القائمة الرئيسية

الصفحات

الفرق بين الإقالة والخيار

 

الفرق بين الإقالة والخيار

بقلم حسن راضي الهاشمي

إن الأصل والقاعدة في البيع بل في جميع العقود اللّازمة هو عدم جواز فسخ العقد بعد وقوعه صحيحا، إلّا أنّ الشريعة الغراء لمّا كانت أحكامها تابعة للمصالح والمفاسد جعلت للمتبايعين مندوحةً في ذلك بتشريع الإقالة والخيار، والصلح (1)، وينعقد الكلام في هذه الورقة في بيان المقارنة بين كل من الخيار والإقالة وذلك من خلال عدة نقاط :

1- الفرق بينهما في اللغة والاصطلاح:

الإقالة لغة بمعنى القيلولة والمَقل أي  الاستراحة نصف النهار إِذا اشتدَّ الحر(2) واستعمالها في البيع يكون على هذا بمعنى جعل الطرف الآخر في راحة من الالتزام بعقد البيع، وأما في الاصطلاح فهي: " فسخ العقد من قبل أحد المتعاملين بعد  طلبه  من الآخر"(3).

وأمّا الخيار فهو في اللغة أسم مصدر من الاختيار ضد الإكراه (4)، وأما في الاصطلاح فهو: " سلطنة على فسخ العقد، وأثره رجوع كل مالٍ الى صاحبه في باب المعاوضات وما يتاخمه في غيرها "(5)، وذكروا له تعاريف أخرى مبنيّة على الخلاف الواقع في أثر الخيار، لا يتسع لها هذا المختصر .

2- الفرق بينهما في الماهية

يتضح من مراجعة التعريفات السابقة أنّ ماهية الإقالة والخيار كلاهما واحدة وهي فسخٌ للعقد غير أنّ الخَيار حقٌ شرعيٌ أما الإقالة فهي ليست كذلك وإنما هي حكم شرعي حثّ عليه الشارع المقدس، والفرق المترتب على ذلك أن فسخ العقد في حال ثبوت الخيار وإعمال صاحبه له لازم بينما في الإقالة لا لزوم في الفسخ انما يتوقف على رضا الطرف الآخر.

يقول الآخوند الخراساني في ذلك: " و بالجملة جواز فسخ المعاملة، بحقّ خيار، أو بمحض حكم، كما في الإقالة، و عدم جوازه، لا ريب في كونهما من أحكام السبب المملك، اما جواز الرّد، أو التراد و عدمه، فهما من أحكام الملك، و الحكم عليه، تارة بالجواز، و أخرى بعدمه، كاشف في مورد كل واحدٍ منهما عن خصوصيّة مقتضية له، غير خصوصيّة في الآخر، و الاختلاف بحسب الخصوصيّة كافٍ في اختلاف الأحكام، من غير حاجة الى الاختلاف بالحقيقة، و الماهية، و هذا الاختلاف الناشي عن اختلاف الأسباب ذاتا، أو عرضا، لا يجب ان يوجب تفاوتا في المنشأ أصلا " (6) .

3- الفرق بينهما في شروط الانعقاد

لمّا كان الخيار حقاً فهو ينعقد لصاحب الحق ويترتب عليه الأثر بمجرد أخذ صاحبه به، فمن يثبت له الخيار، يكون مختارا في فسخ العقد أو امضاءه من دون توقف ذلك على رضا الطرف الآخر.

وأما الإقالة فهي جائزة من قبل كلا الطرفين فيجوز لكل منهما طلب فسخ العقد بالإقالة ولكن ترتب الأثر يكون منوطا برضا الطرف الآخر .

وفي الجملة يمكن القول أن الإقالة تقع بالتراضي واتفاق الطرفين، أما الخيار فيقع عند توفر سببه من وحدة المجلس او تخلف أحد المتبايعين عن تنفيذ الالتزام العقدي أو غيرها من أسباب الخيار، وهذه الأسباب إما أن تكون بجعلٍ من الشارع كخيار المجلس او بوضع من المتعاقدين كخيار الشرط (7).

