القائمة الرئيسية

الصفحات

كيفية التعامل مع دعاوي المهدوية الكاذبة والاتصال بالإمام المهدي عليه السلام السيد محمد باقر السيستاني

كيفية التعامل مع دعاوى المهدوية الكاذبة والاتصال بالإمام المهدي عليه السلام السيد محمد باقر السيستاني
الإمام المهدي عليه السلام في مدرسة أهل البيت عليهم السلام / الجزء الثالث
آية الله السيد محمد باقر السيستاني (حفظه الله)
بسمه تعالى
السؤال : ما هو الموقف الراشد تجاه دعاوي المهدوية والاتصال بالإمام المهدي (عليه السلام) ؟
الجواب :

[ الموقف إزاء أدعياء المهدويّة ]

إنّ الموقف الراشد تجاه دعاوي المهدوية أمر واضح وبديهي في المذهب الإمامي للغاية ، وهي تكذيبها بقولٍ مطلقٍ دون توقف بتاتاً .
وذلك من منطلقات ثلاثة :
1- التأصيل الصريح .
2- نسب الإمام (عليه السلام) .
3- أسلوب ظهور الإمام (عليه السلام).

أوّلاً : التأصيل الصريح

والمراد بالتأصيل الصريح هو أنَّ الأئمة (عليهم السلام) أصّلوا لشيعتهم – وفق المبادئ القرآنية – أسساً تُفضي إلى اليقين والرشد وتُقصي الاعتماد على الشكّ والظن والتسرّع ، ولذلك تجد أنّه رغم كثرة مدّعي الإمامة في أزمنتهم وصعوبة ظروفهم كان الوجه الشاخص للإمامة هو الإمام الذي قدروه ، فبعد الصادق (عليه السلام) مثلاً كانت هناك خمسة مدعيات في الإمامة – غير الإمام الكاظم (عليه السلام) - ، وممَّن حُكي ادعاؤه للإمامة بعض أولاد الإمام (عليه السلام) ، ولكن لم يقع لأغلبهم موقع إلّا في أوان الشبهة لدى بعض المتسرعين فيها ريثما يتضح الأمر ويرتفع الإبهام ثمّ صار الإمام الكاظم (عليه السلام) هو الوارث الشاخص للإمام الصادق (عليه السلام) حتّى عرفَت ذلك السلطة الحاكمة فقصدته وسجنته .
والتأصيل العام في هذا السياق هو التريّث والتثبّت والمقارنة وتجنب التسرّع والتأثّر بالمشاعر والعواطف والميول والأماني . كما ينبّه على ذلك التجارب التاريخيّة في الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) منذ العصر الأوّل ، وذلك إنّ مَن تأمّل الفتن المُهلكة التي وقعت في عصر الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) ، وأوجبت ضلال فريق من الناس في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب الجمل ، ثمّ صفّين ، ثمّ النهروان ، ثمّ ما اتفق من تفرّق جماعةٍ من الشيعة عن أئمة الحق من الحسن والحسين وذريته (عليهم السلام) وجد أنّ منشأه التسرّع والاسترسال في القبول بالشبهة وعدم الصبر على متابعتها ونقدها وتمحيصها .
ولعلّ الله سبحانه ييسّر مستقبلاً تحرير سيرة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم في التاريخ (1) .
والحال في جميع الفتن كذلك، فإنّها في الحقيقة خصومة بين أطرافها ، ولن يسع المرء أن يحكم في خصومة إلّا بإحضار الطرفين والاستماع إليهما فمَن أبرزَ اتجاهاً غير ما عليه جماعة المؤمنين وخاصّة جمهورهم لم يَسَعْ لأيّ امرئ تصديقه إلّا بالوقوف على حجة الجمهور بلسان أهل العلم منهم بتريّث وأناة وصبر، ليستطيع أن يكون في موقع القاضي بين الخصوم لا لأجل إحقاقٍ بين الخصوم كما يقع في موارد القضاء بين الناس ، بل ليصون دينه ويحفظ عقيدته ، ويوقِد بصيرته ، ويبقى على استقامته في السبيل .
إنّ أموراً من هذا القبيل يُفترَض في الإنسان أن يتلقاها بالشكّ حتّى يتحقق ؛ إذ عُلم بسبر التاريخ والوقوف على أحوال الناس أنّ الجاه المعنوي وما يتبعه من تصدّر اجتماعي وإذعانٍ من جماعة وإمكانات ماليّة هو مهوى الأفئدة والقلوب ، ومن نزعت نفسه إلى ذلك فإنّه يرى أنّ في ادعائه للأمر ما ينتفع به على كلّ حال ؛ لأنّ جماعة من الناس سوف يسارعون إلى تصديقه ، فيجعلهم أساساً ، ويتهم من لم يصدّقه بضعف الإيمان وعدم الأهليّة ، فيحصّن بذلك  مَن اتبعه ويحذرهم من مغبّة سلب التوفيق منهم وهكذا يستطيع من تكوين جماعة بمختلف أساليب المكر والتمويه والخداع .
هذا، ومن العناصر التي زرعها الأئمة (عليهم السلام) في الوسط الإمامي لمعرفة الإمام بالحق أنّهم لم يكتفوا بجهة دون جهة، بل كانوا يركزون على اجتماع الجهات، فمن سلامة محرزة في الدين، إلى علمٍ مميّز بالدين والفقه من خلال الاختبار، إلى انتماء واضح إلى الإمام السابق في النسب إلى إخبار مسبق عمّن يبحث عن الإمام (عليه السلام) ببعض الخفايا التي لا يطلع عليها أحد، وكلّ ذلك لأجل رفع الشكّ والشبهة وتضييق الأمر على الأدعياء وكشفهم وبناء الاعتقاد على أساس متين .
ومن المُلفِت في تاريخ الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم أنّ علماء الشيعة وفقهائهم الذين اختبرهم الناس من خلال سيرتهم وتلاميذهم سلامتهم وإيمانهم وتحريهم للحق كانوا هم الأساس دائماً في الإذعان بالإمام اللاحق، من جهة أنّهم يعرفون المبادئ العامّة في الكتاب والسنّة والثوابت الموروثة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا يتأتى لأيّ مدّعٍ أن يخدعهم ويغشهم من خلال المكر والخديعة؛ بل هم يستطيعون من خلال أسئلتهم الدينية والفقهية أن يختبروا عِلمَ المدعين واطلاعهم، فالشيعة مثلاً لم تؤمن بالإمام الباقر (عليه السلام) لمجرَّد طرحه (عليه السلام) لنفسه إماماً، بل فضلاء الشيعة في الكوفة الذين كانوا مسبوقين بالاطلاع على الكتاب والسنّة سألوه في الدين والفقه وهم يعرفون المذاهب والاتجاهات الأخرى فلمّا وجدوا منه (عليه السلام) التميّز في العلم عن أخيه زيد وآخرين – كما جاء ذلك في مقدمة الصحيفة السجاديّة عن يحيى بن زيد – أذعنوا لِما قاله من كونه الإمام بعد أبيه علي بن الحسين (عليه السلام)، ثمّ هؤلاء بأنفسهم بعد الباقر (عليه السلام) لم يُذعنوا بالصادق (عليه السلام) لمجرّد حسن الظن به أو بعض المنامات والخوارق بل اختبروا علمه فلّما وجدوا تميّزه عن الثائرين من أهل البيت (عليهم السلام) مثل زيد ويحيى بن زيد ومحمد بن الحسن المعروف بالنفس الزكيّة اتبعوه دون من سواه، وهكذا تجد في سائر الأئمة (عليهم السلام) أنّ كبار فقهاء الشيعة ورواتهم كانوا هم الأساس في الإذعان بهم، مثال زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار ومحمد بن أبي عمير ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم .
فلم يكن الإذعان بالأئمة (عليهم السلام) من قِبَل جماعة من عامّة الناس ابتداءً ليس فيهم الرجال المعروفين بالعلم والفقه اعتماداً على منامات أو استخارات أو تأثراً بالأماني وحسن الظن بالمدَّعي أو بإعطاء بعض الأذكار والتوصية ببعض العبادات أو نحو ذلك أبداً، وهذا أمر معروف من سيرة أهل البيت (عليهم السلام) في مدّة قرنين ونصف من الإمامة الظاهرة لأهل البيت (عليهم السلام) .

