وثاقة رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي (1)
ذكر السيّد الأستاذ (قدّس سرّه) في المعجم ما لفظه (2) : (أنّنا نحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم الذين روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين (عليهم السلام).
فقد قال في مقدمة تفسيره (3) : ( ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم ..)، فإنّ في هذا الكلام دلالة ظاهرة على أنّه لا يروي في كتابه هذا إلا عن ثقة، بل استفاد صاحب الوسائل أنّ كلّ مَن وقع في إسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين (عليهم السلام)، قد شهد عليّ بن إبراهيم بوثاقته، حيث قال: ( وشهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره وأنّها مرويّة عن الثقات عن الأئمة عليهم السلام ) .
أقول: إن ما استفاده (قدّس سره) في محله، فإنّ علي بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحة تفسيره، وأن رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين (عليهم السلام)، وأنّها انتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة.
وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة كما زعمه بعضهم).
[ المناقشة في مبنى السيّد الخوئي في توثيق رجال علي بن ابراهيم ]
ويلاحظ على ما أفاده (طاب ثراه) .
أولاً: إنّ ما نسبه إلى صاحب الوسائل من أنّه استفاد من العبارة المذكورة أنّ كلّ مَن وقع في إسناد روايات التفسير فقد شهد عليّ بن إبراهيم بوثاقته محلّ اشكال، بل الظاهر أنّ صاحب الوسائل قصد بما ذكره بيان أنّ أحاديث كتاب التفسير ثابتة عن أرباب العصمة (عليهم السلام) كسائر أحاديث كتب أصحابنا المعتمدة عندهم، وأمّا قوله: ( وأنّها مرويّة عن الثقات ) فهو مقتبَس من مقدّمة التفسير وقد وقع الخلاف في المقصود منه فقيل: إنّه أراد به خصوص مشايخه وقيل: إنّه أراد جميع الرواة وقيل غير ذلك.
والذي يكشف عن عدم استفادة صاحب الوسائل شمول التوثيق لجميع الرواة أمران..
1- قوله عقيب الكلام المذكور: ( وأكثر أصحاب الكتب المذكورة ــ يقصد بها الكتب التي ذكرها في الفائدة الرابعة وهي مجمل ما وصل إليه من كتب الإماميّة ــ قد شهدوا بنحو ذلك إمّا في أوائل كتبهم أو في أواخرها أو في أثنائها ) فإنّه يكشف بجلاء عن أنّ مقصوده من (الذي شهدوا عليه) هو ثبوت تلك الأحاديث عن الأئمّة (عليهم السلام) لا وثاقة جميع مَن وقعوا في سلسلة أسانيدها وإلّا فليس في كتب أصحابنا ما شهد مؤلّفه بوثاقة جميع رجاله عدا النادر القليل.
2- إنّه لم يستدلّ في الفائدة الثانية عشرة ــ عند سرد أسماء الرواة الذين ورد المدح فيهم ــ على وثاقة شخص بوروده في أسانيد تفسير القميّ ولو كان يرى وثاقة رواته لصدر منه ذلك، فتدبر.
وثانياً: أنّه لا وثوق بأنّ الجملة المتضمّنة لوثاقة رواة ما يسمى بـ(تفسير القميّ) هي من عليّ بن إبراهيم لا من غيره.
وتوضيح ذلك: أنّه قد ذُكِر في محله أنّ النسخة المتداولة المعروفة بتفسير علي بن إبراهيم القميّ التي وصلت إلى المتأخرين كالعلّامة الجلسي والمحدّث الحر العاملي مغايرة بكلّ تأكيد للنسخة الأصل من كتاب التفسير، فهذه النسخة إنّما هي من تأليف بعض تلامذة المفسّر القميّ وقد ضمّنها مختاراته من كتاب أستاذه بالإضافة إلى مروياته في التفسير عن سائر مشايخه.
والمقدّمة المثبَتة في بداية هذه النسخة تتألّف من مقطعين، ينتهي المقطع الأول بقوله: (وهو حسبنا ونعم الوكيل) (4) ويبتدأ المقطع الثاني بقوله عقيب ذلك: (فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ..)، وفي بعض النسخ (5) بدأ المقطع الثاني بقوله: (قال أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي).
