مسائل ثلاث عن ترجمة القرآن الكريم
هناك مسائل ثلاث عن ترجمة القرآن إلى سائر اللّغات :
أوّلا : هل بالإمكان ترجمة كلام الله البليغ الوجيز ، الذي نزل هدى للناس ، ومعجزة خالدة ، في نظمه وأسلوبه ، وفي لفظه ومعناه جميعا ، بما تحدّى البشرية لو يأتوا بمثله؟
ثانيا : لو أمكن ذلك ـ نسبيّا وليس من جميع الوجوه ـ فهل يجوز عرضه قرآنا وكتابا للمسلمين ، على غرار ما ينشره أهل الكتاب من تراجم العهدين ، باسم التوراة والإنجيل؟
ثالثا : ما ذا تكون نظرة الشرع الحنيف؟ فهل يجري على الترجمة ما يجري على الأصل من أحكام وآثار شرعية ، في تلاوته وفي قراءته في الصلاة ، وغير ذلك من أحكام شرعية خاصّة بالقرآن؟.
وللعلماء ـ قديما وحديثا ـ آراء تختلف مع بعضها البعض ، وقد ثار حولها جدل عنيف في عهد قريب ، وقد توسّع حتى سرى إلى الصحف والمجلات ، فضلا عن كتب ورسائل خصّصت بهذا الشأن.
وقبل أن نخوض البحث لا بدّ من : تعرفة الترجمة مفهوماً وأسلوباً ، والنظر في شرائطها ومقوِّماتها الأساسيّة في إطارها المعقول ، فنقول :
التعريف بالترجمة وأساليبها
الترجمة رباعية الوزن ، وتكون بمعنى : التبيين والإيضاح. ويبدو من القاموس أنّه لا بدّ من اختلاف اللغة ؛ لأنّه قال : الترجمان : المفسّر للّسان. ومن ثمّ فالترجمة : نقل الكلام من لغة إلى أخرى ، كما في المعجم الوسيط. أما التعبير عن معنى بلفظ ، بعد التعبير عنه بلفظ آخر ، فهذا من التبيين المحض ، وليس ترجمة اصطلاحا.
ويجب في الترجمة أن تكون وافية بتمام أبعاد المعنى المراد من الأصل ، حتى في نكاته ودقائقه الكلامية ذات الصلة بأصل المراد ، كناية أو تعريضا أو تحزّنا أو تحسّرا أو تعجيزا ، ونحو ذلك من أنحاء الكلام المختلف في الإيفاء والبيان ، والمختلف في الأسلوب والنظم ، وغير ذلك مما هو معروف.
ومن ثمّ يجب أن تتوفّر في المترجِم صلاحية هذا الشأن ؛ بالإحاطة الكاملة على مزايا اللّغتين الكلامية ، واقفا على أسرار البلاغة والبيان في كلتا اللغتين ، عالما بمواضع نظرات صاحب المقال الأصل ، عارفا بالمستوى العلمي الذي حواه الكلام الأصل ، قادرا على إفراغ تمام المعنى وكماله ـ بمميّزاته ودقائقه ـ في قالب آخر يحاكيه ويماثله جهد الإمكان ، الأمر الذي قلّ من يُنتدَب له من الكتّاب وأصحاب الأقلام ؛ إذ قد زلّت فيه أقدام كثير ممّن حام حول هذا المضمار الخطير.
خطورة أمر الترجمة
قلنا : إن شرائط الترجمة ثقيلة ، وقلّ من توجد فيه هذه الصلاحية الخطيرة ؛ إذ من الصّعب جدّا أن يحيط إنسان علما باللغتين في جميع مزاياهما الكلامية : اللفظية والمعنوية ، عارفا بأنواع الاستعارات والكنايات الدارجة في كلتا اللغتين ، قادرا على إفراغ جميع مناحي الكلام من قالب إلى قالب آخر ، يماثله ويحاكيه تماما.
هذا فضلا عن لزوم ارتقاء مستواه العلمي والأدبي إلى حيث مستوى الكلام المترجَم أو ما يقاربه ، وهذا أثقل الشروط وأخطرها عند مزلّات الأقدام ومزالق الأقلام.
وسنذكر نماذج من تراجم قام بها رجال كبار ، ولكن لم يسعد لهم الحظّ لمواصلة المسيرة بسلام ، فكم من زلّات أعفوها ولا مجال لإعفائها ، ولا سيما في مثل كلام الله العزيز الحميد.
أساليب الترجمة
إذ كانت الترجمة نوعا من التفسير والإيضاح بلغة أخرى في إيجاز وإيفاء ، وبالأحرى هو إفراغ المعنى من قالب إلى قالب آخر أكشف للمراد ، بالنسبة إلى اللغة المترجَم إليها ، فلا بدّ أن يعمد المترجِم إلى تبديل قوالب لفظية إلى نظيراتها من غير لغتها ، بشرط الوفاء بتمام المراد ، الأمر الذي يمكن الحصول عليه من وجوه :
[ الاسلوب الأوّل : الترجمة الحرفيّة ]
الأوّل : أن يعمد المترجِم إلى تبديل كل لفظة إلى مرادفتها من لغة أخرى ، فيضعها بإزائها ، ثم ينتقل إلى لفظة ثانية بعدها وثالثة ، وهكذا على الترتيب حتى نهاية الكلام.
وهذه هي «الترجمة الحرفية» أو الترجمة تحت اللّفظية. وهذه أردأ أنحاء الترجمة ، وفي الأغلب توجب تشويشا في فهم المراد أو تشويها في وجه المعنى ، وربما خيانة بأمانة الكلام ؛ حيث المعهود من هكذا تراجم لفظية هو تغيير المعنى تماما ؛ لأنّ المترجم بهذا النمط إنما يحاول التحفّظ على أسلوب الكلام الأصل في نظمه وميزاته البلاغية ، ليأتي بكلام يماثله تماما في النظم والأسلوب ، الأمر الذي لا يمكن بتاتا ، بعد اختلاف اللّغات في أساليب البلاغة والأداء ، وكذا في النكات والدقائق الكلامية السائدة في كل لغة حسب عرفها الخاص. فربّ كناية أو تعريض أو مثل سائر في لغة ، لا تعرفه لغة أخرى ولا تأنس به ، فلو عمد المترجم إلى ترجمة ذلك بعينه ؛ لأصبح غير مفهوم المراد ، وربّما استبشعوا مثل هذا التعبير الغريب عن متفاهمهم.
مثلا قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (1) جاء «غلّ اليد إلى العنق وبسطها كل البسط» ، كناية عن القبض والبسط الفاحش ، أي التقتير والإسراف في المعيشة وفي الإنفاق ، وهي كناية معروفة عند العرب ومأنوسة الاستعمال لديهم. فلو أريد الترجمة بنفس التعبير من لغة أخرى كان ذلك غريبا عليهم حيث لم يألفوه ، فربما استبشعوه وأنكروا مثل هذا التعبير غير المفهم ؛ لأنهم يتصورون من مثل هذا التعبير : النهي عن أن يربط إنسان يديه إلى عنقه برباط من سلاسل وأغلال ، أو يحاول بسط يديه يمينا وشمالا بسطا مبالغا فيه. ولا شكّ أن مثل هذا الإنسان إنما يحاول عبثا ويعمل سفها ؛ لأنه يبالغ في إجهاد نفسه وإتعابها من غير غرض معقول ، الأمر الذي لا ينبغي التعرض له في مثل كتاب الله العزيز الحميد.
[ الاسلوب الثاني : الترجمة المعنوية ]
الثاني : أن يحاول إفراغ المعنى في قالب آخر ، من غير تقيّد بنظم الأصل وأسلوبه البياني ، وإنما الملحوظ هو إيفاء تمام المعنى وكماله ؛ بحيث يؤدّي إفادة مقصود المتكلم بغير لغته ، بشرط أن لا يزيد في البسط بما يخرجه عن إطار الترجمة ، إلى التفسير المحض.
نعم إن هكذا «ترجمة معنوية» قد تفوت بمزايا الكلام الأصل اللّفظيّة ، وهذا لا يضرّ ما دام سلامة المعنى محفوظة. وهذا النمط من الترجمة هو النمط الأوفى والمنهج الصحيح الذي اعتمده أرباب الفنّ. لا يتقيّدون بنظم الأصل ، فيقدّمون ويؤخّرون ، وينظّمون الترجمة حسب أساليب اللغة المترجَم إليها ، كما لا يزيدون بكثير على مثال الألفاظ والتعابير التي جاءت في الأصل. فإن حصلت زيادة مطّردة فهو من الشرح والتفسير ، وليس من الترجمة المصطلحة في شيء.
ذكر الشيخ محمد بهاء الدين العاملي (1031) ـ نقلا عن الصّفوي ـ : أنّ للترجمة طريقين ، أحدهما : طريق يوحنّا بن بطريق وابن الناعمة الحمّصي ، وهو : أن يعمد إلى كل لفظة من ألفاظ الأصل ليأتي بلفظة أخرى ترادفها في الدلالة فيثبتها ، وينتقل إلى أخرى وهكذا ، حتى يأتي على جملة ما يريد ترجمتها ، وهي طريقة رديئة لوجهين :
الأوّل : أنه قد لا توجد في اللغة المترجم إليها لفظة تقابل الأصل تماما ، ومن ثمّ فتقضي الحاجة إلى استيراد نفس الكلمة الأجنبيّة واستعمالها في الترجمة بلا إمكان تبديل ، ومن ثمّ كثرت اللغات الدخيلة اليونانيّة في مصطلحات العلوم المترجمة إلى العربية.
الآخر : أنّ خواصّ التركيب والنسب الكلاميّة في الإسناد الخبري وسائر الإنشاءات والمجاز والاستعارة وما شابه ، تختلف أساليبها في سائر اللغات ، وليست تتّحد في التعبير والإيفاء ، فالترجمة تحت اللّفظيّة قد توجب خللا في الإفادة بأصل المراد.
أمّا الطريق الثاني ـ وهو طريق حنين بن إسحاق والجوهري ـ فهو : أن يأتي بتمام الجملة ويتحصّل معناها في ذهنه ، ثم يعبّر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها في إفادة المعنى المراد وإيفائه ، سواء أساوت الألفاظ أم خالفتها. وهذا الطريق أجود ، ولهذا لم يحتج كتب حنين بن إسحاق إلى تهذيب إلّا في العلوم الرياضية ؛ لأنه لم يكن قيّما بها ، بخلاف كتب الطبّ والمنطق والطبيعي والإلهي ، فإنّ الذي عرّبه منها لم يحتج إلى الإصلاح ... (2)
[ الاسلوب الثالث : الترجمة بنحو الشرح والتفسير ]
الثالث : أن يبسّط في الترجمة ويشرح مقصود الكلام شرحا وافيا ، فهذا من التفسير بلغة أخرى ، وليست ترجمة محضة حسب المصطلح.
وقد تلخّص البحث في أنحاء الترجمة إلى ثلاثة أساليب :
1 ـ الترجمة الحرفية ، أو الترجمة اللفظية ، أو تحت اللفظية ، وهي طريقة مرفوضة وغير موفّقة إلى حدّ بعيد.
2 ـ الترجمة المعنوية ، أو الترجمة التفسيرية غير المبسّطة ، ويطلق عليها : الترجمة المطلقة (المسترسلة) غير المتقيّدة بنظم الأصل ، وهي طريقة معقولة.
3 ـ الترجمة التفسيرية المبسّطة ، وهي إلى الشرح والتفسير أقرب منه إلى الترجمة.
ولننظر الآن في مسألة ترجمة القرآن الكريم بالذات ، من نواحيها المختلفة ، وعلى كلا أسلوبي الترجمة : الحرفية والمعنوية ، فنقول :
[ نواحي القرآن الثلاث التي يجب مراعاتها في ترجمته ]
للقرآن الكريم نواح ثلاث تجمّعن فيه ، وبذلك أصبح القرآن كتابا سماويا ذا قدسيّة فائقة ، وممتازا على سائر الكتب النازلة من السماء :
أوّلا : كلام إلهي ذو قدسيّة ملكوتيّة ، يُتعبَّد بقراءته ويُتبَرّك بتلاوته.
ثانيا : هدى للناس ، يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
ثالثا : معجزة خالدة ، دليلا على صدق الدعوة عبر العصور.
تلك نواح ثلاث خطيرة تجمّعن في هذا الكتاب ، رهن نظمه الخاص في لفظه ومعناه ، وأسلوبه الفذّ في الفصاحة والبيان ، ومحتواه الرفيع في نظمه وتشريعاته.
وبعد ، فهل بإمكان الترجمة ـ من أيّة لغة كانت ـ الوفاء بتلكم النواحي أم ببعضها على الأقلّ ، أم تذهب بهنّ جمع أدراج الرّياح؟! الأمر الذي يحدّد أبعاد بحثنا في هذا المجال ، فنقول :
أما الترجمة الحرفيّة فإنها تفتقد دلائل الإعجاز أوّلا ، ولا سيما البيانيّ منها القائم على أعلى درجات البلاغة ، كما تعوزها تلك القدسيّة المعهودة بشأن القرآن ، فلا تجري عليها الأحكام الشرعية المترتّبة على هذا العنوان الخاص (القرآن الكريم) ، وأخيرا فإنها تخون في التأدية أحيانا ، إن لم يكن في الأغلب.
