بقلم: الشيخ عبد الغني عرفات
اتاحت لي فرصة إيقاف الدرس -إلى أمد غير معلوم- أن أطالع بعض ما توفرت عليه مكتبتي من الكتب التي لم أتمكن من مطالعتها أيام الدرس، وكان من بينها كتاب أصل الأنواع لداروين، وكنت حريصًا على قراءته بالكامل، لأنّ قراءة أية فكرة أو فرضيّة أو نظريّة ينبغي أن يكون من مصادرها الأساس لا أن يقرأ عنها نتف من هنا وهناك.
وشاءت الأقدار أن تصلني بعض الكتب هديّة مشكورة وبالتحيّة موفورة من بعض الأعزة، وكان من بينها (مواجهة الإلحاد في منطلقاته المعرفية) للشيخ حيدر السندي الأحسائي والذي احتوى على أربعة فصول كان من بينها الفصل الثالث: مناقشة الإلحاد في منطلقاته التطورية، والذي اشتمل على ثلاثة أقسام:
١- في عرض نظرية التطور
٢- في مؤيدات النظرية
استعرض فيه المؤلف المؤيدات الحديثة التي جاءت بعد تطور العلوم من كتاب (لماذا النشوء والتطور حقيقة) للبرفسور جيري كوين عالم التطور الجيني الأمريكي.
٣-مناقشة توظيف الملاحدة لنظرية التطور.
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب "لا يخفى أن الباحث إذا أراد أن يستوعب نظرية التطور في إطارها العلمي فعليه أن يتكبد عناء البحث والتدقيق، ويسعى ما استطاع من أجل اجتياز العقبات الكثيرة التي يواجهها فيه، فإن هذا البحث يحتاج إلى إلمام بعدة علوم تشكل آليات تكوين نظرية التطور وهي : علوم الجينات، والمتحجرات، والجيولوجيا وعلم طبقات الأرض، والأحياء الجزيئي، والتشريح، وغيرها من العلوم التي لم يكن كثير منها مكتشفا عندما تشكلت القناعة التامة لداروين نفسه وقت إصداره لكتابه الشهير ( أصل الأنواع) في ١٨٥٩م الذي يبلغ ٧٨٦ صفحة واستغرق تأليفه ٢٠ سنة، وإني اعترف بعدم التخصص في هذه العلوم، ولهذا حاولت ما استطعت الاستعانة بما ذكره المتخصصون في هذا الصدد توطئة لتناول الجانب الفلسفي من هذا الفصل".
تستند نظرية التطور على ركنين أساسيين:
١- نشوء الحياة من اللاحياة.
٢-رجوع الأنواع إلى أصل واحد مشترك وهو كائن أحادي الخلية.
وقد ظن الملاحدة أن هذه النظرية تجهز بركنيها على نظرية الإلهي القائلة بوجود إله خارج الطبيعة هو العلة للحياة. فإذا بطلت نظرية الخلق الدفعي التي يقول بها الإلهي بطل الدين.
يقول المؤلف "إن ما يعنيني بيان عدم منافاة النظرية لقول الإلهي .. بل تقدم دعما لنظرية الإلهي" .
بل إن وجود الإله له أدلته المستقلة التي لا تتوقف على ثبوت الأديان، فحتى لو لم يثبت صحة أي دين فلا يعني ذلك ثبوت الإلحاد، فقد فقدت أوربا ثقتها بالدين المسيحي في فترة من الفترات ولكن علماء الطبيعة تصدوا لإثبات وجود إله وعرفوا بعد ذلك بأتباع الدين الطبيعي.
في علاج إشكالية منافاة التطور للأخبار الدينية يطرح المؤلف أربعة أجوبة:
الأول : من المحتمل رجوع الأحفوريات التي تعود إلى ملايين السنين إلى نوع سابق على الإنسان الحالي انقرض في فترة من الفترات ويوجد شواهد على هذا من عدة روايات:
( لقد خلق الله ألف ألف عالم وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين) .
الثاني: أن القرآن ليس صريحا في عدم تخلق آدم من سلالات متطورة ويتبنى هذا الرأي السيد الطباطبائي في الميزان ج ١٦ ص ٢٦١.
الثالث: عدم تخلق آدم من سلالة سابقة عليه في جسده والتشابه الموجود في الإنسان مع بقية الأنواع في الشريط الوراثي يعود لما أشارت إليه الروايات أن آدم مخلوق من أديم الأرض وهذه المادة تحتوي على الحساء الحيوي لسائر الأنواع وبهذا انتقل التشابه من الأنواع السابقة إلى الإنسان.
الرابع: أن القصص الوارد في القرآن كقصة خلق آدم إنما هي رموز وقصص تمثيلية وليست حقائق تاريخية وهذا ما لا يقبله المؤلف.
الكتاب مفيد جدًا وسهل التناول بالنسبة لشبابنا الأعزاء.
وفق الله الكاتب والباحث لأمثالها.