وإذا صحّ انتساب المقطع الثاني إلى علي بن إبراهيم لقرائن تدل عليه، فليس هناك ما يعزز نسبة المقطع الأول إليه أيضاً وهو المشتمل على العبارة المُدّعى دلالتها على توثيق جميع رواة الكتاب.
وبذلك يظهر أنّه لا دليل على توثيق عليّ بن إبراهيم جميع من وقعوا في أسانيد ما أورده من الروايات في كتابه.
وثالثاً: أنّه على تقدير تسليم أن العبارة المذكورة إنّما هي من علي بن إبراهيم، فالظاهر أنّه لم يقصد بها وثاقة جميع رواة الأخبار التي اعتمد عليها في تفسيره ــ سواء أكان منظوره خصوص الأخبار التي أوردها بأسانيدها ونصوصها وهي تناهز ثلاثمائة رواية في النسخة المتداولة اليوم أم كان مقصوده جميع ما اعتمده من الأخبار في تفسير الآيات القرآنية ــ بل لا يبعد أنّه أراد بذلك وصول هذه الأخبار إليه عن طريق بعض المشايخ الثقات سواءً أكانوا من مشايخه مباشرة أم مع الواسطة.
[ طريقة علمائنا القدماء في قبول الأخبار ]
والوجه في ذلك: أنّ المعلوم من عمل السابقين من علمائنا (قدّس الله أسرارهم) أنّه لم يكن ضعف بعض رواة الحديث مِلاكاً عندهم في ردّ الحديث ورفض العمل به كما لم يكن وثاقة جميع رواته مناطاً لديهم في الاعتماد عليه والقبول به، بل كانت العبرة عندهم في قبول الخبر والعمل به هو الوثوق به من حيث الصدور والمضمون والجهة، وكان من أسباب حصول الوثوق بصدور الرواية الضعيفة سنداً عند كثير منهم هو روايتها من قبل بعض المشايخ الثقات المعروفين بنقّاد الأحاديث من غير ردٍّ لها وإنكارٍ منهم لمضمونها، فكانوا يعتبرون ذلك وجهاً كافياً في الاعتماد عليه.
ومن شواهد ذلك..
1- قول الصدوق في عيون أخبار الرضا في ذيل بعض الروايات: كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) سيّء الرأي في محمد بن عبدالله المسمعي راوي هذا الحديث وإنّما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي (6).
2- وكلام ابن قولويه في مقدمة كامل الزيارات (وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم ــ أي الأئمة (عليهم السلام) ــ في هذا المعنى (الزيارات) ولا في غيره لكن ما وقع لنا في جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثاً مما روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم) (7)، ومعناه ــ كما تنبّه له سيدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) ومرّ قريباً ــ هو أنه لا يورد أحاديث الشذاذ من الرجال إذا كان الراوي لها من غير المعروفين بالحديث والعلم وأما مع روايتها من قبل بعض هؤلاء فلا يجد مانعاً من إيرادها.
3- وقول السيد ابن طاووس في مقدمة فلاح السائل: (وربما يكون عذري فيما أرويه عن بعض من يُطعَن عليه أنني أجد من أعتمد عليه من ثقات أصحابنا الذين أسندت إليهم أو إليه عنهم قد رووا ذلك عنه ولم يستثنوا تلك الرواية ولا طعنوا عليها ولا تركوا روايتها فأقبلها منهم، وأجوّز أن يكون قد عرفوا صحة الرواية المذكورة بطريقة أخرى محققة مشكورة أو رووا عمل الطائفة عليها فاعتمدوا عليها أو يكون الراوي المطعون على عقيدته ثقة في حديثه وأمانته) (8).
والظاهر أن ما تكرر في ديباجة عدد من الكتب كالمقنع للصدوق وبشارة المصطفى للطبري ومزار ابن المشهدي وغيرها من الإيعاز إلى أنّ ما ورد فيها مروي بطرق المشايخ الثقات ناظر إلى هذا المعنى ومبني على هذا الأساس ــ كما هو الحال في كامل الزيارات ــ والقرينة على ذلك فيما لم تحذف فيه الأسانيد اشتمالها على عدد معتد به من الرجال المشهورين بالكذب والضعف ممّن يبعد جداً احتمال عدّ صاحب الكتاب إيّاهم من المشايخ الثقات.
