القائمة الرئيسية

الصفحات

 

ماذا نتعلَّم من الموت

ماذا نتعلَّم من الموت

هدف اليوم: أن أتعلم من الموت

بقلم السيّد بلال وهبي

رغم أن الموت هو الأمر الذي لا يشك به أحد من البشر، فكلهم على يقين من أن مصيرهم إليه، وأنه الشيء الوحيد الذي ينتظرهم نهاية مطافهم في الدنيا، ورغم أنهم يجهلون متى يأتيهم لكنهم مع ذلك يتجاهلونه ولا يؤهلون أنفسهم للقائه، وكما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "ما رَأيْتُ إِيْماناً مَعَ يَقِيْنٍ أَشْبَهُ مِنْهُ بِشَكٍ على هَذا الإنسانِ، إِنَّهُ كُلّ يَوْمٍ يُوَدِّعُ إلى القُبُورِ وَيُشَيِّع، وَإِلى غُرورِ الدُّنْيا يَرْجِعْ، وَعَنْ الشَّهْوَةِ والُّذُّنوبِ لا يُقْلِعْ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لابْنِ آدَمَ المِسْكين ذَنبٌ يَتَوَكَّفه، ولا حِسابٌ يَقِفُ عَلَيْهِ إلا مَوْتٌ يُبَدِّدُ شَمْلَهُ، وَيُفَرِّقُ جَمْعَهُ، وَيُؤْتِمُ وُلْدَهُ، لَكانَ يَنْبَغي لَهُ أَنْ يُحاذِرَ ما هُوَ فيهِ بِأَشَدِّ النَّصَبِ والتَّعَب".

إن تَذَكُّرُ الموت أمر إيجابي جِدّاً، إنه يترك آثارا إيجابية على حياة الإنسان من حيث النجاح والمبادرة إلى الأعمال وعدم التسويف وتجنب المماطلة واكتساب ما يمكن من الفضائل والحسنات والباقيات الصالحات، فإن من يتيَقَّن أنه ميِّتٌ لا محالة ولا يعلم متى يأتيه الموت، ويعلم أن ما بعد الموت رهنٌ بعمله قبل الموت لا شك أنه سيكون إنسانا إيجابيا في جميع مجالات حياته وعلاقاته، ولا شك أنه سيبذل قصارى جهوده لإنجاز ما يجب إنجازه للدنيا وللآخرة.

وإننا نتعَلَّم من الموت أمورا كثيرة: وهي ذات مردود إيجابي علينا، نتعلم منه أن لا شيء يبقى ويدوم سوى الله الحي الباقي الدائم، أما سواه فمصيره الموت، وذلك يعيننا على تحديد رؤيتنا للحياة ورؤيتنا لوجودنا ولدورنا فيها، ويساعدنا على وضع أهداف واضحة قابلة للتحقق.

ونتعلَّم من الموت: أن الحياة الدنيا مرحلة على طريق الخلود، فإن الموت انتقال وعبور من نشأة أدنى إلى نشأة أسمى وأرقى يكون الإنسان فيها أكثر كمالا مما كان عليه في الحياة الدنيا، والعاقل هو ذاك الذي يختار المستقر لا الممَرَّ، وما يبقى لا ما يفنى. 

ونتعلَّم من الموت: أن الحياة تتجدد به، فإنه نهاية نَشأة وبداية نَشأة أخرى وأن تلكم النَشَآت مترابطة ترابط حلقات السلسلة، كل حلقة منها مقدمة للحلقة التالية، وكل نشأة سابقة تؤثر في النشأة اللاحقة، والنشأة اللاحقة قائمة على ما يكون مِنّا في النشأة السابقة.

ونتعَلَّم من الموت: أن تكون عقيدتنا حقَّةً لا شك فيها ولا تعتريها الشبهات، وأن تكون ثابتة راسخة لا تَقَلقُلَ فيها ولا اضطراب، لأن سعادتنا في الآخرة كما في الدنيا مشروطة بصحة عقيدتنا، ونتعَلَّم أن نتزوَّدَ لِما بعدَ الموت بأكبر زاد من التقوى والأعمال الصالحة، ونستزيد من الحسنات ونتجنب الذنوب والمعاصي والسيئات.

ونتَعَلَّم من الموت: أن تتعلق قلوبنا بما هو دائم لا بما هو زائل، وأول من تتعلق به قلوبنا هو الله الدائم الحي الباقي، نتعلق به وبرحمته ولطفه وفضله وما أعَدَّ لنا من نعيم دائم في جنته، ولا يعني ذلك أن نَتَجَنَّبَ ما يزول مما نحتاج إليه من متاع الدنيا، فلسنا ممنوعين من ذلك بل إنه مخلوق لنا، وقد جاء في الروايات الشريفة: "لَيْسَ مِنّا مَنْ تَرَكَ دُنْياه لآَخِرَتِهِ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ تَرَكَ آَخِرَتَه لِدُنْياه".

ونتَعَلَّم مما نشاهده من أحوال الموتى في الحياة الدنيا أن نترك أثرا طيباً فيها ينفع الناس في دنياهم وفي آخرتهم، ونُذكَرُ فيه بالخير على ألسنة الباقين والآتين بعدنا من الصالحين، فيكون شهادة ممتدة لنا أننا كُنَّا أهل خير وصلاح.

ونتَعَلَّم من الموت: أن نَتَجَنَّب الخلافات مع الأقربين والأبعدين، وأن تسود المحبة والمودة بيننا وبينهم، وأن نقضي معهم الوقت الكافي، وأن نهتم لأمورهم ونقضي حوائجهم. 

ويعلمنا الموت: أن لا نستعظم مفارقة الأحبة، وأن الحياة ستستمر ما دام أجلنا لم يجئ، وأن نتابع ما كانوا عليه من صلاح، أو نصلح ما أفسدوه، وأن نتقبَّل الموت باعتباره قَدَراً مَقضياً لا يحول دونه الجزع والبكاء. 

ونتعَلَّم من الموت: أن نهتَمَّ بتذكير أبنائنا بالموت، وأننا قد نسبقهم في الارتحال عن الدنيا وقد يسبقوننا، وأن من يمُتْ مِنّا ينتظر وهو في برزخه ممن بقي في الدنيا أن يبعث إليه بثواب الأعمال الصالحة والتصدق عنه والدعاء له وغير ذلك من أعمال البِرِّ. 

توصيات:

1- الموت من أهم التجارب الموقِظة والمُرَبية، وفيه الموعظة البالغة إن كان لك قلب واعٍ.

2- أصلح دنياك، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.

3- "إِنَّكَ لَنْ يُغْني عَنْكَ بَعْدَ المَوْتِ إلّا صالِحُ عَمَلٍ قَدَّمْتَهُ، فَتَزَوَّدْ مِنْ صالِحِ العَمَل".

4- اعلم أن نفسكَ تُتَوَفَّى كلما نِمتَ فإن كان بقي لك يوم من عمرك أُرجِعَت إليك وإلا صرتَ في عداد من غادروا، كما ينص القرآن الكريم في سورة الزمر.

السيد بلال وهبي

فجر يوم الأحد الواقع في: 31/10/2021 الساعة (05:00)