمّا العقل فهو لا يصل لهذا الأمر إثباتاً أو نفياً، فليس بمقدور العقل إثبات موجود اسمه الشيطان وبيان كيفيّة أفعاله، وكذا ليس بمقدوره النفي لأنّه ممكن وليس مستحيلاً، ولا يوجد من العقل ما يقتضي الاستحالة.
[ الشيطان وفق المنظور القرآني ]
وأما القرآن الكريم، فقد تحدّث عن إبليس أو الشيطان في مواضع كثيرة. وقد أكّد في هذه المواضع على أنّ إبليس من الجنّ التي هي مخلوقات من النار، وأنّهم مكلّفون كالإنسان، فهم موجودات مختارة تقف على مفترق طريقين: ﴿وأنّا منّا الصالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قدداً﴾ الجن 11، ﴿وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون﴾ الذاريات 56. وأنّ الله قد أرسل للجنّ رسلاً، كما أرسل للإنس: ﴿يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي﴾ الأنعام 130، ﴿وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشداً وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً﴾ الجن 14- 15.
فالمتحصّل من هذه الآيات أنّ الجنّ مخلوقات من النار، مكلّفون، لديهم رسل، فمن يُسلم ويؤمن فيجازى بالجنّة، ومن يعصي ويستكبر يكون مصيره النار.
[ أعمال الشيطان وأفعاله ]
وأمّا الأعمال التي يقوم بها الشيطان، فقد تحدّث القرآن الكريم عنها في موارد متعددة:
منها: الوسوسة، وهذا واضح كما في قصة آدم وحواء، ﴿فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُري عنهما..﴾ الأعراف 20 – 22.
ومنها: تزيين الأعمال السيئة في عيون الناس، ﴿ولأزيننَّ لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين﴾ الحجر 39.
فالتزيين أحد أهمّ الأسلحة التي يستخدمها الشيطان في نشاطه لإضلال الناس، فيظهر الأعمال التي لا ترضي الله تعالى لذيذة مزيّنة مزوّقة في أعين الناس، حتّى يتخيّل الإنسان أنّ طريق المحرّمات هو الأقرب للقلب والأسعد للنفس.
وهناك المشاركة في الأموال والأولاد وغيرها ممّا تعرّضت له الآيات القرآنيّة.
ومن خلال التأمّل في هذه الآيات نعرف أنّ الشيطان لا يجبر أحداً على عمل ما، وإنّما يدعوه فقط ويوسوس له، فإذا اتّبعه أحد واختار لنفسه أن يكون عبداً للشيطان فحينئذ يتسلّط عليه الشيطان ويستحوذ عليه، ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله﴾ المجادلة 19.
فالذين يتّبعون الشيطان ويسيرون خلف تزيينه ووسوسته هم الذين يتمكّن منهم ويكون له سلطان عليهم، ﴿إنّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون، إنّما سلطانه على الذين يتولّونه والذين هم به مشركون﴾ النحل 99- 100. فبعض البشر يتولّون الشيطان باختيارهم من خلال القيام بالأعمال الطالحة والقبيحة والمداومة عليها، فعند ذلك يتمكّن منهم.
وحتى لا نبتعد كثيراً عن السؤال، فالشيطان يتصرّف في حاسة الإنسان من خلال الظهور بالصور المتعددة في الجهاز الحسيّ للإنسان، وليس معنى ذلك أنّ الشيطان يتغيّر في ذاته على أيّ صورة يختارها كما قال به بعضهم، فهو لا دليل عليه من نقل أو عقل. فميدان عمل الشيطان هو منطقة الإدراك الإنسانيّ والعواطف والإحساسات الداخليّة، فهو يلقي الأوهام الكاذبة والمخادعة والأفكار الباطلة في النفس الإنسانيّة ﴿الذي يوسوس في صدور الناس﴾، ﴿وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي﴾.
فالقصة ليست قصّة ربوبيّة وإنّما قصّة تصرّف في مخيّلة الإنسان ومنطقة الإدراك عنده بالتزيين والوسوسة والإلقاء. ولا شكّ أنّ الشيطان يمتلك إمكانيّات ليست بالقليلة أو الهيّنة، ولكنّها ليست ربوبيّة وإنّما بالشكل الذي بيّناه آنفاً.