كتاب قبسات من علم الرجال، أبحاث آية الله السيد محمد رضا السيستاني (حفظه الله)، ج1 :
آدم بن المتوكل أبو الحسين بياع اللؤلؤ (1)
هو من رواة الحديث من الطبقة الخامسة، وقد روى عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (2) فهو ثقة على مبنى من يقول بوثاقة مشايخه ــ كما هو المختار ــ وأما على غير هذا المبنى فيشكل إثبات وثاقته، فإنه وإن ورد توثيقه في نسخ رجال النجاشي الواصلة إلينا ولكن يبدو أن نسخة السيد ابن طاووس منه كانت خالية من التوثيق، فإن العلامة الذي اعتمد في تأليف الخلاصة على كتاب (حل الإشكال) ــ حتى قال المحقق الشيخ حسن (قدس سره) (3) : إنه يقوى في الظن أنه لم يكن يتجاوز كتابه في المراجعة لكلام السلف غالباً ــ لم يذكر آدم بن المتوكل في قسم الموثقين من كتابه، وأما ابن داود فقد ذكره في القسم الأول من رجاله ولكن نقل عن النجاشي أنه مهمل أي أنه لم يذكره بجرح أو توثيق، فيظهر أن نسخته من رجال النجاشي ــ إن لم يكن هو أيضاً معتمداً في ذلك على كتاب حلّ الإشكال ــ لم تشتمل على توثيق آدم بن المتوكل.
[ اختلاف نُسخ رجال النجاشي في وثاقة آدم بن المتوكل ]
وبالجملة: يبدو أن نسخ رجال النجاشي مختلفة من حيث الاشتمال على توثيق الرجل وعدمه.
ولهذا نظائر أخرى في كتاب النجاشي، وقد اختلفت فيها كلمات السيد الأستاذ (قدس سره) ففي المقام (4) أخذ بالنسخة المشتملة على التوثيق مرجحاً سقوطه من نسخة ابن داود، وذكر نظير ذلك في ترجمة عيسى بن راشد قائلاً (5) : (النسخ متفقة على ذكر كلمة (ثقة) عن النجاشي والنسخة المستنسخة على نسخة مستنسخة من نسخة النجاشي بخطه مشتملة على التوثيق أيضاً فعدم وجودها في نسختي العلامة وابن داود ــ ولا سيما مع احتمال السقط من النساخ ــ لا أثر له). ولكنه قال في ترجمة سعيد بن غزوان ــ بعد الإشارة إلى خلو الخلاصة ورجال ابن داود من التوثيق ــ ما لفظه (6) : (فعلى ذلك تكون نسخ النجاشي مختلفة من جهة الاشتمال على التوثيق وعدمه فلا يمكننا الجزم بأن النجاشي وثقه). ومثله ما ذكره في ترجمة الحسن بن السري حيث أشار إلى اشتمال نسخة ابن داود بل ونسخة العلامة على توثيقه وخلو نسخ السيد التفريشي منه ثم قال (7) : (وعلى ذلك فالنسخ متعارضة ولا يمكننا الحكم بصحة واحدة منها فيكون توثيق النجاشي مشكوكاً فيه).
ولم يظهر وجه التفريق بين الموارد المذكورة وخصوصاً مع ما ذكره (قدس سره) من أنه كانت لديه نسخة مستنسخة بواسطة واحدة عن نسخة النجاشي بخطه، فإنه كان ينبغي له أن يعتمد عليها في موارد الاختلاف، فليتأمل.
هذا في ما يتعلق بموقف السيد الأستاذ (قدس سره)، وأما المحقق التستري (قدس سره) (8) فهو يرجح في أمثال المقام نسخ ابن طاووس وتلميذيه ابن داود والعلامة بدعوى أن نسخ كتاب النجاشي ورجال الشيخ وفهرسته لم تصل إلينا مصححة وإنما وصلت مصححة إلى هؤلاء.
