بقلم الشيخ حيدر السندي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق طراً، محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد..
تصدير:
[ الضابطة في إثبات كون المسألة عقَديّة ]
هل يمكن في فرض قيام خبر على مضمون ما، كثبوت حقّ التشريع للأئمة (عليهم السلام)، أو العلم ببعض المغيّبات الخاصّة، أو بعض ما يسمّى بتفاصيل العقيدة في ألسنة بعض العلماء؛ القول بشمول دليل الحجيّة لترتب أثر على وروده، وهو الاعتقاد تطبيقاً للقسم الثاني من العقائد وفق تقسيم الشيخ ؟
فقد ذكر الشيخ (رحمه الله) وغيره أنّ العقائد قسمان:
القسم الأول: ما يجب الاعتقاد به مطلقاً، والعلم مقدّمة وجوديّة.
القسم الثاني: ما يجب الاعتقاد به بشرط العلم، فإذا وجد خبر معتبر ترتب الأثر، وهو وجوب التديّن بمعنى الاعتقاد، وهذا نحو عملٍ بالخبر.
والصحيح هو: إنّ مجرّد ورود خبر في ثبوت أمر ما، كتعرّق أهل المحشر أو ثبوت علم المعصوم بعدد حبات الرمل أو استحباب السواك في الشرع؛ لا يثبت وجوب الاعتقاد إلّا إذا ثبت في الرتبة السابقة أنّ مضمون الخبر على تقدير ثبوته يجب عقد القلب عليه.
وبعبارة أخرى: إنّ تطبيق تقسيم العقائد إلى ما يجب التديّن بها مطلقاً وما يجب التديّن بها بعد العلم ـكما في كلمات الشيخ (رحمه الله)ـ أو مع جعل القسم الثاني ما يجوز التديّن به بعد قيام الدليل؛ يتوقّف على وجود حكم شرعيّ سابق في مورد الولاية التشريعية وهو وجوب التديّن أو جوازه، فيُراد تنجيزه أو التعذير عنه بالخبر بناءً على شمول دليل حجيّته ـ بأيّ معنى فسرنا الحجيّةـ و دليل هذا الحكم مفقود، والخبر غاية ما يفيد الثبوت وأنّ لهم ولاية، و أمّا أنّه يجوّز التدين (أو عقد القلب والإيمان بثبوت ذاك أو الالزام القلبيّ) كفعلٍ جوانحيّ اختياريّ وراء العلم والتصديق -بناءً على التفكيك بينهما كما هو مفاد من ينفي لزوم الالتزام القلبيّ في القطعيّات من الفروع بناءً على أنّ المراد بالموافقة الإلتزاميّة الاعتقاد والإيمان- وعليه ففي كلّ مسألة لا يوجد أثر عمليّ يترتّب عليها إذا أُريد تعميم أدلّة الحجج لها من باب ترتّب وجوب الاعتقاد لا بدّ من مرحلتين:
١- إثبات أنّ هذه المسألة لو عُلم بها فهي من العقائد.
٢- إثبات مضمون المسألة بحجّة شاملة .
والمرحلة الثانية متأخرة عن الأولى للغوية شمول دليل الحجج لما لا أثر له، فمثلاً يمكن استفادة طلب الإيمان بالملائكة والكتب من قوله تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } سورة البقرة : آية 285، فإذا دلّ خبر على أنّ لله ملكاً اسمه خرقائيل، وكان لدليل الحجيّة إطلاق يشمله أمكن حينئذ أن يُقال بترتّب أثر جواز أو وجوب الاعتقاد، و أمّا لو وردت آية تدلّ على وجود طور سيناء، فلا يثبت كون المسألة عقدية؛ لأنّ التديّن كفعل قلبيّ ليس مجرّد التصديق بل الإيمان على أنه أمر ديني، وهذه مسألة مهمّة لابدّ أن تحدَّد وتُبحث لعدم عنونتها بعنوان خاص في جملة من الكتب الأساسيّة بما فيها الرسائل، وهي (ما هو المراد بالتديّن والإيمان؟) و الذي هو مطلوب في بعض القضايا دون البعض الآخر ولو كان قطعيّاً، و جعله الشيح نحو عمل بالخبر على احتمال.
[ هل كلّ ما جاء به النبيّ فهو من العقائد ؟ ]
وقد يتمسّك بطائفتين من الروايات، وهي روايات (الإقرار بما جاء به النبيّ ( صلّى الله عليه و آله) من عند ربه)، و( من دان بغير سماع من صادق)، و يرتّب على ذلك أن كلّ شيء جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله) ممّا يرتبط بالدين فهو من العقائد، وليست العقائد خاصّة بالأصول الخمسة المعروفة أو فروعها، بل تشكّل نسبة كلّ حكم فرعيّ إلى الشارع.
نعم، يخرج بمقتضى مناسبات الحكم للموضوع الإخبار عن الأمور الكونيّة والأحداث التاريخيّة التي لا ترتبط بالدين، وعلى هذا يكون كون الشارع قد حكم بوجوب الصلاة وسجود السهو عند حدوث أحد أسبابه، ووجوب الخمس في فاضل المؤنة، وغير ذلك من الأحكام من العقائد، غايته ينقسم ما يتديّن فيه الإنسان إلى ما يجب التديّن فيه ابتداءً عقلاً وشرعاً وهو الأصول العقديّة، وإلى ما يجب الاعتقاد فيه إذا قام الدليل الموجب للعلم أو قام دليل علميّ عليها، وهو التفاصيل.
[ البحث ليس في وجوب تصديق النبي وإنما في عقديّة بعض المسائل بعنوانها التفصيلي ]
تحديد محلّ البحث
وفي البداية لا بدّ من تحديد محلّ البحث، وهو ليس التديّن الإجمالي بصدق النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فإن هذا مقوّم للاعتقاد بالنبوة أو يُستفاد من الأدلّة أنّه داخل ضمن القسم الأول، كرواية سماعة (قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال: إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان، فقلت: فصفهما لي، فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله والتصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله)، به حُقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس)، وهذا واضح في ديننا.
قال السيّد الخوئيّ (رحمه الله): (وليُعلم أنّه يجب تصديق النبيّ (صلى الله عليه وآله) في كلّ ما جاء به من الأحكام الإلزاميّة وغير الإلزاميّة، بل فيما أخبر به من الأمور التكوينيّة الخارجيّة، من الأرض والسماء وما فيهما وما تحتهما وما فوقهما، فان تصديقه (صلى الله عليه وآله) في جميع ذلك واجب، ولكنّه خارج عن محلّ البحث، لكونه من أصول الدين لا من الفروع، باعتبار أنّ تصديقه (صلّى الله عليه وآله) في جميع ذلك يرجع إلى تصديق نبوّته (صلّى الله عليه وآله) )، مصباح الأصول : ج ٢ ص ٥١.
وإنما محلّ البحث هو كون بعض المسائل بعنوانها التفصيلي من العقائد، ففي وجوب الصلاة مثلاً يكون البحث حول أنه هل المطلوب العمل فقط، ولا يلزم عقد القلب على أنّ الوجوب صادر من الله تعالى، فيكون العالم المصلّي ممتثلاً فقط، والعالم غير المصلّي والمعتقد يكون عاصياً بمعصية واحدة، ولم يرتكب معصيتان فضلاً عن أن يكون كافراً خارجاً عن الدين؟. نعم، مَن علم تفصيلاً وجحد أو كذّب يكون كافراً بسبب رجوع جحده و تكذيبه إلى تكذيب النبوة.
كما ينبغي التنبيه على أنّه ليس محلّ البحث هو جواز عقد القلب على كون النبيّ (صلى الله عليه و آله) أخبر عن حكم أو على صدور ذلك الحكم من الله تعالى أو أنه (صلى الله عليه و آله) أخبر عن حقيقة تكوينيّة ككونهم (عليهم السلام) أوّل من خَلق تعالى أو على المضمون؛ بنحو مطلق، ليُقال إنّ هذا ممّا يُعلم جوازه ـكما لا يبعدـ فإذا قام خبر الواحد على ثبوت مضمون جاز عقد القلب لعدم لزوم التشريع، وإنّما المراد عقد القلب على أنّ هذا العقد دين، وأمر الله تعالى به.
الموافقة الإلتزامية والاعتقاد
وذُكر أنّ اختيار القول بثبوت عقديّة كلّ ما أخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يعني القول بوجوب الموافقة الإلتزامية، قال السيّد الخوئيّ (رحمه الله): (ويجب أيضاً الإتيان بالواجبات التعبديّة مضافاً إلى الله سبحانه وتعالى ومتقرباً بها إليه .. وهذا الوجوب ... خارج عن محلّ الكلام... فليس المراد من الموافقة الإلتزاميّة -في محل الكلام- هو الاتيان بالواجب مع قصد القربة، بل المراد هو الالتزام القلبي بالوجوب المعبر عنه بعقد القلب، فيكون كل واجب - على تقدير وجوب الموافقة الالتزامية - منحلاً إلى واجبين: العمل الخارجي الصادر من الجوارح، والعمل القلبي الصادر من الجوانح) مصباح الأصول : ج ٢ ص ٥١. .
وقال في تحقيق الأصول: (إنه ليس المراد من وجوب الموافقة الالتزاميّة هو العلم بالتكليف، ولا الرضا بجعله، ولا العزم على العمل والامتثال، ولا قصد القربة، مع كونه مختصّاً بالعبادات والبحث أعم منها و من التوصّليات. بل المراد من الموافقة الالتزاميّة للتكليف الشرعي: أنْ يعقد القلب عليه و ينقاد بالنسبة إليه، كما هو الحال في الامور الاعتقاديّة ). تحقيق الأصول، ج5، ص: 185.
