عقد الأخوة في عيد الغدير
بقلم الشيخ : حيدر السندي
من الأمور الشائعة بين المؤمنين (أعزهم الله) عقد الأخوة في يوم الغدير ، وصيغته كما يلي:
[ كيفية عقد الأخوة يوم الغدير ]
أَنْ يَضَعَ المؤمن يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يُمْنَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَ يَقُولَ : ( وَاخَيْتُكَ فِي اللَّهِ وَ صَافَيْتُكَ فِي اللَّهِ وَ صَافَحْتُكَ فِي اللَّهِ وَ عَاهَدْتُ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ وَ كُتُبَهُ وَ رُسُلَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ وَ الْأَئِمَّةَ الْمَعْصُومِينَ (عليهم السلام) عَلَى أَنِّي إِنْ كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ الشَّفَاعَةِ وَ أُذِنَ لِي بِأَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَا أَدْخُلُهَا إِلَّا وَ أَنْتَ مَعِي فَيَقُولُ الْأَخُ الْمُؤْمِنُ قَبِلْتُ فَيَقُولُ أَسْقَطْتُ عَنْكَ جَمِيعَ حُقُوقِ الْأُخُوَّةِ مَا خَلَا الشَّفَاعَةَ وَ الدُّعَاءَ وَ الزِّيَارَةَ )
[ الإشكال سند نصوص عقد الأخوة يوم عيد الغدير ]
ولم أقف على رواية بسند متصل معتبر إلى أحد المعصومين (عليهم السلام)، و لكن جاء في مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل : ج6 ؛ ص278 : الْآمِيرْزَا عَبْدُ اللَّهِ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي رِيَاضِ الْعُلَمَاءِ،" فِي تَرْجَمَةِ السَّيِّدِ الْجَلِيلِ أَبِي الْمَكَارِمِ حَسَنِ بْنِ شَدْقَمٍ الْمَدَنِيِّ ذَكَرَ صَوْرَةَ إِجَازَةِ الْعَالِمِ الْجَلِيلِ الشَّيْخِ نِعْمَةِ اللَّهِ بْنِ خَاتُونٍ الْعَامِلِيِّ لَهُ وَ فِيهَا وَ بَعْدُ فَإِنَّ السَّيِّدَ الْجَلِيلَ النَّبِيلَ الْإِمَامَ الرَّئِيسَ وَ سَاقَ مَدَائِحَهُ وَ فَضَائِلَهُ وَ نَسَبَهُ وَ الدُّعَاءَ لَهُ إِلَى أَنْ قَالَ وَفَّقَ اللَّهُ مُحِبَّهُ وَ دَاعِيَهُ نِعْمَةَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ خَاتُونٍ الْعَامِلِيَّ لِزِيَارَةِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَ زِيَارَةِ قَبْرِ نَبِيِّهِ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ع فَاتَّفَقَ لَهُ إِدْرَاكُ الِاجْتِمَاعِ بِحَضْرَتِهِ السَّنِيَّةِ وَ سُدَّتِهِ الْعَلِيَّةِ وَ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الْحَرَامِ فِي حُدُودِ سَنَةِ سَبْعٍ وَ سَبْعِينَ وَ تِسْعِمِائَةٍ عَلَى مُشَرِّفِهَا الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ عَقَدَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ الْإِخَاءَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النَّصُّ مِنْ سَيِّدِ الْأَنَامِ عَلَى الْخُصُوصِ بِالْإِخَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ وَ الْتَمَسَ مِنَ الْفَقِيرِ يَوْمَئِذٍ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ شَيْئاً مِمَّا أَجَازَنَاهُ الْأَشْيَاخُ .. إِلَى آخِرِهِ).
