القائمة الرئيسية

الصفحات

أحكام العلاج بالخلايا الجذعيّة وكيفية تعامل الفقيه مع المستحدثات | السيد محمّد سعيد الحكيم (دام ظله)

أحكام العلاج بالخلايا الجذعيّة وكيفية تعامل الفقيه مع المستحدثات

سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (دام عزه)..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏
تشكِّل بحوث الخلايا الجذعيّة اليوم ثورة نوعيّة في الدراسات الطبيّة في الدول المتقدمة، ويُعوّل المختصون كثيراً على هذه البحوث في علاج الكثير من الإمراض المستعصية، كمرض السكّري والسرطان والزهايمر (فقدان الذاكرة) والباركنسون (الشلل الرعاشي) واللوكيميا (سرطان الدم) وأمراض القلب وذلك من خلال إصلاح وبناء البنكرياس والكبد والمعدة والعظام والعضلات والجهاز العصبي والمخ، وذلك باستغلال الطبيعة الهيولانية لما يسمّى بالخلايا الجذعية غير المتخصصة وقابليتها للتشكيل بأي صورة نسيجية مطلوبة.
ولمّا كان تقدُّم الجنين في عمره يُضيِّق مجال الاستفادة من خلاياه الجذعية، لاندراجها في‏ مسالك تخصصيّة تُكسِبها الممانعة عن التشكُّل بالمراتب التكوينية للمسالك الأخرى، حتّى صُنِّفَتْ عندهم ‏بملاحظة العلاقة بين سعة قابلية التشكُّل وبين تقدُّم عمر الجنين ‏إلى أربعة أصناف: كاملة القدرة، وافرة القدرة، متعددة القدرة، وأحادية القدرة.
لذا فقد فضّل المختصون انتزاع هذه الخلايا الأوليّة في المراحل المبكِّرة لحياة هذا الكائن في عمر (6- 12) يوماً وهي المختصّة باصطلاح الخلايا الجذعيّة الجنينيّة وإن أدّى ذلك إلى موت هذا الكائن.
فضّلوه على انتزاعها من دم الحبل السرّي للسقط أو للجنين الحيّ ‏وهي التي يُصطَلَح عليها بالخلايا الجذعيّة للبالغين ‏بما لا يؤثر على حياته، لذا نرجو من سماحتكم التفضل ببيان الموقف الشرعي من الحالات التي تعرضها الأسئلة التالية:

[ استفتاءات حول أحكام انتزاع الخلايا الجذعية واستعمالها في الطب الحديث ]

السؤال 1: هل يجوز إجراء هذه البحوث على الإجمال وإن أدّت إلى موت هذا الكائن (zygte) . نسميه هنا بالجنين وإن كان في أيّامه الأولى (6- 12) يوماً، وهو في هذه الحال ليس إلّا مجموعة من خلايا التكاثر؟
الجواب: لا يجوز ذلك، لاحترام الجنين بمجرد انعقاد النطفة وتلقيحها للبويضة؛ للنص الدال على وجوب الديّة بقتله، ولا تكون الديّة إلّا لاحترامه. وللنص الدال على وجوب الكفّارة بإسقاطه على الإطلاق من دون تحديد بعمرٍ خاص أو حال خاص، والكفارة لا تكون إلّا من الذنب، فيدلّ ذلك على حرمة الإسقاط وقتل الجنين مهما كان عمره. أمّا البويضة والحيمن قبل حصول التلقيح فلا حرمة لكل منها إذا رضي صاحبه ببذله.
السؤال2: متى يعدّ الجنين ‏في الشرع ‏إنساناً يحرم قتله؟ وهل لما ذُكر في النصوص الشريفة مِن تأخّر ولوج الروح أثر على الحكم في المسالة؟ وإذا كان ففي أيّ مرحلة من حياة الجنين يحدث ذلك الولوج؟.
الجواب: يحرم قتله بمجرد حصول التلقيح كما سبق في الجواب السؤال 1. ولا أثر لولوج الروح في ذلك، غاية الأمر أن للتكامل دخلًا في زيادة الدية.
