القائمة الرئيسية

الصفحات

هل ضاعت السنة النبوية الشريفة ؟

 

الرد على دعوى ضياع السنّة النبوية

بقلم: الشيخ عبد الغني العرفات

تنتشر بين الفينة والفينة مقالة بعنوان:

أكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت؟

وهي منسوبة لسيدنا السيد محمد رضا الجلالي حفظه الباري، وفيها أن الحديث النبوي وتاريخ الإسلام لم يدون إلا بعد سنة ١٩٤هـ وهي سنة ولادة البخاري، فضاع تاريخ الإسلام في مهب الريح !! 

ولم يتسن لي التأكد من هذه النسبة.

وقد استفاد منها بعض أهل الحداثة والعلمنة ومن أراد نفي الحديث، وأنّى له ذلك ؟

ومع فرض ثبوتها له فإنها ناقصة إذ المنتشر معنون بعنوان ( الجزء الأول) فلعل الجزء الثاني فيه بيان حول حفظ الحديث والسنة من طريق أهل البيت عليهم السلام الذين قاوموا منع تدوين الحديث النبوي، باعتبار أن السيد كتب كتابه ( تدوين السنة الشريفة) فربما أخذت هذه المقالة منه.

حجج القرآنيين

ويعتمد من ينفي حجية الحديث الذين عرفوا قبل سبعين سنة بالقرآنيين إلى هذه الحجج:

١- أنه لا يوجد تواتر ولا حديث متواتر بل الأحاديث كلها أحاديث آحاد ولا يمكن الاعتماد على أحاديث الآحاد، وفرق المسلمين كل فرقة تضلل الأخرى ولا تعتمد على أحاديثها فالسنة ضائعة لا يمكن الاعتماد عليها لذا فنكتفي بالقرآن .

والجواب عن هذه الحجة :

١- لدينا أحاديث متواترة ومتفق عليها بين فرق المسلمين وليس صحيحا أنه لا يوجد أحاديث متواترة.

وحتى أحاديث الآحاد يوجد ما هو متفق عليه بين المسلمين، فرواة الشيعة برغم تشيعهم يأخذ السنة بمروياتهم ويبنون عليها فقههم وقد جمع السيد شرف الدين في كتابه المراجعات مجموعة من رجال الشيعة المعتمدين عند السنة رغم تصنيفهم إياهم (كرافضة )ولو لاهم لسقط الكثير من فقههم. بل نحن نأخذ بالصدوق من رواتهم ومن رواة الفرق الشيعية المختلفة إذا لم يعرف بالكذب.

٢- نقول للقرآنيين: كيف صدقتم أن القرآن الذي بين أيديكم لم ينقص ولم يزد؟ إن قلتم وصلنا بالتواتر فنقول جيد إذن أنتم تؤمنون بالتواتر وإن قالوا وصلنا بالآحاد نقول إذن أنتم تؤمنون بالآحاد فيمكن أن تصل الأحاديث إلينا بطريق الآحاد.

٣- هناك حيثيات تاريخية داخل القرآن وخارجه : مثلا ورد فيه ذكر زيد ومكة والأحزاب وحنين وغير ذلك فمن أين نشخص هذه الأماكن والأزمنة الواردة في القرآن؟ وكيف نعرف متى وقعت فهل وقعت قبل مئة سنة أو مئتين أو أقل أو أكثر ؟ نعرف ذلك من التاريخ الذي هو عبارة عن خبر متواتر أو آحاد وإلا فإن لم نؤمن بالتواتر أو الآحاد ستصبح هذه الأماكن والتواريخ معميات بالنسبة لنا ولن نستفيد من القرآن !!

وكذلك بالنسبة للحيثيات التاريخية التي هي خارج القرآن فمن أين نعلم أن هذا القرآن نزل على محمد بن عبد الله الهاشمي فليس في القرآن إلا اسم محمد فقط إذن لا بد من الاعتماد على التاريخ الذي هو أكثر إشكالا من الأحاديث ومع هذا اعتمدنا عليه في هذه الحيثيات التاريخية فلماذا لا نعتمد على الحديث !! 

٢- يعتمد القرآنيون على اللغة في فهم القرآن ولا يعتمدون على غيرها للشك في السنة والتاريخ.

ونقول لهم: من أين علمتم أن معاني هذه الألفاظ هي نفس المعاني وقت نزول القرآن الكريم؟ فلعل معاني الألفاظ الذي تفهمونها الآن غير معانيها وقت نزول القرآن . وسيقول القرآنيون إن الألفاظ وصلتنا بالتواتر فنعتمد عليها ، فنقول إذن أنتم تؤمنون بالتواتر ، وإن قالوا : لا بل وصلت إلينا بالآحاد ، نقول إذن يمكن الاعتماد على خبر الآحاد والاطمئنان إليه وخصوصا أننا نرى اللغويين يختلفون ، فترى من يرجح قول لغوي على آخر لميزات فيه.

والاعتماد على خبر الآحاد الثقة هي سيرة عقلائية عند البشر فيرتبون الأثر عند سماعهم من الواحد والاثنين خبرًا بوقوع حريق مثلا ولا يحتاجون إلى التواتر وهكذا هم القرآنيون في حياتهم الآن فهل لا بد من الاعتماد على التواتر؟

وحتى من كان يعيش في عصر النبوة عندما يسمع حكما من الأحكام هل كان يذهب ويطرق باب النبي صلى الله عليه وآله في كل مرة أم يكتفي بسماعه الخبر من الثقة؟

فخبر الآحاد الثقة يعتمد عليه إما من باب أن الشارع أمضى سيرة العقلاء فقال لنا خذوا بسيرة العقلاء فاعتمدوا على خبر الآحاد الثقة ، أو من باب أن خبر الثقة غالبا يكشف عن الواقع.

فالحديث النبوي والتاريخ يتعامل معه بهذه الطريقة فيؤخذ ما يطمئن به وما يرجح بالتوثيق السندي.

ولا يمكن للشريعة اعتماد اليقين في تفاصيلها بالنسبة للمكلف لأن ذلك غير ممكن بأن يذهب المكلف فيتأكد كل مرة من المشرع وهو الرسول أو الإمام فيطرق بابه فيسأله بنفسه عن الحكم.

ولا يمكن اعتماد الاحتياط أيضًا بمعنى تكرار العمل في كل الأحكام فكلما شككت أن الشارع طلب هذا أو ذاك أقوم بتكرار العمل والعمل بالاثنين لأن هذا يستلزم الحرج.

إذن فطريقة الأخذ بالظن واعتماد الأخبار الظنية في الحديث والتاريخ لا مناص منها.

ختامًا نقول : إن وجود مشاكل علمية في الحديث والتاريخ لا يمنع من الأخذ بهما، فليس من الصحيح ترك الحديث والتاريخ لمجرد وجود هذه المشكلات، فالقرآن نفسه قد أمر بالبحث في التوراة وبين سطورها للوقوع على حقائقها الإلهية مع اعترافه بأنها محرفة، ولكن ببذل الجهد يمكن الوصول للحقائق، وكذلك الأمر في الحديث والتاريخ فكلما بذلنا جهدًا وافرًا وقعنا على حقائقهما.

عبد الغني العرفات