ثانياً: نسب الإمام (عليه السلام)

إنّ الإمام المهدي (عليه السلام) بحسب المذهب الإمامي ليس رجلاً يولد في المستقبل ، ويمكن أن ينطبق على أي ثائر وقاصد للإصلاح، بل هو شخصٌ محدد بعينه ، فهو الإمام محمد (المهدي) بن الحسن (العسكري) بن علي (الهادي) بن محمد (الباقر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين (سيد الشهداء) بن الإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ومن ثَمَّ فإنّه يتعذر انطباقه على عامّة المدعين في طول التاريخ وفي هذا العصر بالنظر إلى أنّه ليس منهم إلّا وله ولادة معروفة وطفولة مشهورة ثمّ مراهقة معلَنة وهو منتمٍ إلى والدين معروفَين في بيئته، له قرابة من إخوة وأخوات وأولادهم، ثمَّ أعمام وعمّات وأولادهم، وكذلك أخوال وخالات وأولادهم ، ثمّ من وراء ذلك عشيرته كلّهم، فهو معروف الولادة والنسب، وإذا كان بعض المدَّعين يسعى إلى إخفاء أصله ونسبه أو يظهر في بيئة غريبة عن بيئته لكي ينتفع بهذا الإبهام في ادعاء المهدويّة فإنّ بعض البحث الجاد عن نشأته وتاريخه وذويه يكفي في إيضاح واقع الأمر وإماطة اللثام عن كذب هذه الدعوى .
ولو أنّ الناس لم يُذعنوا بأحد حتى يعرفوا تاريخه وقرابته ونشأته وبيئته وتنقلاته ودراسته وأصدقاءه ونحو ذلك من شؤون حياته ومعالم شخصيته لصانهم ذلك عن الوقوع في خداع الكاذبين وتضليلهم ، ولو أنّ الذين صحبوا هؤلاء وعلموا بهم من أقاربهم وذويهم ومجتمعهم بيّنوا ما يعلمونه للملأ العام لبان الأمر وارتفع الإبهام .

ثالثاً: إسلوب ظهور الإمام (عليه السلام) 