السؤال3: هل لكون الممارسة بحثية صرفة أو بحثية لغرض علاج الأمراض أو علاجية فعلية أثر على الحكم في المسالة؟
الجواب: لا أثر لذلك في حرمة الاعتداء على النفس المحترمة، كما هو الحال لو كان المعتدى عليه إنساناً متكاملًا كبيراً .
السؤال 4: هل لكون الجنين ناتجاً من تلقيح صناعي أثر على الحكم في المسألة؟
الجواب: لا أثر لذلك بعد مراعاة التفصيل الآتي في جواب السؤال 5.
السؤال 5: لنمو الجنين في المختبر أو في رحم المرأة أثر على الحكم في المسألة؟
الجواب: لا إشكال في حرمة الاعتداء على الجنين الذي ينمو وهو في رحم المرأة، سواء كان تلقيحه طبيعياً في رحمها أم صناعياً خارج الرحم. والاحوط وجوباً عدم الاعتداء على الجنين الذي ينمو وهو في المختبر إذا كان التلقيح من أجل زرعه في رحم المرأة.
وأمّا إذا تم التلقيح في المختبر من دون أن يكون هناك رحم يستقبله، بحيث يموت على كل حال، فلا باس بالاستفادة منه قبل موته أو بعده، لعدم تناول النص السابق له. نظير ما يأتي في السؤال 8. 
السؤال 6: هل لأخذ الخلية أو الحيمن أو البويضة من مسلم أو غير مسلم أثر على الحكم في المسألة؟
الجواب: لا أثر لذلك في التحريم، للنص الدال على عدم جواز قتل أطفال الكفار حتى في حالة الحرب.
السؤال 7: ما حكم انتزاع هذه الخلايا من جنين متقدِّم في العمر فيما كان الانتزاع غير ضار بحياة الجنين؟ وفيما إذا كان الضرر محتملًا؟ وفيما إذا كان الضرر يقيناً؟ وما هو مقدار الضرر المسموح بإيقاعه في جسد هذا الكائن في مقابل إنقاذ حياة مريض؟ أو استعادة عافيته من مرض مستعصٍ؟
الجواب: لا يجوز انتزاع الخلايا المذكورة إذا أوجبت ضرراً متيقناً أو محتملًا للجنين. نعم إذا كان الضرر مأموناً فيجوز أخذها منه بإذن وليه.
ويكفي في التحريم أدنى ضرر، لأنه تعدٍّ وظلم للجنين الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، ولا يستطيع أن يحمي نفسه، بل هو أمانة بيد وليّه، فيجب الحفاظ عليه أداء للأمانة. كما يحرم ظلمه والتعدي عليه، لأن أفحش الظلم وأشده تحريماً ظلم من لا يجد ناصراً إلّا الله تعالى، كما ورد في أحاديث أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم).
السؤال 8: يتبقى عدة أجنة إضافية بعد عملية زرع أطفال الأنابيب، هل تجوِّزون استخدامها للبحث الطبي بدل أن تتلف لعدم زراعتها بالرحم؟
الجواب: نعم يجوز ذلك، ويظهر وجهه مما تقدم في جواب السؤال 5.
السؤال 9: ما حكم انتزاع هذه الخلايا من السقط مع ملاحظة الحيثيات التي ذُكِرَت في الفروض السابقة إن كان لها أثر في الحكم؟ وهل يتأثر الحكم في المسألة فيما لو أدى الإقبال على شراء السقط من عيادات الإجهاض غير الشرعي إلى تشجيع تلك الممارسة غير الشرعية؟
الجواب: يحرم انتزاعها منه إن كان محكوماً بالإسلام لإسلام أبيه. بل حتى إسلام أمه وحدها على الاحوط وجوباً. أما إذا لم يكن محكوماً بالإسلام فيجوز انتزاع الخلايا منه. نعم يحرم شراؤه إذا كان فيه تشجيع على الممارسة المحرمة .
