مستقبل التفسير الموضوعي
بقلم الشيخ عبد الغني عرفات
[ المائز بين التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي ]
طرح الشهيد محمد باقر الصدر مائزًا رئيسًا للتفسير الموضوعي التوحيدي، والتجزيئي من وجهة نظره. وهذا المائز هو أن ينطلق المفسر من واقع الحياة ومن عمق التجربة البشرية وما توصلت إليه من رؤى حول موضوع من موضوعات الحياة؛ ليعرض ذلك على القرآن ويستنطقه حول موقفه من هذه الرؤى، ويدخل في حوار مع القرآن لمعرفة رأيه للخروج بنظرية للإسلام حول ذلك الموضوع . أما الانطلاق من القرآن واستماع رأيه في موضوع قرآني بدون الانطلاق من واقع الحياة وبدون معرفة ما توصلت إليه البشرية من فكر حول هذا الموضوع فهو سير من القرآن إلى القرآن، وهو تفسير منفصل عن الحياة وليس تفسيرًا توحيديًا لأنه ليس متحدًا مع الحياة والواقع.
ويذهب العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي إلى أن الشهيد الصدر ليس أوّل من ابتكر هذه الفكرة فقد سبقه إليها الشيخ شلتوت، فهو أقدم من تأثر بمنهج (الجشتالت = الهيئة) في علم الاجتماع، والذي يعني أن ندرس الموضوع بكل أبعاده وأطرافه ككل لا كأجزاء، وكانت له محاولة في التفسير الموضوعي في مجلد واحد (انظر محاضرة العلّامة بتاريخ ١٨ رمضان ١٤١٥ / سيهات/ المنطقة الشرقية).
لكن وفق المائز الذي طرحه الشهيد الصدر فإن بعض هذه الدراسات ستكون خارجة عن التفسير الموضوعي الذي عناه، وإن كانت تفسيرًا موضوعيًا بحسب ما عرفته هي للتفسير الموضوعي وبحسب ما اصطلحت عليه من معنى التفسير الموضوعي، بما في ذلك تفسير شلتوت، إن لم يكن متوفرًا على هذا المائز.
[ أهم التفاسير الموضوعيّة عند الشيعة الإمامية ]
وعلى صعيد الباحثين الشيعة برزت عدة محاولات ودراسات باسم التفسير الموضوعي، أو ادعت لنفسها تطبيق فكرة الشهيد الصدر، وربما قدر لبعضها النجاح. وبين يديّ مجموعة من تلك المحاولات :
1- مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني ( اثنا عشر جزء).
2- نفحات القرآن بإشراف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ( عشرة أجزاء).
3- التفسير الموضوعي للقرآن المجيد للشيخ عبدالله جوادي آملي (نشر منه أربعة عشر مجلدا).
4- معارف القرآن للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي.
5- فرهنگ قرآني للشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
6- المجتمع الإنساني للشهيد السيد محمد باقر الحكيم ( ط المركز الإسلامي المعاصر ٢٠٠٣م).
7- سنن القيادة الإلهية في القرآن الكريم للشيخ محسن الأراكي.
8- سنن التطور الاجتماعي في القرآن الكريم للشيخ محسن الأراكي ( ط ١٤٣٣-١٤٣٤).
9- سنن التاريخ في القرآن الكريم للشيخ محمد حسين الأنصاري ( ط ١٤٢٦).
10- العلم والعمل في القرآن الكريم للعلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي ( محاضرتان ألقيت في رمضان ١٤١١ /سيهات/ المنطقة الشرقية) .
بالإضافة إلى ما تناوله الشهيد الصدر من (السنن التاريخية) كتطبيق لفكرته في كتابه المدرسة القرآنية، وكذلك ما طرحه حول موضوع الاستخلاف في كتاب الإسلام يقود الحياة.
ونستطيع أن نعد نظريته في المذهب الاقتصادي في الإسلام التي ذكرها في كتاب اقتصادنا تفسيرًا موضوعيًا كذلك، حيث استطاع استخراج تلك النظرية، وأهم هدف من أهداف التفسير الموضوعي هو معرفة نظريات القرآن في مواضيع الحياة . هذا مجموع ما توفرنا عليه من محاولات. فهل وفقت هذه المحاولات، هذا ما سنقف عليه لاحقًا. وسنقوم بتعريف مختصر لهذه الدراسات والأبحاث مع وضع بعض الملاحظات .
[ التفسير الموضوعي عند الشيخ جعفر السبحاني والشيخ ناصر مكارم الشيرازي ]
سنتناول هنا تفسيري الشيخ السبحاني والشيخ ناصر مكارم الشيرازي - حفظهما الباري تعالى - .
تعود محاولة الشيخ السبحاني إلى عام ١٣٩٣هـ حيث ألقى بحوثه القرآنية هذه وقام بتحريرها الشيخ جعفر الهادي .
