أسئلة زوار المدونة | السؤال 8
الاسم : زينب
الدولة : العراق
السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما مدى صحة قول فاطمة الزهراء عليها السلام في حق المرأة أن لا ترى الرجال ،وهل يفهم من هذه الرواية أن الافضل للمرأة هو إقرارها في بيتها؟ ولكم خالص الدعاء
الجواب :
لم ترد هذه الرواية في مصادرنا بسند صحيح ولكن متنها مقبول ضمن ظروف معيّنة، وتفصيل ذلك في ثلاثة نقاط..
أوَّلاً: تخريج رواية ( خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل )
وردت هذه الرواية بألفاظ متقاربة في مصادر متعددة وهي: (الترتيب جاء وفق قدم المصدر زماناً)
1- أبو بكر أحمد بن عمرو العتكيّ المعروف بالبزار (ت292هـ) رواه مُسنَداً في كتابه البحر الزخار المسمّى مسنَد البزّار ج2 ص 159 - 160 حديث رقم 526 قال: " حدثنا محمد بن الحسين الكوفي، قال نا مالك بن إسماعيل، قال: نا قيس عن عبد الله بن عمران، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب عن علي (رضي الله عنه) ثم ساق الحديث من أنّ فاطمة (عليها السلام) سُئِلت: أيُّ شيء خيرٌ للنساء؟ قالت: ألّا يراهنَّ الرجال...
ثم قال البزار: " وهذا الحديث لا نعلم له إسناداً عن علي (رضي الله عنه) إلّا هذا الإسناد".
2- القاضي النعمان المغربي (ت363) في دعائم الإسلام ج2 ص215 رواها مرسلة عن الإمام علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) قالت: " ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلا ولا يراها ". ونقله الميرزا النوري في مستدرك الوسائل عن الدعائم.
3- علي بن عمر الدارقطني في كتاب الغرائب والأفراد الذي لم يصلنا منه إلا اقتباسات محمد بن طاهر المقدسي (ت705هـ) الموسوم بـ (أطراف الغرائب والأفراد) واقتباس هذه الرواية موجود فيه في ج5 ص379 حديث رقم 5798 قال: " حديث: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): أي شيء خير للمرأة... الحديث. غريب من حديث الحسن البصري عن أمير المؤمنين علي عنهما، تفرّد به أبو بلال عن قيس بهذا الاسناد ".
4- أبو طالب المكي (ت386هـ) في قوت القلوب ص422 رواها مرسلة عن فاطمة (عليها السلام).
5- ابن شهر آشوب (ت588هـ)، في مناقب آل أبي طالب ج3 ص119 رواها مرسلة عن الحسن البصري أنه قال: " ما كان في هذه الأمة أعبَد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورم قدماها . وقال النبيّ [صلى الله عليه وآله] لها : اي شئ خير للمرأة ؟ قالت : ان لا ترى رجلا ولا يراها رجل ، فضمَّها إليه وقال : ذرية بعضها من بعض ". وعنه نقلها العلامة المجلسي في البحار.
6- المتقي الهندي (ت975هـ) في كنز العمال ج16 ص601 حديث رقم 46011 رواها مرسلة عن الحسن البصري عن الإمام علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) قالت: " ليس للمرأة شئ خير من أن لا ترى رجلا ولا يراها " ثم قال المتقي الهندي (قط في الافراد وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث حسن البصري عن علي ، تفرد به أبو بلال الأشعري عن قيس بن الربيع" يقصد رواه الدارقطني في كتاب الأفراد و...
ورواها أيضا في الحديث الذي يليه مرسلة عن الإمام علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) بلفظ: " لا يرين الرجال ولا يرونهن ". ثمّ قال: " البزار ، حل وضُعِّف ". ويقصد أخرجه البزار وأبو نعيم فى حليته و...
7- وللحديث مصادر أخرى غير مهمة ويأتي ذكر بعضها في طيّات المناقشة في سنده.
ثانياً: التحقيق في سند رواية (خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل )
الكلام في سند هذه الرواية على عدة نقاط...
