بقلم الشيخ مازن المطوري
السؤل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الكريم: كان لدي تساؤل حول زواج النبي (صلى الله عليه وآله) من أم المؤمنين زينب بنت جحش، هل صحيح أن النبي اُعجب بها وهي لا تزال متزوجة من زيد بن حارثة؟.
وإذا كان فعلاً اُعجب بها ألا يُعدُّ ذلك فعلاً دنيئاً يتنافى مع مقام النبوة والرسالة؟
كما أن في الآية 37 من السورة الأحزاب: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أَمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه)، فما الذي يخفيه النبي (صلى الله عليه وآله) هل هو اِعجابه بزينب أم أمر آخر؟ والشكر لكم مقدماً.
الجواب (بقلم الشيخ مازن المطوري):
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أعتقد أنّكم قد أجبتم عن هذه المزاعم بالقول: "ألا يُعدُّ ذلك فعلاً دنيئاً يتنافى مع مقام النبوة والرسالة". فهذا الإدراك العقلي لطبيعة النبوة وما تمثّله من سموّ في الأخلاق، وما يمثّله النبيّ من مثال أعلى للمؤمنين، وما تتطلّبه النبوة من عصمة، ينفي مثل هذه المزاعم التي شحنت بها بعض الكتابات مع الأسف.
ولكن لكي تتّضح الصورة جَليّة نقول:
[ردّ شبهة إعجاب النبي صلى الله عليه وآله بزينب بنت جحش]
أولاً: يكفينا لإبطال هذه القصة الغرامية الاُسطورية التي حاكتها بعض الكتابات الروائية والاستشراقية أن نعلم أن زينب بنت جحش هي اِبنة اُميمة بنت عبد المطّلب عمّة الرسول صلى الله عليه وآله، فهي أي زينب اِبنةُ عمته، تربَّت تحت عينه ووجوده، وكان يعرفها ويعرف أهلها ويعرف أنها ذات محاسن أم لا قبل أن تتزوّج بزيد بن حارثة.
ويكفينا أن نعلم أنه صلى الله عليه هو الذي خطبها لزيد ربيبه، وقد كان أخوها عبد الله يمانع أن تتزوّج قرشية هاشمية من عبد، فكان يرى في ذلك عاراً وشناراً على زينب أخته وعلى عائلتها، ولكن النبي المصلح العظيم كان لا يقيم لتلك العادات الجاهلية وزناً ولا قيمة، لأن القيم والعظمة في التقوى والعلم لا في العنصر واللون، إذ لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فقدّم ذلك على تصوّرات الناس ولم يُعِر ما يقولونه أي اهتمام. ولما عرض الأمر عليها وافقت ابتغاء وجه الله، فنزل قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضالاً مبيناً) [سورة الأحزاب، الآية: 36]، وهكذا استسلم أخوها عبد الله لهذا المطلب.
ثانياً: بعد أن تم الزواج وانتقلت زينب بنت جحش إلى بيت زيد بن حارثة، لم يحصل تلاؤم في الخلق بينهما ولا تناسب، ولعلّ مرجع المسألة الى التربية لكل واحد منهما، وطبيعة حياة كل منهما، ويبدو من بعض الروايات أن زيداً كان يشتكيها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في خلقها وتصرفاتها معه، واستأذنه أكثر من مرة في طلاقها، فكان النبي يجيبه بقوله: (أمسك عليك زوجك واتق الله) [سورة الأحزاب، الآية: 37]، ولكن زيداً لم يطق الاستمرار معها فطلّقها.
ثالثاً: لقد كان من عادة العرب أنهم يعطون للأدعياء (المتبنّون) كل حقوق الأبناء ويجرون عليهم حكم الميراث وحرمة النسب وما يرتبط به، أما في الإسلام فلم يكن للمتبنى من حق سوى حق الإخوة في الدين لا أكثر، فلا يستحق الميراث ولا تترتب عليه أحكام النسب لأنه ليس ابناً حقيقة، يقول تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءَهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) [سورة الأحزاب، الآية: 4- 5]. ولذا كان على النبي أن يبطل هذه العادة الجاهلية ويكسر ذلك القانون.
[ تفسير قوله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)]
لقد كان النبي يعلم أن الوحي سوف يأمره بالزواج منها لأجل ابطال هذه العادة الجاهلية وأن زيداً سيطلق زوجه حتماً، ولكنه كان يخفي هذه المسألة ولا يبديها: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه)، بمعنى أن وراء هذه التطليقة حكمة معينة يجب اجراؤها، فقوله: (وتخشى الناس) أي في ابداء حكمة الله وأمره لك بالزواج من زينب، فالذي يخفيه رسول الله صلى الله عليه وآله في نفسه ليس كما صورته المرويات الاُسطورية وتلقفها المستشرقون لخلق سيناريو حب وغرام وافتتان على شاكلة الأفلام الهوليودية، وإنما كان يخفي ما سيقع فعلاً من طلاق زيد لزوجه وأمر الوحي له بالزواج منها لكسر ذلك القانون الجاهلي: (والله أحق أن تخشاه فلمّا قضى زيدٌ منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً).
ثم جاءت الآيات في ذيل هذه القصة توضح حكمة المسألة وتفصّل فيها فقالت: (ما كان على النبي حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان امر الله قدراً مقدوراً، الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً، ما كان محمد أَبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً) [سورة الأحزاب، الآية: 38- 40].
فالمتحصل من ذلك كله أمران:
1- إن الذي كان يخفيه النبي في نفسه وأبداه الله هو علمه بما سيؤول إليه الأمر من طلاق زيد لزينب بنت جحش وأمر الوحي له بالزواج منها لكسر العادة الجاهلية وتحكيم شريعة الله في الحياة. وليس هو اعجابه بزينب، لأن ذلك لا يتناسب وخلق النبي وكونه المثال الأعلى، ولا يتناسب وعصمته.
وهذا هو الميزان في التعامل مع الأساطير والأقاصيص التي ملئت بها كتب السيرة والحديث والتي شوّهت سيرته ومسيرته وشخصه، وتلقفها الحاقدون لينسجوا بخيوط العنكبوت سيناريوهات مخجلة.
2- إن خشية النبي ليست شخصية، وإنما خشية لأجل الرسالة، هي خشية أن تثور حميّة الجاهلية فلا تتحمل العرب نقض قوانينها وعاداتها حتى فيما يرتبط بعلاقاتهم الاُسرية، ولذا طمأنه الوحي من هذه الجهة وأمره بكسر تلك العادات.