ولكن هذه الدعوى غير تامة، فإنه (قدس سره) لاحظ وقوع النقص والتحريف في مواضع من النسخ المتداولة عندنا ولم يتمثل ذلك في ما أورده العلامة وابن داود عن النجاشي والشيخ في تلك الموارد، فبنى على أن نسخ ابن طاووس وتلميذيه مصححة دون نسختنا، ورتب على ذلك ترجيح نقل العلامة وابن داود من كتاب النجاشي ورجال الشيخ وفهرسته على ما يوجد في نسخها الواصلة إلينا.
إلا أن هذه الكلية غير صحيحة، إذ الملاحظ وقوع الغلط والاشتباه في ما نقله العلامة وابن داود عن كتاب النجاشي في عدة موارد وهي على قسمين..
فمنها ما يظهر بحسب الشواهد والقرائن أن منشأه هو وقوع الغلط في ما اعتمداه في نقل كلام النجاشي من كتاب حلّ الإشكال أو نسخة غير مصححة من كتاب النجاشي.
ومنها ما يظهر أن سببه هو سوء النقل عن هذا الكتاب، ومن ذلك ما نبه عليه المحقق الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني (قُدِّس سرُّهما) (9) من أن السيد ابن طاووس اشتبه في حلّ الإشكال في نقل كلام النجاشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع حيث حكى عنه أنه قال: (وولد بزيع بيت منهم حمزة بن بزيع وكان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم كثير العمل)، مع أن المذكور في كتاب النجاشي الذي لا شك فيه هكذا: (محمد بن إسماعيل بن بزيع أبو جعفر مولى المنصور أبي جعفر وولد بزيع بيت منهم حمزة بن بزيع كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم كثير العمل)، والضمير في (كان) يرجع إلى محمد بن إسماعيل صاحب الترجمة بلا إشكال، وهو المستحق لتلك الأوصاف العالية، وأما قوله: (وولد بزيع بيت منهم حمزة بن بزيع) فهو جملة معترضة، ومثله متداول في كتاب النجاشي، ويبدو أن السيد ابن طاووس لم يلتفت إلى ذلك فوقع في الوهم المذكور، وقد تبعه فيه العلامة (طاب ثراه).
وهناك موارد أخرى من هذا القبيل نبه عليها المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في هوامشه على التحرير الطاووسي (10) كما نبه المحقق التستري (قدس سره) بنفسه على بعض موارد الاشتباه في ما نقله ابن داود عن كتاب النجاشي، بالإضافة إلى أنه لما كان يستخدم الرموز في ذكر الكتب وغيرها ووقع العديد من التصحيف فيها عند الاستنساخ ــ ربما لرداءة الخط أو غير ذلك ــ فقد أدى ذلك إلى تضاعف اشتباهات هذا الكتاب في ما حكاه عن الأصول الرجالية، فلا سبيل إلى القول بأن ما يوجد في رجال ابن داود محكياً عن النجاشي مقدم على ما يوجد في نسخنا من هذا الكتاب.
نعم كان عند ابن داود نسخة من رجال الشيخ وفهرسته بخطه، فإذا أثبت شيئاً عن هذين الكتابين وصرح بأنه هكذا وجده بخط الشيخ أبي جعفر أمكن القول بتقدمه على ما يوجد في نسخنا من هذين الكتابين بخصوصهما.
وبالجملة: إن كل مورد من موارد الاختلاف بين ما يحكى عن الأصول الرجالية في كتب السابقين وما يوجد في النسخ الواصلة إلينا منها لا بد من ملاحظته على حدة فإن أمكن الوثوق بصحة شيء من ذلك فهو وإلا لم يؤخذ به.
والاختلاف في اشتمال رجال النجاشي على توثيق آدم بن المتوكل من هذا القبيل، أي لا سبيل فيه إلى ترجيح ما يتضمن التوثيق على غيره.
[ ترجمة ابن حجر العسقلاني لآدم بن المتوكّل ]
يبقى هنا أمر وهو أن ابن حجر العسقلاني ترجم في كتابه لسان الميزان (11) لآدم بن المتوكل قائلاً: (روى عن جعفر الصادق وعنه أحمد بن يزيد الخزاعي وعبيس وكان أعرف الناس برجال جعفر السليم منهم والمطعون فيه، وكانت له منزلة جليلة، وكان أحفظ الناس لحديث أبي عبدالله، وذكره الطوسي في مصنفي الإمامية).
