بقلم السيد بلال وهبي
لئن كانت المعصية خطيرة، وهي خطيرة بلا شك، فإن الأشد خطراً منها أن تألفها، أن ترتاح إليها وتعتاد عليها، فإنها في هذه الحالة تتملكك وتستبدُّ بك وتصير جزءاً من طبيعتك، فلا تقوى على فراقها إلا بشق النفس، فقد تكون منك معصية لسبب أو لآخر، فسارع إلى محاسبة نفسك عليها، ولا تتوانى عن ذلك أو تُسَوِّف، فإنك إن سَوَّفتَ وتوانيتَ اعتدتَ عليها، والعادَةُ عَدُوٌّ مُتَمَلِّكٌ، وتُب إلى الله منها، وأَصلح ما أفسدته بسببها، وأَتبعها بالطاعة كي تزيل أثرها من نفسك، وتعوض ما فاتك، فإنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئات.
إنَّ إلِفَكَ المعصية من أشدِّ ما يمكن أن تُبْتَلى به، لأن إلف المعصية يجعلها أمرا عادياً عندك، فيدعوك ذلك إلى ارتكاب الذنب بعد الذنب، والمعصية بعد المعصية، حتى تتبَلَّدَ نفسُك، فلا تقوى على التمييز بين المعصية والطاعة، وبين الذنب والسلامة منه، ويؤدي بك ذلك إلى تحوُّلٍ في نظرتك إلى الأمور، فترى المعصية طاعة والطاعة معصية، والمنكر معروفا والمعروف مُنكرا، والشَّرَّ خيراً والخيرَ شَرّاً، وحينئذٍ يستحوذ عليك الشيطان فينسيك نفسك وينسيك ربَّك، فلا تصير في الغافلين وحسب، بل تصير أداة له وجنديا من جنوده وداعيا من الدعاة إلى سبيله.
إن إِلفَك المعصية يبدأ بارتكاب ذنب واحد تحقِّره، تعتبره صغيرا كأنك لم تفعل شيئاً، ثم تفعله مرة أخرى بنفس النظرة المتقدمة، ثم ثالثة ورابعة إلى أن يأنس قلبك به فيصعب عليك تركه، لذلك ورد النهي الأكيد عن تحقير الذنوب والمعاصي، فقد رُوِيَ عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "اتَّقوا المُحَقَّراتِ مِنَ الذُّنوبِ فَإِنَّها لا تُغْفَرُ، قلت: وما المُحقرات؟ قال: الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَقولُ: طوبى لي لَوْ لَمْ يَكُنْ لي غَيْرُ ذَلِكَ".
إن المؤمن لا يُحَقِّر ذنباً أبداً، ولا يستصغر معصية، ولا يجترأ على شيء منهما، امتثالا لأمر الله تبارك وتعالى، وحذرا من التجرّؤ عليه، فإنه تعالى كما نهى عن الذنوب الكبيرة نهى عن الذنوب الصغيرة، ولو كانت الذنوب الصغيرة لا ضرر عليك منها لما نهاك عنها، فلا فرق عند المؤمن بين الصغير والكبير، رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَرى ذَنْبَهُ كَأَنَّهُ تَحْتَ صَخْرَةٍ يَخافُ أَنْ تَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الكافِرَ لَيَرى ذَنْبَهُ كأَنَّهُ ذُبابٌ مَرَّ على أَنْفِهِ".
إن المؤمن لا يسمح لنفسه أن تألف المعصية، وإذا مَسَّه طائف من الشيطان يتذكَّر سريعاً فيلجأ إلى الله فراراً منه ومما يدعوه إليه، وإنه لَيَفر من المعاصي فراره من الوحوش الضارية، فإنها أشد ضراوة منها، ويتوقَّى سهام السيئات كما يتوقَّى الرصاص القاتل، فإن للسيِّئات جراحات، وربّ جرح أصاب في مقتل، ويُغلق عنه أبواب الفتن، فإن أبوابها تفتح عليه الخزي في الدنيا وأبواب النيران في الآخرة، فلا يُنجيه منها إلا البعد عنها والفرار منها، فإِنَّ من قارب المعاصي والذنوب بَعُدَت عنه السلامة.
توصيات:
1- كي لا تألف المعاصي والذنوب عليك أن تتجنبهما مطلقا، صغيرهما وكبيرهما، وتتجنَّب العُصاة والمذنبين، وتتجنَّب كل مكان يحدثان فيه.
2- إن حصل وعصيتَ أو أذنبت فبادر إلى التوبة والاستغفار.
3- لتكن نفسك اللوّامة دائمة التحفز والترصد لأي خطأ يمكن أن يكون منك.
4- احرص على ذكرك الله سبحانه وتعالى فإن الذكر يعينك على الطاعة ويدفعك عن المعصية.
السيد بلال وهبي
فجر يوم الاثنين الواقع في: 1/11/2021 الساعة (04:15)