بقلم: الشيخ مازن المطوري
السؤال:
السلام عليكم شيخنا، تعارف في زماننا هذا إطلاق لقب (آية الله العظمى) على علماء الدين من دون دليل أو سلطان ولا يجوز ذلك، فالمعروف أن لقب أية الله العظمى هو من مختصات أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقط، فقد ورد في زيارته في يوم ميلاد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) المروية عن الشهيد والمفيد والسيد ابن طاووس أن الإمام الصادق (عليه السلام) زار امير المؤمنين علي (عليه السلام) في يوم السابع عشر من ربيع الأوّل بهذه الزيارة وعلمها الثقة الجليل محمد بن مسلم الثقفي وقد ورد في جملة نصوصها: (السلام عليك يا وصي الأوصياء، السلام عليك يا عماد الأتقياء، السلام عليك يا ولي الأولياء، السلام عليك يا سيد الشهداء، السلام عليك يا آية الله العظمى...) مفاتيح الجنان ص447).
فالذي يتبين لنا من كلام الامام الصادق (عليه السلام) أن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هو آية الله العظمى ولم يرد أن أحداً من الأئمة غير الإمام علي (عليه السلام) قد أطلق عليه هذا اللقب لأنّه خصّ به أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا يجوز إطلاقه على غيره مهما كان، وقد أطلق هذا اللقب على أمير المؤمنين باعتباره حاملاً الأسرار الربانية والإلهية والعلوم اللدنية التي شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، حتى ورد عنه (عليه السلام): (أي آية أعظم منّي).
الجواب:
يمكن أن يجاب عن ذلك اختصاراً:
أولاً: أمّا بالنسبة للمقطع الوارد في زيارة الإمام علي (عليه السلام) في يوم السابع عشر من ربيع الأوّل والذي وصف الإمام بـ(آية الله العظمى) فالاستدلال به مشكل من أكثر من سبب:
1- من حيث السند الرواية مرسلة، فالمشهدي صاحب المزار أورد الزيارة مرسلة [المزار، الصفحة 205، مؤسسة النشر الإسلامي]، فلا نعلم بالواسطة بينه وبين محمد بن مسلم، ومن الواضح أن المشهدي متأخر عن الشيخ الطوسي فهو يروي عن الطوسي بواسطتين، فالفاصلة بينه وبين محمد بن مسلم كبيرة.
ومن الواضح، كما حرر في محله من علم الأصول، أن الأخبار المرسلة خارجة عن موضوع الحجية ولا يمكن الاعتماد عليها في استنباط الأحكام الشرعية. وهناك كلام بين العلماء في خصوص كتاب المزار من حيث مؤلفه وطرق وصوله وفي كون الواصل هو الصادر أم لا، يترك لمحلّه.
2- من حيث الدلالة، فليس في الرواية (على فرض التسليم بصحتها) ما يمنع من إطلاق مثل هذا التوصيف على الفقهاء، كما وليس في الرواية ما يدلّ على اختصاص التوصيف بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بحيث يمنع من إطلاقه على غيره من الأئمة أو العلماء. فغاية ما في نص الزيارة أن الإمام الصادق قال مخاطباً الإمام علي (عليه السلام): (السلام عليك يا آية الله العظمى).
وبالتالي فالقول: (إن المعروف أن هذا اللقب من مختصات أمير المؤمنين) لا يعدو مجرد دعوى بلا دليل، ولا أعرف شيئاً عن هذه المعروفية المدعاة، فلو كانت مثل هذه المعروفية موجودة لاشتهرت بين المحدثين والفقهاء، ولكان الفقهاء أول من التفت إليها، والحال أننا لا نجد مثل ذلك.
ثانياً: أما القول إنه لم يرد إطلاق مثل هذا التوصيف على أحد من الأئمة غير الإمام علي عليهم السلام، فهذا لا يصلح دليلاً للحرمة، فهو أخص من المدعى، فعدم ورود ذلك لا يدل على الحرمة.
وعلى كل حال فما ذكر في السؤال غير تام ولا يعتمد عليه، والمتحصل جواز إطلاق مثل هذا التوصيف على الفقهاء فليس هناك ما يمنع ذلك، وقد جرت سيرة الفقهاء في الأعصار الأخيرة على إطلاق مثل هذا التوصيف من بعضهم على بعض من دون تحرّج، فلو كان يوجد مثل هذا المنع، أو كان ثابتاً، لالتفتوا إليه، وهم أمناء الرسل على الدين.
ثالثاً: لو شككنا في جواز وعدم جواز إطلاق مثل هذه التوصيفات على الفقهاء، فالأصل في المقام هو الجواز.