وترجم له مرة أخرى (12) قائلاً: (آدم بياع اللؤلؤ ذكره الطوسي في مصنفي الشيعة الإمامية وأثنى على حفظه وعلمه).
والملاحظ أن الشيخ وإن ذكر آدم هذا مرتين في الفهرست تارة بعنوان آدم بياع اللؤلؤ وأخرى بعنوان آدم بن المتوكل ــ كما صنعه في لسان الميزان ــ ولكن لا يوجد في الموضع الأول ما حكاه عنه ابن حجر من الثناء على حفظه وعلمه كما لا يوجد في الموضع الآخر ولا في رجاله ولا في رجال النجاشي ما تقدم نقله في الموضع الآخر بقوله: (وكان أعرف الناس..) مع أن لحنه يوحي بكونه مأخوذاً من مصادر الإمامية.
وهذا مورد من عشرات الموارد التي نقل فيها ابن حجر أموراً في أحوال الرواة عن كتاب الكشي وكتابي الشيخ وكتاب النجاشي ولكن لا يوجد فيها ما نقلها بالمرة، ولا يحتمل أن يكون ذلك اختلاقاً منه، فإنه لا يناسبه مضافاً إلى أنه لا مصلحة له فيه.
كما لا يحتمل سقوطها عن النسخ الواصلة إلينا من الكتب المذكورة فإنها من الكثرة بحدّ يستبعد فيها هذا الاحتمال تماماً، بل لما كان الغالب كونها بمضامين لم يعهد صدورها من أصحاب تلك الكتب فمن المستبعد أصل اشتمالها عليها.
والأقرب في النظر أنه لم تكن لديه الأصول الرجالية المذكورة، بل كان يعتمد في ما ينسبه إليها على ما ألفه بعض المتأخرين في تراجم أصحابنا ولكنه لم يكن مأنوساً بطريقته في نقل كلمات الكشي والشيخ والنجاشي وأضرابهم فوقع في ما يلاحظ من الاشتباه.
والمظنون قوياً أن صاحب ذلك الكتاب لما كان يترجم لشخص ويذكر ما لديه من المعلومات بشأنه يشير ضمناً إلى أنه قد ذكره الشيخ في رجال الشيعة أو في مصنفي الإمامية مثلاً قاصداً بذلك التنبيه على بعض مصادر ترجمته، ولكن كان ابن حجر يفهم منه أن ما ورد في ترجمته من التعريف به إنما هو مقتبس من كلام الشيخ مثلاً فينسبه إليه مباشرة.
ولكن ما هو ذلك الكتاب الذي اعتمد عليه ابن حجر في ما أورده في تراجم عدد من رواة أصحابنا؟
لا يبعد أنه كان كتاب (الحاوي في طبقات الإمامية) ليحيى ابن أبي طي الحلبي ــ صاحب المؤلفات التاريخية الكثيرة كتاريخ الشيعة وتاريخ مصر وتاريخ الشام ــ فإنه قد نقل عنه في عدة موارد (13) بالاسم وصرح في بعضها بأنه كان موجوداً عنده بخطه، فمن القريب جداً أنه كان معتمده في ما أورده في سائر الموارد أيضاً وإن لم ينسبه إليه بل نسب بعضه إلى الكشي أو النجاشي أو الشيخ (قدّس الله أسرارهم).
وربما يحتمل أنه كان له مصدر آخر غير ذلك، فقد نقل في بعض الموارد (14) عمن لقّبه بـ(الليثي)، واحتملت في بادئ النظر أنه تصحيف كلمة (الكشي)، ولا سيما أن الطبعة المتداولة من لسان الميزان تشتمل على أخطاء كثيرة وخصوصاً في ما يتعلق برواة أصحابنا، ولكن عثرت بعد التتبع أن هناك شخصاً اسمه (علي بن محمد الليثي الواسطي) صاحب كتاب عيون الحكم والمواعظ وكان أستاذ ابن أبي طي، فرجح عندي أن التلميذ قد نقل مطالب من أستاذه في كتابه الحاوي فأسندها ابن حجر إلى الليثي نفسه ولم يذكر أنه نقله بواسطة تلميذه، كما فعل ذلك في بعض ما نقله عن الكشي والنجاشي والطوسي مع أنه لم تكن كتب هؤلاء موجودة عنده كما مرّ.
