بقلم: الشيخ حيدر السندي
سألني أحد الأخوة الأعزاء عن قول متحدّث في مقطع صوتي يدعي أن الشيعة يؤخّرون صلاة المغرب ربع ساعة عن سقوط القرص لأنهم يأخذون بروايات أبي الخطاب الكوفيّ الذي كذب بوضع أربعة آلاف رواية على الإمام الباقر (عليه السلام)، وطلب تعليقاً على كلامه، وفي مقام التعليق أذكر جهات:
[ البحث في حال أبي الخطاب من الناحية الرجالية ]
الجهة الأولى: قال المتحدث : (مع الأسف بعض علمائنا يعتمد على رواياته) .
وهذا فيه تلبيس على المستمع ، فإنه لا يوجد عالم يعمل بروايات أبي الخطاب مطلقاً، بل أبا الخطاب كغيره من الرواة الذين لهم حالان:
1ـ حال استقامة.
2ـ حال ضلال وانحراف.
فإنه وقع خلاف في قبول رواياته المنقولة عنه قبل ضلاله وانحرافه على قولين:
1ـ تقبل، لأنها مرويّة حال صلاحه .
2ـ لا تقبل مطلقاً .
وقال ابن الغضائرى: (محمد بن أبي زينب أبو الخطّاب الاجذع الزرّاد، مولى بني أسد: لعنه اللّه تعالى، أمره شهير، وأرى ترك مايقول أصحابنا حدّثنا أبو الخطّاب في حال استقامته).
وقال الشيخ في كتاب العدّة، في جملة كلامه، في (فصل، في ذكر القرائن التي تدلّ على صحّة أخبار الآحاد): (عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب في حال استقامته، وتركوا ما رواه في حال تخليطه).
وقد ذكر بعض المحققين أن انحراف أبي الخطاب وكثرة الروايات الدالة على الطعن فيه وتحذر من حديثه قرينة قوية على أن الروايات الموجودة في كتب الأصحاب كانت منقولة عنه قبل انحرافه، لأنه من البعيد جداً أن ينقل الأصحاب عنه بعد انحرافه وهذا حاله، المسألة محلّ كلام عند الباحثين .
وعليه يكون قول المتحدّث (مع الأسف بعض علمائنا يعتمد على رواياته) على اطلاقه باطل، بل البعض فصل لوجه علمي اعتمده، ولا نعرف حكماً فقهياً واحداً يستند فيه إلى رواية مروية عن أبي الخطاب فقط.
مما نشاهده هذه الأيام ـ وللأسف ـ أن جماعة يحاولون أن يظهروا أنهم أهل دقة وتثبت، وتجديد وتحقيق على حساب متانة البحث الحوزوي، وقوة المنهج التحقيقي الإمامي، فيصورون لعامة الناس صورة بائسة متخلفة هزيلة مشوهة عن ما عليه العلماء، ثم ينتقدون الصورة المشوهة لكي يوهموا أن لهم مكانة علمية، وجهد تحقيقي وتجديد، وأنا لا أتهم المتحدث بذلك، ولكن أرى أنه يفعل ما يفعل هؤلاء، فهو يصور رأي بعض العلماء، وما عليه الشيعة من تأخير الصلاة عن سقوط القرص بصورة بائسة، وهي صورة التـأثر بأبي الخطاب، ثم ينفخ متحسراً مستاءً، مع أن الصورة التي رسمها لا وجود لها إلا في دماغه، وهو سبب حسرته واستيائه، وهذا ما سوف يتضح أكثر إن شاء الله.
[ رأي أبي الخطاب في وقت المغرب ]
الجهة الثانية: ذكر المتحدث أن تأخير صلاة المغرب عن سقوط القرص إلى ما بعد ربع ساعة بسبب أبي الخطاب، وهذا غير صحيح البتة .
ولعل سبب اشتباهه وجود روايات وهي:
1ـ عن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن الرضا عليه السلام، قال: إنّ أبا الخطّاب قد كان أفسد عامّة أهل الكوفة، وكانوا لا يصلّون المغرب حتى يغيب الشفق. التهذيب: الجزء 2، باب أوقات الصلاة وعلامة كلّ وقت منها، الحديث 99.
2ـ وبهذا الاسناد، عن إبراهيم، عن أبي أسامة، قال: قال رجل لابي عبد اللّه عليه السلام: أؤخّر المغرب حتى تستبين النجوم، فقال: خطابية، إنّ جبرئيل أنزلها على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) حين سقط القرص).