إنّ الإمام المهدي (عليه السلام) إذا خرج فهو لن يظهر سراً في جماعة خاصّة أو زقاق من الأزقة، بل سوف يظهر ظهوراً واضحاً للعيان مقروناً بالحجّة الظاهرة عارضاً نفسه على جمهور الناس عرضاً مُعلَناً، مُفصِحاً عن الدلائل القاهرة والشواهد البالغة، مؤيَّدا بالكرامات والآيات، لا يخشى في ذلك أحداً ولا يكتم تقيَّة ولا يُحابي ظالماً ولا يُداهن حاكماً ولا يُسوِّف تسويفاً .
وهو (عليه السلام) يلتقط أنصاره الذين يستعين بهم ويجمعهم التقاطاً دون تجربة واختبار ولاشكٍّ أو ترديد، ولا حذَرٍ منهم أو تخويف .
وذلك: لأنّ فلسفة ظهوره (عليه السلام) هي إشهار الحقّ وإماتة الباطل وإزالة الفرقة وجمع الكلمة وإقامة العدل في الأرض كلّها والأقوام كلهم .
ومقتضى ذلك: أن يملك الحجة البالغة والخطاب الواضح والدليل الموثوق الذي يستطيع من خلاله:
أوّلاً: من إقناع جمهور شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الباحثين عن الحق والمذعنين به، حتى لا تبقى شبهة ناشئة من سريّة الدعوة والتقيّة من الأعداء، فيزيل الأقنعة الزائفة والأعلام المضلّة والرايات المقابلة كلها .
وثانياً: من إشهار الحقّ لعامّة المسلمين وسقوط الشبهات الحائلة من إذعانهم باصطفاء أهل البيت (عليهم السلام) بشكل عام والإمام (عليه السلام) على وجه خاص .
وثالثاً: من اتضاح الحقّ لجمهور سائر الملل والأديان خاصةً المسيحيين، حيث لا شكّ في أنّه (عليه السلام) يأتي مع المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) لتقوم به الحجة على العالمين .
فحركته (عليه السلام) حركة عالمية وحجته ملائمة مع هذه الحركة ومخاطبيها، وأين ذلك من أن يزعُم أحد سراً أنّه هو الإمام (عليه السلام) ويخشى أن يبلّغ ذلك الناس ولا يستطيع أن يقنع به جماعة كبيرة من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) فضلاً عن غيرهم مع أنّ جمهور الشيعة متلهفون لظهوره (عليه السلام)، ولو ظهر لهم بحجته لسارعوا إلى الإذعان به والتصديق له .
وعليه فإنّ كلّ حركة سريّة تستدرج جمعاً إلى الإيمان بشخصٍ على أنّه الإمام المهدي فهي حركة زائفة وداعيةُ ضلالة وعَلَمُ فتنةٍ، وكلّما مضت فترة أكثر على بثها لهذه الدعوى كان ذلك أنقض لدعواها وأثبتُ لزيفها وضلالها، لأنّ حركته (عليه السلام) مبنيّة عند ظهوره على إنهاء الانتظار، والثورة ضدّ الظلم والقيام المعلن بالأمر .
هذا ولا يشبه حال الإمام (عليه السلام) عند ظهوره حاله عند غيبته – كما نجده لدى فريق من مدّعي المهدويّة – بل ولا حال الأئمة الظاهري من آبائه (عليهم السلام) الذين ابتُلوا بانحراف جمهور الأمّة عن المسيرة الصحيحة بالإعراض عن أهل البيت (عليهم السلام) وتولّي الخلفاء حتى لم يحتمل جمهور المسلمين أمر التمسّك بأهل البيت اغتراراً بظواهر الأمور، فعاشوا (عليهم السلام) ظروف التقيّة في أوساط المسلمين بل مَثَل الإمام المهدي مَثَل الأنبياء عند إعلانهم برسالتهم وعرض نفسهم على الناس عَلَناً وإقامة الحجّة عليهم جهاراً كما وجدناه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكّة عند إظهار دعوته ، ثمّ في المدينة ، عارضاً حجّته على الجميع دون استثناء .
ولذلك يتعيّن على كلّ مؤمن التعامل مع أيّ دعوى بالتوقّف والحذر، بل بسوء الظنّ ، بل بالتكذيب والبراءة والتحذير .

ضرورة تبصّر المؤمنين بالانتباه إلى كثرة دعاوي المهدويّة الكاذبة على طول التاريخ

ومن أهمّ المنبهات للمؤمن المتبصّر والمتثبّت في أمر الحقّ المتحرّز عن التسرّع في الإذعان والقبول هو الانتباه إلى ظاهرة الدعاوي الكاذبة للمهدويّة ، وتلك ظاهرة واسعة تكررت في التاريخ منذ عصر غيبته (عليه السلام) حتى الزمان الحاضر ، حيث استغلّ بعض الخادعين بأساليب من التمويه والمكر والكتمان جماعة من بسطاء شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذين يتلهفون لظهورهم وانتفع بهم في كسب الجاه وجمع الأموال وتحشيد الأتباع مسوِّفاً إياهم بالظهور وممنياً لهم بالعظائم حتى إذا انقضت فترة ظهر كذبه وبان زيفه بعد أن أهلك الكثير ، وربّما غيّب وجهه عن أنصاره متوجهاً إلى جهةٍ مجهولة للاستمتاع بما جمعه من أموال وسخره لنفسه من بعض المغفلين مُعرضاً عن سائر أتباعه .
وربما أمكن القول إنّه لا يخلو كلّ عصرٍ عن واحدٍ أو أكثر من أدعياء المهدويّة يستغفلون جمعاً من الناس ويستأكلون بهم، ثمّ تنقشع الظلمة عن كذبهم وزيفهم .
وقد بلغنا في هذا الزمان أخبار عن عدد من أدعياء المهدويّة كان بعضهم يُبلِّغ عن نفسه قبل سقوط النظام في العراق وظهر بعضهم بعدَه ، وهناك أدعياء في إيران والبحرين وغيرهما من البلاد .
بل هناك أدعياء للنبوة يظهرون بين أهل الأديان عامّة أو المسلمين خاصّة رغم أنّ من الواضح في دين الإسلام أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاتم النبيين (عليهم السلام) فلا نبي في الدين من بعده ، حتّى شاعت بعض دعاوي النبوّة وبقيت وأسست أدياناً جديدة من أشهرها: ( دين البابيّة، والبهائية، والقاديانيّة) .
بل هناك أدعياء معروفين تاريخيّاً ولا يزال للألوهيّة من خلال دعاوي اتحادهم بالله تعالى أو حلوله فيهم تعالى عن ذلك علواً كبيراً، رغم أنّ من الواضح في الدين كلّه أنّ الله سبحانه لا يُسانخ خلقه في شيء ولن يعتريه تغيير حال، ولا محل لحلوله في شيء أو اتحاده به، بل كلّ شيء خاضع أمامه مسخَّر له متصاغر لعظمته .
فعلى الإنسان المؤمن أن يتصف بالتبصر في دينه ويبني أمره على الوضوح والحجّة واليقين ولا يرفع اليد عن اليقين بالشكّ ولا عن الحجة بالشبهة، ليكون متعلّماً على سبيل نجاة، فمن اتبع كلّ راية مرفوعة ودعوى معروضة إذا دغدغت عواطفه أو هيَّجت مشاعره أو بعثت آماله أو وافقت مصالحه كان من الهمج الرعاع المتسرعين في التصديق المسترسلين في الإذعان الذين هم أعوان الكذبة وحطب الفتنة وأعضاد الظلمة وضحية المكر والخديعة، وما أولئك بأهل الفلاح في هذه الدنيا ولا في الآخرة .