لكن الترجمة المعنوية ـ الحرّة غير المتقيّدة بنظم الأصل ـ فإنها تواكب أختها غالبا في افتقاد دلائل الإعجاز ، وكذا في الذهاب بقدسيّة القرآن الخاصة بهذا العنوان ، نعم سوى الإيفاء بالمعنى إن قامت على شروطها اللازمة ، وإليك التفصيل :
الترجمة الحرفية للقرآن
الترجمة الحرفية إن كانت بالمثل تماما ، فمعناها : إفراغ المعنى في قالب لفظي يشاكل قالبه الأول في جميع خصوصياته ومميزاته الكلامية تماما ، سوى كونه من لغة أخرى ، الأمر الذي لا يمكن الإتيان به بشأن القرآن بتاتا ؛ لأنّ الإتيان بما يماثل القرآن نظما وأسلوبا ، هو الأمر الذي تحدّى به القرآن الكريم كافّة الناس لو يأتوا بمثله ، وقد دلّت التجربة على استحالته.
وإن كانت بغير المثل ، بأن يقوم المترجم بإنشاء كلام يشاكل نظم القرآن حسب المستطاع ، فهذا أمر ممكن في نفسه ، إلّا أنه حينئذ يفتقد الكثير من المميّزات اللفظية والمعنوية التي كان القرآن مشتملا عليها ، وكانت من دلائل الإعجاز لا محالة.
كما أنه إذا غيّر الكلام إلى غير لفظه وبسوى نظمه ولا سيما بغير لغته ، فهذا لا يعدّ من كلام المتكلم الأوّل ؛ لأنّ من مقوّمات كلام كل متكلم هو البقاء على نفس الكلمات والتعابير والنظم والأسلوب الذي جاء في كلامه ، فإن غيّر في أحد المذكورات ، فإنه يصبح أجنبيّا عنه ولا يعدّ من كلامه البتّة ، الأمر الذي لا يحتاج إلى مزيد بيان.
وعليه فلو كان كلام خاص ، يحمل قدسيّة خاصّة ، وله أحكام خاصة به ، وباعتبار انتسابه إلى متكلّم خاص ، فإنّ هذه الميزة سوف تذهب بأدنى تغيير شكلي في كلامه. فكيف إذا كان تغييرا في الكلمات والألفاظ من غير اللّغة ، ومغيّرا للنظم والأسلوب أيضا ولو يسيرا ، الأمر الذي يتحقق في الترجمة الحرفية لا محالة.
من أجل ذلك نرى الفقهاء (3) ـ ولا سيّما فقهاء الإماميّة ـ متّفقين على عدم إجزاء القراءة بغير العربية في الصلاة ، حتى على العاجز عن النطق بالعربية ، وإنما يعوّض بآيات اخرى ، أو دعاء وتهليل وتسبيح إن أمكن. أما الفارسية أو غيرها فلا تجوز إطلاقا ، اللهمّ إلّا بعنوان الذكر المطلق ، إذا جوّزناه بغير العربية ، وفيه إشكال أيضا.
قال المحقق الهمداني : يعتبر في كون المقروء قرآنا حقيقة ، كونه بعينه هي الماهيّة المنزلة من الله تعالى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مادّة وصورة ، وقد أنزله الله بلسان عربيّ ، فالإخلال بصورته التي هي عبارة عن الهيئات المعتبرة في العربية بحسب وضع الواضع كالإخلال بمادّته ، مانع عن صدق كونه هي تلك الماهيّة (4).
وقال : ولا يجزئ المصلّي عن الفاتحة ترجمتها ، ولو بالعربية فضلا عن الفارسيّة ، اختيارا بلا شبهة ، فإنّ ترجمتها ليست عين فاتحة الكتاب المأمور بقراءتها ، كي تكون مجزئة (5).
قال ـ بشأن العاجز عن العربية ـ : الأقوى عدم الاعتبار بالترجمة ـ في حالة العجز عن الفاتحة وبدلها (من قرآن غيرها أو تحميد وتسبيح) ـ من حيث هي أصلا ، ضرورة عدم كونها قرآنا ولا ميسوره ، بعد وضوح أن لألفاظ القرآن دخلا في قوام قرآنيّتها. نعم بناء على الاجتزاء بمطلق الذكر لدى العجز عن قراءة شيء من القرآن مطلقا ، أو لدى العجز عن التسبيح والتحميد والتهليل أيضا ، اتّجه الاجتزاء بترجمة الفاتحة ونظائرها ، لا من حيث كونها ترجمة للقرآن ، بل من حيث كونها من مصاديق الذكر ، وأما ترجمة الآيات التي هي من قبيل القصص فلا يجتزئ بها أصلا ، بل لا يجوز التلفّظ بها لكونها من الكلام المبطل (6).
وهذا إجماع من الإماميّة : أن ترجمة القرآن ليست بقرآن. وفي ذلك أحاديث متظافرة عن النبيّ والأئمة الصادقين (عليهم السلام) :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «تعلّموا القرآن بعربيّته».
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «تعلّموا العربيّة ، فإنها كلام الله الّذي كلّم به خلقه ونطق به للماضين» (7).
ولا يزال الفقهاء يفتون بالمسائل التالية :
1 ـ من لا يعرف قراءة الحمد ، يجب عليه التعلّم.
2 ـ ومن تعذّر عليه تعلّمها استبدل من قراءتها ما تيسّر من سائر آيات القرآن.
3 ـ ومن لم يتيسّر له ذلك أيضا يعوّض عنه بما يعرفه من أذكار وأدعية على قدر سورة الفاتحة (8) ، بشرط أدائها بالعربية.
4 ـ وإذا كانت الترجمة لا تصدق عليها عنوان الذكر أو الدعاء ، فغير جائزة البتة.
5 ـ وإذا كانت من قبيل الدعاء والذكر فتجوز في الدرجة الثالثة ، بناء على جواز الدعاء بغير العربية في الصلاة ، وهو محلّ خلاف بين الفقهاء.
والخلاصة : أن فقهاء الإماميّة متّفقون على عدم إجراء أحكام القرآن ـ بصورة عامة ـ على ترجمته ، بأيّة لغة كانت. ويوافقهم على هذا الرأي أصحاب سائر المذاهب من عدا أبي حنيفة وأصحابه ، فقد أجازوا في الصلاة قراءة ترجمة الفاتحة بالفارسيّة استنادا إلى ما روي : أنّ الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي (رضى الله عنه) أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسيّة ، فكانوا يقرءون ذلك في صلاتهم ، حتى لانت ألسنتهم للعربية.
أما أبو حنيفة فقد أجاز ذلك مطلقا ، وأمّا صاحباه (أبو يوسف ومحمد) فقد أجازا لمن لا يحسن العربية (9). وكان الحبيب العجمي ـ صاحب الحسن البصري ـ يقرأ القرآن في الصلاة بالفارسيّة ، لعدم انطلاق لسانه باللّغة العربية (10).
وقد أفتى بالجواز ـ عند العجز ـ الشيخ محمّد بخيت ، مفتي الديار المصرية ـ سابقا ـ فتوى لأهل الترانسفال ، استنادا إلى فعلة الحبيب العجمي (11) ، وسيأتي تفصيل ذلك مشروحا.
هذا ومن ناحية أخرى فإن الترجمة الحرفية (تحت اللفظية) تخون في التأدية ولا تفي بإفادة المعنى المراد في كثير من الأحيان ، إن لم تشوِّه المعنى وتشوشه على أذهان القرّاء والمستمعين ، على ما سبق بعض الأمثلة على ذلك ، وسيأتي مزيد بيان.
وعليه فقد صحّ القول : بأن الترجمة الحرفية تذهب برواء الكلام ، فضلا عن بلاغته الأولى التي كانت من أهمّ دلائل الإعجاز في القرآن ، كما لم يصح إسناد الترجمة إلى صاحب الكلام الأوّل ، بعد تبديله إلى غيره لفظا وأسلوبا. وأخيرا فإنها تخون في تأدية المراد في كثير من الأحيان ، الأمر الذي يحتم ضرورة اجتنابها ، ولا سيما في مثل القرآن العظيم.
الترجمة المعنوية (التفسيريّة) للقرآن
أما الترجمة المعنوية ـ الترجمة الحرّة غير المتقيدة بنظام الأصل ، إن دعت ضرورة الإيفاء بالمعنى إلى مخالفة النظم ـ فهو أمر معقول ، وتختلف عن الترجمة الحرفية بوفائها بتمام المراد ، وإن كانت توافقها في الأمرين الأوّلين (انتقاد دلائل الإعجاز والمميّزات اللفظية التي كانت في الأصل ، وعدم إجراء أحكام القرآن عليه) أما الوفاء بالمعنى تماما فهو الأمر الذي يختص به هذا النوع من الترجمة الحرّة ، على شريطة الدقّة والإحاطة ، بتمام جهات المعنى المقصودة من الكلام.
وصاحب هذا النوع من الترجمة إنّما يقوم بعملية إيفاء المعنى وبيان مقصود الكلام ، وهو نوع من الشرح والتفسير ، ولكن في قالب لفظي متناسب مع الأصل مهما أمكن ، فهو في الغالب (بل الأكثرية الساحقة) متوافق مع الأصل في النظم والترتيب وحتى في الأسلوب البياني ، إن أمكن ذلك ، وكانت اللغة المترجمة إليها متقاربة مع اللغة المترجم عنها في تلكم المصطلحات وفنون المحاورة غالبا. والمعهود أن لغات الأمم المتجاورة ، قريبات بعضهنّ مع البعض في آفاق التعبير والبيان.
والترجمة المعنوية ، هي الراجحة والمتداولة في الأوساط العلمية والأدبية ، منذ عهد سحيق ، وهي الوسيلة الناجحة لبثّ الدعوة بين الملأ على مختلف لغاتهم وألسنتهم ، وقد جرت عليها سيرة المسلمين ولا تزال قائمة على ساق.
ولا شك أن عرض مفاهيم القرآن وحقائقه الناصعة ، على ذوي الأحلام الراجحة من سائر الأمم ، من أنجح الوسائل في أداء رسالة الله إلى الخلق ، التي تحمّلتها عواتق هذه الأمة (12) ، الأمر الذي لا يمكن إلّا بتبيين وترجمة النصوص الإسلامية ـ كتابا وسنة ـ وعرضها بألسن الأمم ولغاتهم المألوفة (13). ومن ثمَّ كانت ترجمة القرآن ترجمة صحيحة ، ضرورة دعائية يستدعيها صميم الإسلام وواقع القرآن ، حسبما يأتي.
المنع من الترجمة وأخطارها
لم تسبق من علماء الإسلام نظرة منع من ترجمة القرآن ، بعد أن كانت ضرورة دعائية ، لمسها دعاة الإسلام من أوّل يومه. وإنّما حدث القول بعدم الجواز في عصر متأخّر (في القرن الماضي ، في تركيا العثمانية ، وفي مقاطعاتها العربية ، مثل سوريا ومصر) ولعلّها فكرة استعمارية تبشيريّة ، محاولة لشدّ حصار قلعة الإسلام ، دون نشره وبثّ تعاليم الإسلام ، في المناطق غير العربية.
قال الدكتور علي شواخ : فلو تدبّرنا وتعمّقنا لوجدنا أنّ القول بالمنع عاصر فتوى النصارى الغربيّين واستعمارهم لبلاد الإسلام ، فقد حاولوا تنصير المسلمين بكل وسيلة ، ولم يكتفوا بإرسال المبشّرين في شتّى الملابس ، بل منعوا أيضا تدريس اللغة العربية حتى في المستعمرات العربيّة مثل شمال إفريقيّة. والظاهر أنهم ارادوا إتمام حصار قلعة الإسلام بمنع تراجم القرآن بلغات أجنبيّة ، فالمسلمون غير العرب لا يعرفون العربية ، ولن يجدوا تراجم القرآن بلغاتٍ يعرفونها ، فتبقى الساحة فارغة للديانات الأخرى. قال أحد المبشّرين (وبتعبير أصحّ : أحد المنصّرين) لبعض علماء الإسلام الساذجين : «القرآن معجزة حقّا ، لا تتحمّل بلاغته الترجمة!». فوثب هذا العالم الساذج ـ لشدّة السرور ـ وقال : «الفضل ما شهدت به الأعداء!» وخطب وكتب : «القرآن تصعب أو تستحيل ترجمته» ، وتبعه آخرون ، وفي الخطوة الثانية قالوا : «القرآن لا تجوز ترجمته».
ولكن الإنسان يدبّر ، والله يقدّر. فالنصارى الذين دسّوا هذه الفكرة ، ظنّوا أنّ العرب سوف لا يقومون بترجمة القرآن ، ولقد صدق ظنّهم بشأن العرب. أما سائر المسلمين من غير العرب ، فإن التاريخ يشهد بأنهم اهتمّوا بهذا الأمر ، فقاموا بالترجمة إلى لغاتهم على يد علماء كانوا عارفين بالعربيّة ، فترجموه إلى لغاتهم لتدريس أبنائهم وعامّة أهل بلادهم الذين لم يدرسوا العربيّة (14).
