القائمة الرئيسية

الصفحات

هل يعدُّ التسجيل الصوتي او وجود عينة من الدم في مسرح الجريمة دليلاً شرعيا على إدانة المتهم ؟

هل يعدُّ التسجيل الصوتي، او وجود عينة من الدم في مسرح الجريمة دليلاً شرعيا على إدانة المتهم ؟
أسئلة زوار المدونة | السؤال 17
الاسم : علي
الدولة : العراق
السؤال :
1- هل يعد التسجيل الصوتي دليل إثبات في حقّ المدّعى عليه ؟ وتم التسجيل وفق ضوابط غير مشروعة , بمعنى أنّه إذا تمّ تقديم تسجيل على شخصٍ يعترف فيه بأنّه قد سرق أو شرب الخمر أو فعل فاحشة  هل يُقام عليه الحدّ بناءً على هذا التسجيل ؟
2- إذا وُجِدَت آثار بقع دموية في مسرح الجريمة وتمّ إجراء تحليل لهـذه البقع الدموية ومطابقتها مع عيِّنة دم المتهم، فهل يعتبر هذا التحليل حجة في إثبـات ؟
الجواب 
السلام عليكم ورحمة الله :

طرق الإثبات في القضاء الشرعي

إنّ طرق الإثبات المعتمدة في القضاء الإسلامي عند مشهور الفقهاء خمسة : العلم ، البيّنة ، اليمين ، الإقرار ، القرعة ، وأمّا قاعدة العدل والإنصاف فليست من طرق الإثبات وإن كانت يُعتمَد عليها في خصم بعض الدعاوى عند تعذّر معرفة المالك الحقيقي في دعاوى الملكيّة (1) .
ولكلّ واحدٍ من هذه الطرق موارد يجري فيها دون غيرها فضلاً عن أنّ لكلٍ منها مقدّمات ومناشئ وشروط وضوابط تخصّه فمثلاً يمكن أن يحصل العلم القطعي لدى القاضي من تراكم مجموعة من القرائن والمُثبِتات فيحكم على ضوء علمه، كما أنّ الإقرار مثلاً إذا وقع جامعاً للشرائط المعتبرة فيه تترتب عليه آثاره سواء حكم به الحاكم أم لا، أي أنّ ثبوت مقتضاه لا يحتاج إلى حكم حاكم (2) وهكذا..
وعلى أيّ حال يتّضح من ذلك أنّ الطريقَين المذكورَين في السؤال لا يُعدّان في نفسيهما من طرق الإثبات الشرعي، نعم يعدّان في جملة القرائن التي بتظافرها قد تولّد علماً عند القاضي بإدانة المتّهم فيحكم على ضوء علمه لا على ضوئها وتوضيح ذلك كما يلي :

أوّلاً: الاعتماد على التسجيل الصوتي في ادانة المتّهم

قال الشيخ يوسف الصانعي (رحمه الله) في صدد الجواب على سؤال مماثل : " لا شبهة في أنّ ما في المسجّلات لايترتّب عليها الآثار، فلايكون نشر ما في المسجّلة إقراراً ولا شهادة ولا قذفاً ولا حكماً ولا غيرها، لكن لو علم‌ أن ما سجّل في المسجّلات هو الإقرار المضبوط من فلان، يؤخذ بإقراره من باب الحكاية عن إقراره، لا من باب كون هذا إقراراً، ومن باب الكشف عن شهادة البيّنة وحكم الحاكم وقذف القاذف، وهكذا إذا علم أنّ ما هو المضبوط ضبط وسجّل من الواقع المحقّق، ومع احتمال كون هذا الصوت مشابهاً لما نسب إليه لايترتّب عليه أثر؛ لا على‌ ما اذيع من المسجّلات، ولا على‌ ما اذيع مستقيماً بغير وسط " (3) .
أي أنّ التسجيل لا يُعدّ إقراراً شرعاً وبالتالي لا يعدّ من طرق الاثبات الشرعي نعم يمكن أن يكون التسجيل مَنشَئاً لعلم القاضي وهذا الأخير - أي علم القاضي - يُعدّ من طرق الإثبات شرعا فيحكم القاضي على ضوء علمه ولكن عقّب الشيخ الصانعي (رحمه الله) على ذلك في الهامش بقوله: " تحصيل العِلم بذلك وبما يأتي مع ما نرى في زماننا من الحيل الكثيرة الخفية في مثل المسجّلات من التغيير فيها، وبإراءة خلاف الواقع منها مشكل جدّاً، بل متعذّر " (4) .
وتعرّض الشيخ محمّد فاضل اللنكراني أيضاً إلى مسألةٍ مماثلة وهي كالآتي : " السؤال 1746: شاع مؤخراً موضوع التنصُّت على المكالمات الهاتفية لفترة طويلة لإثبات جريمة بعض الأشخاص: أوّلًا: هل يحق للقاضي إعطاء هذا الحكم لمراقبة الأفراد أم لا، علماً بأنّ هذه المراقبة ليست لها علاقة بالمصالح الحكومية؟ ثانياً: هل يعدّ الشريط المسجّل دليلًا شرعيّاً على إدانة الشخص أم لا؟
الجواب: نظراً إلى أنّ الهدف من الحكومة الإلهية الحقّة تثبيت موازين الشرع و إجراء أحكام الإسلام لذا من اللازم بل الضروري عدم ارتكاب ما يخالف الموازين الشرعية. نعم، في بعض الموارد اللّازمة لحفظ النظام أو مصالح الشعب العامة، إذا توقّف إجراء فريضة أهمّ على ارتكاب مُحرّمٍ لا تبلغ أهميته أهمية تلك‌ الامور، ففي أمثال هذه الموارد تأتي مسألة التزاحم بين الأهم و المهم، فاللازم مراعاة المرجّحات و الأهم و المهم، فيجوز المبادرة إلى ارتكاب ذلك بمقدار الضرورة، فإذا حصل في الموارد الضرورية على شريط، لا يكون نفس الشريط دليلًا، بل يجب على القاضي العمل بموجب موازين القضاء و الإقرار و الشهود و علمه " (5) .
وهو صريحٌ أيضا في أنّ التسجيل في نفسه ليس من طرق الإثبات وإنّما المدار على علم القاضي الذي قد يكون التسجيل عنصراً من عناصر تكوينه .
وأخيرا  ننبّه على أنّ الحدود الشرعيّة لا تَثبت إلّا إذا اجتمعت شروطها الخاصّة فمثلاً الحدّ الذي يُشتَرَط في ثبوته قيام أربعة شهود، لا يُكتفى في مثله بتسجيلٍ صوتيٍ أو ما شابهه بل لابدّ من حضور أربعة شهود عند القاضي، وهكذا في الحدود الأخرى فهي لا تثبت إلّا إذا اجتمعت شرائطها الخاصّة .

