هدف اليوم: أن لا أَقْلَقَ بسَبَب رفض الآخرين لي
السيد بلال وهبي
اعلم قارئي الكريم أن في كُلِّ إنسان قُوَّةً جاذبة تَجتذبُ إليه الآخرين الذين يُماثلونه في الطَّبع والقِيَمِ والإيمان والأهداف ويُشاركونه المشاعر والعواطف، لأنه يكون قادرا على ملئ فراغهم في هذا المجالات، وفيه قُوَّةٌ طارِدَةٌ تَطْرُدُ عنه الآخرين الذين لا يُماثلونه ولا يُشاركونه فيما تَقَدَّم، وأَكثَرُ من تكون فيه هاتان القُوَّتان الشَّخص المَبدَئي الهادفُ الذي يَتبنَّى َنهجاً مُستقيماً لا يَحيدُ عنه، ويَرفعُ لِواءَ الحَقِّ ويَدعو إليه ويُناضلُ مِن أجله، ولا يُدَاهِنُ فيه ولا يُحابي، ولا يَقبلُ التَّمَلُّق والتَّزَلُّف، فمثلُ هذا لا يُمكنه أن يَجتذبَ إليه كُلَّ النَّاس، بل سيكون في هذه الحالة طارداً لهم، لأنَّ النَّاسَ مختلفون في مَوقفهم من الحَقِّ وحَملهِ والإقرارِ به، إِذْ فيهم من يُؤْمِنُ به إن نَفَعَه، ويُنْكِرُه إِنْ ضَرَّهُ، فَمِن الطبيعي أن يرفُضوا ذلك الشخص الذي يُطالبُ بالحَقِّ، ويَثبتُ عليه.
إِنَّ انْفِضَاضَ النَّاس عنكَ ورفْضَهم لَكَ لا يجوز أن يَقودَكَ إلى الانطِواءِ على ذاتك وتَقَوْقِعَكَ في بُؤْرَةٍ من الآلام النَّفسيَّة القاتلة، وشُعورِكَ بالوَحدة والغُربة، كما لا يجوز أن يُفْقِدَك ثِقَتَكَ بنفسك ومَبادئك وقِيَمك، أو أن يُشَكِّكَكَ في أهدافك وغاياتك، أو أن تَشعر أن انْفِضَاضَهم عنك يعني نهاية الحياة، بَلْ عليك أن تكون أَكثَرَ عَزْماَ وصلابةً، وأَكْثَرَ تَشَبُّثاً بما أنتَ عليه، وأَكْثَرَ إيماناً بِما تُؤْمِنُ به، وأَكْثَرَ يَقيناً بِأَنَّك على الحق، فإن أكثر الناس للحق كارهون، "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" ﴿106 يوسف﴾. "وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ" ﴿102 الأعراف﴾. "وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ..." ﴿36 يونس﴾. "وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ" ﴿73 النمل﴾. "بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ" ﴿4 فُصِّلَت﴾.
في حياتك سَتَتَعَرَّض حتماً لأنواع كثيرة من الرَّفْضِ دينياً وسياسياً واجتماعياً، بغضِّ النظر عن الحق الذي أنت عليه، أو عن غاياتك الشريفة، وأساليبك المستقيمة، أو موقعك في المجتمع، وسواء كنت على صواب أم على خطأ، فالتَّدافُعُ بين النَّاس سُنَّةٌ كَوْنِيَّة، على مختلف المستويات، والمهم هنا هو رَدُّ فعلك على الإحساسِ بِالرَّفْضِ.
كيف نواجه رفض الآخرين لنا
إِنَّ عليك أَنْ تَعلَمَ الأُمورَ التَّالية:
أَولاً: إِنَّ رَفْضَ بعض النَّاس لك لا يَعني أنَ كُلَّهم يَرفضونَك، فقد تكون لك منزلة كبيرة في قلوب كثيرين لا تَعرفهم، وغالباً ما تكشف لك الأيام عنهم، ولَعَلَّكَ كُنْتَ تَتَوَهَّمْ أَنَّهم يرفضونك، فتعاملتَ معهم بهذه الخلفية.
ثانياً: إِنَّ رَفْضَ بعض الناس لك لا يُفيدُ بالضَّروَرِة أَنَّك شَخصُ سَيَّء، أو شَخصٌ يفتقر إلى المشاعر الإنسانية النبيلة، بل يُفيدُ أنهم لم يَتَّفقوا معك في ذلك، فإما أن يكون النقصُ فيهم، أو يكون السبب عدم وجود تَواصُلٍ جيدٍ بينك وبينهم.
ثالثاً: لا تَعْجَبْ لو عَلِمْتَ أَنَّ بعضَ أعدائِك وأخصامِك يَعترفُ لك بالفَضْلِ والتَّمَيُّز في أعماقه، ولكنه لا يُبدي ذلك حَسَداً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ.
رابعاً: إِنَّ انْفِضاضَ بعض النَّاس عنك ليس بالضَّرورَةِ أن يكون أَمراً سَلبياً، بل قد يكون إيجابياً جِداً، ونحواً من الغَربلة، الأمرُ الذي يَدفعك إلى بِناءِ علاقات ثابتة مع أشخاص آخرين موثوقين.
توصيات:
1- أنتَ لا تستَمِدُّ قِيْمَتَكَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنْ نَفسكَ أنتَ، فَثِقْ بنفسك وقدِّرها.
2- احْرَصْ أن تتوافق مع قِيَمِك ولا تَنْشَغِل باسْتِرْضاءِ الآخرين.
3- الحياة لا تخلو مِنْ أعداء، فأَكْمَلُ خلق الله من الرسل والأنبياء والأَولياء كان لهم أعداء.
4- حينَ يكون كُلُّ النَّاس معك على اختلاف طبائعهم وقيمهم فعليك أن تَشُكَّ في نفسك.
السيد بلال وهبي
فجر يوم الخميس الواقع في: 2/9/2021 الساعة (04:30)
بيروت