أسئلة زوار المدوّنة | السؤال 6
الاسم: سيف
الدولة: العراق
السؤال : ما حكم لعن الصحابة على الملا و في وسائل التواصل الاجتماعي؟؟
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال بهذه الصياغة غير وارد عند أي فرقة من فرق المسلمين إذ وقع الاتفاق بينهم بأجمعهم بما فيهم الشيعة على عدم جواز لعن المسلم الذي لم يرتكب ما يوجب لعنه، ولاسيّما العدول الثقات من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)، وإذا أردنا وضع سؤالك بصياغة صحيحة ينبغي أن يقال: ما حكم لعن من ثبت أنّه ظلم أهل البيت (عليهم السلام) وغصب حقهم أو غيّر وبدّل بعد رحيل النبي الخاتم (صلوات الله عليه)؟ ولاشكّ أنّ مَن ثبتت له هذه الأفعال الشنيعة ثلة ممّن تمّ عنونته بعنوان الصحابة فقط وليس كلُّهم.
إذا اتضح ذلك نقول يقع الكلام في الجواب على عدة نقاط:
أوّلاً: شرعيّة اللعن وأنّه منهج قرآني
قد ورد اللعن في القرآن الكريم في عدة مواضع متعلِّقاً بعناوين يدخل في كثير منها من ظلم أهل البيت (عليهم السلام) وغصب حقهم ومنها آيات لعن الظالمين كقوله تعالى: { ألاَ لَعْنةُ اللهِ علَى الظَالِمِين } (هود : 18).
ومن الآيات الأخرى التي ورد فيها اللعن بما يشمل من ظلم أهل البيت من الصحابة قوله تعالى: { إنَّ الَّذينَ يؤذونَ اللَّهَ وَرَسولَه لَعَنَهم اللَّه في الدّنيَا وَالآخرَة وَأَعَدَّ لَهم عَذَابًا مّهينًا } (الأحزاب:57) ووجه ذلك أنّ البخاري قد روى في صحيحه في مناقب فاطمة (عليها السلام)، حديث رقم: 3483 أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني "، وجاء في صحيح مسلم في فضائل فاطمة (عليها السلام) أيضا حديث رقم: 4483 أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها"، ومن ثمّ قال البخاري في صحيحه: ج5/ ص82: " فأبى أبو بكر ان يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت "، فأنت إذا جمع هذه الأحاديث الصحيحة عند أهل السنّة أنفسهم مع الآية الكريمة يظهر عندك بوضوح أنّ من آذى فاطمة (عليها السلام) فقد آذى النبي (صلى الله عليه وآله) ومن آذى النبي ملعون بصريح الآية الكريمة سواء كان من الصحابة أو من غيرهم.
ومن هنا أمكن القول أنّ اللعن في نفسه منهج قرآني وهو واحد من عدة مناهج سلكها النص القرآني في تمييز مرتكبي القبائح وردعهم فضلاً عن بناء توَجُّهٍ اجتماعي يناهضهم، ولا إشكال في مشروعية اللعن من هذه الجهة.
ومن ثمَّ إنّ اللعن ليس فيه أي محذور أخلاقي – كما يحاول بعض الكتّاب الايحاء به – لأنّ اللعن يختلف عن السب العرفي والفحش من جهة أنّه محض دعاء يُطلَبُ فيه من الله تعالى أن يَطرُد الشخص الملعون من رحمته بسبب ارتكابه ما يستحق ذلك، قال ابن الأنباري (وهو من أكابر علماء اللغة): " الملعون عند العرب: المطرود، إذا قالت العرب: لعن الله فلاناً، فمعناه: طرده الله.." (الزاهر في معاني كلمات الناس: ص48).
وقال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): " اللعن هو الإقصاء والإبعاد.." (التبيان في تفسير القرآن: ج1/ ص343).
