أسئلة زوار المدونة | السؤال 7
الاسم : رويدة
الدولة : العراق / كربلاء المقدسّة
السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماهي الاساسيات التي يعتمد عليها المفسر بصورة عامه والفقيه في التفسير الفقهي عند الامامية وهل هناك فرق بين الأسس التي يعتمد عليها المفسر في الماضي والحاضر ؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قواعد التفسير : تعريفها ، أقسامها ، نماذج منها مع أهم تطبيقاتها
يعتمدُ المفسّرون في فهم وتفكيك النص القرآني على مجموعة من القواعد المشتركة والخاصة، إذ يعود بعضها إلى طبيعة نظام اللغة العربية وبعضها عقلائي وبعضها خاصٌ ببنية ونظام القرآن الكريم، وفي هذا الموجز سنتكلم عن تعريف قواعد التفسير، ثمّ بيان أقسامها، مع قائمة بأهم هذه القواعد وبعض تطبيقاتها لننتهي إلى مقاربة بين ماضيها وحاضرها، فالكلام فعلاً على عدة نقاط..
أوَّلاً: قواعد التفسير لغة واصطلاحاً
1- معنى قواعد التفسير لغةً.
القاعدة في اللغة الأصل والأساس الذي يُبنى عليه غيره، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: " القواعد : أساس البيت، الواحدة قاعد وقياسه قاعدة بالهاء ، وقعائد الرمل وقواعده : ما ارتكن بعضه فوق بعض وقواعد الهودج : خشبات أربع معترضات في أسفله قد ركب الهودج فيهن..."(1).
وأمّا التفسير فهو في اللغة الكشف والبيان، قال الخليل الفراهيدي في مادة (فسر): " الفسر: التفسير وهو بيان وتفصيل للكتاب.."(2)، وقال الجوهري في مادة (فسر): " الفسر: البيان. وقد فسَّرت الشيء أفسره بالكسر فسراً، والتفسير مثله"(3).
وعلى ضوء ذلك يتضح أنّ المدلول اللغوي للمركب (قواعد التفسير) هو: " الأسس والأصول التي يقوم عليها كشف وبيان النص القرآني ".
2- تعريف قواعد التفسير اصطلاحاً.
القاعدة في الاصطلاح هي القضية الكليّة، بينما هناك اتجاهان في تعريف التفسير يذهب أحدهما إلى أنَّه لا يُطلق إلّا على بيان المعاني المُشكِلة، وأمّا المعاني الظاهرة فلا يُعدّ تقريرها تفسيراً، لذا قال الشيخ الطبرسي في تعريفه: " التفسير: كشف المراد من اللفظ المشكل"(4).
بينما يذهب الاتجاه الثاني إلى أنّ التفسير يُطلق على ما هو أعمّ من بيان معنى اللفظ المشكل والظواهر المعقدة لذا قال الزركشي: " التفسير .. كشف معاني القرآن وبيان المراد، أعمُّ من أن يكون بحسب اللّفظ المُشكِل وغيره هو بحسب المعنى الظاهر وغيره"(5).
وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف قواعد التفسير بما يلي:
1- القاعدة التفسيريّة هي: " قاعدة مُمهِّدة لتحصيل الحجّة على استكشاف مراد الله تعالى من الآيات القرآنية، وإن شئتَ فقل: هي قاعدة مُمهِّدة للاحتجاج بها على تفسير القرآن"(6).
2- وقيل في تعريفها أيضا: " هي الأحكام الكلية التي يُتَوصَّل بها إلى استنباط معاني القرآن الكريم، ومعرفة الراجح مِمَّا فيه خلاف " وقيل بالتفريق بين القاعدة والأحكام الكلية.
وبهذا تكون نسبة القواعد التفسيريّة إلى علم التفسير من قبيل نسبة علم المنطق إلى سائر العلوم، ونسبة علم أصول الفقه إلى علم الفقه، إذ تقع القاعدة التفسيريّة في طريق فهم كتاب الله تعالى وتفسيره كوقوع القاعدة الأصولية في طريق استنباط الحكم الشرعي.
ويجدر التنبيه إلى أنّ كون هذه القواعد كلية لا يعني أنّها غير قابلة للاستثناء بل في كثير من الأحيان يوجد فيها استثناءات كثيرة، لأنّ القواعد التي تكون آبية عن الاستثناء هي القواعد العقلية فقط.