قال الدكتور شواخ : وهكذا يتّضح لنا ، أنّ الحركة ضد ترجمة القرآن إلى سائر اللغات ، انحصرت في بلاد العرب ، وبالدولة العثمانية خاصّة! (15) وعلى هذا الغرار ساق الأستاذ الشاطر ـ رأس المعارضين ـ أدلّة في المنع عن الترجمة ، وذكر أخطارا سوف تتّجه نحو حامية الإسلام الحصينة (القرآن الكريم) إن أصبح عرضة للترجمة إلى لغات أجنبيّة ، نذكر أهمها :
1ـ يقول : إنّ الترجمة تُضيِّع بالقرآن ، كما ضاعت التوراة والإنجيل من جرّاء ترجمتهما إلى غير لغتهما الأصل ، فقد ضاع الأصل بضياع لغته وضياع الناطقين بها. فيُخشى أن يحلّ بالقرآن ـ لا سمح الله ـ لو ترجم إلى غير لغته ، ما حلّ بأخويه من ذي قبل! (16).
قلتُ : هذا قياس مع الفارق ؛ إذ السبب في ضياع التوراة وكذا الإنجيل ، إنّما يعود إلى إخفاء الأصل عن العامة وإبداء تراجمهما المحرّفة للناس ، لغرض التمويه عليهم. كان الأحبار والقساوسة يدأبون في تحريف تعاليم العهدين تحريفا في معاني الكلم دون نصّ اللّفظ ؛ إذ لم يكن ذلك بمقدورهم ، فعمدوا إلى تفسيرهما على غير وجهه ، وإبداء ذلك إلى الملأ باسم التعاليم الإلهية الأصيلة.
قال تعالى ـ بشأن التوراة ـ : (الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً ...)(17) ، أي تبدون منه مواضع وتخفون أكثره.
وقد أسبقنا ـ في مسألة تحريف الكتاب ـ أنّ التحريف في العهدين إنّما يعني التحريف في معناهما ؛ أي التفسير على غير وجهه ، الأمر الذي حصل في تراجم العهدين دون نصّهما.
قال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)(18) وقال : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (19).
فالكارثة كل الكارثة إنما هي في إخفاء نصّ العهدين الأصليين عن أعين الناس ، وهذا هو السبب الوحيد لضياعهما ، دون مجرد ترجمتهما.
أما القرآن فهو الكتاب الذي يتعاهده المسلمون جيلا بعد جيل ، بل العالم كله من مسلم معتقد وآخر محقق مضطلع ، يحرسون على نصّ القرآن العزيز ، وقد قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(20) ، أي في صدور الرجال وعلى أيدي الناس ، الأولياء والأعداء جميعا ، معجزة قرآنية خالدة.
2ـ يقع ـ بطبيعة الحال ـ اختلاف بين التراجم ؛ لاختلاف السلائق بل العقائد التي يذهب إليها كل مذهب من المذاهب ، وكذا اختلاف المواهب والاستعدادات في فهم معاني القرآن وترجمتها وفق الأفهام والآراء المتضاربة ؛ ولهذا الاختلاف في تراجم القرآن آثار سيّئة ؛ إذ يستتبعها اختلاف الاستفادة واستنباط الأحكام والآداب الشرعية ، وكل قوم من الأقوام إنّما يرتئي حسب ما فهم من الترجمة التي أتيحت له ، وربّما لا يدري مدى اختلافها مع سائر التراجم (21).
لكن هذا خروج عن مفروض الكلام ، فإن للترجمة ضوابط يجب مراعاتها ، ولا سيما ترجمة القرآن الكريم ، يجب أن تكون تحت إشراف لجنة رسميّة ، ومن هيئة علماء وأدباء اختصاصيّين برعاية حكومة إسلامية قاهرة ، لا تدع مجالا لتناوش أيدي الأجانب فيجعلوا القرآن عضين ، كما هو الشأن في رسم خط المصحف الشريف ، وطباعته على أصول مقرّرة ، تحفظه عن الاختلاف والاضطراب.
نعم يجب أن يعلم كل الأمم الإسلامية ، أنّ الترجمة لا تضمن واقع القرآن ، وأنّ المصدر للاستنباط واستخراج الأحكام والسنن للمجتهدين هو نص القرآن الأصل ، ليس ما سواه. هذا أمر يجب الإعلان به ، فلا يذهب وهم الواهمين إلى حيث لا ينبغي.
نعم ، على كل محقق إسلامي أن يتعلّم القرآن بلغته العربية الفصحى ، وليست الترجمة بذاتها لتفي بمقصوده أو تشبع نهمه.
3ـ أنّ للقرآن في كثير من آياته حقائق غامضة ، قد تخفى على كثير من العلماء ، وقد يعلمها غيرهم ممن جاء بعدهم ؛ ولذلك أمثلة كثيرة. فلو ترجمنا القرآن وفق معلومنا اليوم ، ثم جاء الغد ليرتفع مستوى العلوم وينكشف من حقائق القرآن ما كان خافيا علينا ، فهل نخطّئ أنفسنا بالعلانية ونغيّر الترجمة ونعلن للملإ ، أن الذي ترجمناه أمس أصبح خطأ ، وأن الصحيح غيره.
فماذا يقول لنا الناس؟ وما الذي يضمن بقاء ثقتهم اليوم كثقتهم بالأمس؟ ثم ضرب لذلك أمثلة :
أ- منها : قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (22) فسّر القدامى «الزوجين» بالصنفين. ثم جاء العلم الحديث ليكشف النقاب عن المعنى الصحيح ، وهو أنّ كلّ ثمرة فيها ذكر وأنثى (23).
قال : فلو حصلت الترجمة وفق التفسير الأول لأضاعت على قارئيها تلك الحقيقة التي أظهرها العلم الحديث!
ب- ومنها : قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) (24). فقد فسّر «تثير» بمعنى «تسوق» ، وبذلك قد ضاع المعنى البديع الذي أصبح معجزة للقرآن. وهو أنّ لفظ «تثير» من الإثارة وهو التهييج ، نظير تهييج الغبار والدخان ، وهذا مبدأ «عملية التبخير» وتكوين الأمطار. فإنّ التبخير يحصل من الحرارة المركزيّة والحرارة الجوية والريح ، أي لا بدّ من هذه العوامل الثلاثة لتكوين «عملية التبخير» ، ثم بعد ذلك تحمل الرياح هذا البخار إلى حيث شاء الله ، وهذا المعنى لم يظهر إلّا حديثا.
ج- ومنها : قوله تعالى : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) (25). فسّروا «الأوتاد» بكثرة الجنود ، أو أنها كانت مسامير أربعة كان يعذّب الناس بها. وقد تبيّن الآن أن المراد هي هذه الأهرام وهي تشبه الجبال ، وقد عبّر القرآن عن الجبال بالأوتاد في قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (26).
د- ومنها : قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (27). فسّر «الدحو» بعض المفسرين بالبسط. فلو ترجم إلى هذا المعنى ضاع المعنى الذي يؤخذ من «الدحو» ، وهو التكوير غير التام ، كتكوير البيضة مع الدوران. ولا يزال أهل الصعيد ـ وأصل أكثرهم عرب ـ يعبّرون عن «البيض» بالدحو أو الدحى أو الدح.
هـ - وكذلك إذا ترجم قوله تعالى : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) (28) بما يقوله بعض المفسرين (29) ، ذهب المعنى المستفاد من الآية ، وهو كرويّة الأرض ؛ لأنّ تكوير الضوء أو تقوّسه يستلزم تكوير المضاء وتقوّسه ؛ لأنّ النور والظلمة إنما يتشكّلان بأشكال الجسم الواقعين عليه. فلو ترجمت الآية بذلك المعنى (التغشية) ثم دلّتنا الأدلة على صحة المعنى الثاني ، لكنّا قد خسرنا معجزة من معجزات القرآن.
قال الأستاذ الشاطر : إنّي لأخشى أن ينطبق علينا الحديث الشريف : «لتتّبعنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ خرب لاتّبعتموهم.
قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اليهود والنصارى؟ قال : فمن؟!» (30).
[ دفاع حاسم عن مشروع ترجمة القرآن الكريم ]
ولقد أحسن الأستاذ محمد فريد وجدي الدفاع عن «مشروع ترجمة القرآن إلى اللّغات الأجنبيّة» وأجاب عن اعتراض الأستاذ (الشاطر) قائلا : نحن نعتقد أنّ القرآن كتاب لا تنقضي عجائبه ولا يدرك غوره ، كما يعتقد الأستاذ (الشاطر) ولكنّا لا نذهب بالغلوّ في هذا المعنى إلى درجة التعطيل ، واعتباره طلسما تضلّ العقول في فهمه ، ولا تصل منه إلى حقيقة ثابتة. فإنّ هذا الفهم يصطدم بالقرآن نفسه ، فقد وصفه في غير آية بأنه آيات بيّنات ، وبأنه منزل ليتدبّر الناس هذه الآيات ، حتى قال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(31) ، أي سهّلناه للاتّعاظ. وكُرّرت هذه الآية أربع مرات في سورة واحدة! فلا يجوز أن ندّعي أنّ ما يسّره الله للتذكّر والاتعاظ ، معمّى لا يمكن فكّه ، وطلسم لا يُستطاع حلّه.
نعم إنّ المفسّرين بعد القرنين الأوّلين تذرّعوا بالفنون الآليّة التي وضعوها لضبط قواعد اللّغة ، من : نحوٍ وبيان وبديع ومعاني ، إلى زيادة التعمّق في تمحيص الآيات لهذا السبب ـ وأكثر هذا التعدّد آلي محض ـ ولكن المعاني لم تخرج قطّ عن دائرة الفهم ، فلم يدّع أحد أنّ القرآن لم يُفهَم في عصر من العصور ، ولا سيّما الآيات المحكمات. وكيف يمكن أن يُقال : إنّ محكمات القرآن لم تُفهَم على حقيقتها ، وقد انبنى عليها الدين كله عقائده وعباداته ومعاملاته؟!
فاللّجنة التي ستُدعى لترجمة القرآن ستنظر في المعاني التي قرّرها أئمة التفسير ، فإن آنسوا في بعضها ـ خلافا بينهم ـ عمدوا إلى اختيار ما رضيه جمهورهم ، مشيرين في الهامش إلى بقية الاحتمالات ؛ فتكون الترجمة قد استوعبت جميع الآراء.
هذا في آيات العقائد والعبادات والمعاملات. وأمّا الآيات الكونية والتاريخية والمتشابهات ، فإنّ اللجنة ستترجم معانيها على ما يحتمله اللّفظ العربيّ ، ولا تتعرّض لشرحها ، فمثل قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً ...) مثل هذه الآية تتولّاها لجنة التفسير فتعطي معناها الصحيح للجنة الترجمة لتترجمه ، دون أن تتعرّض ـ هذه الأخيرة ـ لما تشير إليه الألفاظ من الدلالات العلمية. ولكنها تجتهد في ترجمة كلمة «تثير» مثلا لتكون واجدة لجميع خصائصها اللّغويّة (32) ، تاركة دلالاتها العلمية إلى عقول القارئين ، تفاديا من الوقوع في مثل هذا الخطأ الكبير الذي وقع فيه الأستاذ (الشاطر) في هذا الموطن نفسه (33) ، وحفظا للقرآن الكريم ممّا عسى أن يرجع عنه العلم من مقرّراته الحاليّة ، وهو دائم التغيّر بطبيعته.
قال : وهنا يسوغ لنا أن نقول : إذا جرينا على مذهب الأستاذ الشاطر في تفسير الآيات وترجمتها ، ثم رجع العلم عن رأيه الأوّل ، أنعيد إذ ذاك ترجمة القرآن ، أم نترك الترجمة على خطائها. ولكن الترجمة على الأسلوب الذي ذكرناه فلا تجعل محلا لمثل هذا الندم ؛ لأن الكلمة قد تبدّلت إلى ما يرادفها في الإفادة ، من دون التعرّض للشرح والبيان ، تاركين ذلك إلى فهم القرّاء ، كما هو الحال بالنسبة إلى الكلمة في موضعها من القرآن (34).
وأمّا الآيات التي استشهد بها ، فأظنّه مشتبها فيها ، فضلاً عن أنّ الاختلاف في الترجمة لا يزيد خطرا عن الاختلاف في التفسير الذي لا محيص عنه البتة.
وقد تعرّض الأستاذ وجدي لبيان الآيات على وجه يخالف رأي الأستاذ الشاطر ، نذكرها على الترتيب :
أما الآية الأولى التي قال فيها : لكن العلم الحديث كشف لنا أنّ كل ثمرة فيها ذَكر وأنثى.
فقال الأستاذ وجدي : هذا خطأ ؛ إذ الثمار ليس فيها ذَكر ولا أنثى على الإطلاق ، نعم إنّ الذكورة والأنوثة من أعضاء الأزهار لا الأثمار. فقد يكون هناك عضوان ذكر وأنثى في زهرة واحدة ، وقد يكونان في زهرتين من نفس الشجرة ، أو في زهور شجرتين مستقلّتين. وهذا اللّقاح النباتي كان معروفا منذ أقدم العصور ، حتى أنّ عرب الجاهلية كانوا يعرفونه ، فكانوا يلقّحون إناث النخيل بالطلع المستخرج من ذكورها.
