علم المنطق الحاجة إليه وتعريفه - الشيخ المظفر |
خلق الله الإنسان مفطورا على النطق ، وجعل اللسان آلة ينطق بها ولكن مع ذلك يحتاج إلى ما يُقوِّم نُطقه ويُصلحه ، ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلمها من ناحية هيئآت الألفاظ وموادها ، فيحتاج أولاً إلى المدرب الذي يعوِّده على ممارستها، وثانياً إلى قانونٍ يرجع إليه يعصم لسانه عن الخطأ، وذلك هو النحو والصرف .وكذلك خلق الله الإنسان مفطورا على التفكير بما منحه من قوة عاقلة مفكرة، لا كالعجماوات. ولكن مع ذلك نجده كثير الخطأ في أفكاره فيحسب ما ليس بعلة علة، وما ليس بنتيجة لأفكاره نتيجة، وما ليس ببرهان برهانا ، وقد يعتقد بأمر فاسد أو صحيح من مقدمات فاسدة . . . وهكذا . فهو إذاً بحاجة إلى ما يصحح أفكاره ويرشده إلى طريق الاستنتاج الصحيح ويدربه على تنظيم أفكاره وتعديلها .
وقد ذكروا : أن " علم المنطق " هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ وترشده إلى تصحيح أفكاره ، فكما أن النحو والصرف لا يُعَلِّمان الإنسان النطق وإنما يُعَلِّمانه تصحيح النطق ، فكذلك علم المنطق لا يُعلِّم الإنسان التفكير ، بل يرشده إلى تصحيح التفكير . إذاً فحاجتنا إلى المنطق هي تصحيح أفكارنا ، وما أعظمها من حاجة ! .
ولو قلتم : إن الناس يدرسون المنطق ويخطئون في تفكيرهم فلا نفع فيه .
قلنا لكم : إن الناس يدرسون علمي النحو والصرف فيخطئون في نطقهم ، وليس ذلك إلا لأن الدارس للعلم لا يحصل على ملكة العلم ، أو لا يراعي قواعده عند الحاجة، أو يخطئ في تطبيقها ، فيشذ عن الصواب .
ثانيا: تعريف علم المنطق :
ولذلك عرفوا علم المنطق بأنه " آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر " .
فانظر إلى كلمة " مراعاتها " واعرف السر فيها كما قدمناه ، فليس كل من تعلم المنطق عصم عن الخطأ في الفكر ، كما أنه ليس كل من تعلم النحو عصم عن الخطأ في اللسان ، بل لا بد من مراعاة القواعد وملاحظتها عند الحاجة ليعصم ذهنه أو لسانه .
ثالثا: المنطق آلة :
وانظر إلى كلمة " آلة " في التعريف وتأمل معناها ، فتعرف أن المنطق إنما هو من قسم العلوم الآلية التي تستخدم لحصول غاية ، هي غير معرفة
نفس مسائل العلم ، فهو يتكفل ببيان الطرق العامة الصحيحة التي يتوصل بها الفكر إلى الحقائق المجهولة ، كما يبحث علم " الجبر " عن طرق حل المعادلات التي بها يتوصل الرياضي إلى المجهولات الحسابية .
وببيان أوضح : علم المنطق يعلمك القواعد العامة للتفكير الصحيح حتى ينتقل ذهنك إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم فيعلمك على أية هيئة وترتيب فكري تنتقل من الصور الحاضرة في ذهنك إلى الأمور الغائبة عنك ، ولذا سموا هذا العلم " الميزان " و " المعيار " - من الوزن والعيار - وسموه بأنه " خادم العلوم " حتى علم " الجبر " الذي شبهنا هذا العلم به يرتكز حل مسائله وقضاياه عليه .
فلا بد لطالب هذا العلم من استعمال التمرينات لهذه الأداة وإجراء عمليتها في أثناء الدراسة ، شأن العلوم الرياضية والطبيعية .
المصدر:
كتاب المنطق، الشيخ محمد رضا المظفر: 7 - 9
للاشتراك في قناتنا على التيليجرام إضغط هنا