القائمة الرئيسية

الصفحات

كتاب سنن التاريخ للشهيد الصدر : أهدافه ، نتائجه ، موقعه في التفسير والفكر الاسلامي .

سنن التاريخ للشهيد الصدر
أسئلة زوار المدونة | السؤال 15
الاسم : رفاه
الدولة : العراق
السؤال : 
- ما هو هدف السيد محمد باقر الصدر من تأليف كتاب السنن التاريخية ؟
- ما ربط التفسير التجزيئي أو الموضوعي بالسنن التاريخية ؟
- ما علاقة السنن التاريخية بالفكر الإسلامي ؟
- ما هي أهمّ نتائج كتاب السنن التاريخية ؟
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يُعدُّ كتاب السنن التاريخية في القرآن الكريم للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدّس سرّه) (ت1400هـ) مُنجَزاً علمياً فريداً في مجاله، حيث أسّس وقعّدَ لنظرية مهمّة وفريدة من نوعها في الساحة الإسلاميّة، وجاءت مؤكّدة لأهمية منهجه (قدّس سرّه) في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، حيث تمثّل تطبيقا من تطبيقاته، وفي الوقت ذاته مؤشراً مهمّاً على ما يكتنزه القرآن الكريم من معارف لم يُكشَف عنها بعدُ .
وكيف كان .. نتكلم في الجواب على أسئلتكم باختصار في أربعة نقاط :

أوّلا: أهداف السيد الشهيد الصدر من تأليف السنن التاريخية في القرآن الكريم .

لم يصرّح الشهيد الصدر بأهدافه من البحث بشكل واضح ولكن يمكن رصد مجموعة من الأهداف التي يظهر بعضها لقارئ الكتاب بشكلٍ جلي بينما يكمن بعضها الآخر بين السطور :
1- إعطاء نموذج تطبيقي للتفسير الموضوعي الذي يعُدّ الشهيد الصدر من أبرز رواده ومنظّريه في هذه الحقبة .
2- تحديد المفهوم القرآني إزاء السنن التاريخية .
3- إثبات أنّ الدين ( سنّة تاريخية ) وبتعبير آخر أن الدين ( قانون داخل في صميم تركيب الإنسان وفطرة الإنسان ).
4- الرد على الماديّة التاريخيّة والماركسيّة التي كانت تروّج لفكرة أنّ ما يتحكّم بحركة المجتمعات وتطوّرها أو انحدارها هو الاقتصاد والمال، وليس لإرادة الإنسان دور في هذه الحركة، وينحصر دوره الأهمّ في انتظار التطوّرات ليتفاعل معها ويتقبّلها. وهو ما يُعرف بالحتمية التاريخية ، حيث أوضح السيد الشهيد بطلان هذه الدعوى وذلك بالإلفات إلى السنن التاريخية ذات الصياغة الشرطيّة كما سيأتي في النتائج.
5- الحث والدفع باتجاه تغيير الواقع حيث يمثل هذا الكتاب دراسة معمّقة لأهمّ عوامل التغيير وما يقع على عاتق الانسان من مسؤوليّة إزائها .
و أيضاً يمكن تلخيص الأسئلة التي يهدف بحث السيد الشهيد في السنن التاريخية في القرآن الكريم إلى الإجابة عنها والتي يمكن استشفاف أهداف البحث على ضوئها بما يلي:
1- هل للقرآن الكريم نظرية في السنن العامة التي تحكم التاريخ؟ وهل هو بحث علميٌ صِرف ؟ وما هي الحيثيات التي اقتضت من القرآن الكريم أن يشير إلى هذه السنن مع أنّه في الأصل كتاب هداية ؟
2- ما هي القوة المحرّكة للتاريخ ؟
3- ما هو الدور المنوط بالأنبياء والمصلحين والمجتمع المتدين في حركة التاريخ ؟
4- هل تتعارض سنن التاريخ مع كون الانسان مختاراً في أفعاله، بمعنى آخر هل تعني سنن التاريخ الحتمية التاريخية التي تناقض اختيار الانسان أم أنّها تساير اختياره وتواكبه ؟
5- ما هي العوامل الأساسيّة في نظرية التاريخ ؟ وما هو دور الانسان في عمليّة التاريخ ؟
6- ما هي ضوابط وقوانين الظواهر التاريخية ؟ بل في المرتبة الأولى هل للظواهر التاريخية ضوابط وقوانين تحكمها ؟ وما هو موقف القرآن الكريم منها ؟ وما هو عطاؤه في تأكيد ذلك إيجاباً أو سلباً ، إجمالاً أو تفصيلاً ؟..
7- ما هو موضوع السنن التاريخية وما هي مدياتها سعةً وضيقاً وما هي أشكالها ؟
8- ما هي عناصر المجتمع من زاوية نظر القرآن الكريم ، وما هي مقوّمات المركّب الاجتماعي؟ وكيف يتم التنفيذ بين هذه العناصر والمقومات ؟ وضمن أي إطار ووفق أي معادلة ؟
هذا هو مجمل الأسئلة التي عالجها السيد الشهيد في كتابه والتي يمكن استشفاف أهداف البحث على ضوئها .