إذن فلم يكن هذا المعنى خافيا على المفسرين القدامى ، ومن ثم أخذوا الآية حسب مفهومها الظاهر اللغوي ، وهو الصحيح ، بعد ملاحظة آية أخرى جاء فيها وصف الجنّتين اللّتين وعد الله بهما المتّقين ، قال تعالى : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) (35) ولا يمكن صرف هذه الآية بحال من الأحوال إلى المعنى الذي أراده الأستاذ (الشاطر).
والآية الثانية ، التي جعل لفظة «تثير» فيها إشارة إلى «عملية التبخير» بفعل الحرارة والرياح ، فالمعروف في علم الطبيعة أنّ عملية التبخير ـ في المياه والرطوبات ـ إنما تقوم على فعل الحرارة المركزيّة للأرض ، والحرارة الجوّية للشمس ، أمّا الرياح فلا دور لها في ذلك ، ولم يقل به أحد من العلماء.
وقد كان العلماء منذ خمسمائة عام قبل ميلاد المسيح (عليه السلام) يعرفون تكوّن الأبخرة الأرضية ، التي هي المؤلّفة للسحب. وهذه كتب الطبيعيات القديمة شاهدة بذلك ، وليس أمرا اكتشفه العلم حديثا.
والآية الثالثة ـ التي زعم «الأوتاد» فيها هي الأهرام ـ فلا يمكن المصادقة عليه ، بعد أن كان السبب في إطلاق «الوتد» على الجبل باعتبار تأثيره في ضبط الأرض عن الميدان وعن التفتّت والاندثار ، الأمر الذي يرجع إلى ضخامته وصلابته ، ممّا لا تناسب بينه وبين أكبر هرم من أهرام مصر ، الذي يبلغ ارتفاعه مائة وخمسين مترا ، وطول قاعدته عن ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين مترا. فأين ذلك من جبل «هماليا» الذي يزيد ارتفاعه عن ثمانية آلاف متر وثمانمائة متر ، ويشغل شمالي الهند كله. أو جبال أنده في أمريكا الجنوبية التي يبلغ طول قاعتها نحو سبعة آلاف كيلومترا ، وارتفاعها بضعة آلاف متر. لا جرم كان أطول الأهرام لا يساوي أصغر تلال الأرض ، فلا يتناسب والإطلاق وتد الأرض عليه ؛ إذ لا مناسبة حينذاك. على أنّ «الأهرام» هي قبور فراعنة مصر ممن سبقوا فرعون موسى نحو ثلاثة آلاف عام ، ولم يكن هذا الأخير ممن شيّدها ، فكيف يصحّ نسبتها إليه؟!
والآية الرابعة ، وكذا الخامسة ، فإنّ الذي ذكره احتمال ، لا نستبعد إمكان الدّلالة عليه إجمالا ، لكن ليس من الحتم ، فهو احتمال كسائر الاحتمالات التي تحتملها جلّ آيات الذكر الحكيم ، كما قال علي (عليه السلام) : «القرآن حمّال ذو وجوه» ، لكن لا يرتبط الأمر وقضيّة إمكان الترجمة بشكل يبقى احتمالات اللفظ على حالها في الترجمة ، كما هي في الأصل.
وعلى أيّة حال فليست الترجمة بذاتها مما يتنافى واحتمالات لفظ القرآن ، إن كانت الترجمة ـ كما ذكره الأستاذ وجدي (36) ـ قائمة على أصولها حسبما عرفت.
[ الموقف الشرعي من ترجمة القرآن الكريم ]
الترجمة من الوجهة الشرعيّة
سبق أنّ الغاية من الترجمة هي الإيفاء بمفاهيم القرآن وإيضاح ما يحويه هذا الكتاب السماويّ الخالد ، إيضاحا بسائر اللّغات لسائر الأمم ، تقريبا لهم إلى تعاليم القرآن وآداب الإسلام وأحكامه وسننه ، الأمر الذي لا بأس به ـ فضلا عن كونه من ضرورة الدعاء إلى الإسلام ـ ما دام لا تعتبر الترجمة قرآنا ، بل ترجمة له محضا. فلا تشملها أحكام القرآن الخاصة به ، وإنما شأنها شأن التفسير الذي وضع على أساس الإيجاز والإيفاء حسب المستطاع.
وأما الحديث المأثور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «تعلّموا القرآن بعربيّته» ، فإنّما هو حثّ على تعلّم العربيّة ؛ حيث عبادات الإسلام عربيّة ، وعلى كل مسلم أن يتقنها مهما أمكن. قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «تعلّموا العربية فإنها كلام الله الذي كلم به خلقه ونطق به للماضين» وروى ابن فهد الحلي في «عدّة الداعي ص 18» عن الإمام الجواد (عليه السلام) ، قال : ما استوى رجلان في حسب ودين قطّ إلّا كان أفضلهما عند الله ـ عز وجل ـ أأدبهما. قال الراوي : قلت : قد علمت فضله عند الناس في النادي والمجلس ، فما فضله عند الله؟ قال (عليه السلام) : بقراءة القرآن كما أنزل ، ودعائه من حيث لا يلحن ؛ وذلك أنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله.
هذا إن أريد قراءة القرآن ذاته ، وليس نهيا عن تفسيره أو ترجمته بغير لغة العرب إذا دعت الضرورة إلى ذلك ، كما نبّهنا. ومع ذلك فقد أجيز القراءة بلحن غير عربي لمن يتعذر عليه التلهّج بلهجة العرب. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إن الرجل الأعجمي من أمّتي ليقرأ القرآن بعجميّته ، فترفعه الملائكة على عربيّته» (37).
وثائق شرعيّة
لم يبحث علماؤنا السلف (رحمهم الله) عن مسألة «ترجمة القرآن إلى سائر اللغات» بحثا مستوفى يشمل جوانب المسألة وفي تمام أبعادها بتفصيل ، وإنما جاء كلامهم عن الترجمة عرضا عند التكلّم في شروط القراءة في الصلاة. ويبدو من كلماتهم هناك : أنّ الترجمة في حدّ ذاتها لا ضير فيها ، ومن ثم وقع البحث منهم في جواز قراءتها في الصلاة بدلا عن الفاتحة بحثا ثانويا ، مفروغا عن جواز أصل الترجمة ذاتها.
كما أنه في طول حياة المسلمين ، قام رجال من أهل الفضيلة والأدب بترجمة القرآن ، تماما أو بعض آية وسورة ، عرضا على أناس كانوا لا يحسنون العربية (38) ، وكان ذلك بمرأى ومسمع من فقهاء الإسلام من غير نكير منهم ، مما ينبؤك عن تسالمهم على الجواز ، ولا سيما للهدف المذكور.
نعم صدرت ـ أخيرا ـ فتاوي بشأن جواز الترجمة ، وكتب كثيرون حول المسألة ، نقضا وإبراما. أما الفقهاء فقد توافقوا على الجواز ، بشروط ذكروها ، وقد نوّهنا عن طرف منها. ونورد هنا بعضا من تلك النظرات والآراء :
فتوى الحجة كاشف الغطاء
جاء فيما كتبه سماحة الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ـ تغمّده الله برحمته ـ جوابا على استفتاء الأستاذ عبد الرحيم محمد علي ، بشأن جواز ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبيّة ـ ما نصّه ـ :
«إذا أمعنّا النظر في هذه القضيّة نجد أن إعجاز القرآن الذي أدهش العلماء ، بل وأدهش العالم ، يرجع إلى أمرين : فصاحة المباني إلى فصاحة الألفاظ ، وبلاغة الأساليب والتراكيب. والثاني قوّة المعاني. وما في القرآن من التشريع البديع والوضع الرفيع ، والأحكام الجامعة في صلاح البشر عامّة من العبادات والاجتماعيّات ، يعني من أوّل كتاب الطهارة إلى الحدود والديات ، بعد العقائد المبرهنة في التوحيد والنبوّة والمعاد. وبالجملة فقد تكفل القرآن بصلاح عامّة البشر معاشهم ومعادهم بما لم يأت بمثله أيّ كتاب سماويّ ، وأيّ شريعة من الشرائع السابقة. ولا شك أنّ الترجمة مهما كانت من القوّة والبلاغة في اللّغة الأجنبيّة فإنها لا تقدر على الإتيان بها بلسان آخر ، مهما كان المترجم قويّا ماهرا في كلتا اللّغتين العربيّة والأجنبيّة. فإذا صحّت الترجمة ولم يكن فيها أيّ تغيير وتحريف ، فهي جائزة ، بل نقلها واجب على المقتدر فردا كان أو جماعة ؛ لأنّ فيها أبلغ دعوة للإسلام ودعاية للدّين ، ويشمله قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) (39) وأيّ خير أهم وأعظم من الدعوة إلى الإسلام! ولم تزل ترجمة القرآن باللّغة الفارسيّة شائعة من زمن قديم ، ولم يذكّر أحد من علمائنا الأفاضل (رحمهم الله) المنع عنها ، وإذا جاز بالفارسيّة جاز بغيرها قطعا. وبهذا البيان لا حاجة إلى التمسّك بأصالة الإباحة ونحوها ، فإن الأمر أوضح وأصحّ وأجلى من أن يحتاج إلى دليل أو أصل أصيل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل» (40).
نظرة الإمام الخوئي
لسيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي ـ دام ظله ـ نظرة وافية بشأن ترجمة القرآن إلى سائر اللغات ، ذكرها في ملحق كتابه «البيان» مع إشارة إجمالية إلى شروطها الأوّلية ، وإليك نصّها :
«لقد بعث الله نبيّه لهداية الناس فعزّزه بالقرآن ، وفيه كل ما يسعدهم ويرقى بهم إلى مراتب الكمال. وهذا لطف من الله لا يختصّ بقوم دون آخر ، بل يعمّ البشر عامّة. وقد شاءت حكمته البالغة أن ينزل قرآنه العظيم على نبيّه بلسان قومه ، مع أنّ تعاليمه عامّة وهدايته شاملة ؛ ولذلك فمن الواجب أن يفهم القرآن كل أحد ليهتدي به. ولا شكّ أنّ ترجمته مما يعين على ذلك ، ولكنه لا بدّ أن تتوفّر في الترجمة براعة وإحاطة كاملة باللغة التي ينقل منها القرآن إلى غيرها ؛ لأنّ الترجمة مهما كانت متقنة لا تفي بمزايا البلاغة التي امتاز بها القرآن ، بل ويجري ذلك في كل كلام ؛ إذ لا يؤمن أن تنتهي الترجمة إلى عكس ما يريد الأصل. ولا بدّ إذن في ترجمة القرآن من فهمه ، وينحصر فهمه في أمور ثلاثة :
1ـ الظهور اللّفظي الذي تفهمه العرب الفصحى.
2ـ حكم العقل الفطري السليم.
3ـ ما جاء من المعصوم في تفسيره.
وعلى هذا تتطلّب إحاطة المترجم بكل ذلك لينقل منها معنى القرآن إلى لغة أخرى. وأما الآراء الشخصيّة التي يطلقها بعض المفسّرين في تفاسيرهم ، ولم تكن على ضوء تلك الموازين ، فهي من التفسير بالرأي وساقطة عن الاعتبار ، وليس للمترجم أن يتّكل عليها في ترجمته. وإذا روعي في الترجمة كل ذلك ، فمن الراجح أن تنقل حقائق القرآن ومفاهيمه إلى كل قوم بلغتهم ؛ لأنّها نزلت للناس كافّة. ولا ينبغي أن تحجب ذلك عنهم لغة القرآن ، ما دامت تعاليمه وحقائقه لهم جميعا» (41).
كتاب شيخ الأزهر
جاء في كتاب رسمي قدّمه شيخ الجامع الأزهر الأسبق الشيخ محمد مصطفى المراغي إلى رئيس مجلس الوزراء المصري عام (1355 ه. ق) ما نصّه :
«اشتغل الناس قديما وحديثا بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللّغات المختلفة ، وتولّى ترجمته أفراد يجيدون لغاتهم ولكنّهم لا يجيدون اللغة العربيّة ، ولا يفهمون الاصطلاحات الإسلامية ، الفهم الذي يمكنهم من أداء معاني القرآن على وجه صحيح ؛ لذلك حدث في التراجم أخطاء كثيرة ، وانتشرت تلك التراجم ولم يجد الناس غيرها ، فاعتمدوا عليها في فهم أغراض القرآن الكريم وفهم قواعد الشريعة الإسلاميّة ، فأصبح لزاما على أمّة إسلامية كالأمّة المصريّة التي لها المكان الرفيع في العالم الإسلامي أن تبادر إلى إزاحة هذه الأخطاء ، وإلى إظهار معاني القرآن الكريم نقيّة في اللغات الحيّة لدى العالم.
ولهذا العمل أثر بعيد في نشر هداية الإسلام بين الأمم التي لا تدين بالإسلام ، ذلك أنّ أساس الدعوة إلى الدين الإسلامي إنما هو الإدلاء بالحجة الناصعة والبرهان المستقيم. وفي القرآن من الحجج الباهرة والأدلّة الدامغة ما يدعو الرجل المنصف إلى التسليم بالدين والإذعان له.