ثانياً: أقسام قواعد التفسير
تنقسم قواعد تفسير النص القرآني على قسمين وذلك لأنّ الكتاب الكريم لمّا كان قد نزل بلغة العرب وليس بلغة تخصه فهو من هذه الجهة محكوم بقواعد النحو والصرف والبلاغة العربية هذا من جهة ومن أخرى لمّا كانَ القرآن الكريم خطاباً للبشرية فهو بالضرورة يعتمد على قواعد المحاورة العقلائية المتعارفة عندهم، فضلاً عن اعتماده على قواعد المنطق الاستدلالي العقلي، وهكذا أمكن القول أنّ هناك مجموعة من قواعد التفسير تُستفاد من علوم متعددة وهذا القسم هو ما يُصطلح عليه بـ (قواعد التفسير العامة أو المشتركة) لأنها تعمّ علم التفسير وغيرة فهي مشتركة بين مجموعة من العلوم.
وفي قبال ذلك هناك مجموعة من قواعد التفسير لم يتمّ بحثها في أيّ علمٍ آخر غير مباحث علوم القرآن حتّى تُستفاد منه مثل (قاعدة الجَري والتطبيق) الآتية، أو أنّها تمّ بحثها في سائر العلوم ولكن ليس بلحاظ الحيثية التي يحتاجها مفسِّر القرآن الكريم بل من حيثية أخرى وذلك مثل ( قاعدة التفسير بخبر الواحد ) فالأصوليون بحثوا في حجية خبر الواحد لكن ليس من جهة صلاحيته لتفسير النص القرآني وإنما من جهة حجيته في الفقه، فيضطر المفسِّر إلى إعادة بحثه بلحاظ الحيثية التي يتعلق بها غرضه.
وخلاصة القول إن القواعد التفسيرية على قسمين:
1- قواعد التفسير المشتركة
ويمكن القول في تعريفها أنّها مجموعة من الأحكام الكليّة التي تقع في طريق تفسير وفهم النص القرآني وتُستفاد من مجموعة العلوم التي لها دَخل في تفسير النص كقواعد اللغة والصرف والنحو والمنطق وعلم الحديث والرجال وعلم الأصول وعلم الكلام وغيرها. وهذا النوع يُطلق عليه (قواعد التفسير) تسامحاً من جهة توظيفها في عملية التفسير وإلا فهي في الحقيقة قواعد نحوية وبلاغية وصرفية وهكذا.
2- قواعد التفسير الخاصة
وهي الأحكام الكليّة التي تقع في طريق تفسير وفهم النص القرآني ولم يتم بحثها في علم آخر أو أنها بُحثت ولكن ليس من الحيثية التي يتعلّق بها غرض المفسر، وبالتالي فإن هذا النوع من القواعد يتمّ تنقيحها ضمن مباحث علوم القرآن الكريم ولا تستفاد من علم آخر ومن هنا تم تسميتها بـ (القواعد الخاصة).
ثالثاً: أهمّ قواعد التفسير المشتركة مع نماذج من تطبيقاتها
هذا النوع من القواعد يتم اطلاق القواعد التفسيرية عليه تسامحاً كما أسلفنا، وهو لا يختصّ بعلم خاصٍ، وإنما منها ما يعمّ جميع العلوم بما فيها علم التفسير كقواعد علم المنطق، ومنها ما يعمّ مجموعة من العلوم ضمن تصنيفٍ معيّن كالقواعد المستفادة من علوم اللغة العربية بأصنافها من القواعد اللفظية والأدبية وغيرها وهي تقع في طريق فهم القرآن من جهة كونه قد نزل باللغة العربية، وكقواعد الاستدلال بالمنقول التي تعمّ جميع العلوم النقلية بما فيها التفسير بالمأثور، ومن هذا القسم أيضاً القواعد العقلائية المنظورة في مقام التحاور والخطاب كقاعدة حجية الظواهر وهكذا.
وكيف كان فإن قواعد التفسير العامة على عدة أصناف أهمّها:
1- قواعد اللغة العربية العامّة
يتم تحرير هذه القواعد ضمن مجموعة من العلوم منها علوم: اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان، وما من آية في كتاب الله تعالى إلّا وقد نزلت على ضوء هذه القواعد، وأهمّ القواعد التي يتعلّق بها غرض المفسر من هذا الصنف:
أ- قاعدة المجاز في القرآن الكريم
والمجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وُضِع له بعلاقة تربط بين المعنيين مع نصب قرينة مصحّحة للاستعمال، وهو على نوعين: لغويٌ تكون العلاقة فيه المشابَهة ويُطلق عليه (الاستعارة) ومجاز مرسَل تكون العلاقة فيه غير المشابهة كعلاقة الجزء بالكل وما شابهها مما هو مسطور في كتب البلاغة.