أولاً: ليس لهذا الحديث سند من طُرق الإمامية لذا يمكن القول أنّه حديث عامّيٌ إذ لم يَرد في مصادرنا إلّا مُرسلاً في مناقب ابن شهر آشوب كما سبق بيانه وهو أيضاً يبدو أنّه قد اقتبسه من كتب أبناء العامة. والخلاصة: هذا الحديث عامِّيٌ ضعيف السند على مباني الإماميّة.
ثانياً: وأمّا من طرق أبناء العامة فهو مروي عندهم عن الإمام علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) من طريقين هما طريق سعيد بن المسيَّب عن الإمام علي (عليه السلام) وطريق الحسن البصري عن الامام علي (عليه السلام) ومروي عندهم أيضاً بطريقٍ ثالث عن أنس عن فاطمة (عليه السلام) وبطريق رابع عن العوام بن حوشب عن فاطمة (عليها السلام) ولكن طرقه الأربعة كلها ضعيفة وفق مبانيهم الرجالية وقد صرَّح غير واحد منهم بضعفه وبيان ذلك كما يلي:
1- أمّا طريق سعيد بن المسيّب المذكور في مسند البزار فهو ضعيف من جهة علي بن زيد وهو المعروف بابن جدعان وهو ضعيفٌ على مبانيهم الرجاليّة. وقال الهيثمي معقباً على هذا الطريق في كشف الأستار ج3، ص235: " فيه من لم أعرفه"، كما أورده ابن حجر في مختصر الزوائد الحديث رقم 976 ثمّ قال: " علي بن زيد ضعيف". ومن كلّ ذلك يتضح أنّ الرواية من طريق سعيد بن المسيب ضعيفة لمكان علي بن زيد، وأضاف بعضهم ضعف قيس بن الربيع أيضا وجهالة عبد الله بن عمران.
2- وأمّا طريق الحسن البصري المذكور في كتاب الأفراد فهو ضعيف من جهة ضعف مرداس أبو بلال الأشعري.
3- وأما طريق أنس الذي رواه به أبو نعيم في الحُلية فهو ضعيف لوجود أكثر من واحد من وضّاع الحديث فيه.
4- وأمّا طريق العوام بن حوشب الذي رواه به ابن أبي الدنيا في كتاب العيال فهو مُعضِلٌ لا يمكن الاستناد إليه لسقوط أكثر من واحد من سنده بنحو التوالي والتتابع.
وعلى ضوء ذلك صرّح غير واحد من علماء أبناء العامة بضعف هذا الحديث من طرقهم ومنهم:
1- قال زين الدين أبو الفضل العراقي الشافعي (ت725هـ) في تعليقته على كتاب إحياء علوم الدين الموسومة بـ (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار): " حديث : قال رسول الله صلَّى الله عليه [وآله] وسلم لابنته فاطمة أيّ شيء خير للمرأة فقالت أن لا ترى رجلا الحديث.. البزار والدارقطني في الأفراد من حديث علي بسند ضعيف "، إحياء علوم الدين ج4، ص142 التعليقة الأولى.
2- وقد مرّ عليك في الفقرة السابقة تضعيف كلٍّ من المتقي الهندي والهيثمي وابن حجر لهذا الحديث في كنز العمال.
وبهذا يتضح أنّ الرواية ضعيفة السند عند كلا الفريقين.
ثالثاً: التفصيل في دلالة الرواية (خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل )
ترتكز القيمة الدلالية في هذه الرواية في مفردتي (الخير) و(الرؤية) فكلمة (خير للمرأة) تدل على أنّ الكلام في صدد بيان الأفضل والأحسن وليست في صدد بيان الحكم الشرعي لأن المعلوم بنحو القطع أنّ النساء في عصر النبي والمعصومين (صلوت الله عليه وعليهم) كُنّ يخرجن إلى السوق ويلتقين الرجال ويُكلمنهم بما لا يُخلّ بالستر والحشمة وبالتالي فإنّ هذا النص لو تمّ قبوله فهو في صدد تحديد الأفضل والأحوط والأشد احترازا وليس في صدد تحديد الحكم الشرعي.