وهذه العبارة تدل على أن العالمين الجليلين السَّيِّدِ الْجَلِيلِ أَبِا الْمَكَارِمِ حَسَنِ بْنِ شَدْقَمٍ الْمَدَنِيِّ و الشَّيْخِ نِعْمَةِ اللَّهِ بْنِ خَاتُونٍ الْعَامِلِيِّ (رحمهما الله) أجريا هذا العقد ، وهذا يكشف عن جريان العقد بين أعلام الطائفة الكبار، وقال الْعَالِمِ الْجَلِيلِ الشَّيْخِ نِعْمَةِ اللَّهِ بْنِ خَاتُونٍ الْعَامِلِيِّ (رحمه الله): (فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النَّصُّ مِنْ سَيِّدِ الْأَنَامِ عَلَى الْخُصُوصِ بِالْإِخَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ)، وعقب صاحب المستدرك (رحمه الله) بقوله : ( قُلْتُ لَمْ نَعْثُرْ عَلَى النَّصِّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ وَ لَا عَلَى كَيْفِيَّةِ هَذَا الْعَقْدِ فِي مُؤَلَّفٍ إِلَّا فِي كِتَابِ زَادِ الْفِرْدَوْسِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ فِي ضِمْنِ أَعْمَالِ هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ وَ يَنْبَغِي عَقْدُ الْأُخُوَّةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ الْإِخْوَانِ بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يُمْنَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَ يَقُولَ وَاخَيْتُكَ فِي اللَّهِ وَ صَافَيْتُكَ فِي اللَّهِ ...) .مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، ج6، ص: 279.
ولا شكّ في أن هذا المقدار لا يكفي للحكم بثبوت المضمون بنحو يصحح قصد امتثال الأمر الندبي بهذا العقد بعنوانه . نعم، يصح بنية الرجاء ، أو بنية القربة فيما إذا انطبق عنوان عام ندبي ، كما لا يبعد في مثل عنوان إظهار مودة الإخوان ، والعناية بهم ، و تعظيم شأن يوم الغدير ، و الدعاء والزيارة فيه ، وفي غيره، فيقصد امتثال الخطاب المتعلق بالعنوان العام ، والأمر من هذه الناحية سهل ، وإنما المهم ملاحظة الإشكالات المضمونيّة ، فقد سجل الشيخ محمد الري شهري في موسوعة (معارف الكتاب و السنة) ج 1 ص 345 عدة إشكالات:
[ الإشكال في مضمون نصوص عقد الأخوّة في يوم عيد الغدير ]
الإشكال الأول : ما بينه بقوله : (إنّ أوّل ما يلفت النظر في هذا الكلام ، أنّ علاقة الإخاء في الاُمّة الإسلامية التي ركّز عليها القرآن الكريم والأحاديث الشريفة لا تحتاج في ترتّب آثارها الشّرعية والحقوقية إلى صيغة عقد المؤاخاة وإيجابه ، وغير قابلة للإسقاط أيضاً ).
ويدفع بأمرين:
الأمر الأول : بأن العقد ليس على خصوص الأخوة و ترتيب آثارها ، وإنما على المجموع التالي: (وَاخَيْتُكَ فِي اللَّهِ وَ صَافَيْتُكَ فِي اللَّهِ وَ صَافَحْتُكَ فِي اللَّهِ وَ عَاهَدْتُ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ وَ كُتُبَهُ وَ رُسُلَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ وَ الْأَئِمَّةَ الْمَعْصُومِينَ (عليهم السلام) عَلَى أَنِّي إِنْ كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ الشَّفَاعَةِ وَ أُذِنَ لِي بِأَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَا أَدْخُلُهَا إِلَّا وَ أَنْتَ مَعِي فَيَقُولُ الْأَخُ الْمُؤْمِنُ قَبِلْتُ فَيَقُولُ أَسْقَطْتُ عَنْكَ جَمِيعَ حُقُوقِ الْأُخُوَّةِ مَا خَلَا الشَّفَاعَةَ وَ الدُّعَاءَ وَ الزِّيَارَةَ).
ومن الواضح أن كون أحد هذه الأمور لازماً لا ينافي أن يكون المجموع منه ومن غيره ليس لازماً ، فيصح العقد بأن يكون الأثر هو لزوم المجموع الذي لم يكن لازماً قبل العقد.
بل قد يقال : لو كان المجموع لازماً من قبل الشرع فلا محذور في حسن العقد عليه ، لأن العقد يحقق إلزاماً آخر غير الإلزام الشرعي ، فيكون للمؤمن الاحتجاج على أخيه إذا لم يراع مقتضى الأخوة من وجهين، وما كان له ذلك قبل العقد، ومن هذا ما دل من الروايات على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا إلى بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم غدير خم.
