القائمة الرئيسية

الصفحات

 سيرة عاشق الغري في ذكرى الرحيل 

المرحوم الدكتور علي البهادلي في سطور

بقلم الدكتور محمّد باقر البهادلي

سيرة الدكتور علي أحمد البهادلي

مولد ونشأة الدكتور علي البهادلي

ولد في النجف الاشرف عام  1357هـ - 1955م ونشأ وترعرع فيها، وفتح عينيه على حلقات الدرس و التدريس . وما أن أنهى دراسته الإبتدائية فيها حتى التحق في حوزتها العلمية متدرجاً في دروسها. وبعد إكماله دورة السيد الحكيم على أيدي مشاهير الأساتيذ كآية الله السيد محمود الهاشمي, وآية الله السيّد محمد الصدر، وآية الله السيد محمد باقر الحكيم، والشيخ حسن طراد , والشيخ علي الكوراني، وآية الله السيد عز الدين بحر العلوم، والشيخ أحمد البهادلي – والد المترجم له - وآخرين، وتأهل لحضور بحث الخارج ، لكنه دخل كلية الفقه بعد اجتيازه الاختبار الخاص للقبول فيها وتخرج فيها عام 1396هـ -1976م .

غادر العراق الى دولة الكويت عام 1397هـ - 1977م، وعمل هناك  بمجلة صوت الخليج محرراً بالقسم الثقافي، واستمر على ذلك حتى التحق بوظيفة إدارية بإحدى الشركات المساهمة الكبرى في الكويت .

غادر الكويت قسراً عام 1407هـ- 1987م إلى دول المغرب العربي ثم يوغسلافيا ليستقر به المقام بعدها في سوريا ثم في  لبنان ليواصل في مستقره الأخير تدريساته ودراسته الجامعية العليا. 

كان عريقاً في أدبه، رصيناً في دراسته واطلاعه، طَرَقَ أبواب الشعر فقال فيها الجيّد من القول، بدأ بنشر مقالاته وقصائده في صحيفة العدل النجفية، وصحيفة المجتمع الكربلائية، ومجلة صوت الاسلام الكربلائية، ومن ثم لتنشط مساجلاته في المجالس الكويتية. 

نشاط الدكتور علي البهادلي العلمي في لبنان 

وما أن حطَّ رحاله بلبنان حتى بدأ يتجه اتجاهاً حثيثاً نحو الكتابة والتأليف  فاصدر كتباً وأبحاثاً عدة ومنها مثالاً:

1- النجف جامعتها ودورها القيادي.

2- ومضات من حياة الامام الخوئي.

3- خفقات للغد والحبيبة (مجموعة شعرية).

4- دراسة عن العلّامة المجاهد الشيخ محمد جواد الجزائري نشرتها بحلقات مجلّة الموسم التي تصدر عن اكاديمية الكوفة في هولندا عام 1411هـ - 1990م.

5- دراسة قيّمة عن كردستان و أكراد العراق.

6- دراسة عن أمكنة التعليم في المجتمع الإسلامي الأول، نشرت في مجلّة المنطلق اللبنانية عام 1990م.

7- ساهم  في مجلة الوحدة الاسلامية التي تصدر في بيروت ، و في مجلة البلاد البيروتية، فضلا عن العديد من المقالات و البحوث عن المرجعية الدينية في مجلة العرفان وجريدتي السفير و النهار، كما له العديد من البحوث و الدراسات في مجلات ودوريات عربية وإسلامية ، منها قراءة في كتاب معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية. و الارتقاء إلى ملائكة السماء وغيرها عشرات.

وكانت كتاباته بعضها بإسمه الصريح و الأخرى الأغلب بأسماء مستعارة بسبب الوضع السياسي مثل : كاتب عراقي، شاعر نجفي، أبو أمل، الأحمد .. وغيرها الكثير. 

تقدَّم للالتحاق في الدراسات العليا في جامعة الإمام الأوزاعي في بيروت وحصل على شهادة الماجستير في الدراسات الاسلامية عن رسالة تحت عنوان : ( الحوزة العلمية في النجف الاشرف معالمها وحركتها الإصلاحيّة 1339-1401هـ/1920-1980م) ،عام 1412هـ -1992م، ونشرتها دار الزهراء في بيروت في كتاب مستقل عام 1413هـ-1993م، كما ونشرت العديد من أبواب الرسالة وفصولها في الجزء الخامس و السادس من موسوعة النجـف الاشرف في عام 1415هـ-1995م، وأصبحت فيما بعد مصدراً مهما لكل من يكتب عن النجف الاشرف في التاريخ المعاصر. 

ثم واصل دراسته في مرحلة الدكتوراه في الجامعة نفسها حتى كتب رسالته أيضاً بموضوع شائك جداً بعنوان: (ولاية الفقيه الجذر الفقهي و البعد السياسي)، واستطاع أن يخرج بنتائج مميزة ، ولا زالت مخطوطة لم تر النور بعد. 

نشاطات الدكتور علي البهادلي

كان المرحوم الدكتور البهادلي في حراك دائم لم يسكن قط ولم يستسلم لمعاناة الغربة بل كان يقارعها بالعمل الدؤوب، و البحث العلمي والنشاطات الثقافية المختلفة ، فقد أسس وترأس المركز الثقافي الإسلامي في بيروت 1993-1994م ، وفي السنة ذاتها أسس المنتدى الثقافي العراقي، كما ترأس الإتحاد الإسلامي لطلبة و شباب العراق فرع لبنان بالانتخاب عام 1992-1994م، كما كان المسؤول الثقافي لمجلة مواكب الطلبة التي يصدرها الإتحاد الإسلامي، وكان المدير التعليمي لحوزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في بيروت 1993-1995م، وزاول التدريس فيها، ثم بجامعة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله) في بيروت 1993-1995م، كما درّس المفاهيم الإسلامية في كلية الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) للعلوم الإسلامية.