بعض علائم المدَّعين الكَذَبة

إنّ من علائم المُدَّعين الكَذَبَة أموراً :
الأوّل: تدرُّجهم في الدعوى، فلو تابعتَ تاريخ دخولهم في هذا المضمار لوجدتَ أنّهم يدَّعون أوَّلاً الاتصال بالإمام (عليه السلام) بعض الشيء، ثمّ الوكالة له، ثمّ النيابة عنه والتمثيل له، ثم يرتقون إلى دعوى أنّهم هم الإمام (عليه السلام) ولو اقتضى الأمر أن يدَّعوا حلول الإمام (عليه السلام) فيهم لم يتجنبوا ذلك .
ومنهم من يرتقي إلى دعوى النبوّة أو الألوهيّة، ولو أمام بعض من يحتمل منهم ذلك من البسطاء والجهلة، ولو بدعوى حلول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الله سبحانه فيه، وذلك أمر تحققنا منه بالاطلاع على أخبارهم عن قربٍ وهو معروف لمن نظر إلى هذه الدعاوي نظرة ناقدة وممحصة .
الثاني: توسّل العديد منهم بالاختفاء عن عامّة الناس حتى المذعنين بدعاويهم، وذلك ينشأ عن عوامل منها التستر على ضعف مؤهلاتهم العلميّة والخُلُقيّة والثقافيّة، والواقع أنّ هذا الاختفاء يكون بنفسه غيبة ، ولا ينسجم مع ادعاء الظهور، علماً أنّ سائر الأئمة من آل البيت (عيهم السلام) قبل الإمام المهدي (عليه السلام) رغم الخطورة عليهم من السلطة كانوا يرجحون أن يكونوا ظاهرين على وجه معلَن لعامّة الشيعة وسائر الناس ولا يلتجئون إلى الاختفاء والسريّة في حالٍ، لأنّ سريّة القيادة تكون عرضة للأوهام والخرافات وغياب الحجّة وانتشار الشبهة، ولو شاءوا أن يتخفوا  في مكانٍ ما ويبثوا رسلهم الى الناس كما فعل فريق آخر لفعلوا ، ولكنّهم أبوا ذلك وعاشوا ظاهرين لتمام الحجّة بذلك على عامّة أوليائهم، وأمّا غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) فكانت غيبة معلنَةً قد اقتضاها ما كتبه الله سبحانه له وللأمّة من طول الانتظار، وعليه فإنّ من غير المعقول أن يزعم أحدٌ أنّه الإمام المهدي (عليه السلام) وقد ظهر ثمّ يُخفي نفسه عن عامّة الناس ويغيب عنهم .
الثالث: توسلهم إلى التسويف المتكرر والدائم، مرّة بعد أخرى، ويتخلل دعاوي التسويف كثير من وجوه الخديعة والتلبيس والكذب والتناقض والإبهام والخلط، وهم لا يجدون محيصاً عن ذلك؛ بالنظر إلى أنّ فلسفة الظهور مبنيّة على إنهاء الانتظار والقيام بالأمر، فلا معنى لظهور في خفاء وقيامٍ في خوف، وإعلانٍ في سريّة، ونهوضٍ في تهيؤ واستعداد، ومن ثَمَّ فلا محيص لهم من التسويف مرةً بعد أخرى والأمر بالانتظار ريثما يجتمع الأنصار مستغفلين الناس في أنّ المفروض في الظهور نهاية الانتظار .
الرابع: التشبث ببعض الأخبار المبهمة والغامضة والمؤولة لغرض تطبيقها على أنفسهم . وجلُّ هذه الأخبار ليست موثوقة سنداً ولا ناهضة دلالةً مما يجده كلّ امرئ ببعض التأمّل والتوقف ولو بمشورة أهل العلم، وأمّا أهل العلم فذلك عندهم في نهاية الوضوح .
ثمّ أنّى تكون حركة عالميّة في الدين والإصلاح والعدل مبنيّة على التشبّث بمقاربات ضعيفة وواهمة وتأويلية من هذا القبيل .
ويعلم المطّلعون على تاريخ الحركات المهدويّة والمؤلفين في علائم الظهور وشخصيّاته أنّ هذه الأخبار والشخصيّات طُبِّقَت مراتٍ عديدة تطبيقات واهمة بالحدس والتظنّي ثمّ تبيّن خطأها وتغيّرت تنبؤات أصحابها وتفسيرهم للأخبار .
وليس هناك من شكٍ في أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) إذا ظهر سوف يظهر كظهور الأنبياء العظام أولي العزم بالحجج الواضحة لكلّ راشدٍ من المسلمين وغيرهم، كيف! وهو مسدد بالكرامات والآيات وحاشاه من أن يرتكز على رواية متشابهةٍ لن تبرِّد غليلاً ولا توجب يقيناً .
