السؤال : كيف يمكن استثمار الإنسان لقابلياته بالنحو الأمثل ؟
الجواب : إنّ استثمار الانسان لقابلياته بالنحو الأمثل هو عامل أساس في تميُّز الانسان حقاً، لأنّ الإنسان مزوَّد بقابلياتٍ عديدة مثل قوّة التفكير والنزوع إلى الحكمة والقيم الأخلاقية وحب الاطلاع والميل إلى العمل والإنجاز، لكن هناك من يُنمِّي هذه القابليات بنحوٍ ملائمٍ فيجعله متميّزاً في الإنجاز أو السعادة بينما يهملها آخرون فلا يبلغون المراقي التي يناسبها .
فتنمية الإنسان لقابلياته من خلال الاختيار المناسب والإرادة القوية الموجبة للصبر والثبات في مسار معين والدافع الكافي للنموّ والتقدّم هي التي تجعل الانسان غالباً صاحبُ إنجازٍ علميٍ أو خدمةٍ مميَّزةٍ أو دورٍ نادرٍ، وليس أصل وجود تلك القابليات، نعم قد يتميَّز بعضٌ عن بعضٍ بمزيد من الاستعداد في مجالٍ ما ، لكن من الممكن أن يكون البعض مميَّزاً في مجالٍ آخر ، فإنّ المناحي المختلفة للقابليات تُكوِّن كلٌ منها أرضيةً مناسبة للنموّ في جهة مناسبة معها .
نعم إنّ تشخيص الإنسان لقابلياته يمكّنه من استثمارها بالنحو الأمثل، واستثمار المرء لقابلياته يتوقف على عناصر منها :
[ العناصر التي يتوقّف عليها استثمار الانسان لقابلياته ]
أوّلاً: الثقة بالنفس والانتباه الى مكامن القوّة فيها ، فلا ينبغي للإنسان أن يشعر بالوهن والضعف إذا وجد تميّزاً لغيره ، فإنّ هذا التميُّز ليس بالضرورة في القابلية الممنوحة له بحسب الخلقة ، بل قد يكون الجزء الأكبر من التميُّز بسبب التنمية للقابليات التي تقدَّم ذكرها .
ثانياً: الانتباه الى دور التنمية الذاتية في اكتساب النتائج المطلوبة ، لأنّ من الناس من يسند ما هو ناتج عن الوهن والخمول والتكاسل وفقدان الطموح المناسب إلى الأسرة والبيئة والحظ فحسب ، ومن المعروف أنّ المرء عادةً يرضى عن عقله وجهله ويندب حظه ونصيبه ، وهذا خطأ كبير . فللواقع المفروض على الإنسان دخلٌ في تحديد بعض خيارات الإنسان قطعاً إلّا أنّه ليس بالضرورة بالذي يغلق كل مجالات التقدّم والنمو وطرقها .
ثالثاً: الاهتمام باستثمار الوقت من خلال برمجة المرء لأوقاته بنحوٍ مناسبٍ حتى لا يضيع وقته كله بأمور ترفيهية بحته مثل العلاقات الاجتماعية والصداقات والانشغال بوسائل التواصل ، فالإنسان يحتاج إلى الترفيه لكن لا يصحّ أن يكون الترفيه غاية أو إدماناً ، بل ينبغي أن يكون عاملاً مساعداً على الأعمال الجادّة والنافعة ليكون فسحة للنفس وتنفيساً لها .
رابعاً: اتخاذ الأسوة الحسنة في مسيرة الحياة وتعقيداتها فإنّ نصب الحالات المميزة مثلاً عالياً يؤدي إلى تحفيز الإنسان وتحريك استعداداته الكامنة وتوفير الداعي والطموح للجد والعزيمة والامل والعمل .
ويجد الإنسان المؤمن في الله سبحانه داعماً ورجاءً في تنمية قابلياته في اتجاه الانجاز والحكمة والصلاح والخلق السامي كما قال تعالى: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ } (1) وقال تعالى: { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } (2) وقال تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ } (3) ، كما أنّه يجد في الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهدى (عليهم السلام) مَثلاً في العقلانيّة والحكمة والأخلاق الفاضلة في مختلف وجوهها كما قال تعالى: { لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } (4) .
السيد محمد باقر السيستاني (حفظه الله)
______
الهوامش
(1) سورة الطلاق / 3 .
(2) سورة الطلاق / 7 .
(3) سورة البقرة / 282 .
(4) سورة الأحزاب / 21 .
المصدر :
قناة المعرفة الدينة على التيليجرام ، قناة تُعنى بنشر بعض نتاجات آية الله السيد محمّد باقر السيستاني (دام ظله) .