من تطبيقات قاعدة المجاز في القرآن الكريم:
- قوله تعالى: { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ } (الكهف: 77). فإنّ استعمال الارادة في الجدار مجازٌ، حيث استعارها من صفات العقلاء للجدار وهو جماد لا إرادة له وذلك للمشابهة بين ميلانه للقوط وبين من يريد ذلك من العقلاء.
- قوله تعالى: { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ } (البقرة: 19). فهذا مجاز مرسلٌ لأنّ الأصابع هنا استُعمِلت في الأنامل والعلاقة بينهما هي علاقة الكلِّ بجزئه.
وهناك قواعد لغوية أخرى يتعلق بها غرض المفسر منها:
ب- قاعدة المشتق
ت- وقواعد أخرى مبثوثة في علوم اللغة من نحوٍ وأدب وصرفٍ يحتاجها المفسّر عادة.
ث- وقواعد أخرى كثيرة لا يسعها هذا المختصر.
2- القواعد العقلائية في مقام المحاورة والخطاب
جرت سيرة العقلاء على الالتزام بمجموعة من القواعد في محاوراتهم ومكالماتهم، وتكون ملزمة للطرفين وعلى ضوئها يتم استكشاف مراد المتكلّم ويتمّ الاحتجاج بها عليه، وهي قواعد عقلائية عامّة لا تختص بلغة دون أخرى كما قد جرت سيرة العقلاء عليها في مختلف العصور، ولمّا كان القرآن الكريم في حقيقته خطاباً موجهاً للعقلاء فهو بطبيعة الحال قد جرى مجراهم .
ومن أهم القواعد العقلائية - في المحاورة - التي تقع في طريق فهم وتفسير القرآن الكريم:
أ- قاعدة المنطوق والمفهوم
المنطوق هو: " ما يدل عليه نفس اللفظ في حد ذاته على وجه يكون اللفظ المنطوق حاملا لذلك المعنى وقالبا له، فيسمى المعنى "منطوقا " تسميةً للمدلول باسم الدال. ولذلك يختصّ المنطوق بالمدلول المطابقي فقط، وإن كان المعنى مجازاً قد استُعمِل فيه اللفظ بقرينةٍ "(7).
والمراد من المفهوم هو: " المدلولات الإلتزامية للجمل التركيبية سواء كانت إنشائية أو إخبارية، فلا يقال لمدلول المفرد: "مفهوم" وإن كان من المدلولات الإلتزامية "(8).
وذهب بعضهم إلى أنّ الفارق ليس في كون المفهوم مدلولاً إلتزامياً بل إنّ الفارق الأساسي، استفادة المنطوق من لفظ الكلام، واستفادة المفهوم بواسطة معنى اللفظ المستفاد منه، فالمعيار في الفرق هو الاستفادة الابتدائية وعدمها(9).
من تطبيقات قاعدة المفهوم والمنطوق:
- قوله تعالى: { أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } (البقرة: 275). فهي دالّة بمنطوقها دلالة صريحة على حليّة البيع وحرمة الربا.
- قوله تعالى: { فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } (الاسراء: 23). حيث تدلّ بمفهوم الموافقة (الفحوى) على حرمة ما كان أشدّ من التأفّف كالشتم وغيره، وكذلك من تطبيقات المفهوم قوله تعالى: { إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } حيث دلّت بمفهوم المخالفة متمثلاً هنا بمفهوم الشرط على انتفاء مضمونها بانتفاء شرطها. وللمفهوم أقسام أخرى مسطورة في علم الأصول فلتُطلب من هناك.
ب- قاعدة حجية ظواهر القرآن الكريم.
من القواعد التي تبانى عليها العقلاء في محاوراتهم وتقع في طريق فهم وتفسير القرآن الكريم قاعدة (حجية ظواهر الكلام) أيّ كلامٍ كان ما لم ينصب المتكلّم قرينة على عدم إرادته، وتكمن أهميّة هذه القاعدة في علم التفسير في أنّ المعنى الذي يستظهره المفسر من النص القرآني بواسطة قواعد ومناهج التفسير يتكوّن بإزائه سؤال في غاية الأهميّة وهو: هل استظهار المفسّر هذا حجّة؟ الجواب تتكفل به هذه القاعدة التي تثبت أن ما يُستفاد من ظواهر الكلام حجة عند العقلاء.