شاعرية الدكتور علي البهادلي

اما بدايات كتابته للشعر فكانت اوائل السبعينات يوم كان عمره لا يتجاوز الستة عشر عاماً، شأنه شأن الكثيرين ممّن عاشوا في مدرسة النجف الاشرف العلمية و الادبية، ووجدوا في الشعر العاطفي (حفظاً ونظماً) الترفيه البرئ المقبول اجتماعياً، وإن كان على حياء لمن عاش في محيط رجال العلم وطلبته في الحوزة العلميّة. 

ونمت شاعريته في لغة وخيال وصورة يذكرك بشعراء المهجر العربي أمثال ايليا ابو ماضي، أو الشعراء الرومانسيين كالشاعر محمود طه ، حيث يقول في نديم الروح عام 1973م: 

يا نديم الروح يا كل الـمـنى   *  أتــــرى حباً يباري حبنــــــــا

عـودنا أينع من شهد الهوى   *  لم يكن ذا الزهو لولا قربنـــــا

فانظر العصفور يبني عشه   *  هــو لولا الحب ما عشاً بنـــى

نام في العــش و أحلام الهنا *  تحـضن الروض وترعى الأغصنا

لم جاءتــــــه رياح صرصر؟   *   اجنى الطير؟ أم الروض جنى

وفي بيئة دينية كبيئة النجف الاشرف لابدّ من أن يكتب الكثير من القصائد الدينية، ولا سيّما وأن النجف الاشرف دأبت على إحياء المناسبات الدينية وولادات المعصومين عليهم السلام فكانت قصيدته الرائعة التي ألقاها في الصحن الحيدري الشريف عام 1973م ضمن موكب أساتذة كلية الفقه وطلابها وكان حينها طالبا في السنة الأولى بمناسبة ذكرى شهادة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وهي بعنوان ( ماذا نردد والمصاب لهوله تبكي العصور) يقول فيها: 

جن الظلام وهاجت الضــراء * ماذا يقول لهولـــها الشعــــراء 

والقلب فرَّقه الأسى برزيـــة   * هدت لفرط مصابها العليـــــاء

 ذهب الامام الحق والعدل الذي  *  شهدت بفضل خصاله الأعداء

ثم يقول :          

كلية للفقه تقدم والجــــوى    *    دوى له عبر الزمـــان نــــداء

 ماذا نردد والمصاب لهـــوله  *  تبكي العصور وتندب العليــاء

ويختم قائلاً :    

 أرجو الشفاعة منكم يا سادتي  *  يوم الحساب فأنتم الشفعاء 

ومن النادر أن نقرأ لشاعر من شعراء الغري ممّن عاشوا محنة فلسطين دون أن يكون لفلسطين نصيب من اهتمامه وشعره، وكان البهادلي من أولئك الذين كتبوا لفلسطين، كتب لمدنها.. لبحرها.. لشهدائها.. لطلائع الفداء فيها. 

يا قدس عذرا أن يخون بياني  *  وتجف أنغام الشجى بلساني 

ماذا أقول وأرض يعرب قد  *  جرت فـيها دماء الفتية الشجعان

ماذا أقول وشعبنا في غربـــة  *  يـشكو اللجوء بدمعة الحرمان

وكتب للوطن كثيرا وتحدَّث بوزنٍ وقافيةٍ ولغة مباشرة حيث يقول في قصيدته المعنونة (أغنية للنجف) نُشرت في الجزء الخامس من موسوعة النجف الاشرف. 

حملت جرحي أعواما أطوف بـه  *  رفيقي الجرح في رحلي وفي حضري 

أستلهم الشعر من شاطيك أسكبه   *  لحناً يـــذوب على أنـــّاته وتــــري.

ومالك التبر والتذكار لي شجــن  *  كأنما الشجو مـن همــي ومن قدري 

إذا أردت من التذكار تعــرفه واد  *  ي السلام يقص الحـــلم من صوري

فـــــدع حروفك أحييها بقافيتي  *   كما الحمــــــائم بين النهر و الشجر

إذا كنّا نتحسس حرقة الشاعر لوطنه، لملاعب أترابه بعد غربة قاسية مريرة فهل يا ترى وجد في غربته الأهل و الوطن حين قال: 

هلمي ضمدي جرحـي  *  لينأى الحزن و الشجن  

فأنت الشاطئ الحاني   *   وأنت الأهل و الوطـن

ونعود لنتساءل مرة أخرى هل وجد علي البهادلي في غربته الأهل والوطن أو أنها لحظة تحليق في ملكوت الشعر؟ .

وفات الدكتور علي البهادلي

قست عليه ظروف الغربة والبعد عن الوطن كثيراً وانعكس ذلك على شعره وكتاباته وكان أمل العودة يراوده من حينٍ لآخر، حتى انتقل إلى جوار ربه ليلة الخميس 22 ربيع الأول 1422هـ / 20 /6/2001م في شقّته في بيروت ولم يتحقق أمله في العودة حتى جسداً ورفاتاً ودفن في كسروان / المعيصرة في مقبرة أصهاره . وأعقب سنين وأحمد وحسن .

فإلى روحه نهدي ثواب قراءة الفاتحة ، داعين له أن يتغمده الله برحمته الواسعة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمي.

 الدكتور : محمد باقر البهادلي 

5/ شعبان / 1430 هـ - 28/ تموز / 2009 م