وفائدة أخرى للأمم الإسلاميّة التي لا تعرف العربيّة وتشرئبّ أعناقها إلى اقتطاف ثمرات الدين من مصدرها الرفيع ، فلا تجد أمامها إلّا تراجم قد ملئت بالأخطاء. فإذا ما قدّمت لها ترجمة صحيحة تصدرها هيئة لها مكانتها الدينيّة في العالم ، اطمأنّت إليها وركنت إلى أنّها تعبّر عن الوحي الإلهي تعبيرا دقيقا.
ونرى أنّ عهد حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الذي تمّت فيه أعمال جليلة لخير الإسلام والمسلمين ، خليق بأن يتمّ هذا المشروع الجليل ، أطال الله بقاء جلالته نصيرا للعلم والدين.
لذلك أقترح : أن يقرّر مجلس الوزراء ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسميّة ، على أن تقوم بذلك مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة المعارف ، وأن يقرّر مجلس الوزراء الاعتماد اللازم لذلك المشروع الجليل ، فأرجو النظر في هذا ..».
وهناك كتاب رسمي آخر من وزير المعارف المصريّة إلى رئيس مجلس الوزراء ، بشأن تأييد كتاب شيخ الأزهر والتأكيد من إنجاز الطلب (42).
فتوى علماء الأزهر
قدّم إلى هيئة علماء الأزهر استفتاء بشأن ترجمة القرآن إلى سائر اللغات ، ضمّنه الشروط المقرّرة لهذا المشروع. فكان الجواب هي الموافقة الصريحة.
وإليك نصّ الاستفتاء مشفوعا بجوابه :
«ما قول السادة أصحاب الفضيلة العلماء في السؤال الآتي بعد ملاحظة المقدمات الآتية؟
1- لا شبهة في أنّ القرآن الكريم اسم للنظم العربي الذي نزل على سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا شبهة أيضا في أنه إذا عبّر عن معاني القرآن الكريم بعد فهمها من النّص العربى بأيّة لغة من اللغات ، لا تسمّى هذه المعاني ولا العبارات التي تؤدّى هذه المعاني قرآنا.
2- وممّا لا خلاف فيه أيضا أنّ الترجمة اللفظيّة ، بمعنى نقل المعاني مع خصائص النظم العربي المعجز مستحيلة.
3- وضع الناس تراجم للقرآن الكريم بلغات مختلفة اشتملت على أخطاء كثيرة ، واعتمد على هذه التراجم بعض المسلمين الذين لا يعرفون اللغة العربيّة ، وبعض العلماء من غير المسلمين ممّن يريد الوقوف على معاني القرآن الكريم.
4- وقد دعا هذا التفكير في نقل معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى على الوجه الآتي : يراد ـ أولا ـ فهم معاني القرآن الكريم بوساطة رجال من خيرة علماء الأزهر الشريف ، بعد الرجوع لآراء أئمة المفسّرين ، وصوغ هذه المعاني بعبارات دقيقة محدودة. ثم نقل المعاني التي فهمها العلماء ، إلى اللّغات الأخرى ، بوساطة رجال موثوق بأماناتهم واقتدارهم في تلك اللغات ؛ بحيث يكون ما يفهم في تلك اللغات من المعاني هو ما تؤدّيه العبارات العربيّة التي يضعها العلماء.
فهل الإقدام على هذا العمل جائز شرعا أو هو غير جائز؟
هذا مع العلم بأنه سيوضع تعريف شامل يتضمّن أنّ الترجمة ليست قرآنا ، وليس لها خصائص القرآن ، وليست هي ترجمة كل المعاني التي فهمها العلماء ، وأنه ستوضع الترجمة وحدها بجوار النّص العربي للقرآن الكريم».
وجاء الجواب ما نصّه :
«الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد فقد اطّلعنا على جميع ما ذكر بالاستفتاء المدوّن بباطن هذا ، ونفيد بأن الإقدام على الترجمة على الوجه المذكور تفصيلا في السؤال ، جائز شرعا ، والله سبحانه وتعالى أعلم».
وقد وقّعه كبار علماء الأزهر وأسماؤهم كما يلى :
محمود الدنياوي عضو جماعة كبار العلماء ، وشيخ معهد طنطا.
عبد المجيد اللبّان شيخ كلية أصول الدين ، وعضو جماعة كبار العلماء.
إبراهيم حمروش شيخ كلية اللغة العربية وعضو جماعة كبار العلماء.
محمد مأمون الشناوي شيخ كلية الشريعة وعضو جماعة كبار العلماء.
عبد المجيد سليم مفتي الديار المصريّة وعضو جماعة كبار العلماء.
محمد عبد اللطيف الفحّام وكيل الجامع الأزهر وعضو جماعة كبار العلماء.
دسوقي عبد الله البدري عضو جماعة كبار العلماء.
أحمد الدلبشاني عضو جماعة كبار العلماء.
يوسف الدجوي عضو جماعة كبار العلماء.
محمد سبيع الذهبي شيخ الحنابلة وعضو جماعة كبار العلماء.
عبد الرحمن قراعة عضو جماعة كبار العلماء.
أحمد نصر عضو جماعة كبار العلماء.
محمد الشافعي الظواهري عضو جماعة كبار العلماء.
عبد الرحمن عليش الحنفي عضو جماعة كبار العلماء.
وعقّب شيخ الجامع الأزهر محمد مصطفى المراغي على الفتوى المذكورة بالنص التالي ، وأبدى موافقته لهم في الجواب. وهذا نصّه :
«بسم الله الرّحمن الرّحيم. وجّهت هذا السؤال إلى حضرات أصحاب الفضيلة جماعة كبار العلماء. وإنّي أوافقهم على ما رأوه».
رئيس جماعة كبار العلماء
محمد مصطفى المراغي
قرار مجلس الوزراء المصري
أقرّ مجلس الوزراء المصري المشروع ووافق عليه ، وأدخل عليه عشرة آلاف جنيه في ميزانيّة السّنة الجديدة ، لتنفيذ بعضها في ميزانية وزارة المعارف ، وبعضها في ميزانية الجامع الأزهر ، وبعضها في ميزانية المطبعة الأميريّة. وأصبح المشروع نافذ المفعول من الوجهة القانونيّة ، واستوفى الإجراءات من الناحيتين العلمية والرسميّة ، وهذا قرار مجلس الوزراء المصري كما يلي :
«بعد الاطلاع على كتاب فضيلة شيخ الجامع الأزهر ، وكتاب سعادة وزير المعارف العموميّة ، بشأن ترجمة معاني القرآن الكريم ، ومع تقدير مجلس الوزراء لمشقّة هذا العمل وصعوبته ، ومنعا لإضرار التراجم المنتشرة إلى الآن ، رأى بجلسته المنعقدة في (12 آبريل / 1936 م) الموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم ، ترجمة رسمية تقوم بها مشيخة الجامع الأزهر ، بمساعدة وزارة المعارف العموميّة ؛ وذلك وفقا لفتوى جماعة كبار العلماء ، وأساتذة كليّة الشريعة» (43) .
محاولة دون تنفيذ القرار
تكتّلت الجماعة المعارضة بزعامة الشيخ محمد سليمان نائب المحكمة الشرعيّة العليا ، وقاومت المشروع مقاومة عنيفة. وانحاز إليهم شخصيّات كبيرة ، أمثال الشيخ محمد الأحمدي الظواهري ، شيخ الجامع الأزهر السابق والعضو في هيئة كبار العلماء ، فلم يشهد الاجتماع الذي عقدته هيئة كبار العلماء لإقرار المشروع ، ولم يوافق عليه ، أضف إلى ذلك أنه أرسل كتابا إلى علي ماهر پاشا رئيس الوزارة السابقة ، يحمله على رفض المشروع.
وعقد مقاومو المشروع اجتماعات ، وأسّسوا جمعيّة لمقاومته ، ووزّعوا بعض نشرات ، وطافوا بمضابط في الأسواق ، يسألون الناس توقيعها ، فوقّعها كثيرون يعدّون بالألوف ، ورفعوها إلى البرلمان. وأصدر فريق كبير من العلماء فتوى ضدّ المشروع ، وفي مقدّمتهم الشيخ موسى الغراوي رئيس المحكمة الشرعيّة العليا السابق ، وغيره من قضاة المحاكم الشرعيّة ورؤسائها ، ورفعوها إلى البرلمان.
وتألّف حزب في البرلمان ، بزعامة الشيخ عباس الجمل المحامي الشرعي ، يضمّ عددا كبيرا من النّواب والشيوخ لمقاومة المشروع ، والإلحاح بحذف المخصّصات المرصدة له في الميزانيّة.
وأرسل فريق من أهل الشام وفلسطين والعراق كتبا إلى رئيس الوزراء (النحاس پاشا) يطلبون إليه بكل إلحاح ويستحلفونه باسم الإيمان الذي يملأ صدره وباسم القرآن والدين ، أن يحول دون ترجمة القرآن.
فكانت مغبّة هذه النعرات المعارضة أن حالت دون تحقيق المشروع وأوقفته وشيك تنفيذه. وقام النحّاس پاشا بحلّ المشكلة شكليّا ، فقرّر ترجمة تفسير جديد للقرآن دون ترجمة نفسه ؛ وبذلك حاول إرضاء كلا الفريقين ظاهريّا ، وتخلّص بنفسه عن خوض المعركة ، فانتهت بهذا الشكل الاسمي الباهت! (44).
[ مناقشات فقهيّة في مشروعية ترجمة القرآن الكريم ]
سبق أنّ فقهاء الإماميّة متّفقون على أنّ الترجمة ليست قرآنا ، ذلك الكتاب العلي الحكيم ، الذي لا يمسّه إلّا المطهّرون. فبالتالي لا تجري عليها الأحكام الخاصة بالقرآن ، التي منها جواز القراءة بها في الصلاة. وقد عرفت كلام المحقق الهمداني : عدم إجزاء الترجمة عن القراءة في الصلاة ، حتى للعاجز عن النطق بالعربية. وهذا إجماع من علمائنا ـ قديما وحديثا ـ أن الترجمة ليست قرآنا إطلاقا.
أما سائر المذاهب ، فقد ذهب أبو حنيفة إلى جواز قراءة الترجمة بدلا عن القرآن نفسه ، مطلقا سواء أقدر على العربية أم عجز عنها ، واستدل على ذلك بأن القرآن الواجب قراءته في الصلاة ، هي حقيقة القرآن ومعناه الذي نزل على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (45) ، (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (46) ، والضمير في «أنه» ، والإشارة في «إنّ هذا» إنما هو للقرآن ، ومعلوم أنه لم يكن في تلك الصحف إلّا معانيه.
وأيضا قوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (47). وإنما ينذر كل قوم بلسانهم (48). وزاد السرخسي استدلال أبي حنيفة بما روى أن الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي ، أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية ، فكانوا يقرءون ذلك في صلاتهم حتى لانت ألسنتهم للعربية (49).
أمّا صاحباه (أبو يوسف ومحمد) فقد أجازا قراءة الترجمة للعاجز عن العربية دون القادر عليها ، وبذلك أفتى الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصريّة في فتوى له لأهل الترانسفال ، قال فيها : «وتجوز القراءة والكتابة (أي للقرآن) بغير العربيّة للعاجز عنها ، بشرط أن لا يختل اللفظ ولا المعنى. فقد كان تاج المحدّثين الحسن البصري يقرأ القرآن في الصلاة بالفارسيّة! لعدم انطلاق لسانه باللّغة العربيّة» وقد أرسل بها إلى مسلمي الترانسفال سنة (1903 م) ونشرتها مجلة المنار في ذلك الحين (50).
وبقية المذاهب وافقوا الإماميّة في المنع إطلاقا ، فلا يجوز عندهم قراءة الفاتحة بغير العربيّة على كل حال (51).
وهكذا أفتى الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر (1932 م) بالجواز للعاجز عن العربيّة.
قال ـ في رسالته التي كتبها بهذا الشأن ـ : «وأنتهي من البحث في هذه المسألة إلى ترجيح رأي قاضي خان ومن تابعه من الفقهاء ، وهو وجوب القراءة في الصلاة بترجمة القرآن للعاجز عن قراءة النظم العربي».
وقال ـ ردّا على المانعين ومنهم صاحب الفتح ـ : «إن حجّة المانع هو أن ترجمة القرآن ليست قرآنا ، وما كان كذلك كان من كلام الناس ، فهو مبطل للصلاة. قال : وهذا الاستدلال غير صحيح ؛ لأنّ الترجمة وإن كانت غير قرآن ، لكنها تحمل معاني كلام الله ، لا محالة. ومعاني كلام الله ليست كلام الناس. قال : وعجيب أن توصف معاني القرآن بأنها من جنس كلام الناس ، بمجرّد أن تلبس ثوبا آخر غير الثوب العربي ، كأنّ هذا الثوب هو كل شيء» (52).
قال السيد محمد العاملي ـ في شرح كلام المحقق الحلّي : «ولا يجزئ المصلي ترجمتها» ـ :
«هذا الحكم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا عليه أكثر علماء سائر المذاهب ، لقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (53) ؛ ولأن الترجمة مغايرة للمترجم ، وإلّا لكانت ترجمة الشعر شعرا» (54).
وأمّا استدلال أبي حنيفة بأنه جاء ذكر القرآن في «زبر الأولين» وفي «الصحف الأولى» ، فهذا يعني وصفه ونعته ، وليس نفسه. قال الطبرسي : أي وأنّ ذكر القرآن وخبره جاء في كتب الأوّلين على وجه البشارة به وبمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بمعنى أنه تعالى أنزله على غير محمد (55).