ثانياً: موقع نظرية السنن التاريخية من التفسير الموضوعي والتجزيئي

يعدّ بحث السنن التاريخية للشهيد الصدر تطبيقاً من تطبيقات التفسير الموضوعي ، وقد نبّه المؤلف نفسه على ذلك في أكثر من مورد من مصنفّاته منها ما ذكره في المدرسة القرآنية ص 11 حيث قال في التعريف بوظيفة التفسير الموضوعي أنّه : " يحاول القيام بالدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة العقائديّة أو الاجتماعية أو الكونية ، فيُبيِّن ويبحث ويدرس مثلاً عقيدة التوحيد في القرآن، أو عن سنن التاريخ في القرآن ، أو عن السماوات والأرض في القرآن الكريم وهكذا.." .
غير أنّ السيد الشهيد (قدّس سرّه) قد أشار إلى نكتة أخرى أراد ابرازها وتتمثل في توظيف بحث السنن التاريخية في إبراز مبررٍ عملي يقتضي إيثار التفسير الموضوعي على التجزيئي مضافاً للمبررات الموضوعية والفكرية، ويتمثّل هذا المبرر بإثبات أن التفسير الموضوعي لا يتطلّب استخلاص النتائج منه مدة زمنية طويلة نظير ما يتطلبه التفسير التجزيئي، قال السيد الشهيد في هذا الصدد في كتاب السنن التاريخية في القرآن ص 47 : " استعرضنا فيما سبق المبررات الموضوعية والفكرية لإيثار التفسير الموضوعي التوحيدي على التفسير التجزيئي التقليدي. وأودّ الآن أن أذكر مبرراً علمياً لهذا الإيثار ، هو أنّ شوط التفسير التقليدي شوطٌ طويلٌ جداً ، لأنّه يبدأ من الفاتحة وينتهي بسورة الناس، وهذا الشوط الطويل بحاجة من أجل إكماله إلى فترة زمنيّة طويلة أيضاً. ولهذا لم يحظ من علماء الإسلام الأعلام إلّا عدد محدود بهذا الشرف العظيم، شرف مرافقة الكتاب الكريم من بدايته إلى نهايته، ولهذا كان من الأفضل اختيار أشواط أقصر نستطيع أن نكملها في رحاب القرآن الكريم.
من هنا سوف نختار موضوعات متعددة في القرآن المجيد، ونستعرض ما يتعلّق بكلّ موضوعٍ منها، وما يمكن أن يلقي عليه القرآن من أضواء ... والموضوع الأوّل الذي سوف نختاره للبحث هو : سنن التاريخ في القرآن الكريم ..." إلى آخر كلامه (قدّس سره) .
وخلاصة القول يمكن إيجاز علاقة البحث في سنن التاريخ في القرآن الكريم بكلٍ من التفسير الموضوعي والتجزيئي بهذه النقاط الثلاث :
1- يُعدّ بحث سنن التاريخ في القرآن الكريم تطبيقاً عملياً من تطبيقات التفسير الموضوعي للقرآن الكريم .
2- أراد السيد الشهيد إثبات أنّ التفسير الموضوعي ناجع من حيث عدم اقتضائه مدّة زمنية طويلة بخلاف التفسير التجزيئي والموضوع الذي انتدبه لإثبات هذه الميزة كان موضوع (السنن التاريخية) وهذه حيثية اعتبارية وليست عُلقة حقيقية بينهما كما لا يخفى .
3- نصّ السيد الشهيد في مقدمّة كتاب السنن التاريخية وكذلك في كتابه الآخر (المدرسة القرآنية) على أنّ العلاقة بين التفسيرين التجزيئي والموضوعي علاقة تكاملية ومنه تتضح علاقة التفسير التجزيئي ببحث السنن التاريخية في القرآن الكريم الذي هو تطبيق من تطبيقات الموضوعي كما أسلفنا .
بعدّ هذا حريٌّ بنا ذكر أنّ الباحث الجزائري إسماعيل نقّاز لا يرى في السنن التاريخية للشهيد الصدر مجرّد تطبيق من تطبيقات التفسير الموضوعي كما أشار الصدر نفسه بل يجد فيها قفزة إبداعية تساير التفسير الموضوعي ولكنها تستهدف استكشاف البنية السُننية (القانونية الكلية) والمقاصدية للنظام الكوني في حيثياته المختلفة وهو ما أسماه بـ (التفسير السُنني) والذّي عرَّفه بأنه " نسق معرفي جديد في تناول الموضوعات القرآنية يبحث عن السُّنن الإلهية الكونية في النفس والاجتماع " ويُلخص رؤيته هذه بقوله أنّ الشهيد الصدر: " لم يُسمِّ منهاجه في النظر إلى القرآن المجيد تفسيرًا سُننيًّا، وإنما سمَّاه تفسيرًا موضوعيًّا، لكن من خلال المواضيع والمجالات التي طرحها في منهاجه، فإن تفسيره بحقٍّ يعدّ تفسيرًا سُننيًّا، ويمكن أن نعدّ منهاجيته في ذلك متفردة في جوار المباحث المتعدّدة للتفسير الموضوعي، فهو لا يقتصر على ضم الآيات في الموضوع الواحد المتعلّق بواقع الحياة، بقدر ما يخاطب الواقع في ذاته من خلال القرآن المجيد، فينتقل من الواقع إلى النص القرآني، وأكثر من ذلك فإن جوهرية المواضيع التي طرحها تجعلنا نقف على مواطن الإبداع والإقلاع الحضاري التي تغيَّاها في منهاجيته القرآنية الجديدة " .