ومع ذلك قد خالفت بعض التيارات والاتجاهات بتبني عدم حجية ظواهر القرآن الكريم إذا لم يكن المفسّر معصوماً ولكن هذا رأي ظاهر الفساد ومردود بعدّة أدلّة منها:
1- إنّ القرآن الكريم قد نزل بلغة عربية فصيحة إذ قال تعالى في صفته أنّه نزل: { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } (الشعراء: 195) وهذا يتنافى مع جعله محض رموز لا يفهمها إلا المعصوم، نعم بواطن القرآن موكولة للمعصوم ولكن هذا شيء آخر لأن كلامنا في الظواهر.
2- ثمّ إنّ هذا الرأي منقوض بالروايات المتواترة في مصادرنا التي دلت على وجوب عرض الروايات على القرآن الكريم وأنّ ما خالف القرآن الكريم منها يجب طرحه وضربه عرض الجدار كرواية ايوب بن راشد عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: (ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف) (10) ورواية السكوني عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (إنَّ على كلّ حقٍّ حقيقة، وعلى كلّ صوابٍ نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه) (11).. وغيرها روايات صحيحة كثيرة تحمل المضمون نفسه.. فكيف يمكننا عرض الروايات على القرآن الكريم ومعرفة ما يوافقه منها وما يخالفه إذا كان القرآن فهم ظواهر القرآن متعذّراً على غير المعصوم (عليه السلام).
3- ثمّ إنّ السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع قامت على حجيّة ظواهر الكلام حيث يُلزِم العقلاء خصومهم بها ويؤاخذون أي متكلّم بها أيضا ما لم ينصب قرينة على خلافها فضلاً عن أنّ التفهيم والتفاهم أساساً يتعذر وقوعه بين اثنين إن لم نقل بحجيّة الظواهر.
4- وقد ذكر علماء الأصول أدلّة أخرى كثيرة على صحة هذه القاعدة فلتُطلَب من المطوّلات الأصولية.
من تطبيقات قاعدة حجية الظهور:
قوله تعالى: { أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } (البقرة: 275) حيث سبق أن ذكرنا أن المفسر يستفاد منها حرمة البيع بدلالة المنطوق وهنا يأتي السؤال: هل هذا المعنى الذي استفاده المفسر حجة؟ الجواب: نعم لأنّ ظواهر الكلام حجة وهكذا نحتاج قاعدة حجية الظواهر في جميع التطبيقات السابقة.
وهناك قواعد أخرى عقلائية في مقام المحاورة ويتعلق بها غرض المفسر ولكن نترك التفصيل فيها اختصاراً وأهمّها:
ت- قاعدة الاقتضاء
ث- قاعدة التنبيه والإشارة
ج- قاعدة السياق أي " القول الذي تؤيده قرائن السياق مرجح على ما خالفه " على خلاف بين العلماء في آليات وضوابط تطبيق هذه القاعدة.
ح- قاعدة مناسبة الحكم والموضوع
خ- قاعدة المفرد المضاف يفيد العموم.
د- قاعدة الناسخ والمنسوخ
ذ- قاعدة أسباب النزول. وغيرها
رابعاً: أهمّ قواعد التفسير الخاصة مع نماذج من تطبيقاتها
سبق القول أنّ قواعد التفسير الخاصة هي كبريات (أحكام كلية) تقع في طريق تفسير القرآن الكريم وفهمه مع ملاحظة قيد اختصاصها بالقرآن الكريم وبهذا نكون قد أخذنا فيها ثلاثة عناصر:
1- أنها أحكام كلية
2- أنها يتعلّق بها غرض المفسِّر
3- أنها خاصة بالقرآن الكريم إمّا لأنها لم يُبحث عنها أصلاً في غير علوم القرآن الكريم كما في قاعدة (الجري والتطبيق الآتية) أو أنّها بُحثت في العلوم الأخرى من حيثيات غير الحيثية التي يحتاجها المفسر كما في قاعدة (حجية خبر الواحد) كما سيأتي.
وهذا العنصر الثالث هو الفرق الفارق بين قواعد التفسير العامة والخاصة.
ومن أهمّ قواعد التفسير الخاصة ما يلي:
1- قاعدة تفسير المتشابه بالمحكم
قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } (آل عمران: 7).
