أسئلة زوار المدونة | السؤال 20
الاسم : رويدة
الدولة : العراق / كربلاء المقدسة
السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ما معنى المرتكزات الفعليّة ؟ وما هي البديهيات العقلية والنقلية ؟ وماهي القطعيات والمسلمات الشرعية ؟ وهل تنفع هذه الامور في التفسير الفقهي ؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
أولاً: معنى المرتكزات الفعلية
الارتكاز في اللغة من مادة (ركز) وهي تأتي بمعنى " غرز " إذ يُقال : ركز رمحهُ أي غرزه في الأرض ، قال الخليل الفراهيدي : " ركزت الرمح وغيره أركزه ركزا ، إذا غرزته منتصبا في مركزه " (1) . ومن هنا يُسمّى المعدن (رُكازاً) وذلك لأنّه ثابت ومستقّر في باطن الأرض . وعلى ضوء هذا فإنّ المرتكزات من الأفكار أو قل الارتكازي هو " الأمر المركوز في العقول " (2) .
وأمّا معنى الارتكاز اصطلاحاً فهو إجمالاً يعني : " ثبوت مفهوم خاص في ذهن طائفة من الناس أو أغلبهم أو كلهم . مثل : ارتكاز أن الاثنين أكثر من الواحد ، وأن خبر الثقة مما يعتمد عليه عند الناس كافة ، وارتكاز حرمة القرآن والكعبة عند المسلمين قاطبة ، وحرمة الأئمة ( عليهم السلام ) عند الإمامية " (3) وتفصيله : " أن الارتكاز عبارة عن رسوخ بعض المفاهيم في ذهن الناس ، وتارة تقوم على وفقه سيرة عملية وتارة لا تقوم - لأنها مفاهيم نظرية - ومنشأ الارتكاز تارة يكون الفطرة والغريزة ، وتارة القدرة التشريعية " (4) .
والارتكاز على عدّة أنواع منها : ارتكاز العقلاء وارتكاز المسلمين وارتكاز المتشرعة ، والارتكاز العرفي وغيرها والتفصيل في ذلك يُطلَب من مطوَّلات علم الأصول .
و المراد من الفعليّة في قولهم ( المرتكزات الفعليّة ) ما يقابل الشأنية أي أنّها ارتكازات ثابتة ناجزة نافذة فعلاً يتابعونها على أرض الواقع لا أنها مجرد أحكام شأنية ، كما يُستعمَل اصطلاح الارتكاز الفعلي في كلمات الفقهاء للدلالة على ارتكازاتنا الموجودة في الوقت الحاضر – في قبال الارتكازات المندثرة - ومن ثمَّ وقع الكلام في أنّ هذه الارتكازات الفعلية – المركوزة في أذهان العقلاء في الوقت الحاضر – هل تكشف عن وجود ارتكاز مماثل في العصور المتقدِّمة أم لا ؟ وليُطلَب تحرير ذلك من علم الأصول .
ثانياً: معنى البديهيات العقليّة والنقليّة
البديهيات هي القضايا التي لا تحتاج إلى استدلالٍ أو كسبٍ ونَظَرٍ وإنما يكفي في إدراكها والتصديق بها مجرَّد توجُّه النفس لها، وهذه البديهيات على ستة أنواعٍ هي : " الأوليات ، والمشاهدات ، والتجربيات ، والمتواترات ، والحدسيّات ، والفطريات " والذي يخص سؤالكم منها هو الأوليات والتي هي البديهيات العقليّة، والمتواترات والتي هي البديهيات النقليّة ، وبيانه كما يلي :
أمّا البديهيات العقلية (الأوليّات) فهي : القضايا التي " يُصدِّق بها العقل لذاتها ، أي بدون سببٍ خارجٍ عن ذاتها ، بأن يكون تصور الطرفين مع توجه النفس إلى النسبة بينهما كافيا في الحكم والجزم بصدق القضية ، فكلما وقع للعقل أن يتصور حدود القضية -الطرفين - على حقيقتها وقع له التصديق بها فورا عندما يكون متوجها لها . وهذا مثل قولنا : " الكل أعظم من الجزء " و " النقيضان لا يجتمعان " " (5) .