السؤال 10: إذا استخدمت نواة خلية من نفس صاحبة البويضة لتخصيب البويضة، فهل يؤثر على الحكم؟
الجواب: نعم لذلك أثر على الحكم، فلا يجري فيه ما سبق، بل يجوز الاستفادة منه، وانتزاع الخلايا المطلوبة منه‏ حينئذٍ، لقصور أدلة التحريم المتقدمة عنه، لاختصاصها بالجنين الناتج عن تلقيح الحيامن.
السؤال 11: من الطرق المبتكرة في استحصال الخلايا الجذعية طريقة الاستنساخ  العلاجي (في مقابل الاستنساخ  التكاثري) وذلك بأخذ خلايا من جسد شخص مريض ونقل نواها إلى بويضة مفرغة من نواتها ومنتزعة من امرأة بإذنها، لتحفيز نمو جنيني بدون تلقيح بالحيامن، فهل يجوز إيقاف نمو هذا الكائن في أيامه المبكرة بانتزاع الخلايا الجذعية منه، لينتفع بها في تنمية نسيج يعالج به نفس المريض؟
الجواب: نعم يجوز ذلك، لقصور أدلة التحريم المتقدمة عنه، نظير ما تقدم في جواب السؤال 10.
السؤال 12: ما هو الموقف الشرعي من إنتاج ما يسمى بحقيبة الأعضاء، وهو كائن عديم الرأس والأطراف ناتج من التصرف في الخلايا الجذعية للجنين؟ وما حكم الاستفادة من أعضائه بعد إنتاجه؟ وهل توقف على إذن الأشخاص الذي أستنسل منهم؟
الجواب: إذا كان التصرف في خلايا الجنين بعد تلقيح البويضة بالحيمن في الرحم حرم، كما تقدم في جواب السؤال 5. وإذا كان بعد تلقيحه في المختبر من اجل زرعه في رحم المرأة فالأحوط وجوباً تركه، كما تقدم هناك ايضاً.
وإذا كان بعد تلقيحه في المختبر من دون أن يكون هناك رحم يستقبله جاز، كما تقدم هناك ايضاً، وتقدم ايضاً في جواب السؤال 8، وكذا يجوز إذا كان إنشاء الكائن من طريق الاستنساخ ، كما تقدم في جواب السؤال 11.

[ كيفية تعامل الفقهاء مع المسائل المستحدثة ]

سيدي سماحة المرجع الكبير: حيث إني بصدد كتابة رسالة دكتوراه في موقف علماء المذهب الشيعي من هذه البحوث في جامعة أجنبية تجهل عن الدين الإسلامي كل ثوابته وأصوله.
لذا أرجو التفضل ببيان ما يمكن طرحه من المباني الاستنباطية الخاصة بهذه المسالة والمباني العامة المعتمدة في التعاطي مع نظائرها من المسائل المستحدثة. وقد عين الأستاذان المشرفان‏ وهما لا دينيان ‏المحاور التالية للبحث:
السؤال 13: ما هي القاعدة التي يتعاطى على أساسها علماء الأديان ‏بشكل عام ‏مع القضايا العلمية الراهنة؟ وما هي الآلية في بناء الموقف الشرعي أو الأخلاقي من تلك المسائل؟
الجواب: الأديان شرعها الله تعالى على أن تبقى بحدودها التي جعلها الله تعالى ما دامت فاعلة يجب على البشرية اعتناقها، ولم تنسخ بدين الهي جديد يكون هو البديل عن الدين السابق نتيجة تطور المجتمع البشري حسبما يراه الله تعالى صلاحاً.
وكما كان تشريع الدين تابعاً لله تعالى فالتصرف فيه وتبديل حدوده وشرائعه تابع له عز وجل. نظير القوانين الوضعية التي يكون تبديلها وتحويرها تابعاً للسلطة التشريعية التي شرعتها.
ولو ساغ التغيير في الدين لِغَيْر الله سبحانه لخرج عن كونه ديناً إلهياً قد ألزم الله البشرية باعتناقه. ونسبته إلى الله تعالى بعد تغييره تجاوُزٌ عليه سبحانه وافتراء.
