بقلم السيد عبد الرزاق المقرم رحمه الله
(إنّ) ما أُرسِل في الكتب من نسبة المروق عن الحق إلى عبد الله المحض وجماعة الهاشميين رجالاً ونساءً لا يصح نقله لمجهولية رجال الاسناد في جملة الأحاديث وعدم ثبوت التوثيق في جملة اخرى وعدم الاعتماد على كثير ممن أودع تلك الأحاديث في كتابه. وقد قال الله تعالى : (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (الحجرات : 6) .
والفاسق أعم ممن ثبت فسقه أو لم يثبت توثيقه.
ومن العجيب أن أرباب الجوامع الذين احتفظوا بأمثال هذه الاحاديث نراهم لم يعبؤا بما تتضمنه من حكم الزامي وتكليف شرعي بل لا يحتاطون في اتيانه إذا فكيف جاز الاعتماد على هذه النقول في جرح الرجل المسلم ونسبته إلى التمرد على قانون الاسلام ، أليس هذا من التساهل في الدين ؟ ( أيها المنصفون ) فيعلم من ذلك ان غرضهم تأليف قضايا تأريخية وقصص أخبار الماضين على ما دب ودرج.
ثم ان السيد الجليل الثقة الثبت رضي الدين علي بن طاووس يحدث في رسالته ( مسكن الفؤاد ) عن الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه عن شيخه الجليل محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن أبي عمير عن اسحاق بن عمار (1) قال كتب أبوعبدالله الصادق ( ع ) إلى عبدالله بن الحسن ـ المثنى ـ حين حمل وأهل بيته يعزيه عما صار اليه ونص الكتاب :
بسم الله الرحمن الرحيم الى الخلف الصالح والذرية الطبية من ولد أخيه وابن عمه ، اما بعد : فان كنت قد تفردت أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما اصابكم ما انفردت بالحزن والغيظ والكآبة واليم وجع القلب دوني وقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحر المصيبة مثل ما نالك ولكن رجعت إلى ما امر الله عز وجل المتقين من الصبر وحسن العزاء حين يقول لنبيه 6 : (واصبر لحكم ربك فانك باعيننا )(الطور : 48) وحين يقول : (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ) (القلم : 48) وحين يقول : لنبيه 6 حين مثل حمزة :
(وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) (النحل : 126) فصبر رسول الله 6 ولم يعاقب ، وحين يقول : (وامر اهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نزرقك والعاقبة للتقوى )(طه : 132) وحين يقول : (الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون )(البقرة 156 و 157) وحين يقول : (انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب )(الزمر : 10) وحين يقول لقمان لابنه (واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الامور ) (لقمان : 17) وحين يقول موسى لقومه : (استعينوا بالله واصبروا ان الارض يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) (الأعراف : 128) وحين يقول : (الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) (العصر : 3) وحين يقول : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين ) (البقرة : 155) وحين يقول : ( والصـابرين والصابرات ) (الأحزاب : 35) وحيـن يقـول : ( واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) (يونس : 109) وأمثال ذلك من القرآن كثير.
واعلم أيا عمي وابن عمي ان الله عزو جل لم يبال بضر
الدنيا لوليه ساعة قط ولا شيء أحب اليه من الجهد واللأواء مع الصبر وانه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم واعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون ولولا ذلك ما قتل يحيى بن زكريا ظلماً وعدواناً في بغي من البغايا.
ولولا ذلك ما قتل جدك علي بن ابي طالب لما قام بأمر الله عز وجل ظلماً وعدواناً وعمك الحسين بن فاطمة (ع) اضطهاداً وعدواناً.
ولو ذلك ما قال الله عز وجل في كتابه :
( ولولا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ) (الزخرف : 33) ولو لا ذلك ما قال في كتابه : ( أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) (المؤمنون : 56) .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث :
لولا ان يحزن المؤمن لجعلت للكافرين عصابة من حديد فلا يصدع رأسه أبداً.
ولولا ذلك لما جاء في الحديث :
إن الدنيا لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة.
ولولا ذلك لما جاء في الحديث :
لو ان المؤمن على قمة جبل لبعث الله له كافراً او منافقاً يؤذيه.
ولو ذلك لما جاء في الحديث :
إذا أحب الله قوماً أو أحب عبداً صب عليه البلاء صباً ، فلا يخرج من غم إلا وقع في غم.
ولولا ذلك لما جاء في الحديث :
ما من جرعتين أحب إلى الله عز وجل أن يجرعها عبده المؤمن في الدنيا من جرعة غيظ كظم عليها ، ومن جرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب.
ولولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله (ص) يدعون على من ظلمهم بطول العمر وصحة البدن وكثرة المال والولد.
ولو لا ذلك ما بلغنا ان رسول الله (ص) كان إذا خص رجلاً بالترحم والاستغفار استشهد.
فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي واخوتي بالصبر والرضا والتسليم والتفويض الى الله عزوجل والرضا والصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند أمره.