الخامس: ارتكازها على التوسل إلى القدرات العجيبة والعلوم الغريبة وعلى الاستعانة بالجنِّ وعلى السحر والشعوذة وذلك كلّه لاصطناع الخوارق والتظاهر بالكرامات . وهذا من أخطر ما يرتكبه هؤلاء ؛ لأنّ كثيراً من عامّة الناس لا يميزون بين هذه الأمور ، وإن كان ذلك معروفاً لدى أهل العلم بالدين. وذلك لأنّ هذه الأمور كلّها معهودة لدى أرباب الاعتقادات والمذاهب التي لا شكّ في بطلانها ولا تقوم بها حجّة وهي تختلف عن المعاجز والكرامات في أسبابها؛ لأنّ المعاجز والكرامات هي حالات مميّزة كمّاً وكيفاً، هي فوق المستوى المتاح للإنسان مهما سعى وتكلّف، وأمّا هذه الأمور فلها أسباب طبيعية متى توفَّرت سواء كان صاحبها براً أو فاجراً، فالقدرات العجيبة هي ظاهرة قديمة في المجتمع البشري وتتأتى للمرء بالرياضات الروحيّة الشاقّة التي تتضمَّن تضييقاً بالغاً على النفس – من غير اعتبار قصد وجه الله فيها وابتغاء رضوانه – فتنمو للنفس قدرات خاصّة من قبيل القدرة على تحريك شيء بمحض إرادة تحريكه – كما يفعله بعض مرتاضي الهند من الهندوس وغيرهم من أرباب الاعتقادات الخرافيّة والباطلة – وأمّا الاستعانة بالجنّ فهي أيضاً ظاهرة قديمة في المجتمع البشري؛ لأنّ الجنّ تتميّز بخفتها واطلاعها على بعض ما يجهله الإنسان، وقد حكى الله تعالى اعتماد بعض الناس على الجنّ حيث قال سبحانه: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } (الجن / 6) وأمّا السحر فهو قدرة مكتسبة بالرياضة على التأثير في خيال الشخص وإحساسه ، حتى يتجلّى له الأشياء على وجه آخر ، ويخيل إليه الأمور على وجهٍ مختلف ، وقد حكى الله سبحانه في القرآن ما وقع من السحرة في قبال موسى في قوله سبحانه: { قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } (طه/ 66) . 
وأمّا الشعوذة فهي الأفعال الدقيقة التي يخفى وجهها على الآخرين ، ومن القدرات الخاصّة القدرة على الإيحاء والتلقين النفسي بالأفكار إلى الآخرين في اليقظة أو في المنام والقدرة على قراءة الأفكار ، ومن الوجوه المعروفة لهذه القدرات: هو القدرة على التنويم المغناطيسي للآخرين وهو أمر معروف في الغرب ومحلّ إذعان في علم النفس المعاصر . فهذه أمور معروفة لدى الأمم والأقوام كلّها .
فهذه الأسباب تؤدي في حالات قليلة ومتكلفة إلى أمور تبدو خوارق وكرامات، وهي ليست منها، بل لها أسباب نفسيّة وطبيعيّة أو شيطانيّة ، وليست ذات أسباب إلهيّة ، وما يتفق بالأسباب الإلهيّة خوارق وكرامات ذات مستوى أعلى وأوسع ، وهي تحصل من دون تكلّف ولا سعي شخصي خاص ولا رياضة شاقّة ، بل هي أمور يكرّم الله سبحانه بها عباده بقربهم منه وابتغائهم لرضوانه متى شاء .
على أنّ غالب دعاوي المدعين لهذه الأمور كذب مبني على الحدس والتخمين في بعض الموارد من جهة طول الممارسة لطرق خديعة الناس والنفوذ فيهم وما يوجبه من الدهاء والحيلة، وإذا ظهر كذب القائل في موارد فسّرها على وجه غامض يتيه فيه من اطّلع عليه ويستر ذلك عن الآخرين .
السادس: ابتعاد هذه الحركات عن العقل والمنطق وما ينتمي إليهما من الأدوات الفكريّة، فهي لا تُشيع بين أفرادها التأمّل والتفكّر والمقارنة والتمحيص، بل تدعوها إلى التسليم والإيمان وتعزيها بالغرائب والعجائب وتخاطبها بأمور معقّدة لا تعقلها .
وذلك على خلاف سنّة الأديان في مخاطبة الناس كما نجده في القرآن الكريم ونهج البلاغة وسائر مخاطبات النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) ، فالقرآن الكريم دائماً يعتبر روح التعقّل والتفكير ويبسط للناس أدوات التأمّل والمقارنة ويحثُّ الناس على التثبت والوضوح كما قال تعالى عن المؤمنين { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } (الزمر/ 18) ، وقال سبحانه: { إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (الرعد/ 4) ، وأيضاً: { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (يونس/ 24) ، وأيضاً: { فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } (الأنعام /98) .
السابع: تجنبها عن مفاتحة النابهين ومخاطبتهم بهذه الدعاوى ممّن لا يستسلم للدعوى مهما كانت مثيرة وموافقة لعواطفه إلّا بعد نقدٍ وتمحيص واختبارٍ وتوقفٍ، بل يسعون إلى مخاطبة مَن يرون فيه سذاجةً واسترسالاً وتسرُّعاً ويوهمونهم أن تسرُّعهم إلى القبول صفاء للنفس وقوّة في الإيمان وإسراعٌ إلى الإذعان بالحق .
كلّا، فالصفاء غير السذاجة وقوّة الإيمان إنّما تكون بعد وضوح الحجّة دون الحدس والتظني، والإسراع في الإذعان قبل النقد والتمحيص والمقارنة والمشورة تسرُّع ذميم مخالف للعقل والحكمة والفطنة .