كما وردت نصوص كثيرة في ثواب لعن من ظلم أهل البيت (عليهم السلام) وغصب حقوقهم لما في ذلك من براءةٍ من الظالم واصطفافٍ مع المظلوم، وهو أمر مرغوب في نفسه عند العقلاء فما بالك إذا كان المظلوم إمام مفتَرَض الطاعة أصلاً؟.
وعلى ضوء ذلك يتضّح أنّه لا إشكال ولا شبهة في محبوبية هذا الأمر شرعاً وعرفاً وعقلاً.
ثانياً: المنع من المجاهرة باللعن بعد طرو عنوان ثانوي في حالات خاصّة
بعد أن اتضح شرعية اللعن نستدرك عليه بأنّه إذا كان بعض من ظلم أهل البيت (عليهم السلام) قد صار رمزاً من رموز فئة معيّنة من المسلمين - وهو أمرٌ مؤسف حقاً – وبالتالي أصبح تشخيصه باسمه والمجاهرة بلعنه يُعدُّ إساءة لرموزهم يُوقِد نار الفتنة في المجتمع ويقود إلى التنافر بين المسلمين فلا شكّ في ضرورة الامتناع عن ذلك لأنّ أهل البيت (عليهم السلام) قد أمرونا في أحاديث كثيرة بالتعايش مع سائر الطوائف بالتي هي أحسن وعدم الإساءة إليهم ومنها:
رواية عبد الله بن سنان عن الامام الصادق (عليه السلام) أنّه قال - في كيفية التعامل مع ابناء المذاهب الأخرى - : " ان الله عز وجل يقول في كتابه ( قولوا للناس حُسنا ) .. عودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم... ، وصلّوا معهم في مساجدهم ، واقضوا حقوقهم، ( ثم قال عليه السلام) أيُّ شئٍ أشد على قوم يزعمون أنهم يأتمون بقوم ويأخذون بقولهم فيأمرونهم وينهونهم ولا يقبلون " (الشيخ الصدوق، صفات الشيعة: 27).
والخلاصة: إذا كانت المجاهرة باللعن تعدّ إساءة إلى رموز الآخرين أو أنّها تسبب الفتنة في المجتمع فلا ترخيص بها وذلك من باب تقديم المصلحة العامة والمصلحة الاسلامية على غيرها، وفي مثل هذه المواطن حريٌ بنا العمل على تعزيز المشتركات للانطلاق منها في حوارات بناءة تعزز وحدة الأمة بدلاً من التشرذم والتنافر.
ثالثاً: فتوى السيّد السيستاني (دام ظله) حول الإساءة لرموز المذاهب الأخرى
إذا اتضح ذلك حريٌ بنا التعريج على فتوى سبق وأن صدرت من مكتب المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) بخصوص سب الرموز الدينية للمذاهب الأخرى والإساءة إليها حيث منع منها وبيّن أنّ مثل هذه الأفعال قد نهانا عنها أهل البيت (عليهم السلام) وإليك نسخة مصوّرة منها مع نصّها:
نص الاستفتاء:
رقم الاستفتاء: 100644
الموضوع: سبّ الصحابة وزوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّأ بعد : فقد تردد في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لموكب في يوم استشهاد الإمام الجواد (ع) ويظهر فيه مجموعة من الناس في منطقة الأعظميّة يهتفون بسب عمر وعائشة وغيرهما فهل هذا العمل مُدان من قبل المرجعيّة الدينية العليا وخصوصاً أنه يتعلق بسبّ الرموز الدينية لإخواننا أهل السنة وهذا بدوره يمكن أن يُشعل فتيل فتنة عمياء بين أبناء الشعب العراقي والسلام.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا التصرّف مُدَان ومستَنكر جداً وعلى خلاف ما أمرَ به أئمة أهل البيت عليهم السلام. والله الهادي.
2/ 12/ 1434
مكتب السيد السيستاني (دام ظله).
انتهى
_____
لإرسال سؤالك إضغط هنا