لقد أدت شهادة الإمام الحسين (ع) بما مثّله من نبل بالغ ومظلومية عظيمة جداً لأهل البيت (ع) - فضلاً عن تقوية أصل الإسلام واحياء العديد من قيمه ومبادئه -إلى تقوية التشيع في الكوفة وسائر البلاد عدا بلاد الحجاز التي كانت عموماً ثابتة على مدرسة الخلافة لأنها مركز نفوذ المعرضين عن أهل البيت (ع) من أهل الحل والعقد والمتحالفين معهم والمتأثرين بهم.
كان تأثير هذه المظلومية في ذلك على وجوه مختلفة:
[ وجوه تأثير شهادة الإمام الحسين عليه السلام على انتشار المذهب الشيعي ]
الأوّل: إزالة الحواجز الشعورية تجاه الإيمان بأهل البيت (ع)، فقد شهد أهل الكوفة واعية الإمام أمير المؤمنين (ع) في ذكر اصطفاء أهل البيت (ع)، إلا أن الذي كان يعيق القبول بذلك ما ورثوه من الاعتقاد بأهل الحل والعقد من الصحابة الذين أبرموا بيعة أبي بكر في السقيفة ثم بالخلفاء مع حسن ظن عامة الناس بهم.
قد أثرت في تخفيف هذه الحواجز بعض الشيء مظلومية الإمام أمير المؤمنين (ع) بشهادته ثم بسبه على رؤوس الأشهاد حتى في الكوفة التي شهدت سيرته (ع) وكذلك مظلومية الإمام الحسن (ع) حيث تُرك وحيداً لعدم الإيمان بقضية القتال مع معاوية وحصول الشبهة فيه بكونه قتالاً غير ضروري بين طائفتين من المسلمين حتى تبيّن لهم الخطأ الفظيع في هذا الموقف بعد استيلاء معاوية لكن كانت شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) عاملاً انفجارياً كبيراً لإزالة هذه الحواجز ومناشئها من حالة التقليد، وأدت إلى إعادة النظر في تحديد الحق بالرجال، فأوجب امتلاك هذه الواعية لقلوب الناس وخرق قداسة الخلافة وأهل الحل والعقد من الصحابة والعصبية للأسلاف المانعة من الإذعان لهذا الحق.
الثاني: إسماع واعية أهل البيت (عليهم السلام) لكثير من الناس في البلاد الإسلامية المترامية التي لم يكن قد سمع بها أو لم يتلقّها تلقياً جادّاً مثل بلاد خراسان والتي انطلقت منها على أساس التشيع ثورة العباسيين التي أنهت حكم بني أمية بعد عدة عقود من مقتل الحسين (ع).
فقد كان قتل سبط رسول الله (ص) من قبل السلطة على أساس إلزامه بالبيعة وإبائه عنها في قتالٍ غير متكافئ على هذا النحو الفجيع وأسر نسائه وأولاده حدثاً عظيماً بلغ صداه عامة بلاد المسلمين، وطرح ثنائية أهل البيت والسلطة في المجتمع الإسلامي كله، وأثار البحث عند المسلمين عن خلفية هذا الحدث ومضمون خطاب أهل البيت (ع) ـــ والذي كان يتردد فيه مضافاً إلى مبادئ العدل ـــ اصطفاء أهل البيت (ع) وتميزهم في هذه الأمة.
وقد ساعد هذا الحدث على تحري خطابات الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل والأحاديث النبوية في شأن أهل البيت (عليهم السلام) مما ساعد على انتشار التشيع أو إيجاد أرضية قريبة في كثير من الأوساط.
الثالث: أثر سياسي، وهو تضعضع بنيان حكم بني أمية الذين تبنوا عداء الإمام (ع) وأهل البيت (عليهم السلام) على وجه سافر حيث أوجب هذا الحدث سقوط هيبة الدولة الأموية، وإزالة القناع الديني عن هذه السلطة في نفوس كثير من المسلمين، وزيادة الكره تجاههم والمحبة لأهل البيت (عليهم السلام) في المجتمع الإسلامي.
لقد ظن بنو أمية أن التعامل القاسي مع الإمام الحسين (عليه السلام) بأقسى وجه ممكن سوف يؤدي إلى توطيد أساس ملكهم ويكون عبرةً لمن اعتبر من بعد، ويؤدي إلى إزاحة بني هاشم (الذين يعتبرونهم البديل الخطر لهم) عن منافستهم للأبد باستئصال رأسهم وأصلهم، وكان الناس في العراق من قبل يتحدثون حتى في زمان الإمام أمير المؤمنين (ع) كما يدل عليه العديد من خطبه (ع) عن أن الحكم سوف يكون ويستقر لبني أمية إلى الأبد لأنهم خُلقوا للحكم حيث أوتوا سر الحفاظ عليه وديمومته بما يتصفون به من الدهاء والمكر والحيلة مع عدم التورع عن الفجور والغدر والرشا ونحوها من الأدوات.
ولكن أصبح الأمر على خلاف ذلك، فقد كان صوت الإمام الحسين (عليه السلام) المضمخ بدمه ودم قرابته وأنصاره وأسر نسائه ـــ هذا الصوت الذي أبى الإقرار بمشروعية هذه السلطة الأموية على المسلمين ـــ صوتاً مدوياً خرق هيبة حكم الأمويين في المجتمع، ورجا في أثره كثير من الناس أن تكون إزاحة هذا الحكم أمراً ممكناً بالتضحية، ولذلك تتالت الثورات عليها في أوساط الشيعة وغيرهم مثل ثورة أهل المدينة ضد يزيد وثورة أبناء الزبير في مكة والعراق ضد السلطة، حتى انتهى حكمهم على يد ثورة بني العباس بعد سبعين سنة فقط من قتل الحسين (عليه السلام).
بقلم : السيد محمد باقر السيستاني. ( حفظه الله )
المصدر : قناة المعرفة الدينية ، تهتم بنشر تراث وكتابات السيد محمد باقر السيستاني حفظه الله