وقال ـ في آية الصحف الأولى ـ : يعني أنّ هذا الذي ذكر من فلاح المتزكّي إلى تمام ما في الآيات الأربع ، لفي الكتب الاولى. فقد جاء فيها ذكر فلاح المصلي والمتزكّي وإيثار الناس الحياة الدنيا على الآخرة ، وأن الآخرة خير وأبقى. (56) وهذا لا يعني نفس الكتاب وأنه مذكور بذاته في تلك الصحف ، ليستلزم ذلك أن يكون ذكر المعاني ذكرا للقرآن نفسه.
وقال السيد العاملي ـ في آية البلاغ ـ : الإنذار بالقرآن لا يستلزم نقل اللفظ بعينه ؛ إذ مع إيضاح المعنى يصدق أنه أنذرهم به ، بخلاف صورة النزاع (57). يعني أنّ هناك فرقا بين قولنا : أنذر بهذا القرآن ، وقولنا : اقرأ بهذا القرآن. فإنّ الأول لا يستدعي حكاية نفس القرآن ونقله بالذات إلى المنذرين ، بل يكفي تخويفهم بما يستفاد من القرآن من الوعد والوعيد. وهذا بخلاف الثاني المستلزم تلاوة نفسه كما في قراءة الصلاة.
قال ابن حزم : «ومن قرأ أم القرآن أو شيئا منها أو شيئا من القرآن ، في صلاته مترجما بغير العربيّة ، أو بألفاظ عربيّة غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى ، عامدا لذلك ، أو قدّم كلمة أو أخّرها عامدا لذلك ، بطلت صلاته ، وهو فاسق ؛ لأن الله تعالى قال : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) وغير العربي ليس عربيّا ، فليس قرآنا. وإحالة رتبة القرآن (58) تحريف كلام الله تعالى ، وقد ذمّ الله تعالى قوما فعلوا ذلك ، فقال : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ).
«وقال أبو حنيفة : تجزئة صلاته. واحتج له من قلّده بقول الله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ).
«قال علي (59) : لا حجة لهم في هذا ؛ لأن القرآن المنزل علينا على لسان نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينزل على الأوّلين ، وإنما في زبر الأوّلين ذكره والإقرار به فقط ، ولو أنزل على غيره (عليه السلام) لما كان آية له ولا فضيلة له ، وهذا لا يقوله مسلم.
«ومن كان لا يحسن العربية فليذكر الله تعالى بلغته ؛ لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (60). ولا يحلّ له أن يقرأ أمّ القرآن ولا شيئا من القرآن مترجما على أنه الذي افترض عليه أن يقرأه ؛ لأنه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا ، فيكون مفتريا على الله تعالى» (61).
وأما فتوى الشيخ محمّد بخيت لأهل الترانسفال ، فقد تشابه عليه الحسن بصاحبه ؛ لأن الذي كان يقرأ في الصلاة بالفارسية هو حبيب العجمي صاحب الحسن البصري.
قال ـ في شرح مسلّم الثبوت ـ : «يجوز القرآن بالفارسية للعذر ـ وهو عدم العلم بالعربية وعدم انطلاق اللسان بها ـ وقد سمعت من بعض الثقات أن تاج العرفاء والأولياء الحبيب العجمي صاحب تاج المحدثين وإمام المجتهدين الحسن البصري كان يقرأ في الصلاة بالفارسية لعدم انطلاق لسانه باللغة العربيّة» (62).
وأما حديث ترجمة سلمان للفاتحة ، وقراءة الفرس لها في صلاتهم ، فلم نعثر على مستند له وثيق ، وإنما أرسله السرخسي عن أبي حنيفة إرسالا ، لا يعلم مصدره. ولعل الترجمة ـ على فرض الثبوت ـ كانت لمجرد العلم بمعناها لا للقراءة بها في الصلاة!
ترجمة القرآن ضرورة دعائية
وبعد ، فإذ قد جازت ترجمة القرآن في حدّ ذاتها ، ترجمة معنويّة وافية بإفادة معاني القرآن كملا ، فعندئذ نقول :
إنّ ترجمة القرآن إلى سائر اللغات أصبحت ضرورة دينية وواجبا إسلاميا عامّا (وجوبا بالكفاية) وكان من وظيفة كل مسلم يحمل رسالة الله في طيّات وجوده ، أن يهتمّ بهذا الأمر الذي يمسّ صميم الإسلام ، لغرض انتشار الدعوة وبثّ تعاليم الإسلام عبر الخافقين.
الإسلام دين البشرية عامّة (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (63) ، (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (64) فلا يخصّ أمّة دون أخرى ولا جيلا دون جيل ، وكان في ذمّة كل مسلم متعهّد بدينه الاهتمام ببثّ الدعوة ونشرها بين الملأ ، وظيفة دينيّة في الصميم (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (65). (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (66).
ولا شك أنّ القرآن هو السند الوثيق الوحيد لبناء الدعوة ونشر تعاليم الإسلام ، وقد نزل بيانا للناس (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (67) فكان حقيقا أن يبيّن للناس (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (68).
فالمنع عن ترجمته وبثّها بين الناس كتمان لما أنزله الله من البيّنات والهدى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (69).
قال تعالى ـ عن لسان نبيه ـ : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (70).
إنّ في القرآن مقاصد عالية ومطالب سامية ، هي ذوات أهداف عالمية كبرى عبر الآفاق ومرّ الأيام ، يجب بثها والإعلام بها لكافة الأنام ، مما لا يتم إلا بتعميم نشر القرآن وعرضه على العالمين جميعا ، الأمر الذي لا يمكن إلّا بترجمة معانيه إلى كل اللغات الحيّة في العالم كله.
أمّا ولو أهملت هذه الأمة بالقيام بهذه المهمّة ، وتقاعست عن الإتيان بواجبها الديني الفرض ، وقصّرت دون أداء رسالة الله في الأرض ، فإنّ الله تعالى سوف يستبدل بهم قوما غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (71).
وقد عرفت أنّ الأوائل كانوا يجيزون ترجمة معاني القرآن لأقوام كانوا جديدي عهد بالإسلام ، ممّن لم تكن لهم سابقة إلمام باللغة العربية ، فكانت تعرض عليهم الآية مصحوبة بترجمتها ؛ لغرض إفهام معاني الذكر الحكيم وبيان مقاصده وتعاليمه الرشيدة لملأ الناس.
لا شك أنّ في الهجرة الأولى (إلى الحبشة) حيث عرضت آي من القرآن الكريم على حاضري مجلس النجاشي من الوزراء وأعيان الدولة ، قد ترجمت ما تليت من آي الذكر الحكيم ، باللغة الحبشية (الأمهريّة) ؛ إذ لم يكن الحضور يحسنون العربية بطبيعة الحال ، وفي ذلك يقول صدر الأفاضل : وإني اعتقد أن جعفر بن أبي طالب عليهالسلام كان يجيد اللغة الحبشية ، وهو الذي قام بترجمة الآيات التي تلاها حينذاك من سورة مريم (72) ، فكان ذلك التأثير العجيب في نفوس القوم ولا سيما النجاشي نفسه ؛ حيث قال : «والله إن كلام محمد ، لا يختلف شيئا عن تعاليم سيدنا المسيح ...» ، وبكى بكاء شديدا.
وهكذا لما طلب الراجا (رائك مهروق) ـ الذي كان أميرا على منطقة الرور ـ من عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، مندوب الحكومة الإسلامية هناك سنة (230 ه. ق) أن يفسّر القرآن له ، أي يترجمه بالهندية. وعند إنجاز الطلب على يد كاتب قدير ، يقول المترجم : فانتهيت من التفسير إلى سورة (يس) حتى وصلت إلى الآية (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (73). قال : فلمّا فسرت له هذا ـ أي ترجمته له باللغة السنسكرتية (الهندية القديمة) خرّ من سريره على الأرض واضعا خدّه عليها وهي مبتلّة ، فتأثر وجهه من بلّة الأرض ، وقال ـ باكيا ـ : «هذا هو الربّ المعبود ، والذي لا يشبه شيء». وكان قد أسلم سرّا ، فكان بعد ذلك يخلو بنفسه في بيت عزلة يعبد الله ويناجي ربه سرّا (74).
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أنّ كثيرا من الناس قاموا ـ في زعمهم ـ بنقل القرآن إلى لغات كثيرة وترجماتٍ متعدّدة ، قد بلغت المآت في خمس وثلاثين لغة حيّة في العالم المتمدّن اليوم. وقد طبعت بعض هذه التراجم عدة طبعات بل عشرات الطبعات ، فقد طبعت الترجمة الإنجليزية التي قام بها (سيل) أكثر من أربعين مرّة. وهكذا بالنسبة إلى تراجم فرنسيّة وألمانيّة وإيطاليّة وفارسيّة وتركيّة وأورديّة وصينيّة وجاويّة ، إلى غيرها من لغات العالم الحيّة.
ومن هؤلاء المترجمين من يحمل عداء للإسلام والمسلمين عداوة ظاهرة ، ومنهم من تعوّزه كفاءة المقدرة على ترجمة تامة ، وافية بمعاني القرآن ، وهذا الأخير لا يقلّ ضرره عن الأوّل الذي يتعمّد الدسّ والتزوير. فمن هذا وذاك قد حصل تحريف في معاني القرآن كثيرا ، الأمر الذي يعود ضرره في نهاية المطاف إلى كيان الإسلام والمسلمين ، فضلا عن الأخطاء الفاحشة التي وقعت في هكذا تراجم ، قام بها غير الأهل.
إذن ينبغي أن لا نقف ـ نحن أبناء الإسلام ودعاته ـ مكتوفي الأيدي ملجمين بلجام العار والشغار ، مصمّمي الإخوان تجاه هذه الحوادث الفادحة والحقائق المرّة الماثلة بين أيدينا ، نحن المسلمين.
وقد تصدّى لترجمة القرآن ـ لغرض خبيث ـ قبل ثمانية قرون ، مطران مسيحيّ يدعى «يعقوب بن الصليبي» ترجمه إلى السريانية ، ونشرت خلاصتها سنة (1925 م) وتابع هذا المطران أحبار ورهبان كانوا أسبق من غيرهم في هذا الميدان ، والله أعلم بما يبيّتون (75).
قال العلامة أبو عبد الله الزنجاني : وربما كانت أوّل ترجمة إلى اللغة اللاتينية ـ لغة العلم في أروپا ـ وذلك سنة (1143 م) بقلم «كنت» الذي استعان في عمله ببطرس طليطلي وعالم ثان عربي ، وكان الغرض من الترجمة عرضه على «دي كلوفي» وبقصد الردّ على القرآن الكريم ، وفي عام (1594 م) أصدر «هنكلمان» ترجمته ، وجاءت على الأثر (1598 م) طبعة مرانشى مصحوبة بالردود (76).
وبعد ، فأيّ عذر يبديه زعماء الأمّة تجاه هذا التلاعب بأساس الدين؟! وما هو المبرّر للسكوت أمام هذا التناوش المقيت بمقدّسات الإسلام من قريب وبعيد ، لو لا قيام المضطلعين بأعباء رسالة الإسلام ـ حفظا على ناموس الدين ـ فيستعيدوا نشاطهم بأمر الشريعة الغرّاء ، ويؤلّفوا لجنة مركزيّة من علماء مبرّزين ، فيقدّموا إلى العالم تراجم صحيحة من القرآن الكريم ، معترفا بها رسميّا من مراجع دينية صالحة ؛ فيكون ذلك مكافحة صريحة مع تلكم المناوشات الخبيثة ، ومقابلة عملية تجاه أعداء الإسلام.
وسنوفّي لك نماذج خاطئة في نهاية المقال دليلا على ضرورة القيام بهذه المقابلة الإيجابيّة.
تراجم إسلامية عريقة
قد عرفت حديث ترجمة (سلمان الفارسي) لسورة الحمد ، بطلب من فرس اليمن المسلمين (77). وهكذا قام دعاة الإسلام وعلماء المسلمين بتراجم لسور وآيات قرآنية ، لغرض إفهام معانيها لسائر الأمم ممن دخلوا في الإسلام ، وكانوا لا يحسنون فهم العربية آنذاك.
[ ترجمة السامانيين للقرآن الكريم ]
وأضخم هيئة علمية قامت بترجمة القرآن ، مصحوبة بترجمة أكبر موسوعة تفسيريّة ، في أواسط القرن الرابع للهجرة ، هم علماء ما وراء النهر (شرقيّ بلاد إيران) بطلب من السلطان منصور بن نوح الساماني (350 ـ 365) وذلك لمّا أن أرسل إليه التفسير الكبير (جامع البيان) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (توفّي سنة 310) في أربعين مجلدا ضخما ، فاستعظمه وأكبر من شأنه ، لكنه تأسّف على عدم إمكان استفادة شعبه من هذا التفسير العظيم ، فاستفتى ـ أوّلا ـ جميع علماء وفقهاء ما وراء النهر (بلخ وبخارى وباب الهند وسمرقند وسپيجاب وفرغانة ...) في جواز الترجمة ، فأجازوه جميعا. فطلب منهم أن ينتدب منهم من يصلح لهذا الشأن. فاجتمع لفيف من العلماء المعروفين من تلك الديار ، فترجموا القرآن بدء ، ثم التفسير بكامله. ويوجد من نسخ هذه الترجمة في مكتبات العالم ما فوق العشرة ، وطبع منها سنة ( ) في إيران ـ طهران ـ نسخة صحيحة في طباعة جيّدة.