وقد شدد الله تعالى النكير على ذلك، وانذر بعظيم العقاب. قال‏ سبحانه: { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ‏ } وقال عز وجل: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ‏ }. إلى غير ذلك ممّا هو كثير جداً.
وليست وظيفة المرجعيات الدينية البشرية من الأنبياء، ثم الأوصياء، ثم العلماء إلا التعرف على الدين وأخذه من مصادره وتراثه الأصيل، ثم التعريف به وبيانه للجمهور بحقيقته من دون تحوير ولا تغيير، مهما كلف ذلك من ثمن، ومن دون اهتمام بإرضاء الناس ولا مراعاة لضغوطهم أو عواطفهم ‏فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ. ولا يهمهم تكثير المنتسبين للدين ولا كسب إعجاب الآخرين به على حساب تحويره وتحريفه.
إلّا أن كثيراً من الأديان لم تَجرِ على ذلك عمليّاً، فجعلت مؤسساتها الدينية لنفسها الحق في التصرّف في الدين وتحويره. وتقبَّل منها معتنقو تلك الأديان ذلك، وألِفوه حتى صار جزءاً من الدين كواقع قائم.
وقد شدد الله تعالى عليهم النكير في ذلك. قال عزوجل:{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ }،‏ قال الإمام الصادق (عليه السلام): " أما والله ما دَعَوهم إلى أنفسهم. ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم. ولكن أحلُّوا لهم حراماً وحرَّموا عليهم حلالًا، فعبدوهم من حيث لا يشعرون ". والنصوص في ذلك كثيرة جداً.
وعلى كل حال فقد كان دين الإسلام معرَّضاً للخطر المذكور نتيجة انحراف مسار السلطة عن أهل البيت (عليهم السلام)، وتصديها لأن تكون هي المرجع في الدين، لولا جهود أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) الاستثنائية، وتضحياتهم الجسيمة من اجل إسقاط شرعية السلطة، وحمل المسلمين على الاعتراف بالمرجعية الحقيقة للدين، وأنّه إليها تنتهي الاجتهادات وعليها تُعرَض الخلافات. وهي القران المجيد والسنة النبوية الشريفة. وإذا خرج احد عن ذلك عملياً فلا يستطيع إنكاره نظرياً.
وبذلك قامت الحجّة على دين الإسلام الحق، واتضحت معالمه، ولم تنطمس كما انطمست معالم كثير من الأديان الأخرى أو جميعها. وقد تعرّضنا لجهود أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتضحياتهم من اجل ذلك في كتابنا ( فاجعة ألطف ) الذي صدر قريبا.
وعلى ضوء ذلك يتضح الجواب عن السؤال المذكور، وأن المؤسسات الدينية في الأديان المختلفة تختلف في معالجتها للقضايا العلمية الراهنة.
فالمؤسسات التي جعلت لها الحق في التصرف في أديانها تعالج القضايا المذكورة على ضوء نظرة المؤسسة نفسها للقضية في جانبها الأخلاقي والاجتماعي وغيرهما، وتصدر أحكامها حسب ما تراه الأصلح والأنسب، من دون تقيّد بنصّ شرعيٍ، ولا بتعاليم دينية ثابتة.
أما المؤسسّة الدينية في الإسلام فالمفترَض أن تصدر أحكامها على‏ ضوء الكتاب المجيد والسنّة النبوية الشريفة، والتقيُّد بنصوصهما بعد تمحيصها والجمع بينها وفق الضوابط الثابتة دينياً. وإن أمكن اختلاف المجتهدين في فهم النص، وفي الضوابط التي يمكن الوصول من طريقها للحقيقة الدينية.
السؤال 14: كيف يتعاطى علماء الشيعة خاصة مع تلك المسائل؟
الجواب: ممّا سبق في جواب السؤال 1 يتضح منهج الشيعة، بل جميع المسلمين، في التعامل مع تلك المسائل، وأنه يكون على ضوء الكتاب المجيد والسنة النبوية الشريفة.