عرف الشيخ السبحاني التفسير الموضوعي كما جاء في مقدمة الطبعة الثالثة بقوله: " إن هناك لونا آخر من التفسير يطلق عليه اسم التفسير الموضوعي الذي ظهر في العقود الأخيرة واستقطب قسطا كبيرا من اهتمام العلماء نظرا لأهميته وهو تفسير القرآن الكريم حسب الموضوعات الواردة فيه، بمعنى جمع الآيات الواردة في سور مختلفة حول موضوع واحد، ثم تفسيرها جميعا والخروج بنتيجة واحدة " فالشيخ السبحاني يخصص الموضوعات بالموضوعات (الواردة في القرآن) كالإسلام والإيمان والتقوى والتوحيد والشرك .. الخ، كما أنه يرى أن التفسير الموضوعي مما ظهر في العقود المتأخرة أي هو لون جديد من التفسير لم يكن ثم كان. وهذا ما سوف نتوقف عنده قليلا عندما نناقش الاعتراضات والإشكالات التي أثيرت حول التفسير الموضوعي، ولكن بعد أن نستعرض كل ما توفر لدينا من محاولات التفسير الموضوعي.
والمواضيع التي تناولها الشيخ السبحاني في تفسيره الموضوعي المعروف بمفاهيم القرآن هي (مواضيع قرآنية)، وهي كالتالي :
1- التوحيد والشرك وآثارهما.
2- صيغة الحكومة الإسلامية وأركانها وخصائصها.
3- عالمية الرسالة المحمدية وخاتميتها وأمية النبي وعلم النبي بالغيب.
4- أجر الرسالة ومعاجز النبي وشفاعته
5- عصمة الأنبياء والأئمة وسيرة الصحابة.
6- أسماء الله الحسنى وصفاته.
7- أبعاد شخصية النبي وسيرته.
8- المعاد والقيامة وعالم البرزخ.
9- الأمثال والأقسام.
10- العدل والإمامة وحقوق أهل البيت (ع).
وقد جاء في المقدّمة أيضا أنه اقتصر على مواضيع عقائدية فقط، وتم التركيز على التوحيد لأهميته .
وأما المواضيع التي تناولها الشيخ ناصر مكارم في تفسيره الموضوعي المعروف بنفحات القرآن فهي:
1- العلم والمعرفة في القرآن.
2- طرق معرفة الله.
3- المعرفة والصفات وجلال الله.
4- المعاد.
5- النبوة العامة.
6- النبوة الخاصة.
7- الولاية والإمامة.
8- الحكومة الإسلامية.
وإذا أمعنّا النظر سنجد أن هناك مواضيع متكررة بين كتابي الشيخ ناصر مكارم والشيخ السبحاني - أعزهما الله تعالى - وبعد حذف المتكرر سيصبح مجموع ماتناوله الكتابان من مواضيع عشرة مواضيع على أكثر تقدير، وكلها (مواضيع قرآنية) وكلها عقائدية.
إننا يمكننا القول إن تفسيري مفاهيم القرآن ونفحات القرآن لا ينطبق عليهما المائز الذي افترضه الشهيد الصدر؛ لأن موضوعاتهما مستخرجة من ذات القرآن وهي مواضيع قرآنية عريقة، ومع أن الشهيد الصدر يقر بأن محاولة الشيخ السبحاني ذات منهج جديد كما جاء في رسالته التي بعثها للشيخ السبحاني عام ١٣٩٥هـ يشكره فيها على استلام الكتاب ( انظر مفاهيم القرآن ج ٢ ط منشورات الإمام الصادق) إلا أنه ذكر في تلك الرسالة " وسوف أحاول في فرصة أوسع أن أستوعب قدرا معتدا به من بحوث الكتاب الجليلة وأسجل لكم ما قد يحصل من انطباعات " .
بينما نجد أن هذا المائز ينطبق على تفسير معارف القرآن للشيخ مصباح اليزدي وكذلك تفسير الشيخ جوادي آملي لأن موضوعتهما ذات أهمية في الحياة الحاضرة وقد عرضا هذه المواضيع على القرآن لاستنباط حكم القرآن فيها ( راجع: التفسير والمفسرون للشيخ محمد هادي معرفة ج٢ ص١٠٤٢).
وسيأتي بيان موضوعات تفسيري الشيخين الآملي واليزدي.
[ أنواع منهج التفسير الموضوعي ]
انتهينا إلى أنّ المنهج في التفسير الموضوعي - بمعناه العام - يتنوّع بنوعين، فقد يعمد المفسر إلى مواضيع طرحت بذاتها في القرآن، فيحاول استجلاء أبعادها.
وتارة يعمد إلى مواضيع هي ضرورات الحياة فيعرضها على القرآن، لغرض استجلاء نظرة القرآن بشأنها ومعرفة أبعادها وحدودها منه بالذات .. وقد رجح الشهيد الصدر هذا اللون الثاني، الذي هو محاولة لفهم وصفة القرآن بشأن معالجة أدواء هي حاضرة الحياة .. ( التفسير والمفسرون ج٢ص١٠٣٨).
وقد يقال هنا : إذا ولج المفسر هذه المواضيع القرآنية المطروحة في القرآن بعد أن قرأ التجارب البشرية وحمل استفهاماتها ليعرضها على القرآن، فلماذا لا يكون تفسيرا موضوعيا بالمعنى الذي أراده الصدر ‼
والجواب: إن هذا المفسر يكون قد توفر على شطر مما أراده الصدر في نظرته للتفسير الموضوعي وهو أن يأتي المفسر من الواقع إلى القرآن، والشطر الآخر أن يكون غرضه هو استخراج نظرية القرآن أو نظرية الإسلام من هذه القضية المطروحة، فإذا توفر المفسر على هاتين الميزتين يكون مفسرا موضوعيا بالمعنى الذي أراده الصدر.