فقولنا الكلّ أعظم من الجزء قضية بديهية عقلية لا تحتاج إلى دليل يدل على حقانيتها بل لا يصحّ إقامة الدليل عليها وإنّما كلّ ما في الوسع هو إقامة المنبهات التي تُرشِد إلى تصوُّر طرفيها وحدودها بشكلٍ صحيح ، والوجه في ذلك أنّ مجرّد تصوُر طرفي هذه القضية (الكلّ والجزء) والنسبة بينهما كافٍ لتصديقها والإذعان بها ، إذ أن الكلّ لو لم يكن أعظم لما صار كلاً ولما صار الجزء جزءاً.
وهكذا قولنا النقيضان لا يجتمعان .. إذ مجرد تصوُّر النقيضين كالإنسان واللاإنسان مثلاً تدرك أنّهما لا يمكن أن يجتمعا في شيء واحد من جهة واحدة في زمان واحد بحيث يكون هو إنساناً ولا إنساناً ، وهكذا في غيرها .
وأمّا البديهيات النقليّة (المتواترات) فهي : قضايا تسكن إليها النفس سكونا يزول معه الشك ويحصل الجزم القاطع . وذلك بواسطة إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ويمتنع اتفاق خطئهم في فهم الحادثة كعلمنا بوجود البلدان النائية التي لم نشاهدها ، وبنزول القرآن الكريم على النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبوجود بعض الأمم السالفة أو الأشخاص .
وبعضٌ حَصَرَ عدد المخبرين لحصول التواتر في عدد معين . وهو خطأ ، فإن المدار إنما هو حصول اليقين من الشهادات عندما يُعلَم امتناع التواطؤ على الكذب وامتناع خطأ الجميع . ولا يرتبط اليقين بعدد مخصوص من المخبرين تؤثر فيه الزيادة والنقصان " (6) .
ومن أبرز مصاديق البديهيات النقليّة المتواترة القرآن الكريم بتمامه، وأمّا من السنّة الشريفة فقد تواتر مثلا في كتب المسلمين بمختلف مذاهبهم ومدارسهم حديث الغدير أعني قول النبي (صلى الله عليه وآله) في خطبة الغدير : " من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه " وكذلك حديث الثقلين " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعرتي أهل بيتي ... " وغيرهما .
ثالثاً: معنى القطعيات والمسلّمات الشرعيّة
أمّا المسلّمات فهي : " قضايا تُسلَّم من الخصم ويُبنى عليها الكلام لدفعه سواءً كانت مسلَّمة فيما بينهما خاصّة أو بين أهل العلم كتسليم الفقهاء مسائل أصول الفقه " (7) . فالفقيه عندما يحتجّ في الفقه بخبر الآحاد مثلاً فهو يأخذ حجيته كأمرٍ مسلّمٍ لا نقاش فيه بعد إن ثبتت في علم الأصول، وبعبارة أخرى المسائل الأصولية تؤخذ كمسلّمات في علم الفقه وعليه قس الأمثلة الأخرى .
وقال الشيخ المظفر في تعريف المسلّمات : " هي قضايا حصل التسالم بينك وبين غيرك على التسليم بأنها صادقة ، سواء كانت صادقة في نفس الأمر ، أو كاذبة كذلك ، أو مشكوكة . والطرف الآخر إن كان خصما فإن استعمال المسلمات في القياس معه يراد به إفحامه . وإن كان مسترشدا فإنه يراد به إرشاده وإقناعه ليحصل له الاعتقاد بالحق بأقرب طريق عندما لا يكون مستعدا لتلقي البرهان وفهمه . ثم إن المسلمات إما "عامة " سواء كان التسليم بها من الجمهور عندما تكون من المشهورات ، أو كان التسليم بها من طائفة خاصة كأهل دين أو ملة أو علم خاص .... وإما " خاصة " إذا كان التسليم بها من شخص معين وهو طرفك الآخر في مقام الجدل والمخاصمة ، كالقضية التي تؤخذ من اعترافات الخصم ليبتني عليها الاستدلال في إبطال مذهبه أو دفعه " (8) .
ومنه يتضح أنّ المراد بالمسلّمات الشرعية هي مجموعة القضايا التي تسالم المتشرعة على صحتها ، فمثلاً من المسلّمات الشرعية التي تسالمت عليها مصادر جميع الفرق الإسلامية أنّ حبّ أهل البيت (عليهم السلام) إيمان وبغضهم نفاق ، قال السيد محمّد رضا المدرّسي : " انّ أدنى تأمّل في سنّة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التي وردت كراراً في المصادر المعتبرة للعامّة ، لتفيد بانّ من المسلّمات الشرعيّة البديهيّة أنّ لأهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مقاماً و منزلة رفيعة ليست لاحد غيرهم ، فمحبّتهم وطاعتهم واتّباع أمرهم ( عليهم السلام ) واجب و ضرورة " (9) .