غاية الأمر أنّ الشيعة أثبتوا من طريق الكتاب المجيد والسنة النبوية الشريفة إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)- واحداً بعد واحد بعد النبي (صلى الله عليه وآله) للمسلمين، وأنّهم أوصياؤه الوارثون لعلمه المبلّغون عنه، المعصومون من الزلل المأمونون على تعاليمه من الخطأ والتحريف، وأن على المسلمين الرجوع لهم والأخذ منهم والعمل بأقوالهم والجري على تعاليمهم.
ونتيجة لذلك فعلماء الشيعة يتعاملون مع النصوص الواردة عن الأئمة المذكورين (عليهم السلام) كما يتعاملون مع النصوص النبوية في معالجة جميع القضايا التي ترد عليهم، سواء السابقة منها أم المستجدة.
السؤال 15: هل يجب أن يكون غرض البحث‏ الطبّي هو معالجة المرضى حصراً؟ وإذا كان فهل تحدده العواقب؟ وكيف؟
الجواب: تحديد غرض البحث الطبي تابع للطبيب نفسه. والذي يخصّ العالم الشيعي هو معرفة حكم مفردات العمل الذي يقوم الطبيب به وفق التعاليم الدينية والضوابط الشرعية التي وصل إليها العالم الديني بجهده، ثم بيان ذلك للطبيب ليعمل عليه إذا كان مهتماً بالجانب الشرعي.
السؤال 16: ما هي الحدود التي لا يجوز للبحث الطبي تخطيها؟ ومن الذي يحدد ذلك؟
الجواب: يجب أن لا يتجاوز الطبيب الحدود التي حددها الله تعالى في دينه والتعاليم الإلزامية التي جعلها لعبيده.
ومعرفة هذه التعاليم تتم عن طريق العلماء ذوي الاختصاص الديني الفقهي الذين يعرفون بالمجتهدين.
ولابد فيهم من التديُّن والورع، بحيث يؤمَن منهم التلاعب بالدين تأثّراً بالعوامل ‏الماديّة والمعنوية الخارجة عنه. 
السؤال 17: مع أخذ بحوث الخلايا الجذعية كأنموذج، ما هو المنطق الذي يحكم الفقيه الشيعي في التعاطي مع المسألة؟ وما هي القيم الأخلاقية التي تحكم ذلك المنطق؟
الجواب: مما سبق يظهر أنّ المنطق الذي يحكم الفقيه الشرعي في‏ التعاطي مع هذه المسألة هو منطق النص الديني من الكتاب المجيد وسنّة النبيّ وأهل بيته الكرام (صلوات الله عليهم أجمعين). وعلى النص المذكور يكون المعوَّل في تحديد القيم الأخلاقيّة التي تُراعى في هذا المجال. ومنها ما اشرنا إليه في الجواب من احترام الجنين الذي هو مبدأ تكوين الإنسان، ولزوم الحفاظ عليه.
وإنّ من أهم دوافع التشريع الإلهي هو الحفاظ على القيم الأخلاقية وتنظيمها والموازنة بينها بالوجه الأكمل الذي لا يحيط به إلّا الله عزّ وجلّ. أما إدراك الإنسان فهو محدود. وقد يركِّز على جهة تأخذ موقعها من نفسه ويغفل عن أشياء كثيرة ينتهي إهمالها بكوارث على المجتمع البشري.
وإن من أهم ما يعنى به التشريع الإسلامي هو بناء الأسرة ثم المجتمع الإنساني، وتقوية الروابط بين إفرادها، وإحكام العلاقة بين الأفراد على ضوء القيم الإنسانية، والمحفزات الأخلاقية الفاضلة.
السؤال 18: كيف يحصل الفقيه الشيعي على المعلومات التي تخص الموضوع؟ وهل يكتفي ببيان السائل؟ وهل يجب عليه متابعة كل ما يستجد؟ أم يكتفي بالمراجعة الآنية للموضوع لدى طرح السؤال؟
الجواب: على السائل تحديد الموضوع الذي يسأل عنه، ويكون جواب الفقيه على ضوء حدود السؤال. ومتى تغيرت الحدود تعين توجيه سؤال آخر، ولا يرجع لجواب السؤال 1.