ثالثاً: موقع نظرية السنن التاريخية من الفكر الإسلامي

يمثّل بحث السنن التاريخية واحداً من الأبحاث المهمّة التي طُرحَت في علم الاجتماع (تحت عنوان القوانين الاجتماعيّة) وكذلك في فلسفة التاريخ في أوربا وقد اعتمد السيد الشهيد في استنتاج نظريته في السنن التاريخية على النصوص الدينيّة وبالدرجة الأساس على النص القرآني متَّبعاً في تحليلها منهجا عقليا (فلسفياً) علميا يمتاز بالقدرة على الجمع بين الوحي (النص) والتجربة الواقعية المُعاشة لتأتي النتائج عملية بعيدة عن الإغراق بالمثالية التي تأبى التطبيق، وبالتالي فإنّ ما أبدعه الشهيد الصدر في هذا المجال من نظرية مُحكمة تستند إلى أقدس نص ديني (القرآن الكريم) يمثّل إضافة مهمة ورصيداً ثمينا في الفكر الإسلامي في ميدان الاجتماع وفلسفة التاريخ والتي جاءت كمحطة من مجموعة محطات إبداعية نظير فلسفتنا واقتصادنا و... للشهيد الصدر والتي تصوّر لنا حجم الإقلاع الحضاري الذي أراده هذا الرجل العظيم للأمّة الإسلامية .
وخلاصة القول أنّ السيد الشهيد عمل على استكشاف موقف الإسلام أزاء هذه التجربة البشرية الممتدة على طول مدوّنة التاريخ مستعينا في ذلك بالتفسير الموضوعي للنصوص القرآنية موحِّداً بذلك بين التجربة البشرية وبين القرآن الكريم في سياق بحثٍ واحد كاشفاً بذلك عن المفهوم القرآني للسنن التاريخية بما يمثل إضافة مهمة للفكر الإسلامي بل البشري عموماً .