فهل طبق هؤلاء المفسرون هذا في تفاسيرهم الموضوعية؟ هذا مرتهن بقراءة محاولاتهم التفسيرية لرؤية انطباق ذلك وعدم انطباقه، بل يمكننا القول باختبار محاولة الشهيد الصدر نفسه في تطبيق نظريته على الموضوع الذي اختاره وهو (سنن التاريخ) لنرى هل نجح في ذلك أو لم ينجح.
[ التفسير الموضوعي عند الشيخ جوادي آملي والشيخ مصباح اليزدي ]
نعود الآن لمحاولة الشيخين جوادي آملي والشيخ مصباح يزدي فنقول:
[ التفسير الموضوعي عند الشيخ جوادي آملي ]
عرف الشيخ جوادي التفسير الموضوعي بأنه " يتولى بحث مواضيع خاصة حللها القرآن" ( جمال المرأة وجلالها ص٣٧) .
وفي نظره أن المفسر يأتي التفسير الموضوعي برأسمال التفسير الترتيبي فيختار موضوعا من المواضيع ويبحث حوله .. ثم يقوم بجمع الروايات الواردة في ذلك المجال، وفي المرحلة النهائية يقوم بترتيب ثالث لما تحصَّل لديه من الآيات والروايات حتى يستطيع تقديم ذلك بوصفه رأي الإسلام والقرآن والعترة).
وربما تصور بعضهم أن ثمة فرق بين أطروحة الشيخ الآملي والشهيد الصدر في عنصر إدخال الروايات وعدم إدخالها في التفسير الموضوعي، وأن الشهيد الصدر كان بصدد البحث عن تفسير موضوعي للخروج (بنظرية قرآنية) حول هذه المواضيع بينما أطروحة الشيخ الآملي يراد منها الخروج بنظرية (إسلامية) بضمه الروايات للقرآن. ولكن هذا غير صحيح، وإن خلت أطروحة الشهيد الصدر في محاضرتيه اللتين عقدهما للتنظير والتقعيد للتفسير الموضوعي من الإشارة إلى الروايات صراحة، لكنه ذكر مرارا أن التفسير التجزيئي هو البنية التحتية للتفسير الموضوعي وأن الدلالات المتفرقة للتفسير التجزيئي هي التي يقوم المفسر الموضوعي للربط بينها في محاولة للخروج بصورة متكاملة عن ذلك الموضوع المختار، وفي التفسير التجزيئي للآيات يتم التعامل مع الروايات التي توضح دلالات تلك الآيات أو تخصصها أو تقيدها إلى غير ذلك بحسب مبانيه في الأخذ بظهورات القرآن .
فالمفسر الموضوعي يكون قد تعامل مع الروايات في مرحلة سابقة على التفسير الموضوعي بحسب رأي الشهيد الصدر ومقصوده من النظرية القرآنية هو النظرية الإسلامية.
وأما حكومة القرآن على السنة في مرحلة التفسير الموضوعي - كما يرى الشهيد الصدر ( أطروحة التفسير الموضوعي عند السيد محمد باقر الصدر للشيخ أحمد أبو زيد ص٨٣) - فلا يعني عدم حكومة القرآن على السنة في مرحلة التفسير التجزيئي.
وآخر ما صدر للشيخ جوادي آملي في "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" حول "صورة وسيرة الانسان" من قبل دار "إسراء" للطباعة والنشر، ويختص كتاب "صورة وسيرة الإنسان في القرآن" بشريحة أساتذة العرفان والفلسفة وذلك لعمق بحوثه وإثاراته بحسب ما جاء في موقعه الرسمي، ولم نحصل على نسخة من الكتاب غير أننا سندرس محاولته من وجهة نظره في كتاب جلال المرأة وجمالها، حيث تحدث هنا عن التفسير الموضوعي.
ذهب بعض الباحثين أن :"محاولة الشيخ جوادي آملي في التفسير الموضوعي تلتقي على الخط نفسه الذي تتحرك به محاولة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي وتكاد تتطابق معها بالروح، ومن ثم فهي تخضع للملاحظة نفسها وإن كان الحكم النهائي يتوقف على الدراسة النهائية " ( خالد توفيق / مجلة الفكر الإسلامي، العدد ٢٤ و ٢٥ السنة السابعة ١٤٢١) لكن الإنصاف يقتضي منا التوقف قليلا عند كتابه المرأة في مرآة الجلال والجمال فإنه اختار موضوعا معاصرا وحياتيا ودرس الآيات حوله ليخرج بنظرية قرآنية إسلامية حول المرأة فتوفرت دراسته على المائزين المهمين اللذين وضعهما الشهيد الصدر:
1- الانطلاق من واقع الحياة ودراسة التجربة البشرية ووعيها بدقة حول الموضوع المطروح.
2- عرض الموضوع على القرآن للخروج بنظرية قرآنية إسلامية حوله.
نعم ربما يلاحظ على دراسة الشيخ الآملي أنه درس المرأة بروح فلسفية عرفانية - وهي تجارب ورؤى بشرية - ولم يظهر على دراسته بوضوح الآراء الفلسفية الحديثة ونظريات علماء النفس والاجتماع حول المرأة ولكنه ومن خلال كتبه الأخرى يتضح اطلاعه وتوفره على هذه الدراسات، بل في كتابه المذكور تلميحات لتلك الآراء (انظر: المرأة في ثقافة الغرب ص ٥٠٠)
وللتدليل على خروج الشيخ الآملي بنظرية حول المرأة نذكر هذا المسرد باختصار:
- المرأة خليفة لله كالرجل لأن آدم خليفة لله بشخصيته لا بشخصه .