وقيل: ( المراد بها هو الخضوع القلبيّ لما قطع به و ثبت لديه في قبال الاستكبار النفسانى، فمن علم بنبوّة النبيّ: فتارة يبني في قلبه على أن يراه في مقام الإظهار والإثبات نبيّا فيذعن له قولاً، و ربما يعمل بأحكامه عملاً، فهو ملتزم بالنبوّة مؤمن بها. وأخرى يكون ذا قلب متكبّر يبني على جحوده و إنكاره، فينادي بالإنكار، و لا يطيع ما ينبئ به من الأحكام، فيكون من الكفّار، و الظاهر أنّه المراد في مثل قوله تعالى الوارد في وصف الكفّار: {وَ جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا}، و عليه فالإيمان والكفر أمر وراء مجرّد العلم واليقين، و مع ذلك فهما من الأمور والصفات القلبيّة التي أمرها بيد المكلّف كالأعمال الجوارحيّة. و حينئذ فالحقّ أنّه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية، فإنّها ليست من مراتب الامتثال الواجب في حكم العقل، كما أوضحه الأعلام شكر اللّه سعيهم، ولا ممّا يلزمه وجوب الاعتقاد بالنبوّة، فإنّ معنى الاعتقاد بها أن يبنى على أنّ ما يخبر به فهو ممّا حكم به وقاله اللّه تعالى، و هو كما ترى غير البناء القلبيّ على موافقته، فإنّ غاية ما يقتضيه الإيمان بالنبوّة أن يكون ما أنبأ به، كما اذا سمعه من اللّه بلا واسطة، فكما يتصوّر للحكم المسموع من المولى أن يوافقه التزاماً أو لا يوافقه فكذلك في ما ثبت له بواسطة النبيّ الذي يعتقد بنبوّته و يبني على تصديقه) . تسديد الأصول، ج2، ص: 28.
وظاهره أن الموافقة الالتزامية هي الخضوع القلبي وهو غير الاعتقاد بأن ما صدر من النبي (صلى الله عليه و آله) من الله، ولعل مراده تقوُّم الاعتقاد بالنبوة بالاعتقاد الإجمالي، وعدم لزوم الاعتقاد التفصيلي وعبر عنه بالخضوع القلبي مقابل الاستكبار.
[ ما هي الموافقة الإلتزاميّة ]
وفي تحديد الموافقة الالتزامية احتمالات حتى قال المحقق الإيرواني (رحمه الله): (لا أعلم ما المراد من الموافقة الالتزاميّة؟ أ هو العلم والإذعان بالأحكام الشرعيّة فكان إيجابها عبارة أخرى عن إيجاب معرفة الأحكام وتحصيل العلم بها، أم هو التصديق بحقّيّة أحكام الشرع والإذعان بأنّها من قبل اللّه تعالى، أم هو البناء والعزم على امتثال الأحكام بالإتيان بالواجبات وترك المحرّمات، أم هو الإتيان بالواجبات رغبة إليها و حبّا لها و ترك المحرّمات رغبة عنها وبغضا لها، أم هو الإتيان بالواجبات لوجوبه وترك المحرّمات لحرمته، أم هو الالتزام وعقد القلب بوجوب الواجبات وحرمة المحرّمات؟ و كلّ ما عدا الأخير ينبغي القطع بعدم إرادتهم له. و الأخير لا معنى محصّل له، بل يوشك أن يكون من قبيل ما قالته الأشاعرة من الكلام النفسي. و عليه يكون لكلّ تكليف امتثالان، واحد قائم بالجنان و أخر بالجوارح) . الأصول في علم الأصول ؛ ج2 ؛ ص224.
[ لا تكون المسألة عقَديّة إلّا بوجود دليل شرعيّ ]
لزوم وجود دليل على أن المسألة عقدية:
وكيف ما كان، فإن إثبات كون المسألة عقدية بعد العلم، أي: كونها من القسم الثاني؛ يتوقف على وجود دليل شرعي، إذ العقل لا يثبته، و مع فقد الدليل الشرعي تجري البراءة، ولا يمكن التمسك بنفس أدلة الأحكام، لأنها تدل على طلب المادة، قال السيد الخوئي (رحمه الله): (التحقيق: عدم وجوب الموافقة الالتزاميّة، إذ لم يدل عليه دليل من الشرع ولا من العقل. أمّا الأدلّة الشرعية، فظاهرها البعث نحو العمل والإتيان به خارجاً، لا الالتزام به قلباً. و أمّا العقل، فلا يدلّ على أزيد من وجوب امتثال أمر المولى، فليس هناك ما يدلّ على لزوم الالتزام قلباً). مصباح الاصول : ج2 ص 52.
و لا يخفى أنّ البحث في مطلوبية الإيمان في مسألة ما له رتبتان:
1ـ أصل طلب الاعتقاد.
2ـ دخالة الاعتقاد في الإسلام أو الإيمان.
وهذا من الأبحاث التي ينبغي أن يعنون لها بحث مستقل، فهل كل عقيدة واجبة، وعلى الثاني فهل كل عقيدة ركن في الإيمان؟
[ هل كلّ عقيدة واجبة ]
كما لا يمكن التمسك بدليل ثبوت الأمر المعرفي كعلم المعصوم بالغيب أو ثبوت حق التشريع، لأنه يدل على ثبوت المضمون لا طلب الاعتقاد به، وعليه، فإذا قيل بلزوم الموافقة الالتزامية، فلا بدّ من دليل على ذلك، ولن نخوض في دليل عدم ثبوت كون كثير من المسائل التي أخبر بها النبي (صلى الله عليه و آله) من العقائد ولو كانت قطعية كأصول الفروع، وإن كان يبدو من الواضحات، فإن العقائد قسم خاص من مسائل الدين، ولعله لهذا بعد أن بحث الشيخ (رحمه الله) في الفرائد حجية الظن في الفروع عقد بحثاً مستقلاً للبحث عن حجية الظن في العقائد، وجعل محور الطلب فيها الاعتقاد، في مقابل الفروع التي لا يُطلب فيها أوّلاً وبالذات إلا العمل. فرائد الأصول : ج1 ص 371.
ولهذا قال الطباطبائي اليزدي: ( قال: قوله: وهي الّتي لا يُطلب فيها أوّلاً و بالذّات اه.
أقول: وعلى هذا فيفسّر الفروع التي تقابلها بما لا يطلب فيها أوّلا وبالذّات الاعتقاد وهي شاملة لأصول الفقه وفروعه، ويفرق بينهما بتخصيص الأولى بما يتعلّق بأحوال الأدلّة و الثّانية بما يتعلّق بأحوال التّكاليف). وسيلة الوسائل في شرح الرسائل: ص162.
ونقض السيد اليزدي (رحمه الله) على من يقول بلزوم الاعتقاد في جميع المعارف بالفروع بقوله: (وربما يُقال بوجوب معرفة جميع المعارف من باب وجوب الاعتقاد بجميع ما جاء به النبي (صلى اللّه عليه و آله).
و فيه: أنّ هذا المعنى لا يختص بالأصول بل يجب الاعتقاد بما جاء به النبي (صلى اللّه عليه و آله) في الفروع أيضا، مضافاً إلى أنّ هذا لا يلازم معرفة التفاصيل، بل يكفي اعتقاد العنوان الإجمالي وهو الاعتقاد بمجموع ما جاء به النبي (صلى اللّه عليه و آله) كائنا ما كان)، حاشية فرائد الأصول، ج1، ص: 668.
فكأنه يرى وضوح عدم كون صدور الفروع من العقيدة، ويشهد لهذا أن (ما جاء به النبي (صلى الله عليه و آله )) ذكر في سياق ذكر التوحيد والنبوة الخاصة، وجعل من دعائم الإسلام، فما وجه تقييده بالعلم؟ ولماذا لا يلزم بكفر من لم يعتقد مطلقاً؟ وإذا قيل ضرورة الدين. قيل: قد التزم بعضٌ بأنّ منكر الضرورة كافر، فليخرج من ضرورة الإسلام الجهل بها لوقوع الخلاف فيها، على أنه لو قيل بالإسلام، فلماذا لا يقال بعقاب الجاهل القاصر مرتين.. مرة على ترك الاعتقاد، وأخرى على ترك العمل، ومسألة طلب الاعتقاد وراء العمل مع كون الاعتقاد فعلاً اختياريّاً غير اليقين و التصديق والخضوع و التسليم واظهار المتابعة وعدم الانكار والتعالي؛ مسألة عامة البلوى، وهذا يقتضي شيوع حكمها ووضوحه بين الأعلام، ولا أثر لهذا الوضوح حتى قيل إن المعروف المشهور عدم وجوب الموافقة الالتزامية.
[ هل يجب العلم بتفاصيل العقائد ؟ ]
كلام الشيخ الأعظم(رحمه الله):
ذكرت عدة أدلة على كون بعض الأمور من العقائد بعد العلم بها، وذكر الشيخ (رحمه الله) الفرائد: ج1 ص 373 أدلة على وجوب تحصيل العلم هنا ـأيضاًـ كما في القسم الأول من العقائد في قوله: ( نعم يمكن أن يقال: إن مقتضى عموم وجوب المعرفة...)، وذكر أدلة وجوب المعرفة، والتفقه في الدين، وطلب العلم، ثم ذكر أن الانصاف ممّن جانب الاعتساف هو اشتراط ذلك بالتمكن، وهو لا يكون إلا الأوحدي من الناس من تحصيل العلم في ما يسمى بتفاصيل العقائد، وهذا هو المجتهد الذي يحرم عليه التقليد في الفروع، وكأنه أراد بيان أن إيجاب تحصيل العلم في تفاصيل العقائد على العامي المقلد فيه، أنه يلزم أن يكون ما فرض عامياً مجتهداً ومثله لا يقلد، وحيث كان أغلب الناس غير قادرين على تحصيل العلم في تفاصيل العقيدة، فلا بد حمل أدلة وجوب المعرفة والتفقه في الدين وطلب العلم على غير ذلك، وكأنه فرار من لزوم تخصيص الأكثر، وهذا يعتمد على مبناه في القبيح من تخصيص الأكثر، لأن الخارج هنا أكثر الأفراد بعنوان واحد، ولكنه انتهى إلى عدم وجوب تحصيل العلم فيها،
[ هل الاعتقاد بالتفاصيل داخل في عنوان الإسلام والإيمان ]
كما –الشيخ الأنصاريّ- انتهى إلى عدم وجود دليل على اعتبار الاعتقاد بالتفاصيل بعرضها العريض في الإسلام و الإيمان، بل استدل على العدم بعدة روايات وهي رواية سليم بن قيس وأبي بصير ومحمد بن سالم وصحيحتي عيسى بن السري، مع أنه ورد فيهما، وإسماعيل، ثم قال مبيناً ما يراه داخلاً في الإيمان: (والمستفاد من هذه الأخبار المصرحة بعدم اعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها في الدين - وهو الظاهر أيضاً من جماعة من علمائنا الأخيار، كالشهيدين في الألفية وشرحها، والمحقق الثاني في الجعفرية، وشارحها، وغيرهم- هو: أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجوداً واجب الوجود لذاته، والتصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلى صفتي العلم والقدرة، ونفي الصفات الراجعة إلى الحاجة والحدوث، وأنه لا يصدر منه القبيح فعلاً أو تركاً...ويكفي في معرفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به، والتصديق بنبوته وصدقه، فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته، أعني كونه معصوماً بالملكة من أول عمره إلى آخره. قال في المقاصد العلية: (ويمكن اعتبار ذلك، لأن الغرض المقصود من الرسالة لا يتم إلّا به، فينتفي الفائدة التي باعتبارها وجب إرسال الرسل...).