وأمّا القطعيات : فيراد بالقطع العلم واليقين (10) ولا شبهة في حجيته لأنّ حجية العلم ذاتية .
رابعاً: هل تنفع هذه الأمور في التفسير الفقهي ؟
نلخص الجواب في خمسة نقاط كما يلي :
1- يمكن الرجوع إلى الارتكازات العقلائية الفعلية في فهم ظواهر النصوص بما فيها آيات الأحكام وفق ضوابط مسطورة في علم الأصول منها أن تكون هذه الارتكازات كاشفة عن ارتكاز مماثل ممتدٍ إلى عصر المعصوم (عليه السلام)، كما يمكن الرجوع إلى الارتكازات العرفية في تحديد موضوع الحكم وضبطه إذا لم يكن من قبيل المواضيع المستنبطة .. وهكذا يمكن الرجوع إلى الارتكاز في جملة موارد مضبوطة في علمي الفقه و الأصول .
2- تعدُّ البديهيات العقلية (الأوليات) بمثابة رأس مال العلوم ونظراً لكونها مضمونة الحقانيّة فهي حجّة بلا خلاف، فإذا ما وُجِد لها مورد في سياق تفسير آيات الأحكام فلا ريب ولاشكّ في مشروعية بل وجوب اعتمادها، كما لا ريب في بطلان كلّ ما خالفها .
3- تعدّ البديهيات النقلية (المتواترات) من أصحّ المأثورات وأعلاها مرتبة وبالتالي يندرج اعتمادها في تفسير آيات الأحكام ضمن منهج التفسير بالمأثور (التفسير الروائي، قال محمّد علي الرضائي : " تُعتبَر الأحاديث المتواترة حجّة في التفسير؛ لأنّها تفيد العلم فإذا وصلتنا أحاديث متواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) بخصوص تفسير آية، فلابد من الأخذ بهذا التفسير والعمل بمضمونها (إذا كانت تتعلّق بالمسائل العمليّة) ؛ كما صرّح بذلك العلّامة الطباطبائي في تفسير الآية (44) من سورة النحل . " (11) .
4- المسلّمات الشرعية إنّما تؤخَذ كمسلمّات في مقام الاحتجاج وأما حجيتها وحقانيَّتها في نفسها فنابعة من دليلها في مقام تحريرها وتنقيحها فإن كان سليماً أمكن اعتمادها في تفسير آيات الأحكام وإلا فلا .
5- لا شكّ في حجية القطع وجواز اعتماد القضايا القطعية في تفسير آيات الأحكام وفق ضوابط وقواعد التفسير ، قال الشيخ جوادي آملي في ذكر مصادر تفسير القرآن الكريم : " ... والمصدر الثالث هو العقل البرهاني المصون من آفة مغالطة الوهم ومن ضرر التخيّل ... فإذا ما أثبت العقل البرهاني أمراً ما أو نفاه ، فإنّ من المؤكَّد في تفسير القرآن أن يكون ذلك الأمر الثابت محفوظاً ولا ينفيه ظاهر أيَّة آية ... " (12) ويقصد بالعقل البرهاني الاستدلال العقلي القطعي .
هذا ما تيسّر والله العالم وهو وليّ التوفيق .
____
الهوامش
(1) العين ، الخليل الفراهيدي: ج5 ، ص320 .
(2) الموسوعة الفقهية الميسَّرة ، الشيخ محمد علي الأنصاري : ج2 ، ص389 .
(3) المصدر نفسه : 389 .
(4) المصدر نفسه : 391 .
(5) المنطق ، الشيخ محمد رضا المظفر : ص271 .
(6) المصدر نفسه : ص275 .
(7) دستور العلماء ، (جامع العلوم في اصطلاحات الفنون) ، القاضي عبد النبي الأحمدنكري: ج3 ، ص180 .
(8) المنطق ، الشيخ محمد رضا المظفر : ص291 .
(9) تشيّع در تسنن ، السيد محمد رضا المدرسي : ص127 .
(10) اصطلاحات الأصول ، الميرزا علي المشكيني : ص219 .
(11) دروس في المناهج والإتجاهات التفسيرية للقرآن ، محمد علي الرضائي الأصفهاني : ص94 .
(12) تسنيم في تفسير القرآن الكريم ، الشيخ عبد الله الجوادي الآملي ، ج1 ، المقدّمة ص89 .
لإرسال سؤالك اضغط هنا