- حقيقة الإنسان لا مذكر ولا مؤنث، لأن حقيقته بروحه لا ببدنه والروح ليست مذكرا ولا مؤنثا.
- لا تأثير للذكورة والأنوثة في التفاضل .
إلى غير ذلك مما يشكل نظرية الإسلام حول المرأة .
[ أهم المواضيع التي تناولها الشيخ الآملي في تفسيره الموضوعي ]
من المواضيع التي تناولها الشيخ الآملي في تفسيره الموضوعي:
1- القرآن في القرآن..
2- التوحيد في القرآن..
3- الوحي والنبوة في القرآن..
4- المعاد في القرآن (مجلدان)..
5- سيرة الأنبياء في القرآن (مجلدان)..
6- سيرة الرسول الأكرم في القرآن (مجلدان)..
7- مبادئ الأخلاق في القرآن..
8- مراحل الأخلاق في القرآن..
9- الفطرة في القرآن..
10- نظرية المعرفة في القرآن..
11- صورة وسيرة الإنسان في القرآن..
12- الحياة الحقيقية للإنسان في القرآن..
13- الهداية في القرآن..
14- المجتمع في القرآن..
15- أدب توحید الأنبياء في القرآن..
16- تفسیر الإنسان للإنسان..
[ نظرية المعرفة في التفسير الموضوعي عند الشيخ الآملي ]
سنتصفح واحداً من هذه المجلدات لنرى مدى توافقها مع الرؤية الصدرية - وأغلب هذه المجلدات بالفارسية - وقد ترجم بعض منها للعربية كنظرية المعرفة، ولذا سنتناوله بالمطالعة، لأن نظرية المعرفة الأكثر احتمالاً لاحتوائها على التجربة البشرية المعاصرة .
تطالعنا هذه العناوين من خلال فهرسة الكتاب:
الفصل الأول: أركان ومباني المعرفة، وفيه تناول منكري المعرفة كالسفسطائيين والشكاكين والماديين..
الفصل الثاني :مسألة المعرفة في الآيات القرآنية، وفيه تناول أربعة أركان: المعلوم والعالم والعلم ومعرفة العلم في القرآن..
الفصل الثالث: عرض مزاعم منكري المعرفة في القرآن الكريم، وفيه تناول عدم طرح مزاعم السفسطائيين في القرآن ، بينما تناول القرآن مزاعم الماديين.
الفصل الرابع: وجود الخطأ وطرق تشخيص الاشتباه..
الفصل الخامس :المصادرات والأصول الموضوعة والمعارف الفرضية، وفيه تناول فرضية التغير الدائم للعلوم.
الفصل السادس: المعرفة العقلية والمعيار المنطقي.
إلى غير ذلك من الفصول كثبات القضايا والحركات العلمية ومصادر المعرفة وأدواتها وطرقها ومراحلها وأسسها وشرائطها ومعيارها..
( انظر: ط دار الصفوة ط ١ / ١٤١٧طبع بإذن خاص من دار الإسراء التابعة للشيخ الآملي).
يعالج الشيخ الآملي بدقة ومتانة موضوعات نظرية المعرفة في كتابه هذا، ويتجلى هذا في الفصل الخامس الذي ناقش فيه نسبية الحقيقة.
ما نلاحظه في محاولة الشيخ جوادي آملي هو اختفاء أسماء الفلاسفة المحدثين ونظرياتهم إلا نادراً، وبروز أمثال ابن سينا والفخر الرازي وشيخ الإشراق والملا صدرا، ولعل ذلك يعود لعدم قناعة الشيخ الآملي أن المحدثين جاءوا بجديد، وأنهم كرروا ما أدعاه أسلافهم من الماديين والتجريبيين، وإن كنا نلمس التعريض بهم من خلال السطور بكلمات مقتضبة كرده على ديكارت "يبتدئ ديكارات فلسفته بالشك في كل شيء ومن جملة ذلك : الشك في نفسه‼، ويتصور أنه يمكن دفع الشك عن نفسه بالاستفادة من المفاهيم الذهنية وفكره الحصولي، فهو يقول: أنا أفكر، إذن أنا موجود.
إلا أن حقيقة الأمر لو أن أحداً شك - حقيقة - في نفسه، فإنه لا يستطيع أن يثبتها أبداً لا عن طريق الفكر ولا عن طريق أي أثر آخر من آثاره أو أفعاله الأخرى"( نظرية المعرفة ص٢٠٦).
إلا أن الكتاب يعد بحق دراسة مقارنة عما تطرحه نظرية المعرفة في فكر الفلاسفة والمتكلمين والعرفاء، وما يستظهر من القرآن الكريم، بحيث يعد هذا العمل تفسيرًا موضوعيًا وفق وجهة نظر الشهيد الصدر.
فعلى سبيل المثال يطرح الشيخ الآملي طريقة معالجة القرآن للنزعة الحسية وكيف أنه يعتبر " المعرفة الحسية فاقدة لصلاحية معرفة الأمور الحسية أيضاً .. فإن المعرفة الحسية بحاجة إلى المعرفة العقلية " فحيث أن بني إسرائيل كانوا ذوي نزعة مادية حسية استغلَّ فرعون هذه النزعة، فقد قالوا لموسى أرنا الله جهرة ‼، ولذا فإن فرعون قال لهامان ابنِ لي صرحاً... لعلي أطلع إلى إله موسى، ووصف تعالى قوم فرعون بأنهم فاسقين لأنه استخف عقولهم فأطاعوه.