وبالجملة: فالقول بأنه يكفي في الإيمان الاعتقاد بوجود الواجب الجامع للكمالات المنزه عن النقائص وبنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وبإمامة الأئمة (عليهم السلام)، والبراءة من أعدائهم والاعتقاد بالمعاد الجسماني الذي لا ينفك غالبا عن الاعتقادات السابقة، غير بعيد، بالنظر إلى الأخبار والسيرة المستمرة. وأما التدين بسائر الضروريات، ففي اشتراطه، أو كفاية عدم إنكارها، أو عدم اشتراطه أيضاً، فلا يضر إنكارها إلا مع العلم بكونها من الدين ، وجوه أقواها الأخير، ثم الأوسط) الفرائد ج 1 ص 377 ـ 380. .
وما ذكره في آخر كلامه هو محل البحث والمهم هنا، وهو يشتمل على ثلاثة أمور:
1ـ ثبوت كون نسبة الضروريات غير أصول الدين والإيمان إلى الله من العقائد.
2ـ أنه من العقائد في حق العالم.
3ـ ليس من العقائد في حق الجاهل.
و نحن لا ننكر أن بعض ما عدّه من الأصول عقائد، وهو ما ورد فيه الإيمان كما في آيتي 136 من سورة النساء و 284 من سورة البقرة ، و ما ورد في الرجعة، والقضاء والقدر، ولكن المطلوب ليس هذا، وإنما إثبات وجود دليل عام يثبت وجوب الاعتقاد في كل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله ) عن الله، ولو على تقدير العلم، وما يعطيه التأمل في كلام الشيخ (رحمه الله) هو إن دليله روايات ( الإقرار)، وهذا ما بينه بقوله: (ويكفي في التصديق بما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): التصديق بما علم مجيئه به متواتراً، من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات والسؤال في القبر وعذابه والمعاد الجسماني والحساب والصراط والميزان والجنة والنار إجمالاً، مع تأمل في اعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسماني من هذه الأمور في الإيمان المقابل للكفر الموجب للخلود في النار، للأخبار المتقدمة المستفيضة، والسيرة المستمرة، فإنا نعلم بالوجدان جهل كثير من الناس بها من أول البعثة إلى يومنا هذا.
ويمكن أن يقال: إن المعتبر هو عدم إنكار هذه الأمور وغيرها من الضروريات، لا وجوب الاعتقاد بها، على ما يظهر من بعض الأخبار، من أن الشاك إذا لم يكن جاحدا فليس بكافر، ففي رواية زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): " لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا، لم يكفروا " ، ونحوها غيرها.
ويؤيدها: ما عن كتاب الغيبة للشيخ (قدس سره) بإسناده عن الصادق (عليه السلام): " إن جماعة يقال لهم الحقية، وهم الذين يقسمون بحق علي ولا يعرفون حقه وفضله، وهم يدخلون الجنة ".
وبالجملة: فالقول بأنه يكفي في الإيمان الاعتقاد بوجود الواجب الجامع للكمالات المنزه عن النقائص وبنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وبإمامة الأئمة (عليهم السلام)، والبراءة من أعدائهم والاعتقاد بالمعاد الجسماني الذي لا ينفك غالبا عن الاعتقادات السابقة، غير بعيد، بالنظر إلى الأخبار والسيرة المستمرة. وأما التدين بسائر الضروريات، ففي اشتراطه، أو كفاية عدم إنكارها، أو عدم اشتراطه أيضا، فلا يضر إنكارها إلا مع العلم بكونها من الدين، وجوه أقواها الأخير، ثم الأوسط) الفرائد: ج1 ص379 ـ 380.
والظاهر منه: هو إن الواجب التصديق بما علم، ولا يكفر من لم يعلم، ودليل الأول الأخبار، والثاني السيرة القطعية القائمة على إسلام من لم يؤمن جهلاً، ثم ذكر احتمال مانعية الانكار مطلقاً مع عدم اشتراط الاعتقاد، ومانعية الانكار مع العلم مع عدم اشتراط الاعتقاد، وقال الأقوى الأخير، وعليه فهو لا يرى سائر الضروريات من العقائد ، وإنما انكارها عن علم يوجب الكفر ، ولعله لاستلزام تكذيب النبي (صلى الله عليه و آله) كما ذكر جملة من المتأخرين عنه.
الاستدلال على وجوب الاعتقاد التفصيلي العام بعد العلم
وقد يتمسك بدليلين لإثبات أنه متى ما ثبت شيء عن النبي (صلى الله عليه و آله) ولو بواسطة الحجج (عليهم السلام) يكون انتسابه إلى الله تعالى عقيدة يجب عقد القلب عليها بعدّة أدلة:
الدليل الأوّل: روايات الإقرار، وهي عدة روايات، ومنها:
1ـ ما في كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرميّ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَارُونُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّلَّعُكْبَرِيُّ أَيَّدَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الدِّهْقَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَزْدِيُّ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ الْقَاسِمِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ شُعَيْبٍ السَّبِيعِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: دَخَلَ عَلَى أَبِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) رَجُلٌ وَ كَانَتْ مَعَهُ صَحِيفَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ وَأَشْيَاءُ فِيهَا تُشْبِهُ الْخُصُومَةَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَذِهِ صَحِيفَةُ رَجُلٍ مُخَاصِمٍ يَسْأَلُنِي عَنِ الدِّينِ الَّذِي يَقْبَلُ اللَّهُ فِيهِ الْعَمَلَ.
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: رَحِمَكَ اللَّهُ هَذَا الَّذِي أُرِيدُ، فَطَوَاهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَوَلَايَتُنَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ عَدُوِّنَا، وَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِنَا، وَ التَّوَاضُعُ وَالْوَرَعُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، وَانْتِظَارُ قَائِمِنَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصُرَنَا، نَصَرَنَا. الأصول الستة عشر (ط - دار الحديث) ؛ ص233.
واعتبار هذه الرواية ينبني على حجية الأصول التي ظفر بها المتأخرون، وأحمد بن زيد مجهول، ومثله جعفر بن محمد بن شريح .
2ـ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أَعْرِضُ عَلَيْكَ دِينِيَ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ؟
قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ.
قَالَ: فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّ عَلِيّاً كَانَ إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ الْحَسَنُ إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ الْحُسَيْنُ إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ هَذَا دِينُ اللَّهِ وَ دِينُ مَلَائِكَتِهِ. الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج1 ؛ ص188. .
والرواية ضعيفة على المشهور.
3ـ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَجْلَانَ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أَوْقِفْنِي عَلَى حُدُودِ الْإِيمَانِ.
فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَصَلَوَاتُ الْخَمْسِ وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحِجُّ الْبَيْتِ وَوَلَايَةُ وَلِيِّنَا وعَدَاوَةُ عَدُوِّنَا وَالدُّخُولُ مَعَ الصَّادِقِينَ . الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج2 ؛ ص18.
والرواية صحيحة. و نقلها في الوافي بالنحو التالي: 1693- 1 الكافي، 2/ 18/ 2/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن عجلان أبي صالح قال قلت لأبي عبد اللَّه (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أوقفني على حدود الإيمان.
فقال: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) والإقرار بجميع ما جاء به من عند اللَّه وصلوات الخمس وأداء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وولاية ولينا وعداوة عدونا والدخول مع الصادقين . الوافي ؛ ج4 ؛ ص87 فلم يثبت وقوع لفظ ( جميع).
4ـ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ السَّرِيِّ أَبِي الْيَسَعِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أَخْبِرْنِي بِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ الَّتِي لَا يَسَعُ أَحَداً التَّقْصِيرُ عَنْ مَعْرِفَةِ شَيء مِنْهَا، الَّذِي مَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ شَيءٍ مِنْهَا فَسَدَ دِينُهُ وَ لَمْ يَقْبَلِ [اللَّهُ] مِنْهُ عَمَلَهُ وَمَنْ عَرَفَهَا وَعَمِلَ بِهَا صَلَحَ لَهُ دِينُهُ وَقَبِلَ مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَمْ يَضِقْ بِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ لِجَهْلِ شيء مِنَ الْأُمُورِ جَهِلَهُ.
فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَحَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ الزَّكَاةُ وَالْوَلَايَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهَا وَلَايَةُ آلِ مُحَمَّدٍ ص.
قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ فِي الْوَلَايَةِ شيء دُونَ شيء، فَضْلٌ يُعْرَفُ لِمَنْ أَخَذَ بِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): مَنْ مَاتَ وَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَكَانَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَكَانَ عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَقَالَ الْآخَرُونَ كَانَ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ كَانَ الْحَسَنَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ثُمَّ كَانَ الْحُسَيْنَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَ قَالَ الْآخَرُونَ- يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَلَا سَوَاءَ وَ لَا سَوَاءَ، قَالَ ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ أَزِيدُكَ؟
فَقَالَ لَهُ حَكَمٌ الْأَعْوَرُ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ.