المراد بالمحكم في هذه الآية هو: " المبَيَّن الذي لا يحتمل أكثر من معنى " وأما المتشابه فهو: " كون الآية لا يتحدد مرادها لفهم السامع بمجرد استماعها، بل يتردد بين معنى ومعنى حتّى يرجع إلى محكمات الكتاب فتُعيِّن هي معناها وتبيّنها بياناً، فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة، والآية المحكمة محكمة بنفسها"(12).
وهناك آراء أخرى كثيرة في معنى المحكم والمتشابه لا يسعها هذا المختصر.
وتنص قاعدة تفسير المتشابه بالمحكم على: " وجوب رد المتشابه من الآيات إلى المحكمات أي تفسير المتشابهات بالمحكمات". فيكون بذلك مرجع تفسير المتشابه إلى الأخذ بالمحكم لا بالمتشابه فلا يعدّ من اتباع المتشابه المنهي عنه في الآية السابقة، وهذا هو معنى أنّ المحكمات هنّ "امُّ الكتاب".
من تطبيقات قاعدة المتشابه والمحكم:
قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (الشورى: 11). فهذه آية محكمة وهي نصٌ في الدلالة على نفي الجسمية عنه سبحانه وتعالى بأي شكل من الأشكال، وعليه وفقاً لقاعدة تفسير المتشابه بالمحكم يجب إرجاع جميع الآيات الدالة على الجسمية إلى هذه الآية المحكمة وبالتالي حملها على معاني مجازية لا تؤدي إلى الجسمية نحو قوله تعالى: { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } (الفتح: 10)، فاليد هنا تُحمل على القوّة وليس اليد الجسمية وذلك عملاً بردّ المتشابه إلى المحكم.
2- قاعدة الجَري والتطبيق
يُراد بهذه القاعدة جريان تطبيق المضمون والمفهوم الكلي المستفاد من أيّ كلام أو متنٍ على مصاديقه الطولية والعرضية بل يشمل حتى جريان بواطن الآيات القرآنية وسريان معانيها المرادة – الخفيّة غير الظاهرة – المستكشفة بالتأويلات المأثورة على مصاديقها الطولية وهي بهذا المعنى الثاني تكون معنيّة بالآيات المتشابهة فضلاً عن المحكمة ويدل على ذلك مجموعة من النصوص لا يسعها هذا المختصر(13).
وبعبارة أوضح تنصّ قاعدة الجري والتطبيق على أنَّ: " الآيات القرآنية لا تقتصر على مورد نزولها، بل تجري وتتحرك بحركة الزمان، وأنّ مورد نزولها مجرّد تطبيق للآية، وقد دلّت على ذلك مجموعة من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)"(14). وقاعدة الجري والتطبيق بهذا المعنى هي مقتضى أصالتي العموم والإطلاق.
وبعبارة ثالثة يمكن تعريف قاعدة الجري والتطبيق بـ " جريان كبريات الآيات القرآنية وسريان المفاهيم الكلية المستفادة منها في جميع مصاديقها العرضية المتحققة في زمان الوحي والطولية الحادثة في عمود الزمان، وشمول إطلاقاتها وعموماتها لتمام الأفراد المستحدثة في خلال القرون وطيّ العصور إلى يوم القيامة، وعدم اختصاص مداليلها الكليّة بموارد وأسباب نزولها ولا بزمان نزول الوحي ..."(15).
وعلى هذا تكون العبرة في تفسير الآيات القرآنية بعموم ألفاظها لا بخصوص أسبابها ولا بخصوصية أهل زمان نزولها، ومن هنا قيل (المورد لا يخصص الوارد).
وسُميت هذه القاعدة بقاعدة الجري مجاراة لاستعمال مادة (الجري) فيما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) من نصوص تدلّ عليها وفي الواقع يدل على صحة قاعدة الجري أدلة كثيرة منها أنّها تنطبق عليها قاعدة حجية الظهور التي سبق الكلام فيها وذلك من جهة رجوع هذه القاعدة بمعناها الأوّل إلى استظهار أصالة العموم والاطلاق، ومن الأدلة على صحتها بمعناها الثاني الروايات الكثيرة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) منها:
- صحيحة فضيل بن يسار قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية ما من القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن فقال ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما قد مضى ومنه ما لم يكن يجرى كما يجرى الشمس والقمر كما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الاحياء قال الله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم نحن نعلمه"(16). وصحيحة حمران بن أعين عن الإمام الصادق (عليه السلام) مثلها.
- وروايات أخرى كثيرة لا يسعها هذا المختصر.