فالمعرفة الحسية إذا لم يكن وراءها العقل فهي سراب..
والمثال الآخر هو ما تعرض له من حكم القرآن وموقفه من أنواع الأقيسة فقد اعتبر القرآن " المعرفة اليقينية شرطاً للإيمان الصحيح، أي إنه اعتبر العلم القطعي بالمعارف والحقائق الإلهية ممكناً ".
ومثل له بأمثلة كثيرة منها : الشكل الأول من الأشكال الأربعة لقياس الإقتران الحملي في قوله تعالى ( وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) مع اختلاف بسيط في التعبير فكأنه قال: إن هؤلاء لا يتبعون إلا الظن ، وإن الظن لا يغني في معرفة الحقيقة. إذن هؤلاء لا يتحقق منهم أي إنجاز في معرفة الحقيقة..
[ مناهج تبويب الآيات موضوعياً عند الشيخ مصباح اليزدي ]
سنتناول هنا نظرة الشيخ مصباح اليزدي حول مناهج تبويب الآيات، فلو افترضنا أننا قمنا بدراسة القرآن بأكمله واستخرجنا مفاهيمه وأدخلناها تحت مئة عنوان مثلا، فكيف ننظم هذه العناوين لنحصل على نظام واحد منسجم ومترابط يتمتع بنقطة بدء منطقية.
يذكر الشيخ المصباح ثلاثة مناهج ثم يختار أفضلها حسب رأيه.
المنهج الأول: مضمون الدين ينقسم إلى ثلاثة أقسام (١- العقائد ٢- الأخلاق ٣- الأحكام) ولكن هذا التقسيم عليه بعض الإشكالات، منها : هناك قسم من الآيات لا يندرج تحت أي قسم من هذه الأقسام فهناك قصص الأنبياء وتاريخهم والقصة ليست هذا ولا ذاك بل القصة قسم قائم بذاته وإذا قمنا بتقطيع القصة جملة جملة فإنها لن تبقى تلك القصة، فإذا أراد الإنسان معرفة رأي القرآن بالنسبة إلى أصحاب الكهف مثلا فإلى أي قسم يرجع فهل يرجع إلى قسم الأخلاق أو الأحكام أو العقائد. وإشكال آخر يطرح هنا وهو أنه لا توجد علاقة واضحة بين هذه الأقسام الثلاثة، ولا بد من تكلّف هذه العلاقة.
المنهج الثاني: أن القرآن جاء لهداية الإنسان، فلا بد أن يكون الإنسان هو محور التبويب.
ولكن عندما نتعمق في مفاهيم القرآن نجد أن اعتبار الإنسان محورا أمر غير مرغوب فيه، لأننا نلاحظ أن جميع مفاهيم القرآن من عقائد وأخلاق ومواعظ وقصص وتشريعات لها جميعا محور واحد وهو الله تعالى، هذا بالإضافة إلى أن الأبعاد الوجودية للإنسان مبهمة ولا أحد يعرف ما هو عدد أبعاد الإنسان حتى نقوم بتبويب الآيات بحسبها ويبدو أيضا أنه لا يوجد ارتباط واضح بين الأبعاد الوجودية للإنسان إلا ما نفهمه فيما بعد من القرآن .
المنهج الثالث: هو الذي يعتبر ( الله) هو المحور ثم يقوم بالتقسيم، ولا يجعل الأقسام في عرض بعضها بل يجعلها في طول بعض، أي يجعل معارف القرآن كالنهر الجاري أو عين متدفقة لها نقطة بداية هو الله تعالى ثم تنحدر من منبع الفيض الإلهي فتروي وتطفئ ظمأ كل شيء تصادفه في طريقها، وعندما ترتوي المرحلة الأولى تفيض وتتدفق على المرحلة الثانية وهكذا دواليك ( معارف القرآن ص ١٥).
وفي هذا التقسيم الذي اختاره الشيخ المصباح هناك ترتيب منطقي بين أقسامه، ومن الطبيعي أن يكون للموضوع السابق لون من التقدم على الموضوع اللاحق على العكس من التقسيمات السابقة التي كانت في عرض بعضها (العقائد والأخلاق والأحكام) فمن منها الذي يقدَّم فإن تقديم موضوع على آخر يحتاج إلى تبيين وأحياناً يحتاج إلى تكلّف.
ثم أخذ بترتيب هذه المسائل : نبدأ أوَّلاً بمسائل معرفة الله، ثم أفعاله، ثم معرفة العالم، ثم معرفة الإنسان، ثم تربية الإنسان.
فلا بد من ترابط بين موضوعات القرآن وانسجامها.
[ أنواع تفسير القرآن الكريم ]
ويلتقي الشيخ المصباح مع ما طرحه الشيخ ناصر مكارم حيث ذكر أن هناك أنواعاً من التفاسير:
١- تفسير المفردات: ككتاب مفردات الراغب الأصفهاني.
٢- التفسير الترتيبي
٣- التفسير الموضوعي
٤- التفسير الارتباطي
٥- التفسير العام أو النظرة الكونية للقرآن.
” والنوع الرابع والخامس من تفسير القرآن لم يحظيا باهتمام المفسرين بعد” ( نفحات القرآن ج١ ص ٧).