وقد وضع ـ في النسخ المخطوطة ـ نص القرآن الكريم ـ في عدد من آياته ـ أوّلا ، ثم ترجمته ، وأخيرا ترجمة التفسير. لكن النسخة المطبوعة أهملت ذكر النص ، واكتفت بترجمة الآيات مسبقا ثم ترجمة التفسير ، الأمر الذي يؤخذ على مسئول الطبع ، ولا يقبل منه اعتذاره غير العاذر (78).
وإليك نصّ ما جاء في مقدمة الأصل (الترجمة السامانيّة) :
«اين كتاب تفسير بزرگ است ، از روايت محمد بن جرير الطبري ، ترجمه كرده بزبان پارسى ودرى راه راست. واين كتاب بياوردند از بغداد چهل مصحف بود. اين كتاب نبشته بزبان تازى وبه اسنادهاى دراز بود. وبياوردند سوى امير سعيد مظفّر ابو صالح منصور بن نوح بن نصر بن احمد بن اسماعيل ... پس دشخوار آمد بر وى خواندن اين كتاب وعبارت كردن آن بزبان تازى ، وچنان خواست كه مر اين را ترجمه كند بزبان پارسى.
پس علماء ما وراء النهر را گرد كرد واين از ايشان فتوى كرد كه روا باشد خواندن ونبشتن تفسير قرآن بپارسى ، مر آن كس را كه او تازى نداند؟ از قول خداى عزوجل كه گفت : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ)(79) گفت : من هيچ پيغامبرى را نفرستادم مگر بزبان قوم او وآن زبانى كه ايشان دانستند ... واينجا بدين ناحيت زبان پارسى است ، وملوكان اين جاى ملوك عجم اند. پس بفرمود ملك مظفّر ابو صالح تا علماى ما وراء النهر را گرد كردند از شهر «بخارا» چون فقيه ابو بكر بن احمد بن حامد ، وچون خليل بن احمد سجستانى. واز شهر «بلخ» ابو جعفر بن محمد بن على. واز «باب الهند» فقيه الحسن بن على مندوس را ، وابو الجهم خالد بن هانى المتفقه را. وهم ازاين گونه از شهر «سمرقند» واز شهر «سپيجاب» و «فرغانه» واز هر شهرى كه بود در ماوراء النهر. وهمه خطبها بدادند بر ترجمه اين كتاب ، كه اين راه راست است.
پس بفرمود امير سعيد ملك مظفر ابو صالح اين جماعت را تا ايشان از ميان خويش هركدام فاضل تر وعالم تر اختيار كنند تا اين كتاب را ترجمه كنند ، پس ترجمه كردند. (80) .
[ أقدم ترجمة رسمية للقرآن الكريم ]
ولعلّ أقدم ترجمة رسمية للقرآن ، قام بها رجال الحكم ، هي التي وقعت بطلب من الراجا (رائك مهروق) في مقاطعة (الرور) من بلاد السند. طلب من عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ـ وكان واليا هناك سنة (230) ـ أن يترجم له معاني القرآن ، فأمر عبد الله بن عمر أحد العلماء العرب ممن كانوا يجيدون لغة الهند القديمة (السنسكريتية) هناك ، فترجم له حسبما مرّت عليك (81).
وترجمة فارسية أخرى قام بها الفقيه الحنفي أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد النسفي (82) (462 ـ 538) من علماء ماوراء النهر. له تفسير لطيف باللغة الفارسية ، يبدأ فيه بترجمة الآية ثم تفسيرها على أسلوب بديع.
وللخواجه عبد الله الأنصاري تفسير فارسي للقرآن الكريم وصفه على أسلوب الذوق العرفاني ، وكان موجزا ومختصرا فشرحه وأضاف إليه أبو الفضل رشيد الدين الميبدي عام (520) يبدأ بالترجمة ثم بالتفسير في تنوع لطيف وسمّاه (كشف الأسرار وعدة الأبرار) طبع أخيرا في عشر مجلدات كبار. وسيأتي شرحه عند الكلام عن تفاسير أهل العرفان.
وللخواجه ـ عند تفسير قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (83) ـ استظهار لطيف بجواز تبليغ القرآن إلى سائر الأمم بلغاتهم ، نظرا لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مبعوث إلى كافة الناس ، ويستشهد على ذلك بعدّة من الأدلّة لإثبات مطلوبه.
والأحسن الأكمل من الجميع تفسير مبسّط باللغة الفارسية ، قام بها العلم العلّامة جمال الدين أبو الفتوح الحسين بن علي بن محمد بن أحمد الرازي ، من أحفاد نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، من صحابة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم. قام بهذا التفسير وأكمله ـ في عشر مجلدات ضخام ـ في المنتصف من القرن السادس للهجرة.
يبدأ فيه بالنص العربي ، ثم ترجمته تحت اللفظ ، ثم التفسير. ويعدّ من أفصح النثر الفارسي القديم في أسلوب رائع وجيّد للغاية ، مع البسط والشرح لمناحي معاني الآيات ، بصورة مستوعبة ومستوفاة. وهو من أكبر الذخائر الإسلامية العريقة. طبع هذا التفسير القيم في إيران عدة طبعات أنيقة ، وقد اعتنى به العلماء الأفذاذ.
ولنظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري (728) تفسير بديع باسم (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) يترجم الآية أوّلا باللغة الفارسية ، ثم التفسير بالعربي ، ويتعرّض للتفسير الظاهري ، ويعقبه بالتفسير الباطني على أسلوبه العرفاني المعروف. وقد طبع هذا التفسير مع حذف الترجمة في مصر على هامش الطبري ، لكن النسخ المخطوطة والمطبوعة في الهند وإيران مشتملة عليها.
كيفية ترجمة القرآن
تبيّن ـ ضمن المباحث السابقة ـ أسلوب الترجمة الذي نتوخّاه ، وهو :
أن يعمد المترجم إلى آية آية من القرآن ، وفق الترتيب الموجود ، فيستجيد ـ أوّلا ـ فهم مضامينها عن دقة وإمعان ، بما فيها من دلالات أصليّة ودلالات تبعيّة لفظية ، دون الدلالات التبعيّة العقليّة ؛ اذ التصدّي لهذه الأخيرة شأن التفسير دون الترجمة.
فيفرِّغ المستفاد من كل آية ، في قالب لفظي من اللغة المترجم إليها. ويتحرّى الكلمات التي تفي بتأدية المعاني التي كانت ألفاظ الأصل تؤدّيها ، وفاء كاملا حتى في الدلالات التبعيّة اللفظية مهما أمكن ، وإلّا فيحاول تأديتها أيضا ولو بمعونة قرائن ؛ لينعكس المعنى في الترجمة كما هو في الأصل. كما يحاول ـ مبلغ جهده ـ أن لا يصطدم القالب اللفظي المشابه للأصل بشيء من التحوير أو التحريف.
وهذه الكيفية من الترجمة ـ التي تحافظ على سلامة المعنى بالدرجة الأولى ـ قد تستدعي تبديلا في مواضع بعض الألفاظ والتعابير ـ من تقديم أو تأخير ـ أو تغييرا في روابط كلامية معمولة في الأصل ، وفي الترجمة على سواء.
كما قد تستدعي زيادة لفظة في التعبير ؛ لغرض الوفاء بأصل المراد تماما. الأمر الذي لا بأس به ، ما دامت الغاية هي المحافظة على سلامة المعنى.
غير أن الأولى أن يضع اللفظ المزيد بين قوسين ، فلا يلتبس على القارئ هذه الزيادة مع ألفاظ الأصل.
وبالجملة فالواجب على المترجم ـ ترجمة معنوية صحيحة ـ أن يتابع الخطوات التالية :
1ـ فهم المعنى الجملي فهما جيّدا دقيقا ، والتأكّد من ذلك.
2ـ تحليل جملة ألفاظ الأصل إلى كلماتها وروابطها الموجودة ، وفصل بعضها عن بعض ، ليعرف ما لكل من معنى ومفاد استقلالي أو رابطي في لغة الأصل ، والتدقيق فيما إذا كان للوضع التركيبي الخاص معنى زائد على ما للألفاظ من معاني ، ويتأكّد ذلك عن إمعان.
3- التحرّي لكلمات وروابط من اللغة المترجم إليها ، تشاكل الكلمات والروابط الأصل ، تشاكلا في الإفادة والمعاني ، إن حقيقة أو مجازا.
4ـ تركيب هذه الكلمات والألفاظ تركيبا صحيحا يتوافق مع أدب اللغة المترجم إليها ، أدبا عاليا ، ومراعيا ترتيب الأصل مهما أمكن.
5ـ إفراز الألفاظ والكلمات الزائدة ، التي لا تقابلها كلمات وألفاظ في الأصل ، وإنما زيدت في الترجمة لغرض الإيفاء بتمام المعنى ، فيضعها ـ مثلا ـ بين قوسين. لكن يمسك عن تكرار ذلك كثيرا في كلام واحد ؛ لأنه يملّ ، وقد يسبب تشويش فهم المعاني.
6ـ وأخيرا مقابلة الترجمة مع الأصل في حضور هيئة ناظرة ، تحكم بالمطابقة في الآراء والإيفاء.
[ الشروط التي يجب توفرها في مترجِم القرآن الكريم ]
أما الشروط التي يجب توفّرها في المترجم أو المترجمين ؛ لتقع الترجمة مأمونة عن الخطأ والخلل ، فهي كما يلي :
1ـ أن يكون المترجم مضطلعا بكلتا اللغتين : لغة الأصل واللغة المترجم إليها. عارفا بآدابهما والمزايا الكلامية التي تبنّتها كلتا اللغتين ، معرفة كاملة.
2ـ أن يتناول المعنى المستفاد من كل آية ، بمعونة التفاسير المعتمدة الموثوق بها ، ولا يقتنع بما استظهره من الآية حسب فهمه العادي ، وحسب معرفة أوضاع اللغة فحسب ؛ إذ قد يكون دلائل وشواهد على إرادة غير الظاهر قد خفيت عليه ، لو لا مراجعته للمصادر التفسيرية المعتبرة.
3ـ أن لا يحمل ميلا إلى عقيدة بذاتها ، أو انحيازا إلى مذهب بخصوصه ؛ لأنه حينذاك قد تجرفه رواسبه الذهنية التقليدية إلى منعطفات السّبل الضالة ، فتكون تلك ترجمة لعقيدة ، وليست ترجمة لمعاني القرآن.
4ـ أن يترك الألفاظ المتشابهة كما هي ، ويكتفي بتبديلها إلى مرادفاتها من تلك اللغة ، فلا يتعرّض لشرحها وبسط معانيها ، فإنّ هذا الأخير من مهمّة التفسير فقط.
5ـ أن يترك فواتح السور على حالها ؛ لإنّها رموز يجب أن تبقى بألفاظها من غير تبديل ولا تفسير.
6ـ أن يترك استعمال المصطلحات العلمية أو الفنيّة في الترجمة ؛ لأنّ مهمة المترجم إفراغ المعاني المستفادة إفراغة لغوية بحتة.
7ـ أن لا يتعرّض للآراء والنظريات العلمية ، فلا يترجم الكلمات الواردة في القرآن بمعاني اكتشفها العلم ، بل يترجمها حسب الاستفادة اللغوية ؛ لتكون التأدية لغوية بحتة.
تلك شروط خاصة يجب توفّرها في كل مترجم يقوم بترجمة القرآن الكريم. وهناك شروط عامّة يجب مراعاتها في ترجمة القرآن ترجمة رسمية ، معترفا بها لدى جامعة المسلمين العامة ، هي :
8ـ أن تقوم هيئة أو لجنة متشكّلة من علماء صالحين لذلك ، ومعروفين بسلامة الفكر والنظر والاجتهاد ، لأنّ الترجمة الفردية كالتفاسير الفردية غير مأمونة عن الخطأ والاشتباه كثيرا ، وعلى الأقل يكون العمل الجماعي أبعد من الزلل مما يكون عملا فرديّا ؛ ولذلك يكون آمن وأحوط بالنسبة إلى كتاب الله العزيز الحميد.
وهذه الهيأة يجب أن تحمل تأييدا من قبل مقامات رسمية إسلامية ، إما حكومات عادلة أو مراجع دينية عالية ؛ ذلك لكي يتنفّذ القرار تنفيذا رسميا قاطعا.
9ـ أن يشترك مع اللجنة شخصية أو شخصيّات معروفة من اللغة المترجم إليها ، لغرض التأكّد من صحة الترجمة أولا ، وليطمئن إليها أصحاب تلك اللغة.
10ـ والشرط الأخير ـ المتمّم للعشر ـ أن توضع الترجمة مع الأصل ، مصحوبا معها ، فلا يقدّم إلى مختلف الأقوام والملل ، تراجم مجرّدة عن النص العربي الأصل.