قَالَ: ثُمَّ كَانَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ثُمَّ كَانَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ وَ كَانَتِ الشِّيعَةُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَنَاسِكَ حَجِّهِمْ وَحَلَالَهُمْ وَحَرَامَهُمْ حَتَّى كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفَتَحَ لَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ مَنَاسِكَ حَجِّهِمْ وَحَلَالَهُمْ وَحَرَامَهُمْ حَتَّى صَارَ النَّاسُ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى النَّاسِ وَهَكَذَا يَكُونُ الْأَمْرُ وَالْأَرْضُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِإِمَامٍ وَمَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَأَحْوَجُ مَا تَكُونُ إِلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ إِذْ بَلَغَتْ نَفْسُكَ هَذِهِ وَ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ وَانْقَطَعَتْ عَنْكَ الدُّنْيَا تَقُولُ لَقَدْ كُنْتُ عَلَى أَمْرٍ حَسَنٍ. الكافي (ط - الإسلامية)، ج2، ص: 20 .
والرواية صحيحة.
5ـ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عِيسَى بْنِ السَّرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): حَدِّثْنِي عَمَّا بُنِيَتْ عَلَيْهِ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ إِذَا أَنَا أَخَذْتُ بِهَا زَكَى عَمَلِي وَلَمْ يَضُرَّنِي جَهْلُ مَا جَهِلْتُ بَعْدَهُ.
فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَحَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالْوَلَايَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا وَلَايَةُ آلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } فَكَانَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ثُمَّ صَارَ مِنْ بَعْدِهِ الْحَسَنُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ الْحُسَيْنُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ هَكَذَا يَكُونُ الْأَمْرُ، إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِإِمَامٍ وَمَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُهُ هَاهُنَا قَالَ وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ يَقُولُ حِينَئِذٍ لَقَدْ كُنْتُ عَلَى أَمْرٍ حَسَنٍ. الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج2 ؛ ص21.
والرواية صحيحة ولعلها متحدة مع السابقة ولكن مع اختصار.
6ـ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عِيسَى بْنِ السَّرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): حَدِّثْنِي عَمَّا بُنِيَتْ عَلَيْهِ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ إِذَا أَنَا أَخَذْتُ بِهَا زَكَى عَمَلِي وَلَمْ يَضُرَّنِي جَهْلُ مَا جَهِلْتُ بَعْدَهُ.
فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَحَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالْوَلَايَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا وَلَايَةُ آلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ { أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فَكَانَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ثُمَّ صَارَ مِنْ بَعْدِهِ- الْحَسَنُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ الْحُسَيْنُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ هَكَذَا يَكُونُ الْأَمْرُ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِإِمَامٍ وَمَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُهُ هَاهُنَا قَالَ وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ يَقُولُ حِينَئِذٍ لَقَدْ كُنْتُ عَلَى أَمْرٍ حَسَنٍ. الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج2 ؛ ص21.
وهي كالسابقتين، بل هي مع تغيير .
7ـ عَنْهُ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ تَعْرِفُ مَوَدَّتِي لَكُمْ وَانْقِطَاعِي إِلَيْكُمْ وَمُوَالاتِي إِيَّاكُمْ، قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً تُجِيبُنِي فِيهَا فَإِنِّي مَكْفُوفُ الْبَصَرِ قَلِيلُ الْمَشْيِ وَلَا أَسْتَطِيعُ زِيَارَتَكُمْ كُلَّ حِينٍ قَالَ هَاتِ حَاجَتَكَ.
قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِدِينِكَ الَّذِي تَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ لِأدِينَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ.
قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ فَقَدْ أَعْظَمْتَ الْمَسْأَلَةَ، وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ دِينِي وَدِينَ آبَائِيَ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَالْإِقْرَارَ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَالْوَلَايَةَ لِوَلِيِّنَا وَالْبَرَاءَةَ مِنْ عَدُوِّنَا وَالتَّسْلِيمَ لِأَمْرِنَا وَانْتِظَارَ قَائِمِنَا وَالِاجْتِهَادَ وَ الْوَرَعَ. الكافي (ط - الإسلامية)، ج2، ص: 22.
والرواية ضعيفة.
8ـ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ آدَمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: ... ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ عِيسَى ع بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ جَعَلَ لَهُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً فَهَدَمَتِ السَّبْتَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ أَنْ يُعَظِّمُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَ عَامَّةَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ السَّبِيلِ وَ السُّنَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى فَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ سَبِيلَ عِيسَى أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ وَ إِنْ كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّونَ جَمِيعاً أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً.
ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص وَ هُوَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ فَلَمْ يَمُتْ بِمَكَّةَ فِي تِلْكَ الْعَشْرِ سِنِينَ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ إِيمَانُ التَّصْدِيقِ وَ لَمْ يُعَذِّبِ اللَّهُ أَحَداً مِمَّنْ مَاتَ وَ هُوَ مُتَّبِعٌ لِمُحَمَّدٍ ص عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ بِالرَّحْمَنِ وَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَكَّةَ: { وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً } إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: { إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } أَدَبٌ وَ عِظَةٌ وَ تَعْلِيمٌ وَ نَهْيٌ خَفِيفٌ وَ لَمْ يَعِدْ عَلَيْهِ وَ لَمْ يَتَوَاعَدْ عَلَى اجْتِرَاحِ شيء مِمَّا نَهَى عَنْهُ وَ أَنْزَلَ نَهْياً عَنْ أَشْيَاءَ حَذَّرَ عَلَيْهَا وَ لَمْ يُغَلِّظْ فِيهَا وَ لَمْ يَتَوَاعَدْ عَلَيْهَا الكافي (ط - الإسلامية)، ج2، ص: 30.
والرواية ضعيفة.
ولا شكّ في اعتبار بعضها وقد يُدّعى حصول الوثوق به مع تعدد الأخبار بهذا النحو، و إنما الكلام في الدلالة، إذ التمسك بهذه الأخبار لإثبات أن الاعتقاد ثابت في كل ما جاء به النبي (صلى الله عليه و آله ) يتوقف على معالجة أمور:
[ تعارض الروايات في تحديد معنى الإيمان ]
الأمر الأول: تعارض الروايات.
قال في بحر الفوائد: (لا يخفى عليك اختلاف الأخبار الواردة في تحديد الإيمان و تفسيره و شرحه و بيان أقلّ ما يُكتفى به من مراتبه ممّا نقله شيخنا قدس سره في الكتاب، و ما طوى ذكره ممّا هو قريب منه، بل لعلّها متعارضة بظواهرها في ابتداء النّظر، فلا بدّ من التكلّم فيه ورفعه.
ولا بدّ من أن يُعلم، أوّلا: أنّ الإيمان لمّا كان موضوعا للأحكام الشّرعية الدّنيوية و الآثار الأخروية ولم يكن للعقل و لا لغيره مدخل فيه فلا بدّ من أن يرجع في تحقيق المراد منه إلى بيانات الشّارع، و من هنا وقع السّؤال عنه في الأخبار إذا عرفت ذلك، فأقول:
إنّ اختلاف الأخبار أمر ظاهر لا يحتاج إلى البيان أصلا لمن راجعها حيث إنّ في بعضها اقتصر على معرفة اللّه تعالى و معرفة النّبي صلى اللّه عليه و آله و الشّهادة بالتّوحيد و النّبوة.
وفي بعضها أضاف معرفة الإمام عليه السلام كما في رواية قيس وجملة منها، والمراد بالإقرار بالطّاعة فيها الإشارة إلى عدم كفاية مجرّد المعرفة القبليّة واعتبار الإقرار اللّساني بما اعتقده في الإيمان و يُحتمل ضعيفا إرادة الإذعان بلزوم الطّاعة الّذي هو لازم المعرفة .
وفي آخر اعتبار الإقرار بما جاء به النّبي صلى اللّه عليه و آله من عند اللّه كما في غير واحد منها، و في ثالث اعتبار البراءة من أعداء آل محمّد صلوات اللّه عليهم كما في رواية إسماعيل و في رابع اعتبار إقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة و صوم شهر رمضان و الحجّ كما في رواية أبي بصير و مقتضى العلاج و إن كان الأخذ بما كان مشتملا على ما لا يشتمل عليه غيره لرجوع التّعارض إلى العموم و الخصوص أو الإطلاق و التّقييد، إلّا أنّ من الواضح إباءها عن الجمع المذكور لورودها في مقام البيان و التّحديد، فيلزم تأخير البيان اللّازم، فلا بدّ من الجمع بوجه آخر بحيث يرفع الاختلاف و التّعارض بينها)، بحر الفوائد في شرح الفرائد ( طبع جديد )، ج4، ص: 115.
أقول: لم يذكر فيه الإقرار فيما رواه في الكافي: (علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن علي ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترض الله عز وجل على العباد، مالا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟
فقال: أعد علي فأعاد عليه.
فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت من استطاع إليه سبيلا وصوم شهر رمضان، ثم سكت قليلا، ثم قال: والولاية - مرتين-.
ثم قال: هذا الذي فرض الله على العباد ولا يسأل الرب العباد يوم القيامة فيقول ألا زدتني على ما افترضت عليك؟ ولكن من زاد زاده الله، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سن سننا حسنة جميلة ينبغي للناس الاخذ بها).
ولكن هذه الرواية ـ مع انصراف الريب إليها إن قلنا بإفادة معارضها الوثوق ـ ضعيفة بصالح بن السندي فإنه لم يوثق.
فإن قلت : تعضدها روايات تقوم الإسلام بالشهادتين.