فلا يشك أحد من المفسرين أن لموضوعات القرآن ترابط وانسجام بحيث لا تتضارب ولا تتنافى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا). نعم لم يشر السيد الشهيد الصدر في محاضرتيه عن التفسير الموضوعي للترابط بين نظريات القرآن، لكن هذا من نافلة القول فهو أول من أطلق أن الإسلام نظام حياة، وقد أشرنا في حديث سابق إلى أن اكتشافه للمذهب الاقتصادي في الإسلام نوع من التفسير الموضوعي وفق رأيه فبعد أن قرأ التجارب البشرية في الاقتصاد عرضها على القرآن فخرج بنظرية المذهب الاقتصادي، وهو يقول هناك وتحت عنوان ( الاقتصاد الإسلامي جزء من كل) : ” لا يجوز أن ندرس مجموع الاقتصاد الإسلامي بوصفه شيئا منفصلا وكيانا مذهبيا مستقلا عن سائر كيانات المذهب: الاجتماعية والسياسية الأخرى، وعن طبيعة العلاقات القائمة بين تلك الكيانات وإنما يجب أن نعي الاقتصاد الإسلامي ضمن الصيغة الإسلامية العامة، التي تنظم شتى نواحي الحياة في المجتمع .. فمن الخطأ أن لا نعير الصيغة الإسلامية العامة أهميتها وأن لا ندخل في الحساب طبيعة العلاقة بين الاقتصاد وسائر أجزاء المذهب” ( اقتصادنا /دار التعارف ط ١٤ ص ٣٠٩).
[ مراجعة في كتاب معارف القرآن للشيخ مصباح اليزدي ]
نعود لمحاولة الشيخ المصباح ونتصفح كتابه معارف القرآن الذي تناول فيه جزء من السلسلة الطولية التي اقترحها: ففي الجزء الأول تحدث عن معرفة الله وفي الجزء الثاني تحدث عن معرفة العالم، وسنتوقف عند معالجة الشيخ المصباح لكيفية تعامل القرآن مع العالم (الطبيعة) فلم يتناول القرآن ذلك بصورة مستقلة ومباشرة بل تناول ذلك لغرض تربية الانسان بحيث ينظر إلى العالم من جهة كونه مخلوقا لله وتحت تدبيره ( معارف القرآن ج٢ ص ٤) ورَدَّ على عدة فئات:
1- من نسب للقرآن ومن دون دليل اكتشاف بعض المسائل العلمية فيزيائية أو كيميائية أو ..الخ.
2- المتأثرين بالثقافة الغربية والآخذين بالتجربة والاستقراء والقائلين بأن القرآن رفض القياس المنطقي
3- القائلين بأن القرآن يتبنى الفلسفة الوضعية
ولمّا كانت الآيات المتعلقة بالعالم والكون استطرادية ومغلفة بالابهام فلا بد أن نحتاط ونتورع دون أن نندفع في تفسيرها .. فإذا ظفرنا بآية تنطبق حسب قواعد المحاور على نظرية ( فلسفية كانت أو علمية أو ..) فيا حبذا هذا الوفاق.
والحقيقة أن الكتاب غني بمعالجاته القيمة حول السماء والأرض والعرش والكرسي والظواهر الأرضية كالجبال والأنهار والعيون والجن بما يكفي لإعطاء فكرة شاملة ومعمقة حول هذه المفردات . في تقديري أن الشيخ المصباح التزم بمنهج حيادي وموضوعي تجاه مختلف الأفكار المسبقة قبل ولوجه التفسير فرد بعض كلمات الفلاسفة مع أنه يصنف كأستاذ فلسفة ( انظر رده على فكرة عالم الخلق والأمر ص ٨
[ كتاب اقتصادنا للشهيد الصدر كنموذج للتفسير الموضوعي ]
يعد كتاب اقتصادنا نتاج لفكرة التفسير الموضوعي فهو يمثل نظرية إسلامية قرآنية في الاقتصاد وهو كتاب في فقه النظريات لا فقه الأحكام الجزئية . ويمكن القول إن التطبيق سبق التنظير عند الشهيد الصدر في موضوع التفسير الموضوعي إذ كتب اقتصادنا قبل طرحه للتفسير الموضوعي بسنوات عديدة، حيث كانت الطبعة الأولى لاقتصادنا 1961م. في مطبعة النعمان في النجف ولا يعني ذلك أن فكرة التفسير الموضوعي لم تكن حاضرة في ذهنه وعلى الأقل الخطوط العريضة لها كما قرأنا رسالته التي وجهها إلى الشيخ السبحاني سنة ١٣٩٥.
والكتاب عبارة عن ثلاثة فصول يتناول في الفصل الأول المذهب الماركسي وفي الثاني المذهب الرأسمالي وفي الثالث المذهب الإسلامي ، وبدراسة المذهبين بصورة معمقة وبطلانهما لفقدانهما للقيم الخلقية والإنسانية ولتناقضهما مع الحاجات الضرورية للإنسان يثبت الشهيد أحقية المذهب الإسلامي في الاقتصاد.
ويعتبر كتاب اقتصادنا الحلقة الثانية من كتاب فلسفتنا، فلا نخطئ إذا قلنا إن الجزء الأول من الكتاب هو تكملة لكتاب فلسفتنا. قال السيد الشهيد في مقدمة الجزء الثاني - التي لم ترد إلا في طبعة دار الفكر - : " هذا الكتاب هو الحلقة الثالثة من السلسلة التي بدأناها بفلسفتنا والكتاب الثاني من اقتصادنا .." .
