القائمة الرئيسية

الصفحات

قانون تقلب الأيام والأحوال وعدم ثباتها

 حَتمِيَّة اليَوم : "مَنْ عاشَ تداولت أيامُه "

بقلم : السيد بلال وهبي

جاءت هذه الحتمية في قوله تعالى: "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"﴿140/آل عمران﴾.

إنها واحدة من الحتميات الكبرى في الحياة، وإنها لجارية مطَّرِدة باقية، جارية في الأفراد وجارية في الأمم والجماعات، شأنها شأن الليل والنهار، والشتاء والصيف، والربيع والخريف، فكما أن هذه الظواهر تتكرر باستمرار حتى يكاد البشر أن لا يشعروا بها لإلفِهم لها، كذلك هي تتكرر كل يوم، إنها حقيقة واقعية يذكرها القرآن وتشهد لها التجربة البشرية الممتدة على طول التاريخ، وهي سُنَّةٌ تكوينية ربانية تابعة لمصالح البشر، ومنوطة بأسباب موضوعية يتسبب بها البشر أنفسهم، تكون الدولة تارة لفرد أو جماعة وتارة أخرى لفرد آخر وجماعة أخرى، وبها ينتظم نظام الحياة البشرية، ولها فوائد مادية ومعنوية كثيرة.

قانون تقلب الأيام والأحوال

[ مداولة الأيّام ]

إن مداولة الأيام تعني المناقَلَة والمعاوَدة، تنتقل القوة والسلطة والصحة والسعادة من شخص إلى شخص آخر، وتنتقل القدرة والمِنعَة والسيادة من جماعة إلى جماعة أخرى ثم ترجع إليها مرة ثانية، يقال: داولتُ الشَّيءَ بينهم فتداولوه، ومداولة الأيام بسرائها وضرائها بين الناس هي مناقلتهما بينهم دون ان تستقر أيام السَرَّاءِ في ناس وأيام الضَّرَّاء في ناس آخرين.

إن مداولة الأيام تعني تعاقب الشدة والرخاء، والعسر واليسر، والغنى والفقر، والقوة والضعف، والصحة والمرض، والسلطة وعدمها، وإنها المَحَكُّ والميزان، فبها يمتاز هذا عن ذاك، وبها تظهر بواطن الناس وكمالاتهم، ومن ثم يتبين المؤمنون ويتبين المنافقون، وبها تتكشف الأخطاء، وينجلي الغبش، وتتضح الصورة أكثر، إن الشدَّة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والعسر بعد اليسر، والضعف بعد القوة، والقوة بعد الضعف، والسلطة بعد عدمها، وعدمها بعد وجودها، كل ذلك يكشف عن معادن النفوس، و طبائع القلوب، ودرجة الهلع فيها والصبر، ودرجة الثقة فيها بالله أو القنوط، ودرجة الاستسلام فيها لقدر الله أو البَرَمِ به والجموح! عندئذ يتميز حال الناس ويتكشف عن أخيار وأشرار، وعن مؤمنين ومنافقين، وعن ثابتين ومتقلقلين، ويظهر هؤلاء وهؤلاء على حقيقتهم، وتتكشف في دنيا الناس دخائلُ نفوسهم، وما تُكّنُّه صدورهم، ويزول عن المجتمع المؤمن ذلك الخليط الذي يجمع بين هؤلاء وأولئك، إن مداولة الأيام بين الناس تكشف المخبوء، وتجعله واقعا ماثلا للعيان.

إن فهم هذه الحتمية، حتمية مداولة الأيام يعين الشخص على تحديد موقفه مما هو فيه وعليه، فحين يكون غنياً لا يبطر ولا يستعلي ولا يستكبر، وحين يضعف ويفتقر ويمرض لا يقنط ولا ييأس ولا يفقد رجاءه بالله تعالى، بل يدفعه ذلك إلى المحاولة مرة أخرى، وإلى توفير الأسباب المطلوبة للنهوض من جديد، كما أن ذلك يكشف له حقيقة إيمانه ويقينه، ويعرف حاله في الشدة كما يعرف حاله في الرخاء، فليست الشدة أشد من الرخاء، فكم من نفوس أبيَّة تتماسك فيها صابرة مثابرة، ولكنها تتراخى وتنحل بالرخاء، والنفس المؤمنة هي الصامدة في الشدة والرخاء على سواء، محتسبة عند الله عناءها فيهما، متجهة إلى الله في الحالَين، موقنة أن ما أصابها من الخير و الشرِّ فبإذن الله.

إن الحياة ليست ملكاً لأحد منَّا يتصرف فيها كيف يشاء، ونحن لا نتحكم في حتمياتها وقوانينها، بل هي التي تتحكم فينا، فإذا كنا أهل سلطة ومال وصحة فلا يعني أن يستمر حالنا على ذلك، فقد ينتقل بنا إلى حال آخر، وينتقل بالآخرين إلى ما نحن عليه، وتبقى العاقبة دائماً لمن أحسن واتقى، إن قانون مداولة الأيام بين الناس هو الذي يعطى الحياة الحيوية المطلوبة، وهو الذي يُغري الناس بالسَّعي والعمل، لينتقلوا من حال إلى حال، فلو أخذ الناس بوضع ثابت مستقر ولو كان ذلك فى أحسن حال، لماتت فى أنفسهم نوازع التطلع إلى المستقبل، و لخمدت فيهم جذوة الحماس للعمل والكفاح والمثابرة.

ومن المؤكد أن تَحَوُّلَ الأحوال لا يكون جزافاً ولا اعتباطاً ولا ضربة حظٍّ، بل يكون وفق قانون الأسباب والمسببات، فلكل تَغَيُّرٍ سبب، وعلى الفرد أن يعرف كل تلك الأسباب وأن يجيد التعامل معها.

نصيحة:

تعامل مع الأحوال على أنها ليست ثابتة دائمة، فإن كانت سلبية فثق أنها ستتغير واعمل على تغييرها، وإن كانت إيجابية فتشبث بها وهيء لها كل أسباب البقاء والدوام، واحذر أن تقنط وتيأس حال الشدة، وأن تغتَرَّ وتتكبر وتستعلي حال الرخاء. 

السيد بلال وهبي

فجر يوم الإثنين الواقع في: 22/11/2021 الساعة (04:30)