قلت : مورد هذه الروايات رتبة خاصة من الإسلام ، وهي المتقومة بالولاية و ما أخذ شرط في قبول العمل ، و روايات تقوم الإسلام بالشهادتين ناظرة إلى الحكم بالإسلام مع اعلان الشهادتين، وهو ما يعبر عنه بالإسلام الفقهي أو الظاهر.
وأجاب في بحر الفوائد بقوله: (وأمّا اعتبار الإقرار بما جاء به النّبي صلى اللّه عليه و آله في غير واحد من الأخبار، فلا ينافي ما لا يشتمل عليه لعدم انفكاك تصديق النّبي (صلى اللّه عليه و آله) في نبوّته عن الإقرار بما جاء به، فإنّ المراد من الإقرار بما جاء به من عند اللّه كونه صادقا فيما يخبر به من عند اللّه و هو معنى تصديقه في نبوّته و يحتمل قريبًا أن يراد منه الإقرار بنفس ما جاء به أصولاً و فروعاً و كونه من عند اللّه تعالى على وجه التّفصيل بعد ثبوته، فيرجع إلى الاعتقاد بالنّبوة و الإقرار بها و إن اختلفا بالإجمال و التّفصيل على ما عرفت الإشارة إليه كما هو واضح)، بحر الفوائد في شرح الفرائد ( طبع جديد )، ج4، ص: 116. .
وحاصله: يرجع إلى أمرين :
الأول: هو عدم ذكر الإقرار للاستغناء عنه بذكر فقرة (وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)) ؛ فإن معنى الإقرار بما جاء به أنه صادق .
الثاني: هو عدم ذكر الإقرار للاستغناء عنه كذلك؛ لأنه وإن أُريد بالإقرار تصديق ما بلغه النبي وأنه من الله تعالى إلا أن هذا من شؤون النبوة ، والاعتقاد بالنبوة و اعتقاد بها.
وفيه :
أولاً: أن ما ذكره خلاف الظاهر، ومن المستبعد أن يكون قيد (والإقرار بما جاء به) مجرّد الاعتقاد بصدق النبي (صلى الله عليه و آله) في دعوى النبوة، وإلا فلماذا تكرار ذكره في الأخبار المتعددة؟! فالظاهر أنه قيد وراء النبوة.
وثانياً: تفسيره الإقرار بعقد القلب الإجمالي أو التفصيلي لا يقتضي أن يكون عين الاعتقاد بالنبوة، فإنه ما دام المرء يعتقد بأن النبي صدق في دعوى النبوة، و لا يكذب في كل ما يقول، فسوف يكون معتقداً بالنبوة، حتى لو أنه علم بإخبار النبي عن وجوب الصلاة، ولم يعقد قلبه على صدور وجوب الصلاة عن الله، ولكن بشرط أن لا يشك أو يتيقن بعدم صدور الحكم و أن لا يعتقد قلبه على الكذب .
فالصحيح في علاج المعرضة ما ذكرناه من ضعف المعارض، نعم، قد يقال بمعرضة بناء الإسلام على خمس مع ذكر الولاية لهذه الروايات لأن نظرها إلى شيء واحد وهو ما بني عليه الإسلام كالخبر الذي رواه أَبِو حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْوَلَايَةِ وَ لَمْ يُنَادَ بِشَيْءٍ كَمَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ) الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج2 ؛ ص18. ، وذلك لأنه ورد في هذه الأخبار (وْقِفْنِي عَلَى حُدُودِ الْإِيمَانِ) ، و (أَخْبِرْنِي بِدَعَائِمِ الْإِسْلَام) ، و (عَمَّا بُنِيَتْ عَلَيْهِ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ إِذَا أَنَا أَخَذْتُ بِهَا زَكَى عَمَلِي وَ لَمْ يَضُرَّنِي جَهْلُ مَا جَهِلْتُ بَعْدَهُ) ، و الولاية من حدود الإيمان ، فيراد شيء واحد في الطائفتين ، هو الإسلام الذي هو شرط قبول العمل ، وحيت إنها في مقام التحديد تتعارض كما ذكر في بحر الفوائد.
ولا يحتمل نظر طائفة إلى ما بني عليه الإسلام ، و أخرى إلى ما بنيت عليه دعائم الإسلام، لأن الولاية و الزكاة ذكرت فيما بني علبيه الإسلام فهي من دعائمه و أركانه ، وفي حدود الإيمان و ما بنيت عليه دعائم الإسلام في رواية عجلان أبي صالح و السري أبي اليسع، وقد عبر في بعض الروايات عن الخمسة بدعائم الإسلام أمالي الصدوق : 161..
و في رواية أبي بصير قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال له سلام : إن خيثمة ابن أبي خيثمة يحدثنا عنك أنه سألك عن الاسلام فقلت له: إن الاسلام من استقبل قبلتنا وشهد شهادتنا ونسك نسكنا ووالى ولينا وعادى عدونا فهو مسلم فقال: صدق خيثمة، قلت: وسألك عن الايمان فقلت: الايمان بالله والتصديق بكتاب الله وأن لا يعصي الله، فقال: صدق خيثمة.
[ عدم دلالة الروايات على وجوب الاعتقاد في التفاصيل ]
الأمر الثاني: هو إن الروايات تتحدث عن حدود الإيمان وما بني عليه دعائم الإسلام، و شرط قبول العمل، ففيها (وْقِفْنِي عَلَى حُدُودِ الْإِيمَانِ) ، و (أَخْبِرْنِي بِدَعَائِمِ الْإِسْلَام) ، و (عَمَّا بُنِيَتْ عَلَيْهِ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ إِذَا أَنَا أَخَذْتُ بِهَا زَكَى عَمَلِي وَ لَمْ يَضُرَّنِي جَهْلُ مَا جَهِلْتُ بَعْدَهُ)، وذكرت ( الإقرار بما جاء به عن الله)، وقد فسر بما يشمل الاعتقاد بنسبة كل حكم أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله ) ، ومن ذلك وجوب الصلاة، و الزكاة، والحج ، و الصوم، فلا بد على هذا أن يكون المقصود من (وَ صَلَوَاتُ الْخَمْسِ وَ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ حِجُّ الْبَيْتِ) ، و( حَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ الزَّكَاةُ ) ؛ غير أحكامها، وإنما الأداء نفسه، وهذا ما يقطع بأنه ليس من الإيمان و أركان الإسلام .
فإن قلت: لعل عطف المذكورات على (الإقرار بما جاء به عن الله) من ذكر المصاديق، والخاص بعد العالم ، و المقصود الاعتقاد بأحكامها .
قلت: هذا أولاً: خلاف ظاهر إرادة ذات المذكورات بلا تقدير .
وثانياً: لو قيل القرينة اللبية تعين التقدير فإنه يُقال: إن هذا لا ينسجم مع عطف الولاية ، كما في ( وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ صَلَوَاتُ الْخَمْسِ وَ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ حِجُّ الْبَيْتِ وَ وَلَايَةُ وَلِيِّنَا وَ عَدَاوَةُ عَدُوِّنَا وَ الدُّخُولُ مَعَ الصَّادِقِينَ) ، و لا شك في أن الولاية نفسها من الأصول العقدية لا الاعتقاد بثبوت الأمر بها.
والحاصل : هو إن الظاهر من هذه الروايات عد بعض الأعمال من دعائم الإيمان ، وهذا ما لا يلتزم به .
نعم ، قد يقال بالتفكيك في الحجية برفع اليد عن هذه الفقرات ، مع الإبقاء على (الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).
[ ما هو المراد بالإقرار ]
الأمر الثالث: وهو مهم جدّاً، وهو في تحديد المراد من الإقرار، فإن الاستدلال بهذه الأخبار على أن كل ما جاء به النبي ( صلى الله عليه و آله) بعنوانه الخاص من العقائد بعد العلم به يتوقف على تفسير (الإقرار) بالاعتقاد الموجود في التوحيد والنبوة والإمامة، وهذا غير بين ولا مبين.
وفي اللغة لعل أقل إقرار الثبوت، ثم استعمل في كل إثبات بالقلب أو اللسان، ففي كتاب العين؛ ج5، ص: 22 : و ما يَتَقَارُّ في مكانه و يَقَرُّ أي ما يَسْتَقِرُّ. و الإِقْرَارُ: الاعتراف بالشيء.
وفيه ج2، ص: 121 : و الاعْتِرَاف: الإقرار بالذنب.
وفيه ج3، ص: 72 : الجُحُود: ضد الإقرار كالإنكار و المعرفة.
وفي المحيط في اللغة؛ ج5، ص: 207: و قَرَرْتُ بالمَكانِ، و قَرِرْتُ [مِثْلُه] . [و قُرَّةُ العَيْشِ: خَفْضُه. و القَرَارُ: المُسْتَقرُّ من الأرض] . و الإِقْرَارُ: فِعْلُكَ به. و القارُّ: الساكِنُ. و قَرَرْتُ الكلامَ في أُذُنِه أقُرُّه قَرّاً. و في المَثَلِ في التَّجَنّي [قَوْلُهم]: «ابْدَأْهُم بالصُّرَاخ يَقرُّوا» أي يَسْكُنوا. و الإِقْرَارُ: الاعْتِرافُ بالشيء.
وفي الصحاح - تاج اللغة و صحاح العربية؛ ج2، ص: 791: و تقرِيرُ الإنسان بالشيء: حمله على الإقرارِ به. و تَقْرِيرُ الشيء: جعله في قَرَارِهِ.
وفي معجم مقائيس اللغة؛ ج1، ص: 426: و من هذا الباب الْجُحود، و هو ضدّ الإِقرار، و لا يكون إلَّا مع علم الجاحد به أنّه صحيح. قال الله تعالى: {وَ جَحَدُوا بها واستيقنتها أَنْفُسُهُمْ}.
وفي مفردات ألفاظ القرآن؛ ص: 662: و الإِقْرَارُ: إثبات الشيء، قال: {وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ} [الحج/ 5]، و قد يكون ذلك إثباتا، إمّا بالقلب، و إمّا باللّسان، و إمّا بهما، و الإقرار بالتّوحيد و ما يجري مجراه لا يغني باللّسان ما لم يضامّه الإقرار بالقلب، و يضادّ الإقرار الإنكار، و أمّا الجحود فإنما يُقال فيما ينكر باللّسان دون القلب، و قد تقدّم ذكره ، قال: { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } [البقرة/ 84]، { ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا } [آل عمران/ 81].