يحتوي اقتصادنا على ١٩٢ صفحة في نقاش المادية التاريخية للفكر الماركسي وهي عبارة عن امتداد لكتاب فلسفتنا فكثيرا ما كان يحيل الشهيد الصدر عليه، وفي الواقع هي تعميق أكثر لنقد الديالكتيك لكن أخذ في هذا النقد تأثير الديالكتيك على الاقتصاد من وجهة النظر الماركسية. ولا غنى للباحث عن الاطلاع عليها وتسريح نظره في معالمها فلا زالت غضة طرية.
فمن بحث نشأة اللغة التي ذهب استالين للقول بأنها ناتج عن العلاقات الاقتصادية بفعل قوى الانتاج واعتمادًا على أبحاث بافلوف في الاقتران الشرطي إلى بحث تأثير الاقتصاد في الفلسفة، يتنقل بك الشهيد الصدر بين السياسة والاقتصاد والفلسفة والطبيعيات ليكمل نقد المادية التاريخية ويوضح فشلها في النظرية والتطبيق.
يتوسع السيد الشهيد أكثر فأكثر في هذا الجزء حول نظرية المعرفة فيشير إلى معنى النسبية في نظر الماركسية بأنها نسبية موضوعية بمعنى أن الواقع يتغير بتغير الوضع الاقتصادي فتتغير الحقيقة بتغيره بينما النسبية التي يقول بها النسبيون فهي ذاتية تابعة للتركيب العضوي والنفسي للفرد المفكر. اقتصادنا ص ١٤٧
وترى الماركسية أن الطبقة الاقتصادية التي ينتمي إليها الشخص تجعله من المستحيل أن يتجرد عن مصالح الطبقة، وهنا يأخذ الصدر عليها: بأن الفرد يصبح صاحب نسبية ذاتية، فلا يختلف ما يقوله النسبيون عما يقوله الماركسيون في تعريفهم للنسبية . هكذا نقدهم الصدر .
قيمة السلعة
نقد السيد الصدر الماركسية ونقد الرأسمالية ولم يكتف بذلك بل عرض لنقد الماركسية للرأسمالية فماركس حين نقده للرأسمالية بدأ في دراسته لجوهر المجتمع الرأسمالي وقوانين الاقتصاد السياسي البورجوازي بتحليل (القيمة التبادلية) وأنها عبارة عن كمية العمل المتجسد فيه، فقيمة أي سلعة هو عبارة عن كمية الساعات أو الدقائق التي استغرقت في صنعها فقيمة السلعة التي صرف عليها ساعة تساوي نصف قيمة السلعة التي صرف عليها ساعتان. ( ينظر اقتصادنا ص ٢٠٣)
ولقد أغفل ماركس القيمة الاستعمالية وهي الرغبة السيكولوجية في السلعة فلم يضع لها أي اعتبار وهي النقطة التي لاحقه فيها السيد الشهيد بالنقد والتفنيد.
الرأسمالية
بحثها في ٤٣ صفحة واستفاد الشهيد كثيرًا من مسألة الضمان في الفقه الإسلامي كفارق بين المذهب الرأسمالي والإسلامي . (اقتصادنا ص ٢٩٤)
ملحوظات: تفاعل الشهيد الإنساني جعله يقسم بالله في بيان مساوئ الاقتصاد الرأسمالي ص ٣٠١ "أي والله إن هذا هو الأمل الذي يقدمه القانون الحديدي للأجور إلى العمال".
وعندما تظاهرت بريطانيا بالقضاء على تجارة الرقيق ص ٣٠٣ إذ أرسلت اسطولها الضخم إلى سواحل إفريقية لمراقبة التجارة المحرمة لكنها مهدت لاحتلال مساحات كبيرة على الشواطئ الغربية (أي والله هكذا زعمت).
يخلص الشهيد الصدر إلى وجود نوعين من الحرية في المذهب الرأسمالي:
النوع الأوّل الحرية الشكلية وهي إعطاء الفرد القدرة لا فعلا بل شأنا في ثلاثة أمور: بأن يملك ويستغل ملكيته ويستهلك كيفما يشاء والنوع الثاني هو الحرية الجوهرية وهو أن يوفر المجتمع للفرد كل الوسائل والشروط التي يتطلبها القيام بالأمور الثلاثة. والحرية الجوهرية لم تعط للأفراد في المجتمع الرأسمالي.
بينما يرى السيد الشهيد ويستشرف نجاح النظام الإسلامي " وهكذا امتزجت الحرية الجوهرية والحرية الشكلية معا في التصميم الإسلامي هذا الامتزاج الرائع الذي لم تتجه الإنسانية - في غير ظل الإسلام - إلى التفكير فيه وتحقيقه إلا في غضون هذا القرن الأخير، إذ بدأت المحاولات إلى إقرار مبدأ الضمان والتوفيق بينه وبين الحرية بعد أن فشلت تجربة الحرية الرأسمالية فشلا مريرا " اقتصادنا ص ٣١٥
ولعله يشير هنا إلى تجربة البنك اللاربوي الذي حاولت أن تعمل به بعض الدول الإسلامية.
