هدف اليوم : أن أحفظ كرامتي وأذود عنها
بقلم السيّد بلال وهبي
يولَد الإنسان ويولَد معه الشعور بالكرامة والاعتزاز بها والدفاع عنها، فتراه منذ نعومة أظفاره، وحتى قبل أن يكتسب علماً ومعرفة شديد الحرص على كرامته، فلا يقبل من أحد أن يهينه أو يذله أو يحتقره، نرى ذلك في الأطفال بشكل واضح، فإنهم ينفرون ممن ينال من كرامتهم، ويُبدون أَنَفَتَهم وانزعاجهم من ذلك، ويعلنون موقفهم بالبكاء تارة أو العبوس تارة أخرى، أو ترك المجلس الذي أُهينوا فيه، ولا عَجَب في ذلك، فإن الله تعالى خلق الإنسان وخَلَع عليه رداء الكرامة، وفطره على الدفاع عنها، قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"﴿70 الإسراء﴾.
ورغم أن الإنسان يولد ويولد معه الشعور بالكرامة والحرص عليها، غير أن عليه أن يُنَمِّي ذلك الشعور بالعلم والمعرفة والتزكية، فالكرامة شأنها شأن بقية الفضائل الأخلاقية التي قد تضعف وقد تزيد، ولكلٍ من الضَّعف والزيادة أسبابٌ ووسائل وأحوال، فمن الناس من يزيد منسوب الكرامة عنده حتى يهون عليه كل شيء في سبيلها، وهذا حال المؤمن الحقيقي الذي لا يتنازل عن كرامته مهما تعاظمت الأثمان، وليس له أن يختار غير ذلك، فقد رُوِيَ عن الإمام الصادق (ع): "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا ، وَلَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، أَلَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :﴿ ... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ... ﴾، فَالْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَزِيزاً وَلَا يَكُونَ ذَلِيلًا، يُعِزُّهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ". ومنهم من تهون كرامته أمام أيِّ تهديد أو ترغيب، فيتنازل عنها خوفا من أقل الأذى أو طمعاً بأقلِّ فائدة مادية، وذلك ناشئ من استهانته بنفسه، ومن ضعف إيمانه ويقينه، فُيُخَيَّل إليه أن للكرامة أثماناً باهظة وكُلُفاً عالية لا يمكنه تحمُّلها، فيختار الذُّلَّ والهوان فرارا من التكاليف الثقال، فيعيش حياته تافهاً ذليلا، قَلِقاً خائفاً، يحسب كلَّ صيحة عليه.
وقد أثبتت التجربة الإنسانية الطويلة أن الذين تَهونُ عليهم كرامتهم يُؤدُّون ضريبة أفدح من ضريبة المحافظة عليها، وأنَّ ضريبة الذل باهظة، يؤديها الأذلاء من نفوسهم، ومن مكانتهم، ومن سمعتهم، ومن طمأنينتهم، أما عن عاقبتهم فإنها أسوأ وأوخم العواقب، بل إن الذُّلَّ لا يحفظ لهم أموالهم ولا مناصبهم، ولا حتى دماءهم، وأَنَّ من تهون عليه كرامته فهي عند غيره أهون، فكم من أشخاص وجماعات ظنوا أن الذل سيحميهم ويحمي مصالحهم وإذا بهم منبوذين مطرودين محتقَرين عند من ذَلّوا له وخضعوا لأمره وأراقوا ماء وجوههم بين يديه؟، وكم من شخص باع كرامته وتذلل بين يدي جبار متكبر أو غني متعجرف أو صاحب سلطة ظالم، واستهان بشرفه وعزته ودينه وإذا به في نهاية أمره رخيص مرذول مذموم حتى ممن ذَلَّ له وخضع بن يديه واسترضاه بشتى السُّبُل.
وكم من شخص كان في مقدوره أن يكون عزيزاً كريماً كما أراد الله له، ولو اختار ما أراد الله لأعزه وأكرمه، وجعل له مهابة في نفوس الآخرين، وأخاف منه كل الطغاة والجبابرة، ولكنه اختار الذُّلَّ طلباً لما عند غيره تعالى، وباع نفسه بأبخس الأثمان فأعرضوا عن شرائه، ونبذوه كما تنبذ القُمامَة، ورفسوه بأقدامهم كما تُرفس الحشرة، ولم يرحموه، ولم يترحَّمَ عليه أحد.
إننا في كل يوم نرى الكثير ممن رَضوا أن يتنازلوا عن كرامتهم طَوعاً أو كَرْهاً، وتحولوا إلى عبيد عند من لا يَستحقُ السيادة، وصاروا أبواقاً تكذِّب وتخادع وتنافق، وتصارع الحق وترفع لواء الباطل ليُشْهَدَ لهم عند أمير هنا أو طاغٍ هناك، يلهثون وراء مطمَع ومطمَح، ووهم وسراب، ولكنهم في الوقت ذاته ينظِّرون علينا بالسيادة والحرية والكرامة الشخصية والوطنية، ونحن نجزم أن ضريبة الذل التي سيدفعونها ستكون أكثر بكثير مما يحصلون عليه من منافع آنية لن تبقى لهم ولن تدوم.
توصيات:
1- وجودك يساوي كرامتك فإياك أن تتنازل عنها بأي حال.
2- أياً تكن مبرراتك فإن كرامتك تبقى هي الأهم والأغلى.
3- عِشْ عزيزا فقيرا، ولا تعش ثرياً ذليلاً.
السيد بلال وهبي
فجر يوم الثلاثاء الواقع في: 2/11/2021 الساعة (04:15)