وقال في مصطلحات الفقه؛ ص: 82: الإقرار في اللغة الإثبات و الإسكان من قولك قرّ الشيء إذا سكن و ثبت، و أقر الشيء أسكنه و أثبته، و الإقرار بالحق الاعتراف به لأنه إثبات له في الظاهر، و في المفردات الإقرار إثبات الشيء قال تعالى (وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ) و يكون ذلك إثباتا أمّا بالقلب و أما باللّسان و أمّا بهما، و الإقرار بالتوحيد و ما يجري مجراه لا يغني باللسان ما لم يضامّه الإقرار بالقلب، و يضاد الإقرار الإنكار، و اما الجحود فإنما يقال فيما ينكر باللسان دون القلب انتهى هذا بحسب اللغة.
وفي أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ( فأما ما فرض على القلب من الإيمان: فالإقرار، و المعرفة، و العقد، و الرضا، و التسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، و أن محمدا عبده و رسوله (صلوات الله عليه و على آله)، و الإقرار بما جاء به من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار و المعرفة و هو عمله، و هو قول الله عز و جل: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) البرهان في تفسير القرآن ؛ ج3 ؛ ص456. .
والمقصود من ايرادها مع ضعفها هو ملاحظة الجهة اللغوية في نص قديم وفي كتاب معروف ، وهو الكافي، وقد جعل فيه الإقرار في عرض عقد القلب و التسليم، وجعل وظيفه أخرى غير المعرفة وعقد القلب، ولعل العدول من التعبير بالشهادة أو الإيمان كما في صحيح السري أبي اليسع : (فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) لأجل الفرق بين المطلوب في التوحيد والنبوة ، و (ما جاء به عن الله).
وعلى هذا يكون في المراد من الإقرار في هذه الأخبار عدة محتملات، إذ لم يتعين إرادة خصوص ما هو من سنخ العمل الجوانحي المطلوب في التوحيد والنبوة ، فمثلاً يحتمل أنه:
1ـ الإقرار اللساني
وقد عبر عن الإقرار بالاعتراف وجعل مقابل الإنكار ، ومنه الإقرار في القاعدة المعروفة وباب القضاء، فيكون على العبد أن يقر لساناً بصدق النبي(صلى الله عليه و آله ) في كل ما يخبر به عن الله تعالى إجمالاً أو تفصيلاً، فيكون المعنى ما ذكره الملا صدرا بقوله : (أدين اللّه به أي: اطيعه و اعبده به، فان الدين بمعنى الطاعة، وقوله: و الاقرار بما جاء به، خبر مبتدأ و كذا ما عطف هذا عليه من قول اشهد مع ما يتلوه.
وتقدير الكلام: ديني انه اشهد أن لا إله إلا اللّه و ديني أنه أشهد أن محمدا عبده و رسوله و ديني الإقرار بما جاء به من عند اللّه و ديني أن علياً كذا إلى آخر كلامه، و المراد إن ديني مجموع هذه الأمور لا كل واحد واحد، لأن كل واحد جزء الدين لا تمامه) شرح أصول الكافي (صدرا) ؛ ج2 ؛ ص575. .
وقد ورد في رواية تحف العقول تفسير الإقرار باللساني: (وَ أَمَّا مَعْنَى صِفَةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ الْإِقْرَارُ بِجَمِيعِ الطَّاعَةِ الظَّاهِرِ الْحُكْمِ وَ الْأَدَاءُ لَهُ فَإِذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِجَمِيعِ الطَّاعَةِ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِالْقُلُوبِ فَقَدِ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْإِسْلَامِ وَمَعْنَاهُ وَ اسْتَوْجَبَ الْوَلَايَةَ الظَّاهِرَةَ وَ إِجَازَةَ شَهَادَتِهِ وَ الْمَوَارِيثَ وَ صَارَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذِهِ صِفَةُ الْإِسْلَامِ.
وَفَرْقُ مَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَ الْمُؤْمِنِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِنَّمَا يَكُونُ مُؤْمِناً أَنْ يَكُونَ مُطِيعاً فِي الْبَاطِنِ مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ كَانَ مُسْلِماً وَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ وَ الْبَاطِنِ بِخُضُوعٍ وَ تَقَرُّبٍ بِعِلْمٍ كَانَ مُؤْمِناً فَقَدْ يَكُونُ الْعَبْدُ مُسْلِماً وَ لَا يَكُونُ مُؤْمِناً إِلَّا وَ هُوَ مُسْلِمٌ) تحف العقول: ص 330. .
2ـ الاعتقاد و الإيمان وهو مدّعى المستدل.
3ـ الخضوع القلبي و المتابعة أو التسليم وعدم التكبر.
4ـ التصديق بالثبوت أو معرفة الشيء
ويظهر من قول العين (الجُحُود: ضد الإقرار كالإنكار و المعرفة)، ومقابلة الإنكار للإقرار، وقد استعمل الإنكار في عدم المعرفة في قوله تعالى: { قال إنكم قوم منكرون} سورة الحجر: آية 62، ففي لسان العرب؛ ج5، ص: 88: و الإِقرارُ: الإِذعانُ للحق و الاعترافُ به. فالإذعان يناسب هذا المعنى إذا قصد منه التصديق ، و إلا رجع مع الاعتراف إلى المعنى الأول.
والحاصل: لا يمكن الركون إلى أن المقصود بالإقرار فعل قلبي هو عقد القلب و الإيمان.
[ احتمال وجود قرينة لبية صارفة عن إرادة وجوب الاعتقاد والإيمان بالتفاصيل ]
الأمر الرابع: من المحتمل احتفاف هذه الروايات بقرينة لبيّة توجب حملها على معنى آخر غير كونها في مقام بيان المعتقدات وأركان الإيمان، وهو ما ذكره المحقق الشعراني بقوله: (و الغرض من هذه الاحاديث كما قلنا الرد على المرجئة حيث كان مذهبهم التقريب والمصافاة بين فسّاق بنى امية والمتدينين من رعاياهم عكس مذهب الخوارج حيث كانوا على تشديد العداوة و اثارة البغضاء ليسهل عليهم الخروج على الولاة و توهين ملك بنى امية بتكفيرهم و كان ضرر المرجئة أشد و لذلك قال أمير المؤمنين« ع» لا تقاتلوا بعدى الخوارج فانه ليس من طلب الحق فأخطأ( يشير الى الخوارج) كمن طلب الباطل فأصاب( اشارة الى بنى امية) . شرح الكافي-الأصول و الروضة (للمولى صالح المازندراني)، ج8، ص: 102.
فالرواية في مقام بيان الإيمان المؤثر في النجاة، والمثبت للإيمان، فذكرت الإقرار بما جاء به النبي (صلى الله عليه و آله) بمعنى يقابل الإقرار اللساني فقط مع التصديق الذي يدور أمره بين الوجود والعدم، و مع عدم وجود موقف قلبي وعملي كما عليه المرجئة ، وهذا ما يبرر ذكر بعض الأعمال التي لا شك في عدم كونها عقيدة مما بني عليه دعائم الإسلام، كيف؟! وقد عطف القرآن عمل الصالحات على الإيمان في عدة آيات كما سورة البقرة : آية 277 ، سورة طه آية 112 ، ولكن لإلغاء المرجئة قيمة كل عمل جوانحي وجوارحي و جعل القيمة لليقين و الإقرار اللساني فقط ، تصدرت الروايات للرد و بيان تقوم فاعلية الإيمان بالعمل ، ولكن عبر بتعبير أدبي وهو أن الإيمان المطلوب وهو الفاعل هو الإيمان وهو متقوم بالعمل الجانحي والجارحي ، و أما ما هو الموقف القلبي والعمل الجانحي ، و هل الاعتقاد أم التسليم والخضوع ؟ فالرواية لا تبين ذلك.
والقرائن اللبية مما لا يمكن أن يدفع بعدالة الراوي و أصالة عدم الغفلة كما قرر في محله.
والمتحصل هو: إن لسان هذه الروايات لا يثبت عقدية كل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) عن الله، لعدم تماميّة الدلالة؛ فإنه لا يمكن الأخذ بإطلاقها للزم ثبوت لزوم الاقرار بمعنى الاعتقاد في كل ما أخبر به النبي ( صلى الله عليه و آله )، وذكر في القرآن حتى القضايا التاريخية وأحداث الأمم السابقة، كهدهد نبي الله سليمان (عليه السلام) ونملته، وحوت يونس (عليه السلام)، ووجود فرعون ونمرد (لعنهما الله) ، ورحلة الشتاء والصيف، وكذلك القضايا الكونية و وجود المدن كإرم ، ومصر، وبابل ، فتكون هذه من العقائد ، بل من دعائم الإسلام ، وهذا خلاف التسالم ، و تطبيق مناسبات الحكم والموضوع للتخصيص و إثبات أن المقصود خصوص ما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله ) عنه بأنه من الدين ؛ غير واضح ، فإن كون الخبر من النبي(صلى الله عليه و آله) الذي لا ينطق عن الهوى وهو خليفة الله و أمين وحيه، وعن الله تعالى مالك الملك مناسبة لفرض الإقرار في كل ما يقوله ويصدر عنه، وبالتالي سوف ينعدم الميز بين العقائد و غيرها ، ولا يمكن التفريق بأن العقائد ما حكم فيه العقل بالتدين من باب شكر المنعم أو دفع الضرر المحتمل، لما سوف نذكره ـ إن شاء الله ـ.