ولا يجب على الفقيه متابعة ما يستجدّ إلّا إذا سُئِل عنه. نعم قد يتفرَّغ لبحث أحكام بعض المستجدّات من دون أن يُسأل عنها، من أجل أن يجيب عن حكمها لو سئل عنه، أو لإلفات نظر الناس لموقف الدين منها.
السؤال 19: هل يستشير العالم الشيعي زملاءه في الاختصاص؟ وما طريقة تلك الاستشارة؟
الجواب: العالم الشيعي ينصب أولًا على تحديد الضوابط التي يجري عليها في اختياراته الفقهيّة في مجالات الحياة المختلفة.
وذلك في رحلة شاقة طويلة الأمد تستغرق سنين كثيرة بين التراث القديم والجديد، والمقارنة بين النظريات الكثيرة. كما هو الحال في سائر ذوي الاختصاص في مختلف جهات المعرفة.
وبعد الخروج بالمحصَّلة التي يراها مبررة لفتاواه، ومعذِّرة بين يدي الله عزّ وجلّ لو سأله عنها وحاسبه عليها، يكون صدور الفتوى منه على الأسئلة المختلفة في ضوء المحصَّلة المذكورة ميسوراً له. وليس الجواب في القضية المستجدّة مرتَجلًا من دون إعداد سابق، ليحتاج إلى السؤال بين الآخرين والاستعانة بآرائهم.
السؤال 20: كيف يتعاطى الفقيه الشيعي مع فقدان النص الصريح المتعلِّق بالمسألة من القرآن والسنة؟
الجواب: هناك ضوابط شرعية في ضوء الكتاب والسنة عليها المعوَّل‏ عند فقد النص الصريح، يتم للفقيه تعيينها في رحلة تحديد الضوابط التي ذكرناها في جواب السؤال 7.
السؤال 21: كيف يعالج الفقيه الشيعي تزاحم الموارد من حيث القيم الأخلاقية، مثل لو توقف إنقاذ على فقد الجنين لحياته؟
الجواب: للتزاحم ضوابطه الخاصة تدخل ضمن رحلة تحديد الضوابط التي ذكرناها في جواب السؤال 7.
ومن أهم هذه الضوابط أن المستحب لا يزاحم الحرام، وان التكامل في جميع جوانب الحياة وإن كان حسناً، إلّا أنّه لا يسوِّغ سلوك الطرق المحرَّمة، ولا انتهاك حرمة الآخرين والتعدِّي عليهم.
وقد سبق في جواب السؤال 5 أن تحديد القيم الأخلاقية، والموازنة بينها للنص الشرعي.
بقي في المقام أمران:
 (الأول): أن الفقيه مهما بذل جهده فهو بشر قد يخطئ في الوصول من طريق النصوص لموقف الدين من القضايا المطروحة.
غاية الأمر انه يكون معذوراً عند الله تعالى إذا بذل جهده. كما يكون السائل معذوراً عنده تعالى إذا رجع إلى الفقيه المذكور وفق ضوابط التقليد المعروفة. وقد اشرنا لبعضها في جواب السؤال 4.
 (الثاني): أن الفقهاء قد يختلفون في فهم النص، وفي الضوابط التي يجرون عليها في اختياراتهم الفقهية. بل قد يختلف موقف الفقيه الواحد في المسالة الواحدة، ويتضح له خطأ موقفه السابق، كما هو الحال في جميع أهل الاختصاص في المجالات العلمية المختلفة.
ولا يؤمَن الخطأ والاختلاف إلّا على المعصومين، وهم الأئمة (صلوات الله عليهم) الذين حُرِمَت البشريّة من كثيرٍ من بركاتهم نتيجة تقصيرها في أداء وظيفتها الدينيّة. والحديث في ذلك طويل لا تسعه هذه العجالة.
هذا [ما] تيسَّر لنا من الجواب على أسئلتك. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليك بالتوفيق والتسديد في تحقيق الحقائق وتعريف الآخرين بها، وأن يبارك في جهدك، ويتقبل عملك، ويحقق أملك، وينفع بك.
إنّه أرحم الراحمين وولي المؤمنين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.