والواقع أنّ المؤمن المتبصّر متميّز بالعقل الحصيف والتثبُّت اللازم ومتجنّب عن الاستغفال وبعيدٌ من الاسترسال، ولذلك جاء في الحديث أنّ المؤمن كيّس وأنّه ينظر بنور الله سبحانه وأنّه لن يُلدَغ من جُحرٍ مرتين، وليس من صفات المؤمن في شيءٍ السذاجة والتسرّع والاسترسال ولاسيّما في الأمور المهمّة .
الثامن: اهتمامها بالسريّة وأخذها المواثيق على عدم مفاتحة الآخرين بالموضوع إلّا من يتوقع استرساله في الإيمان دون من يسعى إلى التأمّل والتحرّي والمشورة لأهل العلم، وذلك خشيةً من تفرّق الأتباع وانتقاض الشبهة وظهور العِوار، والتنبه للمآخذ الواضحة .
وتلك عادة أصحاب الدعاوي الباطلة  في اختيار هذا المنهج لأنّهم لا يستطيعون من النفوذ في الناس إلّا بهذه الطريقة، ومع ذلك لن تطول حركاتهم في الغالب – بمقياس التاريخ – إلّا لفترة غير طويلة .
التاسع: معاداتها مع أهل العلم بقولٍ مُطلَقٍ حتّى الذين عُرِفَ منهم بالتقوى والزهد والإعراض عن الجاه، لأنّهم يعلمون أنّهم سوف ينكشفون من خلال هذه الفئة، فهم يُبدون اتهامهم في دينهم وعلمهم حتّى يوجدوا حضانة لمن استغفلوه ويستمروا على نشر الظلام من حوله، إذ الظلمة مرتع الفتن والعلم ضياء الحق، فمن استضاء بنور العلم توقّف في الفتنة وتثبّتَ عند الشبهة ثم لم يلبث أن يُسفر له وجه الحقّ والحقيقة دون أن يقع في نيرانها ويُصاب بسهامها .
العاشر: أنّهم يتمتعون بإمكانات ماليّة مميزة وغامضة المصدر على خلاف ما يجده المرء في سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة الهدى (عليهم السلام) والعلماء الصالحين، فإذا تأمَّلتَ سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ العهد المكّي وجدتَ أنّه كان يعتمد على مصادر معلومة وليست خارقة ولا مجهولة للتمويل، فهو كان يعتمد على أموال خديجة، ثمَّ على تبرعات المؤمنين، ولذا تجد دائماً دعوة المؤمنين في القرآن الكريم إلى الإنفاق في سبيل الحقّ، وذلك معلوم وواضح للغاية في سيرته إلى آخر حياته، وكذلك الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) كانوا يعتمدون على ما أُتيح لهم من صدقاتٍ موروثة أو أموال خُمسٍ يستلمونها من الوكلاء، ولا يزال مراجع الشيعة المعروفين يعولون تعويلاً واضحاً على ما يردهم من أخماس وتبرعات ونحوها من عامّة الناس بمقدار سعة مرجعيتهم ورجوع الناس إليهم، فمن أُتيح له من أدعياء الدين أموال مشبوهة غامضة المصدر رغم انّ أتباعهم عموماً من الضعفاء والفقراء والمحرومين ينبغي أن يُثير ذلك الشكّ فيه والشبهة في مصدر تمويله ؛ إذ لم تبتنِ دعوات الأنبياء على خوارق في الحصول على الأموال .
الحادي عشر: أنّهم يتمتعون بالقبول والمداراة والعلاقة المميزة مع سلطات ووجوه من خارج المذهب ، رغم أنّ المفروض بدعاوي المهدويّة أن تستوجب تحرزاً أو حذراً من السلطات؛ لأنّها ذات مقاصد سياسيّة بطبيعة الحال، لكون الإمام المهدي (عليه السلام) يسعى إلى استلام السلطة وينهي سلطات الرؤساء والأمراء والملوك كلّها، فلماذا تداري سلطات بعض البلاد بعض هذه الحركات وتحتضن رموزها وهي التي تتشدد أو تتحذر مع الاتجاه العام في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الذي هو آمَنُ من إثارة هذه الهواجس .
كما أنّ المرء يجدُ أنّ في سائر الأديان والمذاهب مَن يتقبَّل هؤلاء أكثر من الاتجاه العام في المذهب رغم أنّه اتجاه مريب وحادث ومشكوك، وهو ينبغي أن يكون في منظور تلك المذاهب أقرب الى البدعة والضلالة من أصل مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، فلماذا تجد من المداراة والقبول والإظهار ما لا يجده أصل هذا المذهب في تاريخه وحججه وشخصيّاته وأدواره .
ومن الملفت للباحث المنقّب في شأن دعاوي المهدويّة أنّ بعض هذه الدعاوي كانت في طول الزمن مرتبطة ومعتضدة بأيادٍ أجنبيّة استعماريّة في زمان استعمار البلاد الإسلاميّة حتى تكون عضداً لها في النفوذ في المجتمعات المؤمنة والمتديّنة، ولا يزال توجد هناك ارتباطات مريبة للمدَّعين بجهات خارجة عن هذا المذهب .

