القائمة الرئيسية

الصفحات

 

ثقافة التماس العذر للآخرين

بقلم : السيد بلال وهبي 

هدف اليوم : أن أَلتَمِسَ للناس العذر

كم مرة أساءك سوء ظن الناس بك؟! وكم مرة تَسِرَّع الأخرون في الحكم عليك؟!، ولو أنهم تَرَيَّثوا ريثما تتضح الأمور وتنجلي الصورة لجَنَّبوا أنفسهم معصية الله فيك؟!، إن الإنسان عجول بطبعه، يتعجل كل شيء، ما ينفعه وما يضره، ويتعجل معرفة الأمور ويتعجل الحكم عليها، وتعلم قارئي الكريم أن الكثير من التوترات والمشاكل الاجتماعية ينشأ من تَعَجُّل الإنسان وتسرُّعه في الحكم على الآخرين، فكم من أحكام نطلقها على الناس دون تدقيق وتحقيق وتَبَيُّنٍ، فإذا بواقع الأمور عكس ما رأينا تماما.

إن الإسلام لم يَنْهَ عن التسرُّع في تصديق ما يُقال ويُنقل لنا عن الناس وحسب، بل دعانا إلى التثبت قبل ذلك حتى لا نُصِيبَهم بجهالة، بل يذهب أبعد من ذلك، إنه يدعونا إلى أن نلتمس العذر للناس، وهذه خطوة متقدمة لم يصل إليها غيره، وهي أعلى بكثير من حُسنِ الظن، فإن التماس العذر يعني أن نبحث عن عذر له بحثا جادا، وأن نلتمسه كما يلتمس الصائم هلال شهر شوال، أو يلتمس العطشان الماء، فقد رُوِيَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "اطْلُبْ لأَخِيْكَ عُذْراً فَإِنْ لَمْ تَجِدْ لَهُ عُذْراً فَالْتَمِسْ لَهُ عُذْراً". والتماس العذر من معالي الأخلاق، وهو يدلُّ على رجاحة عقل الملتمس، خصوصا إذا كان الآخر معروفا بالصلاح وحُسِنِ السيرة، فلا يجوز أن يُسارَع إلى تصديق ما يُقال فيه، يقول أمير المؤمنين عَلِيٌّ (ع): "أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ فَلَا يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي وَتُخْطِئُ السِّهَامُ وَيُحِيلُ الْكَلَامُ، وَبَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ".

في قصَّة نبي الله سليمان (ع) التي ذكرتها سورة النمل المباركة نجد مثلا رائعا لالتماس العذر للآخرين، والملفت أننا لا نراه من بشر، بل من نملة، ولعلها ملكة النمل، فنجد منطقها يَنُمُّ عن وَعْيٍ عظيم، ونجد تعاملها مع الواقع يفوق تعامل كثير من البشر لو حدث لهم ذات الشيء، قال تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" ﴿18 النمل﴾ إنها تأمر قومها بالاختباء في مساكنهم، خوفا من أن يَحْطِمَهُمْ سليمان وجنوده، وهذا أمر طبيعي، أن يَفِرَّ المخلوق من الخطر حين يحدق به، لكن الملفت في القصة أن ملكة النمل التمست العذر لسليمان وجنوده، وبرَّرَت لهم ما يمكن أن يكون، ونفت عنهم الظلم والاعتداء المُتَعَمَّد حيث قالت: "وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" وهذا ذكاء وإنصاف عجيب، إنها تعلم أنها وقومها قد لا يراهم الإنسان إن كانوا بين الحشائش فإن النمل صغير جدا قياسا مع حجم الإنسان، والجيش يسير في موكب عظيم جدا وتشغله أمور كبرى عن النظر إليهم، والنمل كثير وكثيف فإن حصل ووطء الجيش النملَ فليس عن تَعَمُّدِ وتصميم سابق.

المُحَصِّلَة التي نخرج بها هي: إذا كانت النملة وهي حشرة من الحشرات لم تحسن الظن وحسب بل التمست العذر لمخلوق ليس من جنسها، فكيف لا نلتمس نحن البشر العذر لبعضنا الآخر، وقد يكون ذلك الآخر، زوجا، أو ولد، أو والداً، أو أخاً، أو صديقا لنا.

توصيات:

1- نَزِّل نفسك منزلة الآخر وضعها مكانه، فإن كان يَسُرُّك أن يلتمس الناس لك عذرا فالتمس لهم عذرا. 

2- تذكَّرْ أن العجلة من الشيطان والأناة من الرحمن، وأن عواقب العجلة الندامة.

3- أول من يجب أن تلتمس لهم عذرا زوجك وأولادك وأقاربك لأن سوء العلاقة معهم يترك تداعيات على مجمل حياتك. 

السيد بلال وهبي

فجر يوم الأحد الواقع في:22/8/2021 الساعة (04:15)