بقلم: الشيخ إبراهيم أحمد مشيك
[ إشكال السيّد الشاهرودي على مبنى السيّد السيستاني (دام ظله) في الرؤية بالعين المجرّدة ]
البعض والذي هو السيد محمود الشهرودي ناقش السيد السيستاني [في] ان الرؤية بالعين المجردة هي من قبيل كثرة الوجود في باب الانصراف وانه لا حجية للانصراف من باب غلبة الوجود الا بناء على ما ذهب اليه صاحب الحدائق، وعليه فإذا منعنا ثبوت الحجية للإنصراف هذا باعتباره ناشئًا من غلبة الوجود بطل حينئذ حصر الإعتماد على العين المجردة وأمكن تعديتها الى المسلحة أيضًا .
[ نقض إشكال الشاهرودي ]
وفيه أنّ السيد السيستاني يرى ان نكتة الإنصراف هو لسان الروايات التي جعلت معيار التحديد في دخول الشهر هو بلوغه طورا خاصًّا مِن اطواره بحيث يقبل الرؤية المعتادة وبحيث يصلح لكونه ميقاتًا للناس...
فالإنصراف الذي ادعاه السيد ليس ذلك الناشئ مِن غلبة الوجود حتى يرِد عليه ما اورد الشهرودي رحمه الله بل صَرْف المعنى مِن الرؤية لخصوص المجرّدة إنّما تأتّى من دلالة بعض التعابير والروايات التي يمتنع جعل الرؤية المسلحة مصداقًا لها.
فالفرد الذي لم يغلب وجوده يصح كونه مصداقا للسان الدليل، لكن الذهن ينصرف عنه مِن باب عدم تعيين ذلك المصداق النادر في الذهن، وعدم التعيين هذا لا يعطي الانصراف حجية في منع لسان الدليل مِن جعل المصداق النادر فردا من افراده وشموله له.
بخلاف الانصراف الذي أراده السيد في المقام، فهو من حاق لسان الدليل، فقول المولى (مواقيت للناس) يجعل المدلول في أوّل نشأته مقيَّدًا، لا أنَّ التقييد جاء الى ذهن السامع مِن عامل خارجي والذي هو غلبة الوجود!
ويتضح البحث اكثر في فهمنا لرواية: (إن راته عين رأته ألف عين) فإنّ التعليق ههنا ليس المراد منه مجرد التكذيب الحكمي فيما لو لم تره باقي العيون لتكون الفائدة منحصرة في هذا المعنى، بل يُراد من الرواية ان تكون دليلا على بلوغ الهلال طورا يقبل عادة فيما اذا رأته عين ان تراه عيون كثيرة..
فلو رأته عين واحدة لا يلزم حينها انها كاذبة حكما لعدم رؤية البقية بل التكذيب هو أحد الاحتمالات وهو لازم اعم..
بل يلزم منه احد طرفي الترديد في الاحتمال وهي ان تكون العين المبصرة لديها حدة في الرؤية فلا تنفع في الحكم لمعرفة دخول ونهاية الشهر، لان هذه الحدة هي اقلية بين الناس وليست اكثرية فلا تصدق (ان راته عين راته الف عين).
فلو رأته عين واحدة ولم تره بقية العيون مع علمنا واطمئناننا بصِدق الرائي لكانت رؤيته دليلا على وجوده في الافق واقعا، لكن ليس هذا النحو من الوجود هو المطلوب، فإنّ محض الوجود في الافق لا يصلح جعله توقيتا للنوع، او قل لا يكشف عن بلوغه طورا خاصا ومرحلة معينة .
كما انه ومن هذا البحث ينفتح بحث الفائدة في اعتبار معايير الرصد العالمية كمعيار عودة ومعيار يالوب.
فان السيد السيستاني لا مانع عنده من الاعتماد على اقوال الفلكيين على مستوى كبروي كما أنّ إشكال السيد النقضي والذي مفاده انه لو أنّ العين المسلحة كانت مشمولة للإطلاق في تحديد الشهر للزم وقوع صوم النبيّ والأئمة عليهم السلام في غير وقته هو اشكال متين لم يفهم البعض وجهه .
تقريبه أن يُقال
أنّ بداية الشهر ونهايته وما يتخلل بينهما من الايام والليالي عبارة عن امور تكوينية لها ارتباط وتأثير واقعيين في تنزّل الرحمات وغيرها من الفيوضات التكوينية ولا يصلح للحكيم أن يُعيِّن ضابطًا له اختلاف مصداقي بل ينبغي ان يكون كلا المصداقين يندرجان تحت طبيعة الدليل اندراجا غير متفاوت.
فعلى كلام السيد الشهرودي تكون العين المجردة مصداقا للتوقيت وكذا العين المسلحة..
مع انّ هاذين الطريقين يوجبان اختلافا في نحو تعيين بداية ونهاية الشهر، ولا يلزم من ثبوت الهلال بالعين المسلحة ثبوته بالعين المجردة!
وعليه فطور الهلال المرصود بالعين المسلحة يختلف عن الطور المرصود بالمجردة، فكيف يكون كلا المصداقين صالحين لتعيين بداية ونهاية الشهر؟!!
وبعبارة اخرى فإنّ انطباق العنوان على المعنون ينبغي ان ينحفظ فيه الطبيعة الموجبة لتعدد المصداق بسبب تعدد الخصوصيات..
ولكن انطباق الرؤية على المجردة تختلف عن انطباقها على المسلحة اختلافا جوهريا وليس افراديا فقط..
فبداية الشهر في المسلحة لا يلازمها بدايتها على معيار المجردة..
وهذا ما يوجب دخول الشهر في الثاني دون الاول..
ويؤيد ما ذهب اليه السيد السيستاني انّ استحباب الاستهلال يسقط نوعا بناء على الرصد بالمسلحة مع ان استحبابه عام .
هذا ولابد من بيان نكتة صغروية يذكرها اهل الارصاد العالمية وهي أنّ الفارق بين امكان رؤية للهلال في المسلحة والمجردة تقرب حدَّ السبع ساعات ويمكن مع تطور التلسكوبات ان تبلغ العشر ساعات..
ويكفي هذا تنبيها على بطلان جعل المعيارية في الرؤية على نحو البدل
إبراهيم أحمد مشيك