القائمة الرئيسية

الصفحات

هل يدل قوله تعالى { رضي الله عنهم ورضوا عنه } على عدالة الصحابة ؟

 

مناقشة شبهة الآلوسي في عدالة الصحابة

نظرة في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ}

بقلم: الشيخ حيدر السندي 

السؤال: هل يدل قوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } على عدالة جميع الصحابة، ولزوم إتباع طريقتهم حتى على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتأخرين، كالإمام السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام)؟

الجواب: لا تدل الآية على ذلك، ولكي يتضح هذا أذكر أموراً:

[ الآية لا تشمل جميع الصحابة ]

الأمر الأول: إن الآية لم تتحدث عن كل المهاجرين والأنصار، وإنما عن خصوص السابقين الأولين، ويحتمل أنهم جماعة خاصة، وهم الإمام علي (عليه السلام) ومن كان مثله،  قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإفصاح 78 : (والذين سمَّيتهم من المتقدمين على أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن ضممت إليهم في الذكر، لم يكونوا من الأوّلين في السبق، وإنما كانوا من التالين للأولين، والتالين للتالين. والسابقون الأوّلون من المهاجرين، هم: أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وخباب، وزيد بن حارثة، وعمار وطبقتهم. ومن الأنصار النقباء المعروفون، كأبي أيوب، وسعد بن معاذ، وأبي الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، ومن كان في طبقتهم من الأنصار).

وقال الرازي: إنّ الآية تتناول الذين سبقوا في الهجرة والنصرة، فهو لا يتناول إلاّ قدماء الصحابة، لأنّ كلمة «من» تفيد التبعيض . التفسير الكبير: 16/171.

[ في تحقيق معنى السبق والاتباع المذكور في الآية ]

الأمر الثاني: قد يتصور البعض أن المقصود بالسبق هنا سبق إظهار الإسلام زماناً، ولكن هذا المعنى بعيد جداً؛ إذ قد يظهر من لم يؤمن قلبه الإيمان قبل شخص آخر قد أظهر الحق بعد ذلك بصدق القلب والإخلاص، فهل مجرد السبق الزماني في الإظهار له ميزة؟

الجواب كلا، فلابد أن يكون المقصود من السبق السبق  بصدق ، وكون العبد إلى الخير أسرع، وهذا ما بيّنه السيّد المرتضى (رحمه الله)  حيث قال: (إن ظاهر هذه  لآية لا تقتضي أن السبق المذكور فيها إنما هو السبق إلى اظهار الإيمان والاسلام واتباع النبي صلى الله عليه وآله، لأن لفظ (السابقين) مشتركة غير مختصة بالسبق إلى شيء بعينه.

وقد يجوز أن يكون المراد بها السبق إلى الطاعات، فقد يقال لمن تقدم في الفضل والخير: سابق ومتقدم. قال الله تعالى {والسابقون السابقون أولئك المقربون} فإنما أراد المعنى الذي ذكرناه، وقال تعالى{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} ويكون معنى قوله تعالى (الأولون) التأكيد للسبق والتقدم والتدبير فيه، كما يقال: سابق بالخيرات أول سابق. وإذا لم يكن هاهنا دلالة تدل على أن المراد بالسبق في الآية إلى الإسلام فقد بطل غرض المخالفين وإذا ادعوا فيمن يذهبون إلى فضله وتقدّمه أنه داخل في هذه الآية إذا حملنا على السبق في الخير والدين احتاجوا إلى دليل غير ظاهر الآية، وأنى لهم بذلك) رسائل  الشريف المرتضى : ج ٣ ص ٨٨.

ومن الواضح أن المصدِّق بصدق هو المتبع السائر على نهج رسول الله (صلى الله الله عليه و آله)، واتباع رسول الله يختلف بحسب اختلاف التشريع الإلهي، فإذا شرع الله الاعتقاد بالتوحيد، والنبوة، ولزوم  إتباع النبي (صلى الله الله عليه و آله) في زمان، وكان فيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وخباب، وزيد بن حارثة، وعمار وطبقتهم؛ فإن إتباع هؤلاء بكونهم يعتقدون بالتوحيد، والنبوة، ويلتزمون بطاعة النبي (صلى الله الله عليه و آله)، وإذا ضم إلى ذلك فيما بعد سائر التشريعات، وطاعة الأئمة (عليهم السلام) والنص عليهم، فإن الإتباع  يكون بالالتزام بالتوحيد، والنبوة، والإمامة، وسائر التشريعات، فيكون معنى {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} هو الذين أتبعوهم في الأخذ عن النبي (صلى الله الله عليه و آله)، ولهذا لو فرضنا أن شخصاً من المسلمين الأوائل قد مات قبل تشريع بعض الأحكام، كالأحكام التي شُرعت في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وجاء في عصرنا مسلم يلتزم بما في هذه الآية، ويلتزم بما كان مشرعاً قبل نزولها؛ لصدق الاتباع بإحسان، من جهة التسليم والانقياد لكل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله)، فإن المقصود ليس لزوم إتباع السابقين في أنفسهم؛ إذ واجب الاتباع هو النبي (صلى الله عليه وآله)، و اتباع أتباعه بمعنى السير على ما ساروا عليه من هدي النبي ولزوم  اتباعه وطاعته (صلى الله عليه وآله).