الأمر الثاني : يلاحظ على قوله : (وغير قابلة للإسقاط أيضاً) أن عقد المؤاخاة لو صح صدوره عن المعصوم (عليه السلام) فيمكن حمله على اسقاط خصوص الحقوق القابلة للإسقاط ، دون الأحكام بحسب الاصطلاح الفقهي ، وقرينة ذلك قرينة لبية حافة بالكلام وهي عدم قبول بعض ما للمؤمن للإسقاط، فهنالك قرينة تحدد المراد من (جَمِيعَ حُقُوقِ الْأُخُوَّةِ) بما يقبل الإسقاط منها إن كان لفظ (الحقوق) يشمل في نفسه ما لا يقبل الإسقاط، وبهذا يتضح عدم ورود تخصيص الأكثر.
الإشكال الثاني : ما بينه بقوله : (إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ مستقبل الإنسان والمصير الذي يؤول إليه ، أمر لا يمكن التنبّؤ به وتحديده ، فلا يصحّ عندئذٍ للشخص أن يتعهّد شرعاً بعدم دخول الجنّة إلّا ومعه رفيقه الذي أبرم معه عقد المؤاخاة ؛ إذا كان ذلك الرفيق ممّن لا يستحقّ الشفاعة).
ويندفع بأنه غريب جدّاً ؛ إذ لا يوجد في نص العقد جزم بالمستقل ، و إنما التزام معلق ، وهو (عَلَى أَنِّي إِنْ كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ الشَّفَاعَةِ وَ أُذِنَ لِي بِأَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَا أَدْخُلُهَا إِلَّا وَ أَنْتَ مَعِي) ، فأين الجزم بالجنة والشفاعة؟!
ثم إنه إذا تحقق المعلق عليه وهو (إنْ كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ الشَّفَاعَةِ) فهذا يعني أن للمؤمن حينئذ أن يشفع ، فلا معنى لأن يقال (فلا يصحّ عندئذٍ للشخص أن يتعهّد شرعاً بعدم دخول الجنّة إلّا ومعه رفيقه ...إذا كان ذلك الرفيق ممّن لا يستحقّ الشفاعة) ؛ لأن المفروض تحقق الإذن بالشفاعة ، وكون الرفيق مستحقاً لها، ولو لم يكن مستحقاً لها ، فإنه لم يتحقق العقد أصلاً ؛ لأنه معلق على ( إنْ كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ الشَّفَاعَةِ).
وبعبارة أخرى : إذا كان الرفيق مستحقاً للشفاعة شمله عقد المؤاخاة ، فللمؤمن الشفاعة له ، وإذا لم يكن مستحقاً لا يشمله العقد ، لا أنه يشمله وهو غير مستحق كما توهم الشيخ الري شهري.
ولا يخفى أنه من الواضح البين أنه إذا أذن للعبد بدخول الجنة ، و الشفاعة فإن له أن لا يدخل الجنة قبل الشفاعة ، فله أن يقول على هذا التقدير يوم القيامة لرفيقه (إِنْ كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ الشَّفَاعَةِ وَ أُذِنَ لِي بِأَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَا أَدْخُلُهَا إِلَّا وَ أَنْتَ مَعِي) ، وحيث إني صرت من أهل الجنة والشفاعة فأنا لن أدخل إلا بك.
الإشكال الثالث : ما بينه بقوله : (النقطة الأخيرة التي تُساق في مناقشة المسألة ، هي أنّ إيجاب الإنسان للشيء على نفسه ليس هو غير ممدوح من منظور أحاديث أهل البيت فحسب بل هو أمر مذموم أيضاً).
ويندفع : بأنه لو سلمنا بأن الإيجاب على النفس غير ممدوح وبل مذموم شرعاً مطلقاً ، فهذا لا يعني وجود حكم عقلي لا يقبل التخصيص ، وإنما يعني وجود حكم شرعي بكراهة الإلزام ، وهو يقبل التخصيص ، وليكن دليل عقد المؤاخاة لو صح هو المخصص.
والحاصل : إن ما ذكره من إشكالات وانتهى بها إلى قوله : (ومن ثَمَّ يبدو أنّ هذه الصيغة المستحدثة من وضع إنسان حرّكته لإنشائها دوافع الخير ، بغية ترسيخ المحبّة بين المسلمين وتوثيق عرى الاُخوّة بينهم) إشكالات ضعيفة ، ولا توجب الحكم بالوضع ، ولا أظن غفلة الأعلام الذين جروا على هذا العقد عنها وعن ضعفها.