وأمّا (الرؤية) فظاهرها أنّه يُراد بها الرؤية الاعتياديّة وقد حاول بعضهم حملها على إرادة الرؤية من دون احتشام وحجاب، قال الشيخ محمد علي الأنصاري في صدد التعقيب على هذا الحديث في كتاب الموسوعة الفقهية الميسَّرة ج6، ص604، الهامش رقم(1): " أقول : ولعلّ المراد من : أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل هو الرؤية مع عدم مراعاة شؤون الحجاب أو قلّة مراعاته".
وهذا التفسير للرواية ينسجم مع قوله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } سورة النور/ 31.
ولكن هذه المحاولة لتقييد إطلاق رواية " خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل " بالنصوص الدالة على حرمة خصوص الرؤية التي لا يُراعى فيها الموازين الشرعية من الستر والحجاب و... مخدوشة بل غير مقبولة من جهة أنّ مفردة (خير) تدلّ دلالة واضحة على أنّ الكلام ليس في المحظورات الشرعية وإنّما الكلام عن كمال الستر والعفة وبعبارة أخرى الكلام ليس عن الحجاب الواجب وإنما هو عن زيادة مستحبة تصب في اتجاه بناء الأخلاقيات العليا وصيانة المجتمع بما هو أشد تحرّزاً واحتياطاً من مجرد الالتزام بالواجبات والابتعاد عن المحرمات، وبطبيعة الحال فإن نمط الأخلاقيات العُليا يُمثّل في الواقع القمّة التي يسعى الإنسان لها لما فيها من الكمال لكنّه في الوقت نفسه غير مكلّف ولا ملزَم بها.
وخلاصة القول: إنّ هذا النص ناظر إلى المستوى الأعلى من العفّة والحجاب والذي هو هدفٌ كمالي وليس تكليفا إلزامياً.
ومن ثم فإنّ أصلُ مضمون هذه الرواية من أنّ الأفضل والأحسن للمرأة أن تتحرزّ كثيرا في موضوع الستر والحجاب قد قامت عليه قرائن قرآنية وروائية أخرى كثيرة لا يمكن تجاهلها حتّى مع غمض النظر عن النص الذي هو محلّ البحث ولا يخفى ذلك على كلّ مَن له أدنى إلمامة بالنصوص الدينية.
ولكن هذه الأفضليّة للمرأة بأن لا ترى رجلاً ولا يراها ترتفع بل ربما تُصبح مرجوحة باختلاف الظروف والمعطيات الموضوعيّة المتغيرة لذا نجد الزهراء (عليها السلام) نفسها عندما وجدت الضرورة تحتّم عليها التصدّي للشأن العام تصدّت وسطّرت أروَع الملاحم مع محافظتها على الحجَاب والستر بصورة مثاليّة تجعلها قدوة لجميع النساء.
وبالتالي فإنّ المرأة المعاصرة إذا وجدت أنّ الضرورة أو المصلحة تقتضي أن تتصدى لبعض الشؤون العامّة فليس هناك مانع شرعي من ذلك بل لها كامل الحق في التصدّي مع المحافظة على واجباتها الشرعية وقد تطرقنا سابقا لهذه النقطة بشكل مفصل في هذا المقال: " موقع المرأة في النظام الاسلامي " .
وانطلاقاً من هذا اللحاظ أجاب مكتب السيد السيستاني (مُدّ ظله) في قم المقدسة على سؤال مماثل بما يلي:
السؤال : هل إن وجهة نظر الإسلام هو عدم احتياج المرأة للخروج أو رؤية الرجال استنادا إلى القول المنقول عن الزهراء - سلام الله عليها - ( خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا تراها الرجال ) ؟
الجواب : تختلف الموارد والأزمنة والأمكنة . (المصدر: كتاب الاستفتاءات، استفتاء رقم: 2256).
ومنه يتضح أنّ الحكم بهذه الأفضلية بمثابة الحكم الأولي الذي يتغير إذا طرأ عليه عنوان ثانوي بمقتضى ظروف الزمان والمكان بأن كانت المصلحة تقتضي مشاركة المرأة في مجال معيَّن أو اقتضت الضرورة ذلك، من قبيل ضرورة الدراسة والتَعلُّم وغيرها.
لإرسال سؤالك إضغط هنا