رابعاً: أهمّ النتائج التي توصَّل لها الشهيد الصدر في السنن التاريخية

1- إنّ القرآن الكريم هو أوّل مصدّر تحدّث عن السنن التاريخية قياساً بالمصادر الأرضية التي تناولت الموضوع تحت عنوان (القوانين الاجتماعيّة).
2- يعرض القرآن الكريم الدين على شكلين، فتارة يعرضه بوصفه شريعة، قال تعالى: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } الشورى/13. وأخرى بوصفه سنّة من سنن التاريخ وجزئا من فطرة الإنسان التي فطر الله تعالى الناس عليها حيث قال عزّ وجلّ { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الروم/30. فالدين وفق هذا الخطاب ليس مجرد تشريع اعتباري وإنّما فطرة خلق الله تعالى الناس عليها ولا تبديل لخلق الله، لذا لا يمكن لأحد أو لتوَجُّهٍ معيّن أن ينتزع من الانسان حاجته إلى الدين .
3- إنّ السنن التاريخية على ثلاثة أشكال :
الشكل الأول: شكل القضية الشرطية.
وتتمثّل فيه السنّة التاريخية في قضية شرطية تربط بين حادثين أو مجموعتين من الحوادث على الساحة التاريخية وتؤكّد العلاقة الموضوعيّة بين الشرط والجزاء ، وأنّه متى ما تحقق الشرط تحقق الجزاء . وهذه صياغة نجدها في كثير من القوانين والسنن الطبيعية والكونيّة في مختلف الساحات الأخرى . ومثالها قوله تعالى : { إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيروا ما بأنفسهم } (الرعد / 11 ) .
الشكل الثاني: شكل القضية الفعلية الناجزة المحققة .
وتتمثّل فيه السنة التاريخية بصورة قضية ناجزة لا تتخلّف وفق الظروف الطبيعية وهذا الشكل هو الآخر له شواهد في القوانين الطبيعية والكونية ، فالعالم الفلكي مثلاً حينما يصدر حكماً علميا على ضوء قوانين مسارات الفلك بأنّ الشمس سوف تنكسف في اليوم الفلاني هذه قضية علمية وليست تاريخية إلا أنها تأخذ صورة القضية الناجزة في ظل الظروف الطبيعية ، وليست قضية شرطية ، وبسبب هذا اللون من القضايا توهّم بعض الباحثين من غير المسلمين الحتمية التاريخية وهو مذهب باطل كما سيأتي في النقطة الرابعة .
الشكل الثالث: شكل القضية الاتجاهية.
حيث تُصاغ السنة التاريخية في هذا الشكل على صورة اتجاه طبيعي في حركة التاريخ لا على صورة قانون صارمٍ حدّي وقد اهتم القرآن الكريم بهذا الشكل من السنن التاريخية اهتماماً كبيرا ، وتُمثّل السنن التاريخية التي من هذا النمط اتجاهات موضوعية في حركة التاريخ وفي مسار الانسان لكن مع شيء من المرونة بحيث إنّها تقبل التحدّي ولو على شوط قصير، وإن لم تقبل التحدي على شوط طويل، وبعبارة موجزة هي اتجاهات تمثّل واقعاً موضوعيا في حركة التاريخ ولكنّها مرنة بعض الشيء .
والسيد الشهيد يرى أنّ الدين في نفسه سنّة تاريخية من هذا النمط (الشكل الثالث) فلا يمكن الحيلولة بين الانسان وحاجته إلى الدين وإن تمكّن أحد من ذلك فلن يلبث حتى يُمنى مشروعه بالفشل لأنّها وإن كانت سنّة تاريخية مرنة لكن مرونتها لا يعني أنّها لا تمثّل اتجاها وأنّها قابلة للتحدي بشكل جذري، وإنما تعني أنّها قابلة للتحدي على شوط قصير فحسب، ومن ثم سيُعاقَب المتحدي بسنن التاريخ نفسها .
4- إنّ السنن التاريخية لا تناقض الاعتقاد باختيار الانسان ، فتوهّم التناقض بينهما من قبل بعض فلاسفة أوروبا توَّهم خاطئ وقعوا فيه بسبب قصر نظرهم على لون واحد من ألوان السنن التاريخية وهو خصوص السنن التاريخية التي تأخذ صياغة (القضية الفعلية الوجودية الناجزة) ولكن هذا غير صحيح من جهة أنّ هذا النوع من السنن لا يُمثِّل إلا شكلاً من أشكال سنن التاريخ ولا يستوعب ساحة الأحداث التاريخية، فهذا التوَّهم يتضح عِواره إذا انتبه هؤلاء إلى الأشكال الأخرى من صياغات السنن التاريخية والتي من أهمّها تلك التي تأخذ صياغة القضية الاتجاهية كما أسلفنا او القضية الشرطية كقوله تعالى : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } الرعد/11، فهذه سنّة عامّة مُصاغة بنحو الشرط، تواكب الاختيار ولا تناقضه، بل هي صريحة في إسناد التغيير إليهم وإلى فعلهم الاختياري.
5- للسنن التاريخية ثلاثة خصائص هي :
أولاً: الاطِّراد ، بمعنى أنّ السنّة التاريخية مطّردة، فهي ليست علاقة عشوائية قائمة على أساس الصدفة والاتفاق كما توهّم بعض المفكرين الغربيين ، وإنّما هي علاقة ذات طابع موضوعي، لا تتخلَّف في الحالات الاعتيادية التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامّة.
ثانياً: ربانيّة السنن التاريخية وارتباطها بالله سبحانه ، بمعنى أنّ كلّ قانون من قوانين التاريخ هو قرار ربانيّ ذو طابع غيبي وتأكيد القرآن الكريم على هذه الحيثية في السنن التاريخية يستهدف ربط الإنسان حتّى حينما يريد أن يستفيد من القوانين الموضوعية للكون بالله سبحانه وتعالى .
ثالثاً: عدم تعارض السنن التاريخية مع اختيار الانسان وإرادته فالحتمية التاريخية مجرّد وهمٍ كما سبق بيانه، والتأكيد على هذه الحقيقة في مجال استعراض سنن التاريخ مهم جداً ، لدفع الوهم الذي وقع فيه بعض كتّاب الغرب وفلاسفته بل بعض كتّاب الشرق أيضا .
6- إنّ ميدان السنن التاريخية هو بعض حوادث التاريخ فلا تستوعبها بشكل كامل، وإنّما هناك جزء معيَّن من حوادث وقضايا التاريخ تحكمه سنن التاريخ، وهناك جزء آخر منها لا تنطبق عليه سنن التاريخ بل تنطبق عليه القوانين الفيزيائية أو الفسلجية أو قوانين الحياة أو أي قوانين أخرى لمختلف المساحات الكونية الأخرى .
والضابطة في ذلك أنّ الحادثة لأجل أن تكون محكومة بسنن التاريخ يجب أن تتوفّر على ثلاثة أبعاد هي :
البُعد الأوَّل : السببيّة .
البُعد الثاني : الغاية والهدف (العلة الغائية).
البُعد الثالث : أن يكون لهذا العمل (الحادثة) أرضية تتجاوز ذات الفرد العامل إلى المجتمع ، الذي يكون هذا الفرد جزءاً منه.
فكلّ حادثة تتوفر على هذه الأبعاد الثلاثة تكون خاضعة لسنن التاريخ وإلا فلا .
وخلاصة القول : " إنّ موضوع السنن التاريخية هو العمل الهادف الذي يتخذ من المجتمع أو الأمّة أرضية له ، على اختلاف سعة الموجة وضيق الموجة " .
7- هناك ثلاثة عناصر للمجتمع الإنساني يمكن استخلاصها من قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً  قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } (سورة البقرة / 30 ) وهي :
أولاً: الانسان (وهو الخليفة )
ثانياً: الأرض أو الطبيعة على وجه العموم .
ثالثاً: العلاقة المعنوية التي تربط الإنسان بالأرض وبالطبيعة ، وتربط من ناحية أخرى الانسان بأخيه الإنسان ، وهذه العلاقة المعنوية هي التي سمَّاها القرآن الكريم بالاستخلاف هذه هي عناصر المجتمع .
هذا ما تيسّرت كتابته على عجالة ، وننصح بشدّة مطالعة الكتاب لأنّه كنزٌ ثمين في مجاله .

لتحميل كتاب : السنن التاريخية في القرآن الكريم للشهيد الصدر اضغط هنا

لإرسال سؤالك اضغط هنا