وقد وقع كلام بينهم في تفسير الإقرار في هذه الاخبار بعد وضوح أن بعض مسائل الدين لا يوجد طلب عقد قلب فيها ، ووضوح عدم إرادة الإقرار اللساني التفصيلي للعلم بعدم مطلوبيته في كل ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) حتى القطعيات، فلو لم ينطق شخص ما يدل وجوب الخمس في فاضل المؤنة ما ضره شيء ما دام لا يُكذب النبي، بينما الرواية تعتبر الإقرار من دعائم الاسلام و تجعله مناطاً لزكاة العمل، وعليه، فلا بد من تفسر الإقرار إذا حمل على عقد القلب بأنه إقرار بشيء خاص، كالقرآن ، فإن الإيمان به مطلوب ، ويشهد لهذا الحمل وروده في روايات التلقين أو يحمل على الإيمان الإجمالي ، ولكن قد يقال هذا غير منفك عن الشهادة بالنبوة وقد تقدم ذكرها ، إلا أن يقال هذا من التفسير ببيان معنى الشهادة للنبي(صلى الله عليه وآله) ، وأنه لا ينفك عن الإقرار بالإسلام وحقانية كل ما يخبر عنه، أو يفسر بإظهار التصديق أو عدم التكذيب القلبي أو التسليم أو اظهار المتابعة ، و في بعض الأخبار ورد التعبير بالتسليم ولم يرد التعبير بالإقرار.
الدليل الثاني: رواية (من دان بغير سماع من عالم صادق)
وهي:
1ـ وَ أَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ عَالِمٍ صَادِقٍ أَلْزَمَهُ اللَّهُ التَّيْهَ إِلَى الْعَنَاءِ وَمَنِ ادَّعَى سَمَاعاً مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ وَ ذَلِكَ الْبَابُ هُوَ الْأَمِينُ الْمَأْمُونُ عَلَى سِرِّ اللَّهِ الْمَكْنُونِ .
2ـ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): مَنْ دَانَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ صَادِقٍ ... وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاء الغيبة للنعماني: ص: 135، الكافي : ج1 ص 58. .
3 ـ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ: مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ عَنْ صَادِقٍ أَلْزَمَهُ اللَّهُ الْبَتَّةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلى الله عليهم ؛ ج1 ؛ ص13.
وقد ذكرت أنه لا دلالة فيها على لزوم عقد القلب في كل ما جاء به النبي ( صلى الله عليه و آله)، فإنه لو سلم بأن المراد بدان هو (عقد قلبه على شيء على أن عقد القلب مطلوب في الدين) فإن غاية ما يستفاد من المفهوم أن من دان بسماع عن صادق لا يلزمه الله التيه ، و أما أن الله طلب التدين بهذا المعنى في وجود أم لعيسى ( عليهما السلام ) اسمها مريم أو أن الله فرض الخمس في فضل المؤنة فلا .
وقد يناقش فيها بالتالي بأنها :
1ـ ضعيفة سنداً.
2ـ في مقام الإرشاد إلى أن الدينونة بغير سماع من صادق نتيجتها الضلال ، ولا تبين حكم مولوي.
3ـ في منطوقها تبين أن الدينونة والتدين بلا استناد إلى سماع تشريع محرم فقط ، ولا يستفاد ثبوت الاعتقاد والتدين عند السماع من صادق.
4ـ ناظرة إلى القطع أي: وإن كان لها مفهوم ولكن مفهومها خاص بما علم صدوره.
وتدفع المناقشة بأن كل هذه المحتملات خلاف الظاهر ، فإن (ألزمه التيه) بيان للحكم الشرعي ببيان جزائه، والمفهوم واضح ، وخصوصية السماع والقطع ملغاة عرفاً ،والوصول أعم من الوصول بالقطع والحجة ، فالمستفاد جواز العمل بخبر الثقة إذا قام على أمر أنه مر أنه دين، سواء بالمطابقة أو الالتزام.
ولكن يلاحظ على الدفع :
أولاً: ضعف السند ، فإن فيهما المفضل بن زائدة ، وهو مجهول، وفي الثانية جهالة بعض أصحاب الكليني(رضوان الله عليه)، والثالثة ضعيفة بعمرو بن شمر.
وثانياً: هو إن الرواية في مقام الإخبار عن عقاب من دان الله بغير سماع ، فالتدين لا يكون من دون سماع ، ولكن يوجد سؤالان:
1ـ ما هو المقصود بالتدين ، فهل هو الاعتقاد و الإيمان أم الاتيان بالعمل مضافاً إلى الله وعلى نحو التقرب ، وتعبد به إلى الله تعالى؟
فإن يدين تأتي بمعنى الاعتقاد، وقد وردت في صفات الله البحار : ج 3 ص 267. ، و في كون أمير المؤمنين (عليه السلام) خير البشر والأحق بالإمامة البحار ج69 ص 140. ، وتأتي بمعنى التعبد العملي ، كما في روايات من دان الله بالرأي و القياس قرب الإسناد : ص 12. ، وهي كثيرة ، وموردها العمل استناداً إلى الظن غير المعتبر.
2ـ لو كان المراد بتدين (الاعتقاد) فهل الرواية في مقام بيان أن كل ما جاء به النبي (صلى الله عليه و آله ) يكون استناده إلى الله عقيدة، و يجب عقد القلب عليه بعد العلم؟
الجواب : لا دلالة فيها على ذلك ، فهي في مقام بيان جزاء من يعتقد بل سماع ، وأما ما هو متعلق الاعتقاد فلا ، فهي نظير أن يقول الإمام (عليه السلام) : ( من جاء بفريضة بلا سماع الزمه الله التيه ) فهل يدل هذا على أن كل ما يخبر به النبي فريضة؟!
أو قال : ( من عبد الله بعبادة بلا سماع ألزمه الله التيه) فهل يدل هذا على أن كل ما يخبر به النبي عبادة؟!
الجواب : كلا.
وثالثاً : من المحتمل أن هذه الرواية ناظرة إلى طريقة أهل القياس والمتعبدين بلا إمام، كما في رواية عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ كُلُّ مَنْ دَانَ اللَّهَ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَ هُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ وَ اللَّهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ وَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وَ قَطِيعِهَا فَهَجَمَت ، الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج1 ؛ ص375 ، وليست أصلاً في مقام بيان العقيدة وحدودها، وهذا الاحتمال قوي مع ملاحظة الروايات و ألسنتها المتقاربة ، والجو العام لصدورها، وهو يمنع من ظهورها فيما يراد الاستدلال بها عليه.
ترتيب أثر آخر وهو المضمون المجمل
وما ذكرناه يرتبط بتقسيم العقائد إلى أصول وفروع وعد مثل حق التشريع من الفروع العقدية بمجرد وجود خبر واحد رواه ثقة على ثبوته ، و نتيجة ما انتهينا إليه هو إنه لا يكفي ذلك ، بل لابد في الرتبة السابقة من ثبوت كون المسألة مما يطلب فيها الاعتقاد على تقدير ثبوتها ، وليس في شمول دليل الحجية لترتيب أثر فقهي أو الإقرار بمعنى غير الاعتقاد ، فإن هذا المقدار لا اشكال فيه كما هو واضح .
و قد تبين أن إثبات كون مسألة من العقائد لا يكفي فيه وجود علم أو علمي على الثبوت، بل بلابد من دليل خاص أو عام ، و الدليل الخاص مفقود في كثير من المسائل ، حتى ما ورد فيه عنوان الشهادة ؛ فإنه بمجرده لا يكشف عن حسن أن يعترف و يقر المرء بلسانه في بعض المسائل التي يتيقن بها ، ولا يكشف عن طلب الاعتقاد القلبي .
روايات تلقين الميت
نعم، لا تبعد دلالة طلب التلقين في شيء على كونه مما يجب عقد القلب عليه، و المساءلة فيه ، و نستعرض الروايات التي نقلها الشيخ الكليني(رحمه الله) والشيخ الطوسي(رحمه الله):
1ـ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعاً عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا سَلَلْتَ الْمَيِّتَ فَقُلْ- بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاللَّهِ وَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ص اللَّهُمَّ إِلَى رَحْمَتِكَ لَا إِلَى عَذَابِكَ فَإِذَا وَضَعْتَهُ فِي اللَّحْدِ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى أُذُنِهِ فَقُلِ اللَّهُ رَبُّكَ وَ الْإِسْلَامُ دِينُكَ وَ مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَ الْقُرْآنُ كِتَابُكَ وَ عَلِيٌّ إِمَامُكَ . الكافي (ط - الإسلامية) ؛ ج3 ؛ ص195.
2ـ عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللَّه ع يقول" إذا نزلت في قبر فقل بسم اللَّه و بالله و على ملة رسول اللَّه ص ثم تسل الميت سلاً فإذا وضعته في قبره فحل عقدته ... ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر و تحركه تحريكا شديدا ثم تقول: يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل: اللَّه ربي و محمد نبيي و الإسلام ديني و القرآن كتابي و علي إمامي، حتى تستوفي الأئمة، ثم تعيد عليه القول ، ثم تقول: أ فهمت يا فلان" و قال" فإنه يجيب و يقول نعم...) الوافي ؛ ج25 ؛ ص519. .
3ـ (الفقيه 1: 172 رقم 500) سالم بن مكرم، عن أبي عبد اللَّه ع أنه قال" يجعل له وسادة من تراب، ... و تضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر و تحركه تحريكا شديدا، و تقول: يا فلان بن فلان اللَّه ربك و محمد نبيك و الإسلام دينك و علي وليك و إمامك و تسمي الأئمة ع واحدا واحدا إلى آخرهم أئمتك أئمة هدى أبرار، ثم تعيد عليه التلقين مرة أخرى، فإذا وضعت عليه اللبن، فقل: اللهم ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته...) الوافي ؛ ج25 ؛ ص521. .
4ـ (الكافي 3: 201) محمد، عن بعض أصحابنا، عن البزنطي (التهذيب 1: 321 رقم 935) المفيد، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن الحسين، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن الرازي، عن البزنطي، عن إسماعيل قال: حدثني أبو الحسن الدلال، عن (الفقيه 1: 173 رقم 501) يحيى بن عبد اللَّه قال: سمعت أبا عبد اللَّه ع يقول" ما على أهل الميت منكم أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر و نكير" قلت: كيف يصنع قال" إذا أفرد الميت فليتخلف عنده أولى الناس به، فيضع فمه عند رأسه ثم ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله سيد النبيين، و أن عليا أمير المؤمنين و سيد الوصيين، و أن ما جاء به محمد ص حق، و أن الموت حق، و أن البعث حق [و أن الساعة آتية لا ريب فيها] ، و أن اللَّه يبعث من في القبور، قال: فيقول منكر لنكير: انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته) الوافي ؛ ج25 ؛ ص531. .
