القائمة الرئيسية

الصفحات

كيفية التعامل مع التفاصيل الخلافية في توثيق واقعة الطف

 

كيفية التعامل مع التفاصيل الخلافية في توثيق واقعة الطف

سؤال : سلام عليكم ، كيف نتعامل مع بعض الأمور المختلف فيها في روايات واقعة الطف مثل وجود فاطمة العليلة او عدمها او ام علي الأكبر وغيرها ؟ لانّ كثيرا من الخطباء والرواديد أصبحت عندهم من المسلمات جزاكم الله خير الجزاء .

الجواب/

وعليكم السلام ورحمة الله ، الموقف المنهجي إزاء الأخبار الحاكية لواقعة الطف يكون باعتماد المنهج التاريخي القائم على أساس ثلاث دعامات هي جمع القرائن والتحليل والنقد الداخلي والخارجي ، وكيف كان فإنّ القضايا التاريخية تنقسم عموما من حيث قيمتها العلمية على أربع مستويات :

الأوّل : القضايا اليقينية ، والطريق إليها التواتر او تكاثر القرائن المؤدية الى تراكم الاحتمالات بحدٍ يوجب إهمال الطرف المغاير في نظر العقلاء .

الثاني : القضايا الظنية ، وتمثّل الأعمّ الأغلب من قضايا التاريخ وهي ما كان طريقه أخبار معتمدة عند العقلاء غير منقوضة بنقد علمي ولكن لم تبلغ حدّ التواتر .

الثالث : القضايا الاحتمالية ، وهي ما كان طريقها غير معتبر وكانت ممكنة في نفسها ، أو كان طريقها معتبراً مع توجّه النقد الى المتن بحدٍ لا يوجب البتّ بالوضع .

الرابع : الخرافات والأساطير ، وهي ما ليس له أي طريق منهجي أي أنّه مبتدع من وحي الخيال ، أو كان الطعن فيها واضحا بيّناً أو كانت في نفسها لا تقع في حيّز الإمكان ...

إذا اتضح هذا فإنّ القسمين الأوّل والثاني هما فقط ما يمكن قبوله كقضية تاريخية علمياً ومنهجياً وأمّا القسم الثالث فهو وإن كان لا يصح قبوله كما لا يصح ترتيب الأثر عليه لكن يمكن الصفح عمّن يتبناه على حدّ ظروفه ومستواه العلمي ما دام ثمّة ما يؤشر عليه مع إمكانه في نفسه ، وأمّا القسم الرابع فيجب تكوين ثقافة عامّة قائمة على رفضه وعدم فسح المجال له في المجالس والأندية العلمية لأنه إذا ما شاع سيكون كفيلاً بمسخ ثقافة المجتمع والذهاب بها إلى حافة الهاوية .

وإذا طبقنا ذلك على المسألتين المذكورتين في السؤال نلاحظ أنهما من القسم الثاني أو على أقلّ تقدير هما من القسم الثالث فمثلاً وجود فاطمة العليلة القدر المتيقن فيه أنّ للإمام الحسين عليه السلام بنتاً اسمها فاطمة كانت مع ركب السبايا وذكروا لها خطبة في الكوفة ولكن هل للإمام بنت أخرى بالاسم نفسه بقيت في المدينة بسبب المرض ؟

لا يدل على ذلك سوى رواية واحدة عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام رواها العلامة في كتاب ( البحار ) وابن عساكر في كتاب ( تاريخ مدينة دمشق ) والخوارزمي في المقتل وغيرهم وهذه المصادر كما ترى تعدّ من المصادر المعتبرة اجمالاً مما يعني أن دعوى وجود فاطمة العليلة لم تأتِ جزافاً وليست شيئاً من ابتداع الخطباء ، نعم هذه الرواية يمكن نقدها بتضعيفها وبمعارضتها بأنّ عامّة المؤرخين لم يذكروا للإمام الحسين عليه السلام غير فاطمة واحدة ذهبت معه الى كربلاء ثم مع ركب السبايا ، ولكن مادام الأمر برمته قابلاً للبحث ولم يأتِ جزافاً فلا يصح احتكار الصواب على جهة واحدة بحيث ننهر من يذهب الى وجود فاطمة العليلة ونتهمه بالتخريف كما يفعل بعض أدعياء البحث العلمي .

وأمّا قضية وجود أمّ علي الأكبر عليه السلام في كربلاء فقد ذكرها ابن شهر آشوب في كتاب المناقب وورد في بعض كتب التاريخ والملاحم ما يشير الى ذلك أيضاً وقد أفاد وأجاد العلّامة السيد جعفر مرتضى العاملي رحمه الله في بحث هذه المسألة في كتابه القيّم ( كربلاء فوق الشبهات ) فليُراجَع .

إذا اتضح ذلك فإنّ السلوك الصحيح علميا وأخلاقياً إزاء هذه القضايا هو فتح الباب للبحث واختلاف الرأي وعدم احتكار الصواب على جهة بعينها وتقبُّل الآراء بأريحية علمية مادامت تلك الآراء لم تأت عن فراغ وإنّما لها مستندها المنهجي .

نعم يجدر هنا التنبيه على أنّ هناك قضايا بدأ بعضهم مؤخرا يعمل على اشاعتها فيما يخصّ عاشوراء تندرج في القسم الرابع ويترتب عليها نقوض بيّنة لا مهرب منها فهذه ينبغي الإنكار على مروجيها وعدم السماح بتحويلها الى ثقافة عامّة ومنها على سبيل المثال حكاية أنّ العقيلة (عليها السلام) قد شجت رأسها بعمود المحمل حتى سال الدم من رأسها فلم تظهر هذه الحكاية إلّا في العهد الصفوي في كتاب منتخب الطريحي وهذا الكتاب وإن كان معتبراً اجمالا لكن لا موثوقية فيما تفرّد به ولم يذكر مصدره لأنّ الفاصل بين المؤلف وبين عاشوراء يزيد على 1000 سنة فكيف نقبل منه ذلك وأيضا كانت الأجواء في عصر المؤلف مشحونة بالفكر الحشوي الذي لا يهتم ممّن يأخذ وماذا يأخذ ! .

ومنها على سبيل المثال أيضا قصة الأسد التي بدأ بعضهم بالترويج لها مؤخراً فهي ساقطة عن الاعتبار سنداً ومتنا ولا يمكن قبولها بوجه .

والخلاصة أنّ الجواب يختلف باختلاف المسألة محلّ البحث فإذا كانت مما يندرج ضمن الخلافات ذات الصبغة المنهجية والتي لا يخلو منها علم من العلوم فهذه ينبغي أن نكون فيها في فسحة من أمرنا ونفتح الباب للآراء المتعددة فيها مادامت منهجية وأما إذا كانت موضوعة او كانت خلاف سياقات المنهج العلمي بشكل صارخ فهذا ما لا ينبغي السكوت عليه لئلا يصبح ثقافة عامّة ندفع ثمنها لاحقاً .

ليث الكربلائي