خطورة الإيمان بإمامة شخصٍ لا يكون إماماً

ومن الواضح وفق قواعد مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأصوله الراسخة أنّ مَن آمنَ بإمامٍ غير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حقّاً فإنّه يكون قد ضلّ عن هذا المذهب، كمن اتخذ إماماً في عصر الأئمّة السابقين غير أئمة الهدى (عليهم السلام)، ويعلم المتابع لحياة الأئمة وشيعتهم وتاريخهم وسيرتهم أنّ الأئمة (عليهم السلام) حيث كانوا يعيشون ظروفاً صعبة مع السلطات القائمة من جهة خطورة مبادئهم في الألوهيّة على الحكم السياسي لهذه السلطات كان هناك في مقابلهم في كثيرٍ من الحالات أدعياء للإمامة، ومن ثَمَّ جاء في كتب الفِرَق أنّ جماعةً بعد الإمام الباقر (عليه السلام) قالوا بإمامة آخرين غير الصادق (عليه السلام)، ثمّ جماعة من الشيعة بعد الصادق (عليه السلام) قالوا بإمامة آخرين غير الكاظم (عليه السلام) وهكذا الحال بعد كلّ إمام، وهؤلاء الفِرَق تعتبر فرقاً ضلَّت عن الطريق وتاهت عن وجه الحقّ وقد انقرض معظمها، لأنّها مثل الحركات المهدويّة في هذا العصر تبتني على استغفال جماعة لفترة ثُمَّ تزول بعد فقدانها لمقومات وجودها وديمومتها بموت قياداتها ونفاد أموالها وسحب الدعم منها بعد عدم توفيقها في الغايات المنظورة لها .
وعليه فإنّ من آمن بإمامٍ غير الإمام المهدي (عليه السلام) - ولو بتوقّع أنّه الإمام (عليه السلام) – فقد ضلَّ عن السبيل وانحرف عن الحقّ ومات ميتةً جاهليّة وفق الحديث المعروف، مثلها في ذلك مثل الفِرَق التي آمنت بآخرين غير الأئمة الاثني عشر في زمانهم .
هذا عن دعاوي المهدويّة .
إذن التأصيل الواضح في شأن دعاوي المهدويّة هو الحذر التام منها والتثبُّت الشديد منها والاستشارة الوافية بشأنها، وإلّا فليثبت مؤمنٌ على ما اتضحت له الحجة من الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) حتى يظهر للمجتمع بحجته البالغة وأدلَّته القاهرة .

التأصيل في الدين تجاه دعاوي الارتباطات الخاصة بالإمام (عليه السلام)

وأمّا التأصيل في الدين والمذهب تجاه دعاوي الارتباطات الخاصّة بالإمام (عليه السلام) من وكالة ونيابة وتمثيل فهو كذلك واضحٌ للغاية منذ غيبة الإمام (عليه السلام) الكبرى التي طالت أحَدَ عشر قرناً، وهو أنَّها دعاوٍ كاذبة أياً كان قائلها ومبديها؛ لأنّ باب الوكالة والنيابة الخاصّة قد أُغلِقَت في مسار تدريجي بغيبته التامّة إلى ظهوره كما في النصّ الذي بعثه (عليه السلام) قبيل وفاة نائبه الرابع والأخير (علي بن محمد السمري) من الإشارة إلى تكذيب كلّ مدعٍ عنه (عليه السلام)، والإحالة حتى في زمان الغيبة الصغرى في الحوادث إلى علماء الشيعة، فروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة أنّ السمري أخرج قبل وفاته بأيّامٍ (إلى الناس توقيعاً، نسخته: ( بسم الله الرحمن الرحيم يا عليّ بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألا فَمَن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم). قال فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمرٌ هو بالغه)(2) . وهذا نصّ تأسيسي متفق عليه رواية وعملاً بين علماء الإماميّة منذ (1329هـ) حتى الآن .
ففلسفة الغيبة الكبرى كلها على الانقطاع عن الإمام (عليه السلام) والنيابة الخاصّة وإحالة الناس إلى المبادئ العامّة في سياق القرآن الكريم وآثار النبي (صلى الله عليه وآله سلم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) ولم تكن الغيبة الصغرى – التي كان الإمام (عليه السلام) يتصل بالشيعة من خلال رجلين معيّنين ممّن زكّاه الإمام العسكري (عليه السلام) تزكية واضحة معلنة طوال سنين وهما عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان، ثُمَّ مَن عُيِّن من جهته وهو أبو القاسم حسين بن روح ثمّ علي بن محمد السمري – إلّا فترة استثنائيّة حتى يتهيأ الناس للغيبة التامّة ولا ينصدموا بها صدمة لا يمكن لجمهور الشيعة استيعابها، ولا معنى للعودة إلى الغيبة الصغرى في بعض مدّة الغيبة الكبرى التامّة، بل الغيبة الكبرى سنخها من أولها إلى آخرها على نسقٍ واحد وهو الخلو عن النائب الخاص تماماً بلا فَرقٍ بين العصور السابقة، ومن المعلوم أنّه ليس من المعقول ولا الوارد أن يدَّعي امرؤ عدم تحقق غيبة كبرى (تامّة) للإمام (عليه السلام) مطلقاً، بمعنى أنّه كان بعد وفاة النائب الرابع (وهو السمري) وكلاء ونواب خاصين على طول الزمان حتّى عصرنا هذا، فأين هؤلاء النواب، ولماذا لم تعرفهم الشيعة وعلمائها كما عرفوا النواب الأربعة ! على أنّ ذلك دعوى مخالفة لأساس المذهب وأصوله وبديهياته التي جرى عليها رجال الإماميّة جميعاً المعاصرين للغيبة الصغرى ثمّ الأجيال التي بعدهم جيلاً فجيلاً .
ولذلك تجد أنّ أحداً من الفقهاء مهما بلغ من التقوى والعلم وأوتي من الكرامات والخوارق وحُكيتت ملاقاته للإمام (عليه السلام) لا يطرح حل مشكلة في أصول الدين وفروعه على أساس تلقٍ خاصٍ من الإمام (عليه السلام) ولا ينقل توجيهاً في الحوادث والمسائل عنه (عليه السلام) رغم ما تستغرقه عمليّة الاستنباط من عناء وجهدٍ وتمحيص، حتى أنّه قد تنتهي إلى ترديدٍ جادٍ يوجب تحوُّط الفقهاء، فلا يُعرَف عن الشيخ الصدوق ولا المفيد ولا الطوسي ولا المحقق (صاحب الشرائع) ولا مَن بعدهم إلى المقدّس الأردبيلي والشيخ الأنصاري وسائر العلماء الربانيين من قبلُ ومن بعدُ الاستناد إلى تلقٍ خاصٍ لفكرة أو نصٍ عن الإمام المهدي (عليه السلام) .
فالمرجع في زمان الغيبة إنما هو إلى الأعلم فالأعلم  والأتقى فالأتقى من علماء الشيعة ممّن اختُبِر علمهم بطول المدّة بين أظهر أهل العلم خاصّة وسائر المؤمنين عامّة .
فمن زعم تعليمات ورسائل خاصّة تلقاها لإبلاغها إلى الشيعة فقد وهِمَ وهماً واضحاً للغاية، وحادَ عن السبيل، وأثلَم بذلك دينه، وعميت بصيرته، ووقع في الفتنة يقيناً، وجانب المسيرة التي حددها أهل البيت (عليهم السلام) في زمان الغيبة قطعاً من غير شكٍ وشبهةٍ وذلك بديهي وواضح للغاية، فلا يتيه عنه إلّا تائه ولا يضلّ عنه إلّا ضالٌ ولا يقع في خلافه إلّا جاهل متسرّع ولا يزعمه إلّا مختل في فكره أو مخادع للناس في أمره وقد نهى الله سبحانه عن اتباع الأوهام والتخرصات ووجوه التظني وحَصَرَ الحجّة في أمر الدين باليقين الواضح والآية البيّنة والحجة البالغة. والله الهادي .