الاقتصاد الإسلامي
وهنا يضع الصدر مائزا بين المذاهب الثلاثة الاقتصادية فيقول : في الاقتصاد الإسلامي :يشتري المالك من العامل منفعة عمله أي الأثر المادي الذي ينتجه العمل في المادة الطبيعية.
بينما ترى الماركسية أن المالك يشتري من العامل قوة العمل التي تعبر عن كمية العمل المنفق عليها.
والاقتصاد الرأسمالي يرى أن المالك يشتري من المالك العمل نفسه الكرسي مثلا.
فإذا استأجر مالك الخشب عاملا ليصنع منه سريرا فهو يدفع له أجرة ثمنًا للهيئة أو التعديل الذي قام به على الخشب فأصبح كرسيا وهو أثر العمل ومنفعة العمل وليس العمل أو طاقة العمل ويتسلم المالك من العمل هذه المنفعة ضمن الخشب فما يشتريه ويتسلمه شيء واحد لا تناقض بينهما لا كما تقول الماركسية أنه اشترى منه طاقته وتسلم الكرسي!!. ص ٢٣٥
معالم الاقتصاد الإسلامي
1- الملكية المزدوجة : للفرد والمجتمع والدولة.
2- الحرية الاقتصادية المحددة. بالحد الذاتي وهو التربية الأخلاقية فترى المسلم يدفع الزكاة بدافع ذاتي. وبالحد الموضوعي وهو تحريم الإسلام لأمور ومنعه لها كالربا والاحتكار والقمار. وبإشراف ولي الأمر على النشاط العام وتدخل الدولة لحماية المصالح العامة.
من هنا يبدأ السيد الشهيد بالاستشهاد بالآيات القرآنية من مثل قوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) فيمنع من المباحات التي لا يمكن تفصيلها (في صيغ دستورية ثابتة) فقد يكون القيام بعمل مضرا بالمجتمع وكيانه في زمن دون زمن . (اقتصادنا ص ٣٢٨)
ويرى الشهيد أن الاقتصاد الإسلامي (جزء من كل) فهو جزء من النظام الإسلامي الذي لا تظهر روعته وجماله إلا إذا طبق بالكامل وهو أحد الشرايين المرتبطة بالعقيدة والمفاهيم عن الكون كالنظر إلى الملكية أنها لله وأن الإنسان يمتلك الأشياء كأنها عارية وأمانة عنده (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، كذلك هو مرتبط بعاطفة الإخوة (إنما المؤمنون إخوة) وكذلك هو مرتبط بالسياسة المالية للدولة من حيث مساهمة الدولة في التوازن الاجتماعي والتكافل العام، وكذلك هو مرتبط بالنظام السياسي وصلاحيات الدولة، وكذلك هو مرتبط بإلغاء رأس المال الربوي فبعد أن حرم الإسلام الربا لا بد من وضع الحلول المناسبة لحل المشاكل الاقتصادية من خلال أحكام المضاربة والتوازن والتكافل وغير ذلك كارتباط الإقتصاد وأحكام الجهاد.
ويشير السيد الشهيد إلى من سبقه في محاولة اكتشاف المذهب الاقتصادي الإسلامي " حين يكون درسنا لتلك الأحكام وعرضنا لها جزءا من عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي فلا يجدي عرض المفردات فحسب لاكتشاف المذهب وإن اكتفت بحوث كثير من الإسلاميين بهذا القدر بل يتحتم علينا أن ننجز عملية تركيب بين تلك المفردات أي أن ندرس كل واحد منها بوصفه جزءا من كل وجانبا من صيغة عامة مترابطة " (اقتصادنا ص ٤٣٨)
وفي فصل ( ما هي المشكلة الاقتصادية؟)
يحلل الشهيد نظرة الماركسية والرأسمالية نظرتها إلى التوزيع فيقارن بين تلك النظرة ونظر الإسلام إلى التوزيع ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم).
والتوزيع في نظر الإسلام يشمل الموارد الطبيعية ما قبل الإنتاج كالأرض التي تكون تارة ملكا خاصا بالدولة كالأنفال أو ملكا عاما للمسلمين كالأرض التي فتحت عنوة بالسلاح وكانت حين الفتح عامرة وهو ما يعبر عنها بالأراضي الخراجية والتي تبقى ملكا و وقفا عاما للمسلمين ويدفع من يستثمرها ضريبة يحددها الحاكم والعائد من هذه الضرائب يكون للمسلمين أيضا.
فكما يشمل التوزيع ما قبل الإنتاج للسلعة فكذلك يشمل ما بعد الإنتاج بينما اقتصرت الرأسمالية على التوزيع لما بعد الإنتاج وكان عبارة عن أجور مجحفة أو الهلاك جوعا لمن لا يجد عملا يلبي الضروري من حاجته.
معالجة المذهب الاقتصادي الإسلامي لاكتناز المال:
1- فرض ضريبة الزكاة في كل عام.
2- تحريم الربا.
3- أعطى صلاحيات لولي الأمر في الرقابة الكاملة على سير التداول والإشراف على الأسواق.
لن نستوفي الكتاب بهذه الكلمات المختصرة ولكنه بحق دراسة لموضوع بعمق وهو المذهب الاقتصادي المطروح في الساحة البشرية ثم عرضه على القرآن للخروج بنظرية إسلامية قرآنية، إنه حقًا تفسير موضوعي بحسب اصطلاحه هو وإن طالت مقدماته.
عبد الغني العرفات