[ وجوب اتباع أهل البيت لتحقيق عنوان الاتباع بإحسان ]

وعليه، فإذا صدر حديث الثقلين المتواتر ـونحوه ـ ومنه: ما أخرجه الترمذي بإسناده عن جابر بن عبد الله قال : «رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيّها الناس ، قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي». صحيح الترمذي ٥ / ٦٢١  ، ولا شك في تواتره ووضوح دلالته؛ فإن الإتباع بالإحسان سوف يكون بإتباع أهل البيت (عليهم السلام)؛ إذ كيف يصدق على المرء أنه أتبع السابقين الأولين، وهو لم يأخذ بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي ألزم به السابقين  أيضاً ، فقال لهم: (ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، فبقاء كونهم سابقين، ومن اتبعهم من الفالحين مرهون بكونهم أتباعاً لأهل البيت (عليهم السلام).

وعلى هذا يتضح أنه كلما ثبتت إمامة شخص من أهل البيت (عليهم السلام) ينكشف أن عنوان {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} يتوقف على إتباعه، وهو ما دام معصوماً على منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو على منهاج السداد والرشاد كمن سابق من المتبعين، وإن كان يفوق غير المعصومين لمكان عصمته، وكونه مطلق الإتباع لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

[ عدم شمول المنافقين وأصحاب الردّة من المهاجرين والأنصار بالآية ]

الأمر الثالث: حيث إن من الواضحات أنه ليس كل من أظهر إيمانه، وهاجر في الزمان السابق؛ ممدوح وموعود بالثواب في الآية، فلا بد من التقييد بقيدين:

1ـ صدق النية.

2ـ الثبات وعدم حبط العمل بالكفر، والموبقات، والخروج عن الجادة .

وقد أشتهر بنحو يفيد الاطمئنان ارتداد بعض الصحابة، فهذا عبيد الله بن جحش هاجر إلى الحبشة، و روي  أنَّه تنصَّر، ومات على نصرانيَّته، وبانت منه زوجته أم حبيبة، فتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقد روى  ذلك ابن الأثير في  أسد الغابة، و ابن إسحاق في السيرة، و وابن سعد في كتاب الطبقات الكبرى، والحاكم في المستدرك، والطبري في تاريخه وغيرهم.

بل روى الحاكم ردة جملة من الصحابة، فقد روى عن السيدة عائشة أنَّها قالت فيه: "لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به، و صدَّقوه"، مع سابقتهم إلى الإسلام، و روى الألباني هذا  في السلسلة الصحيحة الرقم:306 .

ونِعمَ ما قال السيد المرتضى (قدس الله نفسه): (ثم إذا سلمنا أن المراد بالسبق في الآية السبق إلى الإسلام والايمان بالنبي (صلى الله عليه وآله) فلا بد من أن يكون الآية مشروطة بالإخلاص، وأن يكون الظاهر كالباطن، فإن الله لا يعد بالجنة والرضوان من أظهر الإسلام وأبطن خلافه. ولا خلاف بيننا وبين مخالفينا في أن هذا الشرط الذي ذكرناه مراعى في الآية، وإذا كان لا بد من مراعاته فمن أين للمخالف أن القوم الذين يذهبون إلى تعظيمهم وتفضيلهم ممن أظهر السبق إلى الإسلام كان باطنهم كظاهرهم، حتى يستحق الدخول تحت الوعد بالجنة والرضا من الله تعالى).

ولو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن من بديهياته حرب بعض الصحابة السابقين لبعض السابقين الأولين، كما في الجمل، وصفين، فهل يقبل عاقل أن يكون إتباع من حارب أمير المؤمنين (عليه السلام) يحقق عنوان {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ}، لأن بعض من قاتل الأمير (عليه السلام) من المهاجرين إلى الحبشة والمدينة؟!