3ـ وروى بسند صحيح أيضاً، عن ذريح، قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أناساً من أصحاب أبي الخطّاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم، قال: أبرأ إلى اللّه ممن فعل ذلك متعمّداً. التهذيب: الجزء 2، باب أوقات الصلاة، الحديث 102.
والملاحظ في هذه الروايات أن أبا الخطاب كان مذهبه على تأخير الصلاة إلى :
1ـ مغيب الشفق.
2ـ استبانة النجوم.
3ـ تشابك النجوم.
[ رأي فقهاء الشيعة الإمامية في وقت المغرب ]
ومن الواضح أن هذا غير ما يقوله الشيعة في المشهور والأشهر، فإن المشهور عندهم دخول الوقت بسقوط القرص، كالعامة، والأشهر ذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس، وذهابها ناحية المغرب ـ كما ذكر السيد الخوئي (رحمه الله ) في موسوعته ج 11 ص 168 وإن تراجع عنه في ص 186 وقال بأن المصرحين به قليلونـ و المتحدث خلط بين رأي أبي الخطاب ورأي الأشهر، مع أن الفرق كبير جداً، فإن رأي أبي الخطاب هو ( لزوم تأخير الصلاة إلى مغيب الشفق، وهو وقت تسلط العتمة والظلمة وظهور النجوم) وهذا يكون بعد زمان متأخر عن (ذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس، و ذهابها ناحية المغرب)، فإن الشفق باق غايته، وهو الحمرة المغربية، وبعد لم يزل، ومن الواضح أنه في هذا الوقت لا تظهر النجوم وتشتبك.
نعم، نص الفقهاء على أن ذهاب الشفق وسقوطه [نهاية] وقت الفضيلة، ولهذا نجد صاحب العروة يقول: (وما بين المغرب ونصف الليل وقت المغرب)، ثم يقول : (ووقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب لشفقـ أي: الحمرة المغربية ـ ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل)، ثم يقول: (و يعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية عن سمت الرأس)، فهو يرى وقت صلاة المغرب عند زوال الحمرة المشرقية، وهو قبل زوال الشفق الذي قال أبو الخطاب بأنه وقت دخول صلاة المغرب.
فيبدو أن المتحدث لم يفهم رأي اخوانه الشيعة، كما كان السلفية لا يفهمون رأي إخوانهم الشيعة في كثير من المسائل.
إن العلماء الذين يقولون بدخول المغرب بزوال الحمرة المشرقية أو يحتاطون في ذلك أعلم من المتحدث بأبي الخطاب و رأيه، و بالروايات الواردة فيه وهم أرفع قدراً من أن يؤثر فيهم هذا المنحرف الضال، وإنّ من الظلم الكبير الواقع على فقهائنا أن يُفترى عليهم بمثل هذا، ولكن لا شكّ في أنّ أجرهم في هذا عظيم.
[ الفرق بين مغيب الشفق وتشابك النجوم وبين زوال الحمرة المشرقية ]
الملاحظة الثالثة: كما إن المتحدّث يجهل الفرق بين مغيب الشفق وتشابك النجوم وبين زوال الحمرة المشرقية عن سمت الرأس فهو يجهل واقع البحث الفقهي في مسألة تحديد وقت صلاة المغرب، فلو أخذ على سبيل المثال كتاب المستند للسيد الخوئي (رحمه الله)، وهو من أشهر كتب اخوانه الشيعة؛ لأدرك أنّ الذين يقولون بلزوم زوال الحمرة المشرقيّة عن سمت الرأس يستدلون بروايات كثيرة، وليس فيه رواية عن أبي الخطاب، ومنها:
ما رواه ثقة الإسلام الكليني(رحمه الله) علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت سقوط القرص ووجوب الافطار أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص.
وما رواه أيضاً محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها.
وهذه الروايات وإن كانت محلّ بحث من حيث السند والدلالة، ولم يرها جملة من العلماء تامة إلا أن الاستناد إليها ترجيحاً لها على روايات كفاية سقوط القرص ليس من الأخذ بروايات أبي الخطاب كما هو جلي، وكل فقيه يعمل برأيه، و غير الفقيه إما أن يحتاط أو يرجع إلى الفقيه إذا كان يفتي في وقت دخول صلاة المغرب.