الهوامش 
______
(1) فتأمّل مثلاً فتنة حرب الجمل في البصرة في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) . فقد ولي الإمام (عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان بشورى حقيقيّة دون مغالبة أو استئثار أو إكراه أو تعيين مفروضٍ من قبل الخليفة السابق كما وقع ذلك في خلافة الخلفاء من قبله حيث بايعه عامّة أهل الحلّ والعقد في حينه من المهاجرين والأنصار ، وجمهور الثائرين على عثمان الشاكِين من إثرته ومظالم ولاته من أهالي الأمصار كالكوفة ومصر، وكان فيمن حرض على عثمان تحريضاً مُعلَناً وواضحاً في بيئة المدينة عائشة وطلحة والزبير، وقد بايع الأخيران مع الإمام (عليه السلام)، ثمّ لم يجدوا في ذلك ما رجوا وأمّلوا ، فأسرعوا إلى البصرة – التي كانت بعيدة بعض الشيء عن الحراك الذي أدّى إلى مقتل عثمان ثمّ خلافة الإمام (عليه السلام) ولذلك لم يكن يعلم أهلها بما اتفق وكيف اتفق – فعرّف عائشة وطلحة والزبير أهل البصرة بأنفسهم على أنّهم زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصاحبان له، وقالوا : إنّ الخليفة عثمان قُتِلَ مظلوماً بغير حق وأُريق دمه على فراشه، وإنّ قتلة عثمان وراء الإمام علي (عليه السلام) وهو يحميهم ولا يُمَكِّن من الاقتصاص منهم ونكلوا بوالي الإمام (عليه السلام) على البصرة، فأثاروا عواطف الناس بطرح مظلومية عثمان وهيّجوا مشاعرهم وأوهموهم أنّهم يريدون العدل وينشدون الحق ويتحرون الرشد، فانجذب إليهم عامّة الناس المتسرعين في الوقوع في فخ الشعارات البراقة والدعاوي المثيرة، وعندما جاءهم الإمام (عليه السلام) وخطب فيهم يوضّح لهم الحق ويتبيّن أمامهم الواقع كانوا مليئين بمشاعرهم مثارين في عواطفهم فلم يستجيبوا وقاتلوا دون عائشة وطلحة والزبير حتى قُتِل الآلاف منهم ومن جيش الإمام (عليه السلام) وقُتلَ طلحة والزبير ورجعت عائشة إلى المدينة، وبقيت النزعة العثمانيّة فيهم إلى قرون حيث عُرِفَت البصرة في العصر الأوّل بأنّها عثمانية الهوى قبل أن تنتشر فيها دعوة أهل البيت (عليهم السلام) تدريجاً؛ وذلك لأنّ الذين اعتقدوا بذلك وفقدوا في سبيله أولادهم وذويهم وأقاربهم لم يكونوا يستطيعون بعد هذا الدم أن يذعنوا بوقوعهم في الخطأ، ويتولوا الإمام (عليه السلام) بعد قتاله وما وقع من الدم بينه وبينهم، ولو أنّهم عندما طرح عليهم طلحة والزبير وعائشة ما طرحوه تريثوا حتى يُوفِدوا وفدَهم من جماعة من نخبهم من أهل الحكمة والخبرة والمعرفة إلى المدينة حتّى يتحققوا مما اتفق في مقتل عثمان ، كما تقتضيه الحكمة والعقل في الخصومات لبَانَ لهم الأمر وأوضح لهم الإمام (عليه السلام) ما وقع ، وأوضح لهم دور طلحة والزبير وعائشة في التحريض على عثمان ، وبيعة الأولين مع الإمام (عليه السلام) طوعاً بمحضر المهاجرين والأنصار ، واطلعوا على جريان خلافته على الأساس المعلَن لشرعيّة الخلافة من بيعة المهاجرين والأنصار وسائر المسلمين ، لظهر لهم الأمر ولم يقعوا فيما وقعوا فيه من البغي على الإمام (عليه السلام) وقتل النفوس وإتلاف الأموال والتنكيل بالأبرياء ، ولكنهم استرسلوا وتسرعوا فوقعوا في ذلك .
(2) الغيبة ، الطوسي: ص395 .

ملاحظة: العناوين التي تمّت إضافتها بين المزدوجين [  ] ليست في الأصل وإنّما أضفناها لتسهيل مراجعة البحث .