القائمة الرئيسية

الصفحات

هل يلزم الظلم من حد السرقة في الإسلام؟

 

هل يلزم الظلم من حد السرقة في الإسلام؟

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شيخنا الفاضل لدينا السؤال التالي .. أستاذة جامعية في مادة الحقوق كلفت طلابها بأن يأتوا بالإجابة من رجال الدين .. والسؤال كالتالي : قطع يد السارق حد شرعه الإسلام؟ أليس فيه ظلم، فإنّ من سرق مبلغا مالياً زهيدا أو كثيرا تقطع يده..  مع ان السجن أو الغرامة أنفع وأجدر؟ .

الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

جواب هذا السؤال ينبني على تحديد الموقف الفلسفي والأخلاقي من مفهوم (الظلم)، فلو كان الظلم هو التصرف في ملك الغير بلا رضاه، فإنّ الله تعالى [ في الحدود التي شرّعها] لم يتصرف في ملك غيره، و إنما في ملكه، كما أنّ من يقيم تلك الحدود لن يكون ظالماً، لأنه وإن تصرف في ملك غيره -وهو الله تعالى- إلا أنّه تصرف وفق إذنه ورضاه .

فمن يؤمن بشريعة النبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله)، وبأنها تشتمل على حد السرقة، أو أي حد آخر لا يمكن الاعتراض عليه بلزوم الظلم لما ذكرناه. نعم، على من لا يؤمن بالشريعة أن يناقش في  أصل حقانيتها، وأنه هل فعلاً الله عز وجل أذن أم لا؟ و أما تناول الموضوع من ذيله وترك رأسه فهو ليس من المنهج العلمي في شيء.

و أما موضوع لزوم الظلم فيما إذا كان المبلغ زهيداً فإن جوابه اتضح مما تم بيانه، فإن لله تعالى أن يتصرف في ملكه ويأذن بالتصرف لغيره مادام مالكاً، وإن لم يرتكب  ملكه ذنباً أصلاً، فإنه المميت لجميع الأحياء، ولا ظلم في ذلك .

و أما تحديد العقوبة فإنه  إذا ثبت عن الله فهو يدل على أنه أفضل تحديد والموافق للحكمة، لأنه في عقيدة المسلم صادر من أحكم الحاكمين، والعالم المطلق، و عقولنا لا تستطيع أن تحيط بما يحيط به، فمجرد ادراكها لوجود فائدة في السجن أو الغرامة لا يوجب الترجيح على تحديد الله تعالى، ولا الجزم بالأفضلية إلا مع الاحاطة التامة بكل المصالح الواقعية.

ومصلحة جعل القطع لا يجزم بأنها منحصرة في مجرد  الردع، وزرع  الخوف المانع من الفعل، بل يحتمل مصالح كثيرة، منها :

اظهار بغض الشارع للسرقة، لأنها تنطلق من روحية وضيعة جداً، و هي الانانية المضرة بالمجتمع، والتي تحمل المرء على التعدي اشباعا للجشع وليس فقط على الاستئثار، أو الظفر بالملاذ المحرمة دون إضرار بالآخر، ومن يسرق القليل اشباعاً لجشعه يعيش المجتمع حالة عدم الأمن تجاهه، إذ يتوقع منه صدور الأعظم من باب أولى لهوان النفس وضعتها حيث لم تتورع عن كسر القانون واضرار الآخر في الأمر الزهيد، ضمن القيود التي راعاها الشارع في حد السرقة، فليس كل سارق تقطع  يده، ولقد نقل ما يبين هذا المعنى بعبارة: ( إن اليد عزيزة، فلما سرقت هانت).

والحاصل : إن شبهة الظلم في النظام التشريعي الصادر من المالك الحقيقي لا موضع لها، كما أن دعوى توصل العقل البشري المحدود إلى تشريع أفضل غير مسموعة لبرهان كمال الله تعالى ونقص غيره، والسارق هو باختياره  سلك بنفسه نحو العقوبة، ولم يجبره على السرقة  أحد، ولو كان مجبوراً عليها لم يجز حده.

بقلم: الشيخ حيدر السندي