أفرغ الله علينا وعليكم بالصبر وختم لنا ولكم بالسعادة وأنقذكم وإيانا من كل هلكة بحوله وقوته انه سميع قريب وصلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي وأهل بيته.
قال السيد ابن طاووس في الاقبال اشتملت هذه التعزية على وصف عبدالله ـ المخلص ـ بالعبد الصالح والدعاء عند جانبها له ولبني عمه بالسعادة وهذا يدل على أن الجماعة المحمولين كانوا عند الصادق ( ع ) معذورين وممدوحين ومظلومين وبحقه عارفين.
وما يوجد في الكتب من مفارقتهم للصادق ( ع ) محتمل للتقية لئلا ينسب إظهارهم في إنكار المنكر إلى الأئمة.
ومما يدل على حسن حالهم ومعرفتهم بالحق ما يرويه خلاد بن عمير الكندي مولى لآل حجر بن عدي قال دخلت على أبي عبدالله الصادق ( ع ) فقال هل لكم علم بآل الحسن الذين خرج بهم مما قبلنا وكان قد اتصل بنا عنهم خبر فلم نحب ان نبدأه به ، فقلنا نرجو أن يعافيهم الله ، فقال ( ع ) وأين هم من العافية ، ثم بكى حتى علا صوته.
ثم قال حدثني أبي عن فاطمة بنت الحسين ( ع ) قالت : سمعت أبي صلوات الله عليه يقول :
يقتل منك او يصاب منك نفر بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون وانه لم يبق من ولدها غيرهم.
قال السيد ابن طاووس وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن ( ع ) وانهم مضوا الى الله جل جلاله بشرف المقام والظفر بالسعادة والاكرام.
ولقد كان عبدالله بن الحسن المحض عارفاً بالحجة المهدي الموعود به الذي يقيم العدل والقسط وانه غير ابنه محمد وإن تسمى به.
فقد روينا عن جدنا الشيخ الطوسي باسناده ان أبا عبدالله الصادق ( ع ) وقف تحت الميزاب يدعو وعن يمينه عبدالله بن الحسن وعن يساره حسن ابن الحسن ومن خلفه جعفر بن الحسن فناداه عباد بن كثير البصري : يا أبا عبدالله ثلاثاً فلم يجبه ، فقال له : يا جعفر
فعندها قال له ما تشاء يا أبا كثير فقال إني وجدت في كتاب لي ان هذه البنية ينقضها رجل حجراً حجراً. فقال ( ع ) كذب كتابك يا أبا كثير.
ولكن كأني به والله أصفر القدمين أحمش الساقين ضخم البطن رقيق العنق ضخم الرأس على هذا الركن ، وأشار بيده إلى الركن اليماني ، يمنع الناس من الطواف حتى يتذعروا منه ثم يبعث الله عز وجل رجلا مني ، وأشار الى صدره ، فيقتله قتل عاد وثمود وفرعون ذي الاوتاد.
فقال عبدالله بن الحسن المثنى صدق والله ابو عبدالله ( ع ) حتى صدقوه كلهم ، فهل يصدر مثل هذا الاعتراف إلا ممن يعرف الحق واليقين ، ومطمئن بالحجة المهدي من ولد الحسين ( ع ) .
كما ان ابراهيم بن عبدالله المحض لم ينكره فقد سأله اخوه يحيى عن المهدي هل هو أخوه محمد ؟ فقال ابراهيم : ( المهدي ) عدة من الله تعالى لنبيه 6 وعده ان يجعل من أهله مهدياً لم يسمعه بعينه ولم يوقت زمانه ولكن أخي محمد قام بفريضة عليه لله تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فان اراد الله ان يجعله المهدي الذي يذكر فهو فضل الله يمن به على من يشاء من عباده والا فلم يترك اخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره.
وكان اخوه محمد بن عبدالله يقول : إني خارج مقتول ثم ذكره عذره في خروجه مع علمه بأنه مقتول.
وهذا كله يكشف عن تمسكهم بطاعة الله وطاعة رسوله والأئمة من آله.
روينا ذلك عن جدي ابي جعفر الطوسي.
إنتهى الاقبال.
إني لا أرى لأي أحد التوقف في حسن حال هؤلاء العلويين بعد ما يقرأ هذه الرسالة المباركة من الامام جعفر الصادق ( ع ) إلى بني عمه.
ولم يسمح له التمسك بالعلم الصحيح إلا رفض كل ما جاء من الطعن في هذه الذوات وأمثالهم ممن لم يثبت بالطرق الصحيحة التمرد منهم على الشرع الأقدس.
المصدر: السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه السيد سكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين (ع) ص 32 – 39
______
الهوامش
______
(1) رجال السند إلى ابن ابي عمير من مشاهير علماء الامامية واعيان شيوخ الاجازة واما ابن عمير فهو جليل القدر في الطائفة ثقة ثبت وناهيك بجلالة قدره اعتماد الاصحاب على مراسليه واما اسحاق بن عمار فان كان الصيرفي فهو جليل ثبت وان كان الساباطي فهو موثوق الحديث وعلى كل حال فالرواية صحيحة لا وقفة فيها.