ومن كلّ ذلك يمكن القول أنّ الخيار فسخٌ من طرفٍ واحدٍ وهو صاحب الخيار أمّا الإقالة فهي فسخٌ من الطرفين (8) .

4- الفرق بينهما في ترتب الأثر

اختلف فقهاء المذاهب في أثر الإقالة بين أنّه عقد جديد أو فسخٌ للعقد الأول (9)، والفرق بينهما يظهر في أنّ النماء المنفصل في المبيع الواقع في المدة بين العقد والإقالة يكون على الأوّل ملكاً للمشتري بينما يكون على الثاني ملكا للبائع، ولا خلاف بينهم في النماء المتصل حيث أنّه بطبيعة الحال تابعا للعين (10)، وكيف كان فإن الأثر المترتب على الفسخ بالإقالة هو إرجاع كلّ من الثمن والعين الى صاحبه في حالة عدم تلف العين وإلا فتجب قيمة المثل على خلافٍ في ذلك مرت الإشارة له في التعريف.

وأمّا الخيار فأثره أن يكون من ثبت له الخيار مختارا بين فسخ العقد أو امضاءه وبعد ذلك لكلّ واحدٍ من أنواع الخيار أحكاما تخصه من حيث كونه خيار مجلس او عيب او غيرها (11) مما لا يسعه هذا المختصر.

5- الفرق بينهما في النقل والانتقال

الخيار من حيث انه حق يكون قابلا للتوريث والاسقاط كغيره من الحقوق المالية فيصح نقله وانتقاله، كما يصح إسقاطه والمصالحة عليه، ولا فرق في ذلك بين أنواع الخيار، فهذا حكم عام يلحقها من حيث كونها خيارا، أو قل من حيث كونها حقاً ماليا.

ولا شيء من ذلك يجري في الإقالة فهي لا تقبل التوريث ولا الاسقاط ولا أي لون من ألوان النقل والانتقال وذلك لأنها ليست حقا انما هي حكم شرعي جعل الشارع بموجبه المندوحة للمتبايعين لمراعاة مصالحهما، نعم وقع الخلاف بين الفقهاء في جواز تصدّي الوارث لإقالة المتعاقد مع مورّثه فذهب جمعٌ من فقهاء الامامية الى جواز ذلك واستدلوا عليه بعدّة أدلة، بل قال العلامة الحلي: " يجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين " (12).

_______

الهوامش

(1) ظ: تحرير المجلة، محمد حسين كاشف الغطاء (ت1373هـ)، تح: الشيخ محمد الساعدي، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ط1، 1422هـ: 1/ 474.

(2) ظ: لسان العرب، ابن منظور (ت711هـ)، نشر أدب الحوزة، ط بلا، 1405هـ، 11/578

(3) منهاج الصالحين، علي الحسيني السيستاني(معاصر)، دار البذرة، النجف الأشرف – العراق، ط بلا، 2009م: 2/ 68 .

(4) تحرير المجلة، مصدر سابق: 1/ 476.

(5) ظ: الصحاح، الجوهري (ت393هـ)، تح: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان، ط4، 1407هـ: 2/ 651 .

(6) حاشية المكاسب، الآخوند الخراساني (ت1329هـ)، تح: مهدي شمس الدين، وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، طهران – ايران، ط1، 1406هـ: 1/ 14 .

(7) ظ: تحرير المجلة، مصدر سابق: 1/ 475 .

(8) ظ: مصباح الفقاهة، السيد الخوئي (ت1371هـ)، مكتبة الداوري، قم المشرفة – ايران، ط1، بلا: 7/ 542 .

(9) ظ: الخلاف، الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن (ت460هـ)، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة – ايران، ط بلا، 1407هـ.

(10) ظ: تحرير المجلة، مصدر سابق، 1/ 379 – 380 .

(11)  ظ: المصدر نفسه: 1/ 478 .

(12) ظ: التذكرة، العلامة الحلي (ت726هـ)، نشر وتحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط1، 1422هـ:12/ 122 .