من كتاب: حكم الغناء في الشريعة الإسلامية دراسة فقهية
تأليف الدكتور يحيى عبد المحسن هاشم الدوخي
الغناء ونظرة الطبّ إليه
إنّ الشارع الحكيم لا ينهى عن أمرٍ أو يأمرُ بشيءٍ إلّا وفي ذلك النهي أو الأمر مصلحة أو مفسدة ، وتشخيص تلك المصالح والمفاسد هو الأعلم بها جلّ شأنه، ولكنّ الإنسان لقصوره ومحدوديّته لا يمكن أن يدرك الأشياء على حقائقها ؛ لأنّ شهوات النفس ونزواتها المتجذّرة والطارئة والمتقلّبة في بعض الأحيان ، والمغريات الخارجيّة التي تناغي الرغبات والشهوات تهتف بالإنسان لإشباعها، وتحول دون كماله ورقيّه المعنوي، وهذا الكمال لا يمكن أن يناله الإنسان إلّا عبر قناة الارتباط بالله تعالى، وأسمى وسيلة للارتباط بالله جلّ وعلا، ورسوخ الإيمان في قلبه هي الالتزام بتعاليم شريعته تعالى، والابتعاد عمّا ينهى عنه، والامتثال لما يأمر به .
فحينما يخاطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: " من جلَسَ إلى قينة يسمع منها صُبَّ في أذنه الأنك يوم القيامة "(1) نفهم أنّ هذا الخطاب يكشف عن أنّ هناك مفسدة يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفعها عن أمّته، وهو الحريص عليهم والرؤوف بهم .
والأنك هو الرصاص، فنتساءل حينئذٍ لماذا يعدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا العذاب ؟ ونحن نعلم بالقطع واليقين أنّه يستغفر لنا فهو الرحيم بنا، كما حدّثنا القرآن بآيات كثيرة حول شفقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمّته، كقوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (سورة النساء/ الآية 64) .
واليوم نجدُ أنّ الطبّ والتجربة تؤكّد ما قالته الروايات النبويّة ، ويكشفُ لنا أسرار مفاسد الغناء على جسد الإنسان؛ إذن لنرى الحسّ والتجربة من خلال عالم الطبّ ماذا يقول لنا حول الغناء .
أولاً: الغناء ومرض الأعصاب
يقول الدكتور "لوتر": " إنّ مفعول الغناء والموسيقى في تخدير الأعصاب أقوى من مفعول المخدّرات " .
ويقول الدكتور "ولف آدلر" الأستاذ بجامعة كولومبيا: " إنّ أحلى وأجمل الأنغام والألحان الموسيقيّة تعكس آثاراً سيّئة على أعصاب الإنسان وعلى ضغط دمه، وإذا كان ذلك في الصيْف كان الأثر التخريبي أكثر . – وأضاف أيضاً – إنّ الموسيقى تُتعِب وتُجهِد أعصاب الإنسان على أثر تكهربها، وعلاوة على ذلك فإنّ الارتعاش الصوتي في الموسيقى يولّد في جسم الإنسان عرَقاً كثيراً، ومن الممكن أن يكون هذا العرق الخارج عن الحدّ مبدءاً لأمراض أخرى " (2) .
ثانياً: الغناء والصداع
ويقول البروفسور "هنري أوكدن" الأستاذ بجامعة "لويز يانا" المتخصّص في علم النفس، الذي كتَبَ مقالاً في مجلّة "نيوز ويك" : " إنّ "آدنولد" الدكتور في مستشفى نيويورك قام بواسطة الأجهزة الإلكترونيّة الخاصّة بتعيين أمواج الدماغ والمخّ بإجراء بعض التجارب على الألوف من المرضى، الذين يشكون من الأتعاب الروحيّة والعصبيّة والصداع، وبعد ذلك ثبت لديه أنّ من أهمّ عوامل ضعف الأعصاب والأتعاب النفسيّة والصداع هو الاستماع إلى الموسيقى والغناء خصوصاً إذا كان الاستماع بتوجّه وإمعانٍ" (3) .
