القائمة الرئيسية

الصفحات

قاعدة : من ينصره الله لا يُغلَب

 

قاعدة : من ينصره الله لا يُغلَب

حَتمِيَّة اليَوم : "مَنْ يَنْصُرُهُ الله لا يُغْلَب"

السيد بلال وهبي

جاءت هذه الحتمية في قوله تعالى: "إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" ﴿160/آل عمران﴾.

هذه حتمية أخرى تجري في الصراع بين جبهة الحق وجبهة الباطل، فالحق منتصر لا محالة والباطل منهزم لا محالة، والله تعالى يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ويتمُّ ذلك على أيدي المؤمنين بالحق، حيث يسددهم الله ويمدهم بالتوفيق والرعاية والهداية إلى أحسن السُّبُلِ وأهداها، وأصحِّ الوسائل وأكثرها قوَّة وتأثيراً.

إنَّ التجربة التي خاضها أهلُ الحَقِّ على طول التاريخ تؤكد على ما يلي:

أولاً: إن النصر بيد الله، فإنه المالك لأسبابه لأنه مُسَبِّبُ الأسباب كلها، وهو المالك لكل شيء، وله القدرة المطلقة على كل شيء، والمؤمن الموحد يؤمن بهذه الحقيقة إيمانا مطلقاً ويعتقد أن لا مُؤَثِّر في الوجود إلا الله تعالى، كما يؤمن أن أي مؤثر آخر فتأثيره في طول تأثير الله وليس في عرضه، أي أنه مسبَّبُ من الله تعالى ومأذون له في ذلك. 

وكما أن النصر بيده تعالى فالخذلان كذلك، فمن ينصره الله فلن تغلبه قوة في الأرض مهما عَظُمَت، ومن يخذله فلن تنصره قوة في الأرض بلغت ما بلغت من القوة والاقتدار، وهذا ما يدلُّ عليه قوله تعالى: "فَلَا غَالِبَ لَكُمْ" ففيه نفي الجنس بنفي جميع افراد الغالب ذاتاً وصِفة، ومعناه: لا يغلبكم أحد مهما بلغت قوته. كما يدل عليه قوله تعالى: "وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ" أي لا احد يملك نصركم بعد خذلانه حيث تنفي الآية جنسَ الناصر بنفي جميع أفراد الناصرين ذاتا وصفة.

ثانياً: إن الله تعالى يفتح لعباده مغاليق الأمور، ويفرِّجُ عنهم، ويكشف كروبهم، ويمكر بأعدائهم، ويهيئ لهم فرَصاً لم تَذهب إليها أوهامهم، والتجربة الطويلة التي خاضها أهل الحق تؤكِّدُ ذلك بشكل قاطع، فكم من مَضيق عبروه ظنوا أنه سيُطبِقُ عليهم فإذا به ينفرج عن انتصار كبير وقوة أكبر، وكم من تهديد تعرضوا له فإذا به يتحول إلى فرصة لم تكن مُنتَظَرة، إنَّ أشكال التأييد الإلهي لعباده قد تختلف ولكن النتيجة واحدة، وهي تأييدهم وتثمير جهودهم وإيصال أعمالهم إلى خواتيم لم يكونوا ليتوقعوها.

ثالثاً: إن على أهل الحق أن يهيؤوا الأسباب المطلوبة ويُعِدوا العدة اللازمة، ويقوموا بالنشاط المطلوب منهم، لأن إرادة الله تعالى اقتضت أن تترتب النتائج على الأسباب والأسباب وإن كانت بيد الله باعتباره الموجد لها، لكن المطلوب من العبد أن يهيئها وأن يؤدّي واجبه ويبذل جهده ويفي بالتزاماته تجاهها، وبقدر ما يفي أهل الحق بذلك يرتِّبُ الله النتائج ويحققها، وهذا هو التوازن الدقيق بين فاعلية الله المطلقة، وبين نشاط أهل الحق وفاعليتهم، فأهل الحق يقومون بما يجب عليهم ويعدون العدة المطلوبة والله تعالى يوصل تلك الأعمال إلى نتائجها المرجوة، في الوقت المناسب.

رابعاً: إن النصر الإلهي لا يكون إلا للمطيعين، والطاعة هنا لا تقتصر على أداء الواجبات الشرعية المعروفة واجتناب ما يجب اجتنابه شرعاً من المحرمات، بل تشمل الأخذ بالأسباب، بل إن الأخذ بها من أوجب الواجبات، فمن دونها لا يكون إلا الفشل والهزيمة والخسارة في جميع الميادين، ولعل من أجلى مظاهر ذلك ما نراه اليوم من حال المسلمين الذي تمتلئ بهم المساجد ويتحدث خطباؤهم عن الإسلام وأنه يملك الحل للبشرية كلها ويختمون خطبهم بالدعاء وقد يبكون وهم يدعون ولكنهم لا زالوا حيث هم متخلفين عن بقية الأمم، بل لعلهم أكثر الأمم تخلفاً، لتركهم الأخذ بالأسباب، في المقابل نرى بعض المسلمين الذين يهيؤون أسباب القوة والاقتدار ويثقون بأنفسهم وبقدراتهم ويستثمرون طاقاتهم (كالجمهورية الإسلامية) نراهم يتقدمون رغم أنوف الأعداء، ويحققون الإنجاز بعد الإنجاز، رغم الحروب الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإعلامية والثقافية التي تُشَنُّ عليهم بلا هوادة، وهكذا الحال في ( الم.ق.ا.و.م.ة ) الإسلامية التي يحاربها العالم كله وتُشنُ عليها حروب ضارية على مختلف الصُّعُد لكنها تراكم الإنجازات والخبرات وتزداد أَلَقاً وحضوراً وتأثيراً.

خامساً: على المؤمنين إن أرادوا أن ينتصروا أن يتقرَّبوا بجميع أعمالهم وجهودهم إلى الله تعالى، وأن يكون هدفهم الأعلى من كل ما يعملون أداء التكليف الإلهي والفوز بمحبة الله ورضوانه، وأن يُمَلِّكوا أعمالهم لله، فإذا مَلِكَها الله أوصلها إلى نتائجها المرجوة، بل يوصلها إلى نتائج لم تكن لتخطر على بالهم.

سادساً: على المؤمنين أن يتوكلوا على الله وهم في حمأة المواجهة والصراع مع أعدائهم، فإنهم بالتوكل تتصل قلوبهم مباشرة بالقوة الفاعلة القادرة في هذا الوجود، وأن يثقوا بوعده ونصره وحمايته ورعايته، وينفُضُوا أيديهم من كل القوى الزائفة والأسباب الباطلة العاجزة عن حماية نفسها، فضلا عن حماية غيرها. 

نصيحة:

أنت تحتاج إلى أن ينصرك الله على أعدائك، ومن أهم أعدائك شهواتك وغرائزك فالجأ إلى الله عندما تضغط عليك شهواتك وغرائزك، فإنك إن قدرتَ عليها كنت على غيرها أقدر ولن يغلبك أحدٌ مهما كان قوياً قادراً.

 السيد بلال وهبي

فجر يوم الأربعاء الواقع في: 24/11/2021 الساعة (04:30)