بقلم: الشيخ حيدر السندي
السؤال: هل هناك تنافي بين رواية الكافي بسنده إلى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (ع) يَقُولُ: "إِنَّه لَمَّا قُبِضَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّه (ص) جَرَتْ فِيه ثَلَاثُ سُنَنٍ، أَمَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّه لَمَّا مَاتَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِفَقْدِ ابْنِ رَسُولِ اللَّه، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّه (ص) الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّه وأَثْنَى عَلَيْه ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّه يَجْرِيَانِ بِأَمْرِه مُطِيعَانِ لَه، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولَا لِحَيَاتِه فَإِنِ انْكَسَفَتَا أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَصَلُّوا ...) وبين ما ورد أن الشمس كسفت لقتل الحسين (عليه السلام) كما في رواية أبي الأسود النضر بن عبد الجبار ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل: (لمّا قتل الحسين بن علي كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي)؟
الجواب: لا يوجد تنافي يوجب رفع اليد عن الكرامة الحسينيّة التي دلّت عليها بعض المرويات، وذلك لوجوه :
١- إن التعبير الوارد في كسف الشمس هو: ( لما قتل الحسين بن علي كسفت الشمس) أو ما يقرب منه، وليس فيهما تعبير يدل على أن الكسف لموته ( عليه السلام)، لكي يقال بمنافاة هذا التعبير للرواية التي فيها (لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولَا لِحَيَاتِه )، فمن المحتمل - كما في بعض الأجوبة - تحقق الكسوف يوم عاشوراء بأمر الله تعالى لغضبه أو لتنبيه البشر إلى عظم الجرم أو عظم منزلة من وقع عليه الجرم أو بيان أنّه على حق، فكلّ هذه أسباب تجعل الكسوف بأمر الله تعالى لا لموت أحد ، فغاية ما يترتب على رواية الكافي الشريف لو كانت قطعيّة، أن كسوف الشمس لو كان قطعياً لم يقع لموت أحد وإنما لسبب آخر بأمره ( تعالى ).
٢- أن رواية الكافي ظنية سنداً فليست متواترة، و ظنية دلالةً لأنها بالإطلاق تدلّ على عدم تحقق الكسوف لموت الإمام الحسين ( عليه السلام)، وهذا يوجب البحث في حجية الظن في المعارف التي لا يطلب فيها اعتقاد وعمل، لأنه الرواية من جهة عدم تحقق الكسوف لموت أحد واردة في أمر معرفي، و إن كان ذيلها في الفروع، وجملة من الاعلام -وهو التحقيق- يبنون على عدم الحجية فليست الرواية حجة في مفادها.
وطبعا ظنية الدلالة مبنية على عدم استفادة أن الاطلاق مقصود جزماً من لسان الرواية ولا يبعد استفادة هذا فإن تعبير (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّه يَجْرِيَانِ بِأَمْرِه مُطِيعَانِ لَه، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولَا لِحَيَاتِه)، لا يقبل التخصيص، إذا لا قبل العرف أن يستثنى أحد فيكون أمر الكسوف والخسوف ليسا بأمر الله و ليسا آيتين فيه، فينحصر هذا الوجه في ظنية السند .
وبهذا يعرف النظر في الجواب بالتفريق بين الموت والشهادة، بأن يقال الرواية ورد فيها ( لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولَا لِحَيَاتِه) ، وليس فيها (لشهادة وقتل أحد)، مع أخذ مناسبة المورد حيث لا قتل فيه، بل موت ولد النبي ( صلى الله عليه وآله).
ووجه النظر هو أن لسان ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّه يَجْرِيَانِ بِأَمْرِه مُطِيعَانِ لَه، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولَا لِحَيَاتِه) يفهم منه عدم الخصوصية في الموت المقابل للقتل والشهادة - إن قبل جعل الموت مقابلاً وليس عنواناً أعم - فإن ذكر كونهما آيتين بيد الله يوجب التعميم بحسب الفهم العرفي.
٣- إن ذكر أنهما آيتان لله يجريان بأمره ، والذي هو بمثابة العلة لنفي الارتباط بينهما وبين موت أي أحد، يفيد أنهما شأنان إلهيان، لهذا لا يقع الكسوف لموت أحد، وهذا يفتح باب التفريق بين موت أحد أو قتله فيما إذا كان لا ربط بينه وبين الله تعالى، وبين موت أو قتل من يرتبط بالله تعالى برابط خاص بنحو يراه الناس من شؤون الله كخليفة لله القائم بأمره ، فإن تحقق الكسوف فيه لا ينافي أنهما آيتان لله و بأمره و شأن من شؤونه .
٤- قد يقال ظاهر رواية الكافي نفي عليَّة موت احد لهما، فقد جاء فيها ( لَمَّا قُبِضَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه و آله ) جَرَتْ فِيه ثَلَاثُ سُنَنٍ، أَمَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّه لَمَّا مَاتَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِفَقْدِ ابْنِ رَسُولِ اللَّه ) ، فإن من المحتمل جداً أن الناس جعلوا الموت نفسه سبباً للكسوف ، ولهذا رد النبي ( صلى الله عليه و آله ) بقوله: ( إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّه يَجْرِيَانِ بِأَمْرِه مُطِيعَانِ لَه ) ، وهذا بيان لوجود نظام زمانه بيد الله تعالى ، وهذا لا ينافي تحقق الكسوف لموت أو قتل أحد بأمر الله تعالى، و إنما تنفي تحقق ذلك بدون أمره تعالى ، والله العلم بحقيقة الأمور .
حيدر السندي