ثالثاً: الغناء وفقدان الإرادة النفسيّة
وقد نشرت مجلّة سويسريّة مقالاً بعنوان "جنون الموسيقى" انتقدت فيه الموسيقى والغناء بشدّة، وأشارت إلى المفاسد والأضرار الناجمة عنها: " قد كان السبب في نشر هذه المقالة أنّ (150,000) شاباً اجتمعوا في ساحة "لاناسيون" في باريس، واستمعوا إلى ألحانِ موسيقى ساحرة، وعندها ثارت أنفسهم، وهاجت غرائزهم فقاموا فجأة، وهجموا على المحلّات ، وكسروا الزجاج، ونهبوا البضائع والأمتعة، وجرحوا كثيراً من الناس، وأراقوا الدماء... كان كلّ ذلك بسبب فقدان الإرادة النفسيّة، وعدم قدرتهم على ضبط أعصابهم على أثر استماع الموسيقى والغناء" (4) .
رابعاً: الغناء وإزعاج الجنين
يقول الدكتور البريطاني "روبرت" المتخصّص في علم النفس للأطفال: " لقد ثبت علميّاً أنّ الجنين ينزعج من الموسيقى وهو في بطن أمّه.. وعندما تستمع الأُمُّ الحامل إلى الغناء يخفق قلب الجنين، ويضطرب وهو في الرحم، وتظهر هذه الحالة بعد ستّة أشهر من فترة الحمل، من هنا ننصح النساء الحوامل بعدم استماع الموسيقى والغناء، حفاظاً على الجنين من التأثر والانزعاج"(5) .
خامساً: الغناء وضغط الدم
أجرى أحد الأطبّاء في أوربا بحثاً شاملاً عن أسباب مرض ضغط الدم، هذا المرض الخطير الذي بات يهدّد بالسكتة القلبيّة في كلّ لحظة، والذي انتشر بين الناس بصورة مدهشة حتّى أصبح 40% يَشكُون منه... وكانت نتيجة البحث النقاط التاليّة :
الأولى: إنّ من أهم أسباب مرض ضغط الدم هو الاستماع إلى الغناء والموسيقى؛ وذلك لأنّ الضغط يزداد كلّما استمع الإنسان إليه، وكلّما كان الغناء حادّاً كان الضغط أعلى درجةً، وأكثرُ خطراً، وربّما تبلغ بالمرض إلى درجة أنّ الطبيب يعجز عن علاجه ويتحيّر في أمره .
الثانية: إنّ البرامج الموسيقيّة ليست لها أيّة فائدة صحيّة لأعصاب الإنسان وفكره، بل إنّها على العكس تعمل على إضعاف أعصابه وتدهور صحّته وتُعمِّق المرض فيه .
الثالثة: إنّ الغناء والموسيقى يشكّلان عاملاً رئيساً في هذا المرض – ضغط الدم – ويهدّدان الإنسان المستَمِع إليها بالجنون (6) .
إذن للغناء تأثيرٌ كبير على صحّة الإنسان، وهذا ما أثبتته التجارب العلميّة بغضّ النظر عن مفاسده الأخلاقيّة والروحيّة التي هي أشدّ ضرراً وفتكاً من الأمراض الصحيّة الجسديّة .
________
الهوامش :
(1) تفسير القرطبي، ج14، ص53 .
(2) مجلّة ديمانس ايلوسترة، العدد 630 .
(3) مجلّة أميد إيران، العدد 360، نقلاً عن مجلّة نيوزويك .
(4) مجلة تهران مصوّر، العدد 1036.
(5) مجلّة اطلاعات، العدد 1094.
(6) انظر : محمد ابراهيم ، نظرة الإسلام إلى الموسيقى والغناء : ص53 – 55 .