وأيضاً قد نقل ابن حجر مكرراً عن علي بن الحكم ــ ولعله في أكثر من خمسين موضعاً ــ فربما يوهم ذلك أن كتاب ابن الحكم في ذكر مشايخ الشيعة كان أحد مصادره، ولكن الظاهر أنه اعتمد في النقل عنه على كتاب ابن أبي طي أيضاً، والقرينة على ذلك أنه أكثر في الجزئين الأول والثاني من اللسان ــ المطبوع في سبعة أجزاء ــ من ذكر رواة الشيعة والحكاية عن الكشي والشيخ والنجاشي والليثي وابن أبي طي وعلي بن الحكم في تراجمهم ثم انقطع عن ذلك في الأجزاء اللاحقة إلا في موارد قليلة جداً، مما يشير إلى أنه لم يكن لديه إلا مصدر واحد في تراجم رواة الشيعة وهو كتاب الحاوي ــ كما تقدم ــ ولم يقع منه بيده إلا بعضه ولو كان لديه كتاب علي بن الحكم لنقل عنه في غير الجزأين الأولين أيضاً ولكن لا يوجد إلا في هذين الجزأين فقط.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني (قدس سره) (15) بنى على أن علي بن الحكم المذكور هو علي بن الحكم بن الزبير النخعي تلميذ ابن أبي عمير، ولكن الملاحظ أنه يوجد في ما نقله ابن حجر عن علي بن الحكم مواضع تتعلق بمن هو متأخر عن النخعي طبقة كالحسين بن محمد بن عامر الأشعري من مشايخ الكليني وجعفر بن محمد بن قولويه من تلامذته (16) مما يقتضي كونه مغايراً لمن كان تلميذاً لابن أبي عمير، فليتأمل.
ومما يؤكد وجود مؤلِّف من أصحابنا في علم الرجال يسمى بعلي بن الحكم هو ما يوجد في مواضع (17) من رجال البرقي من النقل عنه، وبعضها يتعلق بالتعريف بأصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وبعضها الآخر يتعلق بطبقات الرواة.
ومن المؤسف أنه لا يتيسر لنا التأكد من هوية هذا المؤلِّف كما لم يصل إلينا كتابه وضاع في ما ضاع من تراث الإمامية.
ومهما يكن فقد ظهر بما تقدم أنه لا مجال للاعتماد على ما حكاه ابن حجر عن كتاب الكشي أو كتابي الشيخ أو كتاب النجاشي مما لا يوجد في النسخ الواصلة منها إلينا، ومن ذلك ما أورده من مدح آدم بن المتوكل بياع اللؤلؤ.
وعليه فلا سبيل إلى توثيق أبي الحسين الخادم آدم بن المتوكل بياع اللؤلؤ، إلا إذا اعتمدنا على مبنى كونه من مشايخ البزنطي.
_______
ملاحظة : العناوين المحصورة بين المزدوجين [...] ليست في المصدر وإنّما وضعناها لتسهيل مراجعة البحث .
الهوامش
______
(1) دراسة في علامات البلوغ في الذكر والانثى (مخطوطة).
(2) الخصال ص:495.
(3) منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ج:1 ص:18.
(4) معجم رجال الحديث ج:1 ص:111.
(5) معجم رجال الحديث ج:13 ص:204.
(6) معجم رجال الحديث ج:8 ص:129.
(7) معجم رجال الحديث ج:4 ص:352.
(8) قاموس الرجال ج:1 ص:42.
(9) منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ج:1 ص:18.
(10) التحرير الطاووسي ص:137،345، وغيرها.
(11) لسان الميزان ج:1 ص:337.
(12) لسان الميزان ج:1 ص:336.
(13) لسان الميزان ج:1 ص: 407، 436، ج:2 ص:62، ج:7 ص:57.
(14) لسان الميزان ج:1 ص:95، 333.
(15) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج:10 ص:135.