ومن القريب جداً أن يكون التعبير الوارد في مقدمة كتاب التفسير ناظراً أيضاً إلى المعنى المذكور ومشيراً إلى أنّ الروايات المعتمدة في الكتاب مرويّة بطرق مشايخنا الثقات ممّا يبرر الاعتماد عليها وإن كان في رواتها بعض الضعاف لا أنّه يقصد به وثاقة جميع مَن وقعوا في سلسلة أسانيدها، فإنّ هذا خلاف الواقع لاشتمالها على عدد ممن ليسوا من (ثقاتنا) بكل تأكيد ولا يظن بعلي ابن إبراهيم أن يعدّهم منهم.
[ عدم سلامة ما وصلنا من تفسير علي ابن ابراهيم ]
ورابعاً: أنّه لو غُضّ النظر عمّا تقدّم وفُرِض أنّ العبارة المشتملة على التوثيق إنّما هي لعلي بن إبراهيم وأنّه قصد بها توثيق جميع رواة ما اخرجه في كتابه من الروايات، إلّا أنّه لا وثوق بأنّ ما ورد في النسخة المتداولة من الروايات المبدوءة أسانيدها بأسماء مشايخ علي بن إبراهيم هي بالفعل ممّا أوردها في كتابه ، فإنّ هناك بعض الشواهد على وقوع التلاعب فيها، ومن ذلك أن السيد ابن طاووس قد نقل في فرج المهموم (9) حديثاً مرسلاً عن تفسير علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ }، وهذا الحديث موجود بنفسه في التفسير المتداول (10) ولكنّه مقطّع إلى قسمين، وكلّ قسم مرويّ بسندٍ صحيحٍ لا غبار عليه، أي أنّ المذكور في فرج المهموم رواية واحدة مرسلة، والمذكور في التفسير المطبوع روايتان مسندتان، مع تنصيص ابن طاووس على أنّه ينقل عن كتاب التفسير بلفظه، أي بلفظ علي بن إبراهيم!!
فكيف يمكن إذاً الوثوق بهذه النسخة والبناء على أن من وردت أسماؤهم في اسانيد الروايات المروية فيها عن علي بن إبراهيم هي بالفعل مما كانت في النسخة الأصل من التفسير (11) ؟!
هذا وتجدر الإشارة إلى أنّ جامع النسخة المتداولة من هذا التفسير قد أدرج فيها عشرات الروايات عن مشايخه الآخرين غير علي بن إبراهيم ــ كما أوضحته في موضع آخر ــ ومن الغريب أنّ السيّد الأستاذ (قدس سره) لم يتنبّه لذلك فبنى على وثاقة كل من ورد اسمه في أسانيد التفسير حتى من كان من رواة القسم المضاف إليه!! والعصمة لأهلها.
ومهما يكن فقد ظهر بما تقدّم أنّ القول بوثاقة رواة ما يسمى بـ(تفسير القمي) كما بنى عليه السيّد الأستاذ (طاب ثراه) وتبعه عليه بعضهم في غاية الضعف، وليته كان قد رجِع عنه كما رجِع عن القول بوثاقة رواة كامل الزيارات في أواخر حياته المباركة.
المصدر : كتاب قبسات من علم الرجال ، تقريرات أبحاث آية الله السيد محمد رضا السيستاني (دام ظله) ، الجزء الأوّل
ملاحظة : العناوين المحصورة بين المزدوجين [ ] أضفناها لتسهيل مراجعة البحث وليست في المصدر
______
الهوامش
(1) وسائل الإنجاب الصناعية ص:647.
(2) معجم رجال الحديث ج:1 ص:44.
(3) تفسير القمي ج:1 ص:4.
(4) تفسير القمي ج:1 ص:5.
(5) منها المطبوعة الحجرية عام (1311 هـ)، ومنها مخطوطة بمكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف تحت رقم (8) وتاريخ كتابتها (ع2 سنة 1074).
(6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج:2 ص:21.
(7) كامل الزيارات ص:4.
(8) فلاح السائل ص:7.
(9) فرج المهموم ص:25.
(10) تفسير القمي ج:1 ص:206ــ207.
(11) تجدر الاشارة إلى أن هناك من يمكن الوثوق بورود اسمه في النسخة الأصل من التفسير كمسعدة بن صدقة، وذلك لأن العلامة الطبرسي (ت: ق 6) قد نقل في مجمع البيان (ج:3 ص:201) رواية عن تفسير القمي يوجد في سندها مسعدة بن صدقة، فبذلك يحرز اشتمال التفسير على اسمه.