تذييل في حكم التنصت وتسجيل المكالمات

هذه بعض الاستفتاءات وفق فتاوى المرجع الأعلى السيد علي السيستاني (مُدّ ظله) حول موضوع التنصت وتسجيل المكالمات:
السؤال 1 : هل يحرم التنصت على الاخرين والاستماع الى ما يقولون؟ وما الحكم واذا كان صوتهم عالياً ولا يتحدثون بأشياء سرية؟
الجواب: التجسس حرام اما استماع صوت مَن لا يخفيه عن الناس فلا باس (6) .
السؤال 2 : هناك أجهزة لتسجيل المكالمات الهاتفية بدون علم المتحدث، فهل يجوز تسجيل صوت أحد دون علمه للاحتجاج به عليه، أو الاستشهاد به عند الحاجة؟
الجواب : لا يجب على المتحدث له استيذان المتحدث من تسجيل صوته المسموع عبر جهاز الهاتف. ولكن لا يجوز له نشره وإطلاع الآخرين، إذا كان في ذلك إهانة للمؤمن أو إفشاء لسره، ما لم يزاحمه واجب مساو أو أهم (7) .

ثانياً: الاعتماد على وجود عيّنة من دم المتهم في مسرح الجريمة لإدانته

سبق أن ذكرنا أنّ وجود مثل هذه العينّة في نفسه لا يعدّ من طرق الاثبات الشرعية ، نعم يمكن أن يساهم مع قرائن وأدلة أخرى على تكوين العلم عند القاضي فيحكم على ضوء علمه إذا كانت مناشئه صحيحة .
ونضيف ههنا أنّه من الوضوح بمكان أنّ مجرّد وجود عيّنة من دم شخصٍ ما أو أنسجة من جسمه أو حاجيات تعود له او غيرها في مسرح الجريمة لا يعدّ في نفسه دليلاً على إدانته وذلك لأنّه أعمّ من المطلوب ؛ إذ مجرّد تواجده في مسرح الجريمة أثناء وقوعها لا يدل بالضرورة على مشاركته فيها كما هو واضح؛ وذلك لكثرة الاحتمالات والوجوه التي يمكن تفسير وجود دمه في مسرح الجريمة وعدم انحصاره في كونه طرفاً فيها فمثلاً قد يكون سبب وجوده أنّه حاول حماية الضحية، أو أنّه مجرّد مستطرق أجنبي عن أطراف الحادثة اتفق وجوده حين وقوعها فأصيب بخدوش، أو أنّه قد انتثر شيء من دمه في مكان الحادثة بسبب قضية منفصلة سابقة على الجريمة أو مقارنة لها أو ... وهكذا يكون وجوده أعم من كونه طرفاً في الجريمة فلا يصحّ دليلاً على إدانته .
___
الهوامش
(1) يُنظر: القضاء في الفقه الاسلامي، السيد كاظم الحائري: ص181 .
(2) يُنظر: فقه القضاء، السيد عبد الكريم الأردبيلي: ج1، ص76 .
(3) التعليقة على تحرير الوسيلة، الشيخ يوسف الصانعي: ج2، ص662 .
(4) المصدر السابق نفسه ، الهامش رقم 1 .
(5) جامع المسائل، محمد فاضل اللنكراني: ص479 – 480 .
(7) الفقه للمغتربين، وفق فتاوى المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله) : ص230 ، م342

لإرسال سؤالك اضغط هنا