على أنه يجب الالتفات إلى أنّ هذه القاعدة لا تلغي كون بعض الآيات خاصة لا يمكن تعميمها كالآيات الخاصة بالنبي (صلى الله عليه وآله) وغيرها فعلى الباحث أن يكون دقيقاً في تمييز ما إذا كانت قاعدة الجري تجري أو أنّ جريانها ممتنع والتفصيل في ذلك ليس هذا محلّه.
من تطبيقات قاعدة الجري والتطبيق في تفسير القرآن الكريم:
قوله تعالى: { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } (المنافقون: 1) وقوله تعالى: { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (التوبة: 67) وجميع الآيات الأخرى التي تحذِّر من المنافقين فحينما يوصِّف القرآن الكريم في بعض آياته لسلوكٍ اجتماعي كانت تسلكه امةٌ من الأمم ثم يُخبر عن المصير الذي آل إليه أمرها نتيجةَ ذلك السلوك فإنَّ غرضه تطبيق مفاد هذه الآيات على واقع أيِّ أمةٍ تقفُ على هذه الآيات، فإنْ وجدت نفسها منطَبقاً لذلك التوصيف فهي معنيَّة من تلك الآيات، وعليه يكون مآلها ذات المصير الذي وقع لتلك الأمة إلا ان تثوب إلى رشدها وتسعى من أجل التغيير لواقعها.
وهناك قواعد أخرى لا يسع هذا المختصر التفصيل فيها منها:
4- قاعدة حجية خبر الواحد في التفسير. أي البحث في إمكان وضوابط تفسير آيات القرآن الكريم بأخبار الآحاد.
5- قاعدة حرمة التفسير بالرأي.
6- قاعدة تعدد وجوه القرآن الكريم وبطونه.
7- قاعدة القرآن الكريم يُفسّر بعضه بعضاً.
8- قاعدة نزول بعض آيات القرآن الكريم جرياً على المثل القائل " إياكِ أعني واسمعي يا جارة".
خامساً: قواعد التفسير بين الماضي والحاضر
تناول المفسرون القدامى قواعد التفسير كقاعدة حجية ظواهر القرآن الكريم وقاعدة الجري والانطباق وغيرها ضمن تفاسيرهم في مواطن الحاجة أو عند طرو مناسبة تقتضي ذلك، ولكن لم يكن التأليف فيها مستقلاً كفرعٍ علميٍ يُبحث على حدة، لكن في العصور المتأخرة أصبحت فرعاً علمياً منشعباً من علوم القرآن قائم بذاته بحيث أفرد له العلماء مصنفات مستقلة.
ويرى بعض الباحثين أنّ أوّل من أشار إلى قواعد التفسير هو الشيخ الطبرسي حيث قام ببحث عدد من القواعد في تفسيره (مجمع البيان في تفسير القرآن) ووضحها من خلال سبع مقدّمات اعتمد عليها في تفسير النص القرآني.
وكيف كان فإن قواعد التفسير المقبولة اليوم بين المفسرين ليس فيها ما يمكن بأنه مستَحدَث أو جديد، فإذا ما كان في الموضوع ثمة ما هو مستَحدث فهو التصنيف في قواعد التفسير على حدة والحديث عنها كعلمٍ مستقل يتم فيه التقعيد لعمل المفسر في استنطاق النص القرآني.
والله سبحانه وليّ التوفيق.
____
المصادر
(1) العين: 1/ 143
(2) المصدر نفسه: 7/ 247.
(3) الصحاح: 2/ 781.
(4) تفسير مجمع البيان: 1/ 13.
(5) البرهان في علوم القرآن: 2/ 149.
(6) دروس تمهيدية في القواعد التفسيرية، المازندراني: 1/ 164
(7) أصول الفقه، محمد رضا المظفر: 1/ 154- 155
(8) المصدر نفسه: 1/ 154
(9) يُنظر: مطارح الانظار، تقريرات بحث الشيخ الأنصاري: 168
(10) الكافي، الشيخ الكليني: 1/ 69
(11) المصدر نفسه: 1/ 69
(12) يُنظر: علوم القرآن دروس منهجية، رياض الحكيم: 119؛ والميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي: 3/ 20
(13) يُنظر: دروس تمهيدية في القواعد التفسيرية: 1/ 207
(14) علوم القرآن، دروس منهجية: 44
(15) دروس تمهيدية في القواعد التفسيرية: 1/ 210
(16) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار: 216
لإرسال سؤالك إضغط هنا