وذلك لغرض خطير ، هو أن لا يلتبس على سائر الملل ، فيحسبوا من الترجمة قرآنا هو كتاب المسلمين ، لا ، بل هي ترجمة محضة وليست قرآنا ، وإنما القرآن هو الأصل ، وكانت الترجمة إلى جنبه توضيحا وتبيينا لمعانيه فحسب.
وبذلك نكون قد أمّنا على القرآن ضياعه ، فلا يضيع كما ضاعت التوراة والإنجيل من قبل ؛ بتجريد تراجمهما عن النصّ الأصل ، الأمر الذي يجب أن لا يتكرّر بشأن هذا الكتاب السماوي الخالد (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (84).
نماذج من تراجم خاطئة
لا ريب أنّ كل عمل فردي قد يتحمّل أخطاء لا يتحمّلها عمل جماعي ، ومن ثم وقع الكثير من الأفاضل في مآزق الانفراد فزلّوا أو أخطئوا المقصود ، هذا الإمام بدر الدين الزركشي ، المضطلع باللّغة والأدب ، وكذا تلميذه جلال الدين السيوطي الخبير بمواضع الكلام ، نراهما قد اشتبها في اشتقاق «هدنا» (85) ، فزعماه من : هدى يهدي (86). مع العلم أنه من : هاد يهود.!
لكن الزمخشري في تفسيره يقول : هدنا ـ بالضم ـ : فعلنا. من : هاده يهيده (87).
وقال الراغب : الهود : الرجوع برفق ، ومنه التهويد وهو مشي كالدبيب. وصار «الهود» في التعارف التوبة ، قال تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أي تبنا (88).
والأعجب اشتباه مثل الراغب ، ذكر في مادة (عنت) قوله تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) (89) أي ذلّت وخضعت (90) ، في حين أنه من (عني) بمعنى العناء وهو ذلّ الاستسلام ؛ ولذلك يقال للأسير : العاني. وقد غفل الراغب فذكره في (عنى) أيضا. قال الطبرسي : أي خضعت وذلّت خضوع الأسير في يد من قهره ... (91) .
فإذا كان مثل هؤلاء الأئمة الأعلام يزلّون مغبّة انفرادهم في المسيرة ، فكيف بمن دونهم من ذوي الأقلام؟!.
هذا العلّامة المعاصر «إلهى قمشه اى» مع اضطلاعه بالأدب والعلوم الإسلامية ، تراه لم يسلم ـ في ترجمته الفارسية للقرآن الكريم ـ من ذلّة الانفراد ، فقد ترجم قوله تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) (92) بما يلي :
«آنگاه قوم مريم كه به جانب او آمدند كه از اين مكان همراه ببرند گفتند ...»
فحسب من القوم فاعلا ، وأنهم أتوا مريم! كما حسب أن الضمير المنصوب في «تحمله» يعود إلى مريم ، وأنّهم أتوها ليحملوها معهم!
في حين أن الآية تعني : «أنّ مريم عليهاالسلام هي التي أتت إلى القوم ، في حال كونها تحمل الوليد المسيح عليهالسلام على عكس ما زعمه المترجم.
وهكذا ترجم قوله تعالى : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ)(93) إلى قوله : «تو خود بر آن مردم گواه وناظر اعمال بودى مادامى كه من در ميان آنها بودم»! ولم يلتفت إلى أن الضمير في «كنت» للمتكلم لا للمخاطب ، فضلا عن تهافت المعنى على حسابه.
وترجم قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ)(94) ، إلى قوله : «وآن روز بمانند عذاب انسان كافر هيچ كس عذاب نكشد ، وآن گونه جز انسان كافر ، كسى به بند (هلاك) گرفتار نشود»!
فحسب من (لا يُعَذِّبُ) و (لا يُوثِقُ) مضارعا مبنيّا للمفعول ، كما حسب من الضمير عوده إلى الإنسان المعذّب والموثق.
وهذه غفلة عجيبة في قراءة الآية القرآنية ، لا يمكن إعفاؤها أبدا.
وقد جمع الدكتور السيد عبد الوهاب الطالقاني (95) من ذلك لمّة من تراجم قام بها أساتذة ذووا كفاءة راقية ، فكيف بغير الأكفّاء!
ومن التراجم الأجنبيّة ، جاءت ترجمة «كازانوفا» لكلمة «الأمّي» ـ وصفا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعنى «الشعبي» مأخوذا من «الأمّة» حسبما زعم. في حين أنه من «أمّ القرى» ـ اسما لمكة المكرمة ـ ليكون بمعنى «المكّي» ، أو نسبة إلى «الأمّ» كناية عن الذي لا يكتب ولا يقرأ.
وترجم «كازيميرسكي» «اسجدوا» في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ)(96) بمعنى «اعبدوا لآدم»! في حين أنه بمعنى الخضوع التامّ لآدم عليهالسلام أو جعله قبلة للسجود لله تعالى ـ كما عن بعض التفاسير ـ.
وترجم «هواء» قوله تعالى : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ)(97) بمعنى الهوى والميل النفساني ، في حين أنه بمعنى «الفارغة الجوفاء»! (98).
______
المصدر : كتاب التفسير والمفسرون ، الشيخ محمد هادي معرفة (رحمه الله) ، ج1.
______
الهوامش
(1) الإسراء / 29.
(2) الكشكول (ط حجرية) ، ص 208. و (ط مصر 1370 ه) ، ج 1 ، ص 388.
(3) من عدا أبي حنيفة ومن رأى رأيه ، حسبما يأتي.
(4) راجع : مصباح الفقيه ، كتاب الصلاة ، ص 273.
(5) المصدر نفسه ، ص 277.
(6) مصباح الفقيه ، كتاب الصلاة ، ص 282.
(7) راجع : وسائل الشيعة للشيخ حرّ العاملي ، ج 4 ، ص 865 ـ 866 ، الباب (30) من كتاب الصلاة ، رقم 1 و 2.
(8) الوسائل ، ج 4 ، ص 735.
(9) راجع : المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 37.
(10) شرح مسلّم الثبوت ، بنقل المراغي شيخ الأزهر في رسالته (بحث عن ترجمة القرآن) ، ص 17.
(11) الأدلة العلمية لفريد وجدي ، ص 58.
(12) البقرة / 143.
(13) إبراهيم / 4.
(14) وسيوافيك ـ في نهاية المقال ـ جدول عن مائة وثماني عشرة لغة حيّة ترجم القرآن إليها ، على يد أبنائها الغيارى على الإسلام ، ولا تزال تتزايد مع اتساع رقعة الزمان.
(15) معجم مصنفات القرآن الكريم للدكتور علي شواخ إسحاق ، ج 2 ، ص 13.
(16) القول السديد ، ص 15 ـ 16.
(17) الأنعام / 91.
(18) المائدة / 68.
(19) آل عمران / 93.
(20) الحجر / 9.
(21) محمد مصطفى الشاطر في «القول السديد في حكم ترجمة القرآن المجيد» ، ص 17 ـ 18.
(22) الرعد / 3.
(23) وللآيات التي يذكرها معاني أخر أوفى سوف نتعرّض لها ، ولقد اشتبه على الأستاذ الشاطر مواضع كثيرة من هذه الآيات ، فتنبّه.
(24) فاطر / 9.
(25) الفجر / 10.
(26) النبأ / 7.
(27) النازعات / 30.
(28) الزمر / 5.
(29) فسروا «التكوير» بمعنى التغشية.
(30) أخرجه مسلم ، ج 8 ، ص 57. راجع القول السديد ، ص 21 ـ 26.
(31) القمر / 17 ، 22 ، 32 ، 40.
(32) وقد جاءت ترجمة كلمة «تثير» في التراجم الفارسية ب «بر مى انگيزد» ، لأن معنى «الإثارة» بالفارسية «برانگيختن». وهي تنطبق مع الكلمة في العربية تماما.
(33) سنذكر مواضع اشتباهه.
(34) راجع : الأدلّة العلمية على جواز ترجمة معاني القرآن ، بقلم الأستاذ وجدي ، ص 28 ـ 30 ، (ملحق العدد الثاني من مجلّة الأزهر ، ع 1 / 1355)
(35) الرحمن / 52.
(36) راجع : الأدلة العلمية ، ص 31 ـ 35.
(37) الأحاديث مستخرجة من كتاب الوسائل ، ج 4 ، ص 866.
(38) سوف نوفي لك عن تراجم عقيدة قام بها رجالات الإسلام منذ عهد قديم.
(39) آل عمران / 104.
(40) نقلا عن رسالة «القرآن والترجمة» بقلم الأستاذ عبد الرحيم ، ص 3 ـ 4 ، طبعة النجف الأشرف ، 1375 ه. ق.
(41) البيان ـ قسم التعليقات ـ رقم 5 ، ص 540 ، (ط نجف).
(42) راجع : كتاب «حدث الأحداث» للشيخ محمد سليمان ، ص 33 ـ 35.
(43) حدث الأحداث ، ص 40.
(44) راجع : مجلّة الرابطة العربيّة المصرية. صفر وربيع الأول سنة 1355 ه. ق. يونيو سنة 1936 م.
(45) الشعراء / 196.
(46) الأعلى / 18 ـ 19.
(47) الأنعام / 19.
(48) راجع : المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 526. ومدارك الأحكام للعاملي ، ج 3 ، ص 341. ورسالة ترجمة القرآن للمراغي ، ص 9.
(49) المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 37. وفي رواية تاج الشريعة الحنفي زيادة «فكتب (بسم الله الرحمن الرحيم : بنام يزدان بخشاونده ...) وبعد ما كتب ذلك ، عرضه على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم» (حاشية الهداية لتاج الشريعة ج 1 ، ص 86. طبع دلهي ، 1915 م) ، معجم مصنفات القرآن لشواخ ، ج 2 ، ص 12.
(50) محمد فريد وجدي في الأدلّة العلمية ، ص 61.
(51) راجع الفقه على المذاهب الأربعة ، ج 1 ، ص 230.
(52) بحث في ترجمة القرآن للمراغي ، ص 32.
(53) يوسف / 2.
(54) مدارك الأحكام في شرح شرايع الإسلام ، ج 3 ، ص 341.
(55) مجمع البيان ، ج 8 ، ص 204.
(56) المصدر السابق ، ج 10 ، ص 476.
(57) المدارك ، ج 3 ، ص 341.
(58) أي تحويل نظم القرآن وتغيير ترتيبه اللفظي.
(59) يريد نفسه : علي بن أحمد بن سعيد بن حزم. توفي 456.
(60) البقرة / 286.
(61) المحلّى لابن حزم ، ج 3 ، ص 254 ، المسألة رقم 367 ، من كتاب الصلاة.
(62) رسالة المراغي في الترجمة ، ص 17.
(63) سبأ / 28.
(64) الفرقان / 1.
(65) آل عمران / 104.
(66) البقرة / 143.
(67) آل عمران / 138.
(68) النحل / 44.
(69) البقرة / 159.
(70) الأنعام / 19.
(71) محمد / 38.
(72) عن مقال له في مجلة التوحيد ، السنة الثانية ، العدد 9 ، ص 216.
(73) يس / 78 ـ 79.
(74) المصدر نفسه وراجع كتاب (عجائب الهند) ، طبعة ليدن 1883 م لمؤلفه بزرك. وكان عائشا حتى سنة (339 ه. ق)
(75) المصدر نفسه.
(76) تاريخ القرآن للزنجاني ، ص 69.
(77) المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 37. وتقدم ـ في الهامش ـ عن تاج الشريعة الحنفي : أنه ترجم البسملة ب «بنام يزدان بخشاونده ... الخ ..» ثم عرضها على النبي (صلى اللهعليه وآله وسلم) (معجم مصنفات القرآن لشواخ ، ج 2 ، ص 12).
(78) راجع مقدمة الناشر ، ص 14.
(79) إبراهيم / 4.
(80) ترجمة الطبري ، ص 5 ـ 6.
(81) عن كتاب (عجائب الهند) للسائح السندهي (بزرگ شهريار) وكان عائشا حتى عام (339 ه. ق)
(82) و (نسف) ويقال لها : (نخشب) بلدة عامرة واقعة على طريق بلخ إلى بخارا.
وهذا غير تفسير النسفي لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي.
(83) إبراهيم / 4.
(84) الحجر / 9.
(85) من قوله تعالى : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ ، إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) ـ الأعراف / 156.
(86) قال الزركشي (البرهان ، ج 1 ، ص 103 ـ 104) : فمنه الهدى سبعة عشر حرفا ـ إلى قوله ـ أو بمعنى التوبة : «إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ» أي تبنا :
وقال السيوطي (الإتقان ، ج 2 ، ص 122 ـ 123) : من ذلك الهدى يأتي على سبعة عشر وجها ـ إلى قوله ـ والتوبة : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ)!
(87) الكشاف ، ج 2 ، ص 165.
(88) المفردات ، ص 546.
(89) طه / 111.
(90) المفردات ، ص 349.
(91) مجمع البيان ، ج 7 ، ص 31.
(92) مريم / 27.
(93) المائدة / 117.
(94) الفجر / 24 ـ 25.
(95) نشر بعضها في مجلة (كيهان انديشه) ، ع 28 ، ص 223.
(96) البقرة / 34.
(97) إبراهيم / 14.
(98) من رسالة «القرآن والترجمة» ص 11 ، للأستاذ عبد الرحيم محمد علي النجفي.