و يظهر من جمعها أن المقصود بما جاء به النبي(صلى الله عليه وآله) الإسلام أو القرآن، لاستبداله بهما ، و يحتمل في ذكر القرآن تارة والإسلام أخرى أن أحدهما يقوم مقام الآخر ، فإسلام هو ما في الكتاب ، والكتاب مبين للإسلام ، فيمكن أن يكون هذا قرينة على أن المقصود في روايات التي فيها ( الإقرار بما جاء من عند ربه) الإسلام وهو الاعتقاد الإجمالي، أو الكتاب، هذا إذا قصد بالإقرار الاعتقاد .
نعم ، لا يفهم من عدم ذكر غير هذه الأمور في روايات التلقين أن غيرها ليست من العقائد ، لأن نفي السؤال عنها في القبر لا يستلزم النفي المطلق حتى يوم الحساب، كما لا يستلزم نفي الحساب عن جميع الواجبات العملية.
تنبيه على أمور
و نختم بذكر أمور :
1 - إذا كان الإقرار المذكور في هذه الروايات ليس بمعنى الاعتقاد المطلوب في التوحيد، والنبوة، و الامامة ؛ فلا يمكن بهذه الأخبار إثبات كون ما يسمى ( بتفاصيل العقائد ) من العقائد ولو بعد العلم بها بهذه الأخبار، فإن كون بعض مسائل الدين وما جاء به (صلى الله عليه وآله) ليست من العقائد أمر بين ، و مجرد ثبوت شيء عن النبي(صلى الله عليه وآله) لا يلازم كونه عقديّاً ، و روايات الإقرار لا تُقبل إذا خالفت ذلك ، لأنها تخالف أمراً معلوماً ، وهو كون بعض مسائل الدين ولو قطع بها لا يجب فيها الاعتقاد، وليس الاعتقاد فيها من دعائم الإسلام.
٢- إذا حملت روايات الإقرار على معنى آخر غير الاعتقاد ، سواء كان من عمل اللسان أو الجنان ، فلابد من بحث ذلك المعنى و تحديده ليرى هل يترتب أثر على جعل الحجية أم لا ؟ ، فمثلاً لا بد من معرفة أنه ..
أ- هل موضوع الإقرار ـ بأي معنى فسر غير الاعتقاد ـ كل ما نسب إلى المعصومين (عليهم السلام) ، ، فهنا لن يكون لجعل الحجية دخل في تحقيق النسبة ، وعليه لو فسر الإقرار بعدم التكذيب و استفيد من الروايات الناهية عن تكذيب ما ينسب إليهم المفاد نفسه ؛ لأنه قد يكون صادراً عنهم فيكون التكذيب لهم، صحيحةُ أبي عُبيدةَ الحذّاءِ عَن أبي جعفرٍ الباقرِ عليه السّلام: قالَ سمعتُه يقول: أما واللهِ إنَّ أحبَّ أصحابي إليّ أورعُهم وأفقهُهم وأكتمُهم لحديثنا، وإنّ أسوأهُم عندي حالاً، وأمقتَهم إليّ الذي إذا سمعَ الحديثَ يُنسبُ إلينا، ويُروى عنّا، فلم يعقِله، ولم يقبَله قلبُه، اشمأزَّ منهُ، وجحدَه، وكفرَ بمَن دانَ به، وهو لا يدري لعلَّ الحديثَ من عندنَا خرجَ، وإلينا أُسند، فيكونُ بذلكَ خارجاً مِن ولايتنا بصائرُ الدّرجات: 557.، فسوف يقال: إنه لا معنى لجعل الحجية لترتيب هذا الأثر ؛ لأنه مترتب حتى على الخبر الضعيف. إلا أن يقال في مقابل ذلك : إن هذا ينبني على أن المتنجز لا يتنجز ، حيث إن روايات النهي عن تكذيب الخبر المنسوب إليهم ينجز حرمة التكذيب مطلقاً ، فلا تقبل هذه الحرمة التنجيز في ما دائرة ما ثبت بخبر جعلت له الحجية .
وفيه: إن في المراد من التنجيز معنيين:
1ـ حكم العقل باستحقاق العقاب على تقدير المخالفة ، وهذا لا يقبل فيه المتنجز أن يتنجز ، ويمكن أن يقال فيه لا تكرار في التجلي.
2ـ صحة احتجاج المولى على العبد ، وهذا يقبل التكرر ، فإنه قبل جعل الحجية للخبر الدال على ثبوت شيء ليس للمولى إلا الاحتجاج بروايات النهي عن التكذيب ، وبعده للمولى الاحتجاج الخبر الذي جعل الحجية له أيضاً.
ب - أن يكون الموضوع ما نسب إليهم بطريق معتبر ، وهنا يكون لجعل الحجية أثر لأنه يحقق الموضوع حقيقة.
ج - أن يكون الموضوع ما جاء واقعاً ، وهنا يكون لجعل الحجية أثر ؛ لأنه يحقق الموضوع تعبداً.
٣- إذا حملت روايات الإقرار على معنى آخر غير الاعتقاد ، سواء كان من عمل اللسان أو الجنان لن يكون أثر حجية الخبر ثبوت كون المسالة عقدية كما تقدم ، وأيضاً لن يثبت مضمون المسألة المعرفية كحقيقة تكوينية أو واقعية ، ففي ما يسمى بتفاصيل العقائد لن يثبت مثلاً علم المعصوم بالغيب أو حشر بعض الناس على هيئة النملة ، لأنه لا يوجد دليل قطعي ، وغاية ما هو موجود خبر يترتب عليه أثر عملي فقهي من التسليم أو عدم التكذيب و هذا نظير ما ذكره السيد الخوئي ( رحمه الله ) من جواز الإخبار، والأمر كذلك إذا كان لمفاد وجوب الاعتقاد .
٤- إذا كان الاعتقاد فعل جواني خاص أثبت الشارع وجوبه في بعض المسائل وراء التصديق وعدم التكذيب ، ولا يجوز تحقيقه بلا حجة ، فالصحيح أنه لا يثبت في أي مسالة بمجرد حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل فضلاً عن شكر المنعم ؛ لأن وزان الشك في وجوب الاعتقاد وزان الشك في أي عمل يحتمل لزومه، كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، فما يقال هناك في الشبهة قبل الفحص وبعدها يقال هنا ، فهل العقل لو شك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال يقول بثبوت الوجوب الشرعي أم يلزم بالاحتياط لاحتمال الوجوب؟
و الأمر كذلك فيما إذا لم يعلم المكلف بأصل وجود عقائد و يحتمل أن الدين مجرد علم بثبوت التوحيد والنبوة والامامة والمعاد مع وحرمة التكذيب القلبي واللساني ، والعمل ، و يشك في أصل ثبوت عقائد ووجوب تدين فإن العقل لا يقول له يجب الاعتقاد شرعاً ولو إجمالاً بل يحكم بلزوم الاحتياط بالفحص ، و بعده تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان بناء على ثبوتها . نعم، لو كان المحتمل وجوب اعتقاد يشكل ركناً في الإسلام أو الإيمان ، فإن العقل يحكم بالاحتياط ، وهو يتحقق بعقد القلب الإجمالي على الثبوت على تقدير الأمر بالاعتقاد وبنية الرجاء فراراً من التشريع .
وإنما ذكرت هذا لأقول : إن هذا المعنى لا ينافي لزوم التدين الخاص مع وجود دليل خاص معتبر على ثبوت كون العلم بالغيب مثلاً عقيدةً ؛ لأن دليل حكم العقل إنما ينجز الاعتقاد بالواقع على تقدير الثبوت ، و يترتب على الحجية جواز الاعتقاد الجازم بالعنوان الخاص.
5- لو استفدنا من الأدلة كفاية الاعتقاد الاجمالي في العقائد بأن يقول المرء : ( القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد (صلى الله عليه وآله) أو : (أعتقد بعقيدة الصادق ( عليه السلام ))، ولا حاجة للتدين التفصيلي لا أقل في غير الاصول الخمسة ، فقد يقال : لا معنى لجعل حجية خبر الواحد في ما يسمى بتفاصيل العقيدة ، لأن المكلف قد حصل المطلوب بالاعتقاد الاجمالي فما هو أثر جعل الحجية لخبر الواحد في كون حق التشريع عقيدةً؟
و قد يقال : الأثر جواز التدين بالعنوان الخاص ظاهراً .
ولكن هذا ينسجم مع بعض المباني في ملاك الحكم الظاهري ولا ينسجم مع مبنى الشهيد، لأن حق التشريع لا يخلو أمره من احتمالين.. فإما أن يكون عقيدة في الواقع ، والمفروض تحقق الاعتقاد به؛ إذ لا يجب الاعتقاد التفصيلي فيه ، أو غير عقيدة فيكون الخبر غير مطابق للواقع ، فأي ملاك أهم يحفظه هذا الحكم الظاهري مع احراز استيفاء ملاك المولى.
نعم، هو ينسجم على مبنى وجود مصلحة في نفس انشاء الحكم الظاهري بقطع النظر عن مصلحة الواقع ، فيجوز التدين ظاهراً بالعنوان الخاص ، فيثبت الخبر جوازٍ متعلقٍ بالتدين ، إلا أن يقال يعلم بعدم جعل الجواز في التدين ، فهو إما واجب في الواقع أو لا يجوز ، وهذا مبني على اشتراط مطابقة الحكم الظاهري للواقعي المحتمل .
وقد اقتصرت على هذا لأنه ما وسع له المجال في هذه العجالة ، و إن شاء الله أوفق لمتابعة البحث في باقي الجهات.
الحمد لله رب العالمين