القائمة الرئيسية

الصفحات

ما هي أهميّة الأحكام الشرعيّة في الحياة ؟ | السيد محمد باقر السيستاني

 

أهمية الأحكام الشرعية السيد محمد باقر السيستاني

بقلم: السيد محمد باقر السيستاني

السؤال: ما هي أهميّة الأحكام الشرعيّة في حياة الإنسان؟

الجواب: توضيح ذلك في ضمن نقاط:

[ احتياج الانسان إلى القانون ]

١- لا شك في أنّ الإنسان يحتاج إلى قوانين تحدد سلوكه ويضمن بها صلاحه وصلاح أبناء نوعه من المجتمع الإنساني، ولا يسترسل بالاندفاع وراء غرائزه وانفعالاته كما يشاء.

وهذه القوانين قد ضُمِّنَت أصولها في الفطرة الإنسانيّة من خلال الضمير الأخلاقي، مثل أصل العدل والصدق والوفاء بالالتزام والعفاف ونحو ذلك.

إلّا أنّ هناك تفاصيل تحتاج إلى الاطلاع على السنن النفسيّة والاجتماعيّة والتاريخيّة وكذلك السنن الرابطة بين الإنسان وبين الله سبحانه وبين أفعال الإنسان في هذه الحياة وآثارها في عالم الآخرة، ولأجل ذلك نجد أنّ هناك تشريعات إضافيّة يتصدّى لجعلها نخبة من الناس يتحرّون بها الصلاح الإنساني العام والخاص. والأحكام الشرعيّة هي منظومة تشريعيّة جُعلت لهذه الغاية. 

وعلى هذا يصحّ القول إنّ الأحكام الشرعيّة هي كسائر القوانين محدّدات للسلوك الإنساني لبلوغه إلى الغايات التي يسعى إليها من السعادة.

[ وجه الاختلاف بين الاحكام الشرعية والقوانين الوضعية ]

٢- هذا، ولكنها تختلف عن تلك القوانين من وجهين: 

أ- أنّ القوانين الأخرى وإن سعت إلى الرشد، ولكنها تنظر إلى ضمان السعادة في هذه الحياة بينما الأحكام الشرعيّة تنظر إلى السعادة في هذه الحياة وما بعدها، وترى أنّ للبصيرة النافذة وللخصال الحسنة والسلوك السليم تأثيراً على الإنسان بعد هذه الحياة.

ولذا تعتني الأحكام الشرعيّة بالعلاقة مع الله سبحانه بتزكية النفس وتحليتها بالخصال الفاضلة وتعتبر الأعمال الصالحة منجزات للإنسان في الحياة الأخرى .

 ب- أنّ المنهج المعتمد في كيفيّة تحرّي الصلاح الفرديّ والنوعيّ يختلف في بعض تفاصيله في الاحكام الشرعيّة عن القوانين الوضعيّة، لأنّ المناهج في هذا السياق تختلف حتّى في هذه القوانين كما يتمثّل في اختلاف هذه القوانين باختلاف الزمان والمكان، وتنظر الأحكام الشرعيّة فيما تمتاز به عن هذه القوانين نوعاً إلى حكم ومصالح ملائمة لفطرة الإنسان وصلاحه النوعيّ من خلال النظر إلى تأثير العوامل التربويّة والنفسيّة على الفرد والمجتمع.

ومن الجائز أن يغيب عنّا بعض تلك المصالح والآثار في بعض الأحكام الشرعيّة، ولكن ذلك لا يعني انتفائها، فإنّ للسنن النفسيّة والاجتماعيّة والتاريخيّة ومضاعفاتها على الإنسان فيما توجهه إليه عمقاً كبيراً، ولذلك نجد أنّ القوانين الوضعيّة بنفسها قد تختلف من زمان إلى زمان ومن مجتمع إلى مجتمع تبعاً لاختلاف تشخيصها لتلك السنن ومقتضياتها.

فضرورة تجنّب الرجل والمرأة عن مظاهر الإغراء للآخرين وتجنّب النظر إليها حكمٌ شرعيّ لا تجري عليه كثير من القوانين الوضعيّة الحديثة، إلّا أنّ هذا الحكم يضمن للإنسان العفاف النفسي والسلوكي وتجنّب الكثير من التصرّفات الخاطئة سواء بالنسبة إلى نفسه أو ما يمكن أن يوقع فيه الآخرين، ويصون الأسرة عن التفكيك والاختلاف، ويقي الأولاد من كثير من الضياع والقتل (باسم سقط الجنين) وغير ذلك.

وهكذا الحال في جميع الأحكام الشرعيّة فهي ليست اعتباطيّة، بل تنظر إلى حكم ومصالح تربوية للفرد والمجتمع.

[ كثير من القوانين الوضعيّة ليست تمثّلاً حقيقياً للقيم ]

٣- وكثيراً ما تُلبّس القوانين في العصر الحاضر بلباس مفاهيم وقيم وجدانيّة مثل (الحقّ والعدل والحريّة والتساوي) من غير أن تكون في واقعها تمثّلاً حقيقيّاً وملائماً لتلك القيم، ولكنّها قد تكون رغبات غريزيّة عامّة ينساق إليها القانون رعاية لها، أو مصالح اقتصادية لأصحاب رؤوس الأموال المهيمنين على مراكز التأثير في المجتمع، وقد تسّوق هذه القوانين إلى مجتمعات أخرى لغايات ثقافيّة وسياسيّة واقتصاديّة في الصراع القائم بين الحضارات والدول والاقتصادات العالميّة، لكنّها تُبلّغ بأدوات ناعمة وتظهر بمظهر الناصح المشفق مع أنه ليس في مبادئ القوى العالمية إلا تحري مصلحتها في الهيمنة الحضارية والسياسية والاقتصادية على غيرها، وليست هي مؤسسات خيرية ترعى الصلاح العام.